المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

القول في تأويل قول الله تعالى ذكره {كِتَابٌ أُنزلَ إِلَيْكَ} قال - تفسير الطبري جامع البيان - ط دار التربية والتراث - جـ ١٢

[ابن جرير الطبري]

الفصل: القول في تأويل قول الله تعالى ذكره {كِتَابٌ أُنزلَ إِلَيْكَ} قال

القول في تأويل قول الله تعالى ذكره {كِتَابٌ أُنزلَ إِلَيْكَ}

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره: هذا القرآن، يا محمد، كتاب أنزله الله إليك.

* * *

ورفع"الكتاب" بتأويل: هذا كتابٌ.

* * *

القول في تأويل قوله: {فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ}

قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فلا يضق صدرك، يا محمد، من الإنذار به مَنْ أرسلتك لإنذاره به، وإبلاغه مَنْ أمرتك بإبلاغه إياه، ولا تشك في أنه من عندي، واصبر للمضيّ لأمر الله واتباع طاعته فيما كلفك وحملك من عبء أثقال النبوة، (1) كما صبر أولو العزم من الرسل، فإن الله معك.

* * *

و"الحرج"، هو الضيق، في كلام العرب، وقد بينا معنى ذلك بشواهده وأدلته في قوله:(ضَيِّقًا حَرَجًا) [سورة الأنعام: 1‌

‌2

5] ، بما أغنى عن إعادته. (2)

* * *

وقال أهل التأويل في ذلك ما:-

14316-

حدثني به محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس في قوله:(فلا يكن في صدرك حرج منه)، قال: لا تكن في شك منه.

(1) في المطبوعة: ((واصبر بالمضي لأمر الله)) ، وغير ما في المخطوطة بلا طائل.

(2)

انظر ما سلف ص: 103 - 107.

ص: 295

14317-

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله:(فلا يكن في صدرك حرج منه)، قال: شك.

14318-

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.

14319-

حدثنا ابن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور قال، حدثنا معمر، عن قتادة:(فلا يكن في صدرك حرج منه) ، شك منه.

14320-

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، مثله.

14321-

حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:(فلا يكن في صدرك حرج منه)، قال: أما"الحرج"، فشك.

14322-

حدثنا الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد المدني قال، سمعت مجاهدًا في قوله:(فلا يكن في صدرك حرج منه)، قال: شك من القرآن.

* * *

قال أبو جعفر: وهذا الذي ذكرته من التأويل عن أهل التأويل، هو معنى ما قلنا في"الحرج"، لأن الشك فيه لا يكون إلا من ضيق الصدر به، وقلة الاتساع لتوجيهه وجهته التي هي وجهته الصحيحة. وإنما اخترنا العبارة عنه بمعنى"الضيق"، لأن ذلك هو الغالب عليه من معناه في كلام العرب، كما قد بيناه قبل.

* * *

ص: 296

القول في تأويل قوله: {لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) }

قال أبو جعفر: يعني بذلك تعالى ذكره: هذا كتاب أنزلناه إليك، يا محمد، لتنذر به من أمرتك بإنذاره، (وذكرى للمؤمنين) = وهو من المؤخر الذي معناه التقديم. ومعناه:"كتاب أنزل إليك لتنذر به"، و"ذكرى للمؤمنين"،"فلا يكن في صدرك حرج منه".

وإذا كان ذلك معناه، كان موضع قوله:(وذكرى) نصبًا، بمعنى: أنزلنا إليك هذا الكتاب لتنذر به، وتذكر به المؤمنين.

* * *

ولو قيل معنى ذلك: هذا كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه، أن تنذر به، وتذكّر به المؤمنين = كان قولا غير مدفوعة صحته.

وإذا وُجِّه معنى الكلام إلى هذا الوجه، كان في قوله:(وذكرى) من الإعراب وجهان:

أحدهما: النصب بالردّ على موضع"لتنذر به".

والآخر: الرفع، عطفًا على"الكتاب"، كأنه قيل:"المص كتاب أنزل إليك"، و"ذكرى للمؤمنين". (1)

* * *

القول في تأويل قوله: {اتَّبِعُوا مَا أُنزلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ (3) }

قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، لهؤلاء المشركين من قومك الذين يعبدون الأوثان والأصنام: اتبعوا، أيها

(1) انظر معاني القرآن للفراء 1: 370.

ص: 297

الناس، ما جاءكم من عند ربكم بالبينات والهدى، واعملوا بما أمركم به ربكم، ولا تتبعوا شيئًا من دونه = يعني: شيئًا غير ما أنزل إليكم ربكم. يقول: لا تتبعوا أمر أوليائكم الذين يأمرونكم بالشرك بالله وعبادة الأوثان، فإنهم يضلونكم ولا يهدونكم.

* * *

فإن قال قائل: وكيف قلت:"معنى الكلام: قل اتبعوا"، وليس في الكلام موجودًا ذكرُ القول؟

قيل: إنه وإن لم يكن مذكورًا صريحًا، فإن في الكلام دلالة عليه، وذلك قوله:(فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به)، ففي قوله:"لتنذر به"، الأمر بالإنذار، وفي الأمر بالإنذار، الأمرُ بالقول، لأن الإنذار قول. فكأن معنى الكلام: أنذر القومَ وقل لهم: اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم.

ولو قيل معناه: لتنذر به وتذكر به المؤمنين فتقول لهم: اتبعوا ما أنزل إليكم = كان غير مدفوع.

* * *

وقد كان بعض أهل العربية يقول: قوله: (اتبعوا) ، خطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم، ومعناه: كتاب أنزل إليك، فلا يكن في صدرك حرج منه، اتبع ما أنزل إليك من ربك = ويرى أن ذلك نظير قول الله:(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ)[سورة الطلاق: 1] ، إذ ابتدأ خطابَ النبي صلى الله عليه وسلم، ثم جعل الفعل للجميع، إذ كان أمر الله نبيه بأمرٍ، أمرًا منه لجميع أمته، كما يقال للرجل يُفْرَد بالخطاب والمراد به هو وجماعة أتباعه أو عشيرته وقبيلته:"أما تتقون الله، أما تستحيون من الله! "، ونحو ذلك من الكلام. (1)

وذلك وإن كان وجهًا غير مدفوع، فالقولُ الذي اخترناه أولى بمعنى الكلام،

(1) انظر معاني القرآن للفراء 1: 371، فهذه مقالته.

ص: 298