المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

القول في تأويل قوله: {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا - تفسير الطبري جامع البيان - ط دار التربية والتراث - جـ ١٢

[ابن جرير الطبري]

الفصل: القول في تأويل قوله: {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا

القول في تأويل قوله: {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ ‌

(9) }

قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: ومن خفت موازين أعماله الصالحة، فلم تثقل بإقراره بتوحيد الله، والإيمان به وبرسوله، واتباع أمره ونهيه، فأولئك الذين غَبَنوا أنفسهم حظوظها من جزيل ثواب الله وكرامته (1) = (بما كانوا بآياتنا يظلمون)، يقول: بما كانوا بحجج الله وأدلته يجحدون، فلا يقرّون بصحتها، ولا يوقنون بحقيقتها، (2) كالذي:-

14337-

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن مجاهد:(ومن خفت موازينه)، قال: حسناته.

* * *

وقيل:"فأولئك"، و"من" في لفظ الواحد، لأن معناه الجمع. ولو جاء موحَدًا كان صوابًا فصيحًا. (3)

* * *

القول في تأويل قوله: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ (10) }

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولقد وطَّأْنا لكم، أيها الناس، في الأرض، (4) وجعلناها لكم قرارًا تستقرُّون فيها، ومهادًا تمتهدونها، وفراشًا تفترشونها (5) = (

(1) انظر تفسير ((الخسارة)) فيما سلف ص: 153، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(2)

انظر تفسير ((الظلم)) فيما سلف من فهارس اللغة (ظلم) .

(3)

انظر معاني القرآن للفراء 1: 373.

(4)

في المطبوعة: ((ولقد وطنا لكم أيها الناس)) ، والصواب من المخطوطة.

(5)

انظر تفسير ((مكن)) فيما سلف 11: 263.

ص: 315

وجعلنا لكم فيها معايش) ، تعيشون بها أيام حياتكم، من مطاعم ومشارب، نعمة مني عليكم، وإحسانًا مني إليكم = (قليلا ما تشكرون)، يقول: وأنتم قليل شكركم على هذه النعم التي أنعمتها عليكم لعبادتكم غيري، واتخاذكم إلهًا سواي.

* *

والمعايش: جمع "معيشة".

* * *

واختلفت القرأة في قراءتها.

فقرأ ذلك عامة قرأة الأمصار: (مَعَايِشَ) بغير همز.

* * *

وقرأه عبد الرحمن الأعرج:"مَعَائِشَ" بالهمز.

* * *

قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندنا: (مَعَايِشَ) بغير همز، لأنها"مفاعل" من قول القائل"عشتَ تعيش"، فالميم فيها زائدة، والياء في الحكم متحركة، لأن واحدها "مَفْعلة"،"مَعْيشة"، متحركة الياء، نقلت حركة الياء منها إلى"العين" في واحدها. فلما جُمعت، رُدّت حركتها إليها لسكون ما قبلها وتحركها. وكذلك تفعل العرب بالياء والواو إذا سكن ما قبلهما وتحركتا، في نظائر ما وصفنا من الجمع الذي يأتي على مثال "مفاعل"، وذلك مخالف لما جاء من الجمع على مثال"فعائل" التي تكون الياء فيها زائدة ليست بأصل. فإن ما جاء من الجمع على هذا المثال، فالعرب تهمزه، كقولهم:"هذه مدائن" و"صحائف" ونظائرهما، (1) لأن"مدائن" جمع"مدينة"، و"المدينة"،"فعيلة" من قولهم:"مدنت المدينة"، وكذلك،"صحائف" جمع"صحيفة"، و"الصحيفة"،"فعيلة" من قولك:"صحفت الصحيفة"، فالياء في واحدها زائدة ساكنة، فإذا جمعت همزت، لخلافها في الجمع الياء التي كانت في واحدها، وذلك أنها كانت

(1) في المطبوعة والمخطوطة: ((ونظائر)) والسياق ما أثبت.

ص: 316