المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

القول في تأويل قوله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لا نُكَلِّفُ - تفسير الطبري جامع البيان - ط دار التربية والتراث - جـ ١٢

[ابن جرير الطبري]

الفصل: القول في تأويل قوله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لا نُكَلِّفُ

القول في تأويل قوله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ‌

(42) }

قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: والذين صدّقوا الله ورسوله، وأقرُّوا بما جاءهم به من وحي الله وتنزيله وشرائع دينه، وعملوا ما أمرهم الله به فأطاعوه، وتجنبوا ما نهاهم عنه (1) = (لا نكلف نفسًا إلا وسعها)، يقول: لا نكلف نفسًا من الأعمال إلا ما يسعها فلا تحرج فيه (2) = (أولئك)، يقول: هؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات = (أصحاب الجنة)، يقول: هم أهل الجنة الذين هم أهلها، دون غيرهم ممن كفر بالله، وعمل بسيئاتهم (3) = (هم فيها خالدون) ، يقول (4) هم في الجنة ماكثون، دائمٌ فيها مكثهم، (5) لا يخرجون منها، ولا يُسلبون نعيمها. (6)

* * *

القول في تأويل قوله: {وَنزعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ}

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وأذهبنا من صدور هؤلاء الذين وَصَف صفتهم، وأخبر أنهم أصحاب الجنة، ما فيها من حقد وغِمْرٍ وعَداوة كان من

(1) انظر تفسير ((الصالحات)) فيما سلف من فهارس اللغة (صلح) .

(2)

انظر تفسير ((التكليف)) و ((الوسع)) فيما سلف ص: 225، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(3)

انظر تفسير ((أصحاب الجنة)) فيما سلف من فهارس اللغة (صحب) .

(4)

في المطبوعة والمخطوطة: ((فيها خالدون)) ، بغير ((هم)) ، وأثبت نص التلاوة.

(5)

انظر تفسير ((الخلود)) فيما سلف من فهارس اللغة (خلد) .

(6)

في المطبوعة والمخطوطة: ((ولا يسلبون نعيمهم)) ، والسياق يقتضي ما أثبت.

ص: 437

بعضهم في الدنيا على بعض، (1) فجعلهم في الجنة إذا أدخلهموها على سُرُر متقابلين، لا يحسد بعضهم بعضًا على شيء خصَّ الله به بعضهم وفضّله من كرامته عليه، تجري من تحتهم أنهار الجنة.

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

14658-

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن جويبر، عن الضحاك:(ونزعنا ما في صدورهم من غل)، قال: العداوة.

14659-

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن سعيد بن بشير، عن قتادة:(ونزعنا ما في صدورهم من غل)، قال: هي الإحَن.

14660 -

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا ابن المبارك، عن ابن عيينة، عن إسرائيل أبي موسى، عن الحسن، عن علي قال: فينا والله أهلَ بدر نزلت: (وَنزعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ)[سورة الحجر: 47] .

14661-

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة، عن إسرائيل قال: سمعته يقول: قال علي عليه السلام: فينا والله أهلَ بدر نزلت: (وَنزعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ)

14662-

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة قال: قال علي رضي الله عنه: إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير، من الذين قال الله تعالى فيهم:(وَنزعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ) ، رضوان الله عليهم.

14663-

حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال،

(1)((الغمر)) (بكسر فسكون) و ((الغمر)) (بفتحتين) : الحقد الذي يغمر القلب.

ص: 438

حدثنا أسباط، عن السدي:(ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار)، قال: إن أهل الجنة إذا سيقوا إلى الجنة فبلغوا، وجدوا عند بابها شجرة في أصل ساقها عينان، فشربوا من إحداهما، فينزع ما في صدورهم من غِلّ، فهو"الشراب الطهور"، واغتسلوا من الأخرى، فجرت عليهم"نَضْرة النعيم"، فلم يشعَثُوا ولم يتَّسخوابعدها أبدًا.

14664-

حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن الجريري، عن أبي نضرة قال، يحبس أهل الجنة دون الجنة حتى يقضى لبعضهم من بعض، حتى يدخلوا الجنة حين يدخلونها ولا يطلب أحدٌ منهم أحدًا بقلامة ظُفُرٍ ظلمها إياه. ويحبس أهل النار دون النار حتى يقضى لبعضهم من بعض، فيدخلون النار حين يدخلونها ولا يطلب أحدٌ منهم أحدًا بقُلامة ظفر ظلمها إياه. (1)

* * *

القول في تأويل قوله: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ}

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء الذين وصف جل ثناؤه، وهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات، حين أدخلوا الجنة، ورأوا ما أكرمهم الله به من كرامته، وما صرف عنهم من العذاب المهين الذي ابتلي به أهل النار بكفرهم بربهم، وتكذيبهم رُسله:(الحمد لله الذي هدانا لهذا)، يقول: الحمد لله الذي وفقنا للعمل الذي أكسبنا هذا الذي نحن فيه من كرامة الله وفضله، وصرف عذابه

(1) الأثر: 14664 - ((الجريري)) ، ((سعيد بن إياس الجريري)) ، مضى برقم:196. و ((أبو نضرة)) ، هو ((المنذر بن مالك بن قطعة العبدي)) ، روى عن علي. مضى برقم: 6337.

ص: 439

عنا = (وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله)، يقول: وما كنا لنرشد لذلك، لولا أن أرشدنا الله له ووفقنا بمنّه وطَوْله، كما:-

14665-

حدثنا أبو هشام الرفاعي قال، حدثنا أبو بكر بن عياش قال، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن [أبي سعيد] قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل أهل النار يرى منزله من الجنة، فيقولون:"لو هدانا الله"، فتكون عليهم حسرة. وكل أهل الجنة يرى منزله من النار، فيقولون:"لولا أن هدانا الله"! فهذا شكرهم. (1)

14666-

حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة قال، سمعت أبا إسحاق يحدِّث عن عاصم بن ضمرة، عن علي قال، ذكر عمر = لشيء لا أحفظه =، ثم ذكر الجنة فقال: يدخلون، فإذا شجرة يخرج من تحت ساقها عينان. قال: فيغتسلون من إحداهما، فتجري عليهم نضرة النعيم، فلا تشعَث أشعارهم ولا تغبرُّ أبشارهم. ويشربون من الأخرى، فيخرج كل قذًى وقذر وبأس في بطونهم. (2) قال، ثم يفتح لهم باب الجنة، فيقال لهم:

(1) الأثر: 14665 - جاء هكذا في المخطوطة والمطبوعة: ((عن أبي سعيد)) ، يعني أبا سعيد الخدري.

وكأنه خطأ لا شك فيه، فإني لم أجد الخبر في حديث أبي سعيد، ولأن هذا الخبر معروف في حديث أبي هريرة، وبذلك خرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 85، فقال:((أخرج النسائي، وابن أبي الدنيا، وابن جرير في ذكر الموت، وابن مردويه عن أبي هريرة)) ، وساق الخبر. وذكره ابن كثير في تفسيره 3: 477، فقال:((روى النسائي وابن مردويه، واللفظ له، من حديث أبي بكر بن عياش، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة)) ، وساق الخبر. وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 10: 399 فقال: ((عن أبي هريرة، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) ، وساق الخبر بنحوه من طريقين، ثم قال:((رواه كله أحمد، ورجال الرواية الولى رجال الصحيح)) ، ولم أعرف مكانه من المسند.

فهذا كله يوشك أن يقطع بأن ما في المطبوعة والمخطوطة من قوله: ((عن أبي سعيد)) ، خطأ، صوابه:((عن أبي هريرة)) ، ولذلك وضعته بين القوسين.

(2)

في المطبوعة: ((قذى وقذر أو شيء في بطونهم)) ، وفي المخطوطة:((أوس)) ، غير منقوطة وفوقها حرف (ط) دلالة على الشك والخطأ. وأثبت الصواب من حادي الأرواح لابن القيم، والدر المنثور.

ص: 440

(سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين)، قال: فتستقبلهم الوِلدان، فيحفّون بهم كما تحفّ الولدان بالحميم إذا جاء من غيبته. (1) ثم يأتون فيبشرون أزواجهم، فيسمونهم بأسمائهم وأسماء آبائهم. فيقلن: أنت رأيته! قال: فيستخفهنَّ الفرَح، قال: فيجئن حتى يقفن على أُسْكُفَّة الباب. (2) قال: فيجيئون فيدخلون، فإذا أسُّ بيوتهم بِجَندل اللؤلؤ، وإذا صُرُوح صفر وخضر وحمر ومن كل لون، وسُرُر مرفوعة، وأكواب موضوعة، ونمارق مصفوفة، وزرِابيُّ مبثوثة. فلولا أن الله قدَّرها، لالْتُمِعَتْ أبصارهم مما يرون فيها. (3) فيعانقون الأزواج، ويقعدون على السرر، ويقولون:(الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا إذ هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق) ، الآية. (4)

* * *

(1)((الحميم)) ، ذو القرابة القريب الذي تحبه وتهتم لأمره.

(2)

((أسكفة الباب)) (بضم الهمزة، وسكون السين، وضم الكاف، بعدها فاء مشددة مفتوحة) : عتبة الباب التي يوطأ عليها.

(3)

((التمع الشيء)) اختلسه وذهب به. و ((التمع بصره)) باليناء بالمجهول، اختلس واختطف فلا يكاد يبصره. ويقال مثله ((التمع لونه)) ، ذهب وتغير.

(4)

الأثر: 14666 - ((عاصم بن ضمرة السلولي)) ، وثقه ابن سعد وابن المديني، والعجلي، وقال النسائي:((ليس به بأس)) . ولكن الجوزجاني وابن عدي ضعفاه، وقال ابن أبي حاتم:((كان رديء الحفظ، فاحش الخطأ، على أنه أحسن حالا - يعني الأعور)) . مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 3 / 1 / 345، وميزان الاعتدال 2:3.

وهذا الخبر، ذكره ابن القيم في حادي الأرواح (إعلام الموقعين) 1: 233 مطولا، فقال:((وقال عدي بن الجعد في الجعديات: أنبأنا زهير بن معاوية، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي قال)) وليس فيه ذكر ((عمر)) .

ثم وجدت أبا جعفر قد رواه في تفسيره (24: 24، بولاق) ، من طريق مجاهد بن موسى، عن يزيد، عن شريك بن عبد الله، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي، بنحوه.

ثم رواه بعد من طريق أبي إسحاق، عن الحارث الأعور، عن علي، بنحوه.

وخرجه السيوطي في الدر المنثور 5: 342، ونسبه إلى ابن المبارك في الزهد، وعبد الرازق، وابن أبي شيبة، وابن راهويه، وعبد بن حميد، وابن أبي الدنيا في صفة الجنة، والبيهقي في البعث، والضياء في المختارة، ولم ينسبه لابن جرير. وساقه مطولا.

وساقه ابن كثير في تفسيره 7: 273، من تفسير ابن أبي حاتم، عن أبيه، عن أبي غسان مالك بن إسماعيل، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي بن أبي طالب، بنحوه.

وليس في هذه جميعًا ذكر ((عمر)) ، فقوله:((قال ذكر عمر، لشيء لا أحفظه)) غريب جدًا لم أعرف تأويله، ولا ما فيه من تحريف، إلا أن يكون:((قال غندر، لشيء لا أحفظه)) و ((غندر)) هو ((محمد بن جعفر)) الراوي عن شعبة، فيكون قوله ((قال غندر)) من قول ((محمد بن المثنى)) ، والله أعلم.

ص: 441

القول في تأويل قوله: {لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) }

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره مخبرًا عن هؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات أنهم يقولون عند دخولهم الجنة، ورؤيتهم كرامة الله التي أكرمهم بها، وهو أنّ أعداء الله في النار: والله لقد جاءتنا في الدنيا، وهؤلاء الذين في النار، رسل ربنا بالحق من الأخبار عن وعد الله أهلَ طاعته والإيمان به وبرسله، ووعيده أهلَ معاصيه والكفر به.

* * *

وأما قوله: (ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون)، فإن معناه: ونادى منادٍ هؤلاء الذين وصف الله صفتهم، وأخبر عما أعدّ لهم من كرامته: أنْ يا هؤلاء، هذه تلكم الجنة التي كانت رسلي في الدنيا تخبركم عنها، أورَثكموها الله عن الذين كذبوا رسله، لتصديقكم إياهم وطاعتكم ربكم. وذلك هو معنى قوله:(بما كنتم تعملون) .

* * *

وبنحو ما قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

ص: 442

14667-

حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:(ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون)، قال: ليس من كافر ولا مؤمن إلا وله في الجنة والنار منزل، فإذا دخل أهل الجنة الجنةَ، وأهل النار النارَ، ودخلوا منازلهم، رفعت الجنة لأهل النار فنظروا إلى منازلهم فيها، فقيل لهم:"هذه منازلكم لو عملتم بطاعة الله"، ثم يقال:"يا أهل الجنة، رِثُوهم بما كنتم تعملون"، فتُقْسم بين أهل الجنة منازلهم.

14668-

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن سعد أبو داود الحفري، [عن سعيد بن بكير] ، عن سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن الأغرّ:(ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون)، قال: نودوا أنْ صِحُّوا فلا تسقموا، واخلُدوا فلا تموتوا، وانعموا فلا تَبْأسوا. (1)

14669-

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا قبيصة، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن الأغر، عن أبي سعيد:(ونودوا أن تلكم الجنة) ، الآية، قال: ينادي منادٍ: أن لكم أنْ تصحُّوا فلا تسقموا أبدًا. (2)

* * *

واختلف أهل العربية في"أنْ" التي مع"تلكم".

(1) الأثر: 14668 - ((عمر بن سعد)) ، ((أبو داود الحفري)) ، ثقة. مضى رقم: 863، وهو يروي عن ((سفيان الثوري)) ، ولكن جاء هنا ((سعيد بن بكير)) .

وأما ((سعيد بن بكير)) ، فهو في المطبوعة ((سعد بن بكر)) ، وأثبت ما في المخطوطة. ولست أدري من يكون؟ أو عن أي شيء هو محرف.

و ((الأغر)) هو ((الأغر)) ، أبو مسلم المدني، روى عن أبي هريرة وأبي سعيد، وكانا اشتركا في عتقه. روى عنه أبو إسحاق السبيعي، تابعي ثقة. مترجم في التهذيب، والكبير 1 /2 / 44، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 308.

وهذا الخبر رواه مسلم في صحيحه 17: 174، من طريق عبد الرازق، عن الثوري، عن أبي إسحاق، عن الأغر، عن أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مطولا، بنحوه. وسيأتي مختصرًا في الذي يليه.

(2)

الأثر: 14669 - هذا مختصر حديث مسلم (17: 174) الذي خرجته في التعليق السالف.

ص: 443

فقال بعض نحويي البصرة: هي"أنّ" الثقيلة، خففت وأضمر فيها، ولا يستقيم أن تجعلها الخفيفة، لأن بعدها اسمًا، والخفيفة لا تليها الأسماء، وقد قال الشاعر:(1)

فِي فِتْيَةٍ كَسُيُوفِ الهِنْد، قَدْ عَلِمُوا

أنْ هَالِكٌ كُلُّ مَنْ يَحْفَى وَيَنْتَعِلُ (2)

وقال آخر: (3)

أُكَاشِرُهُ وَأَعْلَمُ أَنْ كِلانَا

عَلَى مَا سَاءَ صَاحِبَهُ حَرِيصُ (4)

قال: فمعناه: أنه كِلانا. قال: ويكون كقوله: (أَنْ قَدْ وَجَدْنَا)، في موضع"أي"؛ وقوله:(أَنْ أَقِيمُوا)، [سورة الشورى: 13] ، ولا تكون"أن" التي تعمل

(1) هو الأعشى.

(2)

ديوانه: 45، سيبويه 1: 282، 440، 480 /2: 123، أمالي ابن الشجري 2: 2، الإنصاف: 89، والخزانة 3: 547 / 4: 356، وشرح شواهد العيني (بهامش الخزانة) 2: 287، وغيرها.

وهذا البيت أنشده سيبويه، وتبعه النحاة في كتبهم، وهو بيت ملفق من بيتين، يقول الأعشى في قصيدته المشهورة: إمَّا تَرَيْنَا حُفَاةً لا نِعَالَ لَنَا

إِنَّا كَذَلِكَ مَا تَحْفَى ونَنْتَعِلُ

فَقَدْ أُخَالِسُ رَبَّ البَيْتِ غَفْلَتُهُ

وَقَدْ يُحَاذِرُ مِنِّي ثُمَّ مَا يَئِلُ

وَقَدْ أَقُودُ الصِّبَا يَوْمًا فَيَتْبَعُنِي

وَقَدْ يُصَاحِبْنِي ذُو الشِّرَّةِ الغَزِلُ

وَقَدْ غَدَوْتُ إلَى الحَانُوتِ يَتْبَعُنِي

شَاوٍ مِشَلٌ شَلُولٌ شُلْشُلٌ شَوِلُ

فِي فِتْيَةٍ كَسُيُوفِ الهِنْد، قَدْ عَلِمُوا

أَنْ لَيْسَ يَدْفَعُ عَنْ ذِي الحِيلَة الحيَلُ

نازَعْتُهُمْ قُضُبَ الرَّيْحَانِ مُتَّكِئًا

وَقَهْوَةً مُزَّةً رَواوُوقُها خَضِلُ

لا يَسْتَفِيقُونَ مِنْهَا وَهْيَ رَاهِنَةٌ

إِلا بِهَاتِ، وَإنْ عَلُّوا وإنْ نَهِلُوا

(3)

لم أعرف قائله.

(4)

سيبويه 1: 440، الإنصاف لابن الأنباري: 89، 183، وأمالي ابن الشجري 1: 188، وغيرها وقوله:((أكاشره)) : أضاحكه.

ص: 444