الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يصل، جائزًا أن تكون قد وصلت، وما أخبر عنه أنه قد وصل، لم يصل. وذلك خلاف ما دلّ عليه ظاهر الكلام، لأن الذبيحتين تُذبح إحداهما لله، والأخرى للآلهة، جائز أن تكون لحومهما قد اختلطت، وخلطوها إذ كان المكروه عندهم تسمية الله على ما كان مذبوحًا للآلهة، دون اختلاط الأعيان واتصال بعضها ببعض.
* * *
وأما قوله: (ساء ما يحكمون)، فإنه خبر من الله جل ثناؤه عن فعل هؤلاء المشركين الذين وصف صفتهم. يقول جل ثناؤه: وقد أساؤوا في حكمهم، (1) إذ أخذوا من نصيبي لشركائهم، ولم يعطوني من نصيب شركائهم. وإنما عنى بذلك تعالى ذكره الخبرَ عن جهلهم وضلالتهم، وذهابهم عن سبيل الحق، بأنهم لم يرضوا أن عدلوا بمن خلقهم وغذاهم، وأنعم عليهم بالنعم التي لا تحصى، ما لا يضرهم ولا ينفعهم، حتى فضّلوه في أقسامهم عند أنفسهم بالقَسْم عليه.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ
(137) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وكما زيَّن شركاء هؤلاء العادلين بربهم الأوثان والأصنام لهم ما زينوا لهم، من تصييرهم لربهم من أموالهم قَسْما بزعمهم، وتركهم ما وَصل من القَسْم الذي جعلوه لله إلى قسم شركائهم في قسمهم، وردِّهم ما وَصَل من القسم الذي جعلوه لشركائهم إلى قسم نصيب الله، إلى قسم شركائهم=
(1) انظر تفسير ((ساء)) فيما سلف من فهارس اللغة (سوأ) = وتفسير ((يحكم)) فيما سلف من فهارس اللغة (حكم) .
(كذلك زين لكثير من المشركين قتلَ أولادهم شركاؤهم) ، من الشياطين، فحسنوا لهم وأد البنات (1) = (ليردوهم)، يقول: ليهلكوهم= (وليلبسوا عليهم دينهم) ، فعلوا ذلك بهم، ليخلطوا عليهم دينهم فيلتبس، فيضلوا ويهلكوا، بفعلهم ما حرم الله عليهم (2) = ولو شاء الله أن لا يفعلوا ما كانوا يفعلون من قتلهم لم يفعلوه، بأن كان يهديهم للحق، ويوفقهم للسداد، فكانوا لا يقتلونهم، ولكن الله خذلهم عن الرشاد فقتلوا أولادهم، وأطاعوا الشياطين التي أغوتهم.
يقول الله لنبيه، متوعدًا لهم على عظيم فريتهم على ربهم فيما كانوا يقولون في الأنصباء التي يقسِمونها:"هذا لله وهذا لشركائنا"، وفي قتلهم أولادهم="ذرهم"، يا محمد، (3)"وما يفترون"، وما يتقوّلون عليَّ من الكذب والزور، (4) فإني لهم بالمرصاد، ومن ورائهم العذاب والعقاب.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13908-
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:(وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم) ، زينوا لهم، من قَتْل أولادهم.
13909-
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله:(قتل أولادهم شركاؤهم) ، شياطينهم، يأمرونهم أن يَئِدوا أولادهم خيفة العَيْلة. (5)
(1) انظر تفسير ((زين)) فيما سلف ص: 92، تعليق: 2 والمراجع هناك.
(2)
انظر تفسير ((اللبس)) فيما سلف: 11: 492، تعليق: 1، والمراجع هناك.
(3)
انظر تفسير ذر فيما سلف: 72، تعليق: 1، والمراجع هناك.
(4)
انظر تفسير ((الافتراء)) فيما سلف: 57، تعليق: 2، والمراجع هناك.
(5)
((العيلة)) (بفتح فسكون) ، الفقر وشدة الحاجة.
13910-
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، نحوه.
13911-
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:(وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم) الآية، قال: شركاؤهم زينوا لهم ذلك = (ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون) .
13912-
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:(وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم)، قال: شياطينهم التي عبدوها، زينوا لهم قتلَ أولادهم.
13913-
حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:(وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم) ، أمرتهم الشياطين أن يقتلوا البنات. وأمَّا (ليردوهم) ، فيهلكوهم. وأما (ليلبسوا عليهم دينهم) ، فيخلطوا عليهم دينهم.
* * *
واختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأته قرأة الحجاز والعراق: (وَكَذَلِكَ زَيَّن) ، بفتح الزاي من"زين"، (لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ) ، بنصب"القتل"، (شُرَكَاؤُهُمْ) ، بالرفع = بمعنى أن شركاء هؤلاء المشركين، الذين زينوا لهم قتلَ أولادهم= فيرفعون"الشركاء" بفعلهم، وينصبون"القتل"، لأنه مفعول به.
* * *
وقرأ ذلك بعض قرأة أهل الشام:"وَكَذَلِكَ زُيِّنَ" بضم الزاي"لِكَثِيرٍ مِنَ المُشْرِكِينَ قَتْلُ" بالرفع"أَوْلادَهُمْ" بالنصب"شُرَكَائِهِمْ" بالخفض= بمعنى: وكذلك زُيِّن لكثير من المشركين قتلُ شركائهم أولادَهم، ففرّقوا بين الخافض والمخفوض بما عمل فيه من الاسم. وذلك في كلام العرب قبيح غير فصيح. وقد
روي عن بعض أهل الحجاز بيت من الشعر يؤيِّد قراءة من قرأ بما ذكرت من قرأة أهل الشام، رأيتُ رواة الشعر وأهل العلم بالعربية من أهل العراق ينكرونه، وذلك قول قائلهم:
فَزَجَجْتُهُ مُتَمَكِّنًا
…
زَجَّ القَلُوصَ أَبي مَزَادَهْ (1)
* * *
قال أبو جعفر: والقراءة التي لا أستجيز غيرها: (وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ) ، بفتح الزاي من"زين"، ونصب"القتل" بوقوع"زين" عليه، وخفض"أولادهم" بإضافة"القتل" إليهم، ورفع"الشركاء" بفعلهم، لأنهم هم الذين زينوا للمشركين قتلَ أولادهم، على ما ذكرتُ من التأويل.
وإنما قلت:"لا أستجيز القراءة بغيرها"، لإجماع الحجة من القرأة عليه، وأن تأويل أهل التأويل بذلك ورد، ففي ذلك أوضح البيان على فساد ما خالفها من القراءة.
* * *
ولولا أن تأويل جميع أهل التأويل بذلك ورد، ثم قرأ قارئ:"وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ المُشْرِكِينَ قَتْلُ أَوْلادَهُمْ شُرَكَائِهِمْ"، بضم الزاي من"زين"، ورفع"القتل"، وخفض"الأولاد" و"الشركاء"، على
(1) معاني القرآن للفراء 1: 358، الإنصاف: 179، الخزانة 2: 251، والعيني (بهامش الخزانة) 3: 468، وغيرها كثير. ((زج)) : دفع بالزج، وهو الحديدة التي في أسفل الرمح. و ((القلوص)) الناقة الفتية، و ((أبو مزادة)) اسم رجل. وهذا البيت شاهد على ما ذهب إليه الكوفيون من جواز الفصل بين المضاف والمضاف إليه بغير الظرف وحرف الخفض، لضرورة الشعر. والتقدير: زج أبي مزادة القلوص، ففصل بين المضاف والمضاف إليه بالقلوص، وهو مفعول، وليس بظرف ولا حرف خفض. وهذا وإن كان مقالة الكوفيين، فإن الفراء قد رده في معاني القرآن 1: 358، وقال هو ليس بشيء.
أن "الشركاء" مخفوضون بالردّ على"الأولاد"، بأنّ"الأولاد" شركاء آبائهم في النسب والميراث = كان جائزًا. (1)
* * *
ولو قرأه كذلك قارئ، غير أنه رفع"الشركاء" وخفض"الأولاد"، كما يقال:"ضُرِبَ عبدُ الله أخوك"، فيظهر الفاعل، بعد أن جرى الخبر بما لم يسمَّ فاعله= كان ذلك صحيحًا في العربية جائزًا.
* * *
(1) انظر معاني القرآن للفراء 1: 357.
القول في تأويل قوله: {وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُهَا إِلا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ}
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن هؤلاء الجهلة من المشركين أنهم كانوا يحرمون ويحللون من قِبَل أنفسهم، من غير أن يكون الله أذن لهم بشيء من ذلك.
يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء العادلون بربهم من المشركين، جهلا منهم، لأنعام لهم وحرث: هذه أنعامٌ وهذا حرث حجر= يعني بـ"الأنعام" و"الحرث" ما كانوا جعلوه لله ولآلهتهم، التي قد مضى ذكرها في الآية قبل هذه.
* * *
وقيل: إن"الأنعام"، السائبة والوصيلة والبحيرة التي سمَّوا. (1)
13914-
حدثني بذلك محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"الأنعام"، السائبة والبحيرة التي سمُّوا.
* * *
(1) انظر تفسير ((الأنعام)) فيما سلف 6: 257 / 9: 457
= وتفسير ((الحرث)) فيما سلف 4: 240 - 243، 397 /6: 257 / 7: 134.
و"الحِجْر" في كلام العرب، الحرام. (1) يقال:"حَجَرت على فلان كذا"، أي حرَّمت عليه، ومنه قول الله:(وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا)، [سورة الفرقان: 22] ، ومنه قول المتلمس:
حَنَّتْ إلَى النَّخْلَةِ القُصْوَى فَقُلْتُ لَهَا:
…
حِجْرٌ حَرَامٌ، أَلا ثَمَّ الدَّهَارِيسُ (2)
(1) المخطوطة، ليس فيها ((الحرام)) ، وزيادتها في المطبوعة هي الصواب الموافق لما في مجاز القرآن لأبي عبيدة 1:207.
(2)
ديوانه قصيدة 4، ومختارات ابن الشجري: 32، ومجاز القرآن 1: 207، وسيأتي في التفسير 19: 302 (بولاق) ، اللسان (دهرس) ، ومعجم، استعجم: 1304، ومعكم ياقوت (نخلة القصوى، ونسبه لجرير وهو المتلمس، جرير بن عبد المسيح، من قصيدته التي قالها في مهربه إلى الشام من عمرو بن هند، وقصة المتلمس وطرفة، وعمرو بن هند، مشهورة. وهكذا جاء هنا ((النخلة القصوى)) ، وهي رواية، والرواية الأخرى ((نخلة القصوى)) بغير تعريف كما سيأتي براوية أبي جعفر في التفسير 19: 302 (بولاق) . وقد ذكروا أن ((نخلة القصوى)) المذكورة هنا، هي:((نخلة اليمانية)) ، وهو واد ينصب من بطن قرن المنازل، وهو طريق اليمن إلى مكة. وظاهر هذا الشعر، فيما أداني إليه اجتهادي، يدل على أن ((نخلة القصوى)) بأرض العراق، مفضيًا إلى الحيرة، ديار عمرو بن هند، فإنه قال هذا الشعر، وقد حرم عليه عمرو بن هند أرض العراق، فحنت ناقته إلى ديارها بالعراق، فقال لها: أنِّى طَرِبْتِ وَلَمْ تُلْحَيْ عَلَى طَرَبٍ،
…
ودُونَ إلْفِكِ أَمْرَاتٌ أَمَا لِيسُ
يقول: كيف تشتاقين إلى أرض فيها هلاكي؟ ثم عاد يقول: ولست ألومك على الشوق الذي أثار حنينك، فإنه لا بد لمن حالت بينه وبين إلفه الفلوات، أن يحن. ثم بين العلة في استنكاره حنينها فقال لها: وكأنه يخاطب نفسه، ويعتذر إليها من ملامة هذه البائسة! . حَنَّتْ إلَى النَّخْلَةِ القُصْوَى فَقُلْتُ لَهَا:
…
بَسْلٌ عَلَيْكِ، أَلا تِلْكَ الدَّهَارِيسُ
((بسل عليك)) : حرام عليك، وهذه رواية أخرى. و ((الدهاريس)) ، الدواهي. يقول: ما ألومها على الحنين إلى إلفها، ولكني ألومها على الحنين إلى الأرض فيها هلاكي. وقال لها: إن نخلة القصوى التي تحنين إليها، حرام عليك، فإن فيها الدواهي والغوائل. فتبين بهذا أنه يعني ديار عمرو بن هند الذي فر منه، ثم قال لها بعد ذلك: أُمِّي شَآمِيةً، إِذْ لا عِرَاقَ لَنَا،
…
قَوْمًا نَوَدُّهُمُ إذْ قَوْمُنَا شُوسُ.
يقول: اقصدي نخلة الشآمية، فإن العراق قد حرم علينا، وفي الشام أحبابنا، وأهل مودتنا، وأما قومنا بالعراق فإنهم ينظرون إلينا بأعين شوس من البغضاء. فثبت بقوله:((إذ لا عراق لنا)) أن ((نخلة القصوى)) من أرض العراق. وفي هذا كفاية في تحقيق الموضع إن شاء الله.
وقول رؤبة، [العجاج] :(1)
* وَجَارَةُ البَيْتِ لَهَا حُجْرِيُّ * (2)
يعني المحرّمَ، ومنه قول الآخر:(3)
فَبِتُّ مُرْتَفِقًا، والعَيْنُ سَاهِرَةٌ
…
كَأَنَّ نَوْمِي عَلَيَّ اللَّيْلَ مَحْجُورُ (4)
أي حرام. يقال:"حِجْر" و"حُجْر"، بكسر الحاء وضمها.
* * *
وبضمها كان يقرأ، فيما ذُكر، الحسنُ وقتادة. (5)
13915-
حدثني عبد الوارث بن عبد الصمد قال، حدثني أبي [قال، حدثني عمي] قال، حدثني أبي، عن الحسين، عن قتادة أنه: كان يقرؤها:"وَحَرْثٌ حُجْرٌ"، يقول: حرام، مضمومة الحاء. (6)
* * *
(1) هكذا نسبة هنا إلى ((رؤبة)) والصواب أنه ((العجاج)) أبوه، بلا شك في ذلك، ولذلك وضعته بين الأقواس، وكأنه سهو من الناسخ، أو من أبي جعفر.
(2)
ديوان العجاج: 68، واللسان (حجر) من رجز له طويل مشهور، ذكر فيه نفسه بالعفاف والصيانة فقال: إِنّي امْرُؤٌ عَنْ جَارَتِي كَفِىُّ
…
عَنِ الأذَى، إنَّ الأذَى مَقْلِيُّ
وَعَنْ تَبغِّي سِرِّهَا غَنِيُّ
ثم قال بعد أبيات: وَجَارَةُ البَيْتِ لَهَا حُجْرِيُّ
…
ومَحْرُمَاتٌ هَتْكُهَا بُجْرِيُّ
وفسره صاحب اللسان فقال: ((لها خاصة)) .
(3)
ينسب إلى أعشى باهلة نسبه ابن بري في اللسان (رفق) ، ولم أجده في مكان آخر.
(4)
اللسان (رفق) . ((مرتفقًا)) ، أي: متكئًا على مرفق يده.
(5)
في المطبوعة والمخطوطة: ((الحسين)) ، وهو خطأ، صوابه ((الحسن)) ، وهو البصري.
(6)
الأثر: 13915 - هذا إسناد فيه إشكال.
((عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث سعيد بن ذكوان التميمي العنبري)) ، مضى مرارًا، وهو يروي عن أبيه:((عبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان)) وأبوه: ((عبد الصمد ابن عبد الوارث)) ، يروي عن أبيه:((عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان)) ، و ((عبد الوارث بن سعيد ابن ذكوان)) ، يروي عن ((حسين المعلم)) ، وهو ((حسين بن ذكوان العوذي)) ، و ((حسين المعلم)) ، يروي عن ((قتادة)) ، فالأرجح إذن أن يكون الإسناد هكذا:
((حدثني عبد الوارث بن عبد الصمد، قال حدثني أبي، قال حدثني أبي، عن الحسين، عن قتادة)) بإسقاط ((قال حدثني عمي)) ، التي وضعتها بين قوسين، وبذلك يكون الإسناد مستقيمًا، فإني لم أجد ((عبد الصمد بن عبد الوارث)) يروي عن ((عمه)) ، ولم أجد له عما يروى عنه. وأيضًا فإن قوله:((حدثني عمي)) يقتضي أن يكون ((سعيد بن ذكوان)) جدهم، هو الراوي عن ((حسين المعلم)) ، ولم تذكر قط رواية عن ((سعيد بن ذكوان)) ، ولا له ذكر في كتب الرجال. فصح بذلك أن الصواب إسقاط ما وضعته بين القوسين، هذا وأذكر أن هذا الإسناد قد مر قبل كما أثبته، ولكني لم أستطع أن أعثر عليه بعد. والزيادة إن شاء الله خطأ من الناسخ، واختلط عليه إسناد ((محمد بن سعد عن أبه، عن عمه
…
)) رقم: 305. فعجل وزاد: ((قال حدثني عمي)) .
وأما القرأة من الحجاز والعراق والشام، فعلى كسرها. وهي القراءة التي لا أستجيز خلافها، لإجماع الحجة من القرأة عليها، وأنها اللغة الجُودَى من لغات العرب. (1)
* * *
وروي عن ابن عباس أنه كان يقرؤها:"وَحَرْثٌ حِرْجٌ"، بالراء قبل الجيم.
13916-
حدثني بذلك الحارث قال، حدثني عبد العزيز قال، حدثنا ابن عيينة، عن عمرو، عن ابن عباس: أنه كان يقرؤها كذلك.
* * *
وهي لغة ثالثة، معناها ومعنى"الحجر" واحد. وهذا كما قالوا:"جذب" و"جبذ"، و"ناء" و"نأى".
ففي"الحجر"، إذًا، لغات ثلاث:"حجر" بكسر الحاء، والجيم قبل الراء="وحُجر" بضم الحاء، والجيم قبل الراء= و"حِرْج"، بكسر الحاء، والراء قبل الجيم.
* * *
وبنحو الذي قلنا في تأويل الحجر قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
(1)((الجودي)) ، تأنيث ((الأجود)) ، وهي قليلة الاستعمال فيما بعد طبعة أبي جعفر، كما أسلفت في التعليق على أول استعمال لها فيما مضى 6: 437، تعليق: 1، وهذه هي المرة الثانية التي استعملها فيها أبو جعفر.
13917-
حدثني عمران بن موسى القزاز قال، حدثنا عبد الوارث، عن حميد، عن مجاهد وأبي عمرو:(وحرث حجر)، يقول: حرام.
13918-
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:(وحرث حجر) ، فالحجر. ما حرّموا من الوصيلة، وتحريم ما حرموا.
13919-
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة:(وحرث حجر)، قال: حرام.
13920-
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:(هذه أنعام وحرث حجر) الآية، تحريمٌ كان عليهم من الشياطين في أموالهم، وتغليظ وتشديد. وكان ذلك من الشياطين، ولم يكن من الله.
13921-
حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: أما قوله: (وقالوا هذه أنعام وحرث حجر)، فيقولون: حرام، أن نطعم إلا من شئنا.
13922-
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:(هذه أنعام وحرث حجر) ، نحتجرها على مَنْ نريد وعمن نريد، لا يطعمها إلا مَنْ نشاء، بزعمهم. قال: إنما احتجروا ذلك لآلهتهم، وقالوا: لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم) ، قالوا: نحتجرها عن النساء، ونجعلها للرجال.
13923-
حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله:(أنعام وحرث حجر) ، أما"حجر"، يقول: محرَّم. وذلك أنهم كانوا يصنعون في الجاهلية أشياء لم يأمر الله بها، كانوا يحرّمون من أنعامهم أشياء لا يأكلونها، ويعزلون من حرثهم شيئًا معلومًا لآلهتهم، ويقولون: لا يحل لنا ما سمّينا لآلهتنا.
13924-
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن
ابن جريج، عن مجاهد:(أنعام وحرث حجر) ، ما جعلوه لله ولشركائهم.
13925-
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (138) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وحرّم هؤلاء الجهلة من المشركين ظهورَ بعض أنعامهم، فلا يركبون ظهورها، وهم ينتفعون برِسْلِها ونِتَاجها وسائر الأشياء منها غير ظهورها للركوب. (1) وحرموا من أنعامهم أنعامًا أخر، فلا يحجُّون عليها، ولا يذكرون اسم الله عليها إن ركبوها بحالٍ، ولا إن حلبوها، ولا إن حمَلوا عليها.
* * *
وبما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13926-
حدثنا سفيان قال، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن عاصم قال: قال لي أبو وائل: أتدري ما"أنعام لا يذكرون اسم الله عليها"؟ قال: قلت: لا! قال: أنعام لا يحجون عليها.
13927-
حدثنا محمد بن عباد بن موسى قال، حدثنا شاذان قال، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن عاصم قال: قال لي أبو وائل: أتدري ما قوله: (حرمت
(1)((الرسل)) (بكسر فسكون) : اللبن. و ((النتاج)) (بكسر النون) : ما تضع من أولادها.
ظهورها وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها) ؟ قال: قلت: لا! قال: هي البحيرة، كانوا لا يحجون عليها. (1)
13928-
حدثنا أحمد بن عمرو البصري قال، حدثنا محمد بن سعيد الشهيد قال، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن عاصم، عن أبي وائل:(وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها)، قال: لا يحجون عليها. (2)
13929-
حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي أما:(أنعام حرمت ظهورها) ، فهي البحيرة والسائبة والحام= وأما"الأنعام التي لا يذكرون اسم الله عليها"، قال: إذا أولدوها، (3) ولا إن نحروها.
13930-
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله:(وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها)، قال: كان من إبلهم طائفة لا يذكرون اسم الله عليها ولا في شيء من شأنها، لا إن ركبوها، ولا إن حلبوا، ولا إن حملوا، ولا إن منحوا، ولا إن عملوا شيئًا.
13931-
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:(وأنعام حرمت ظهورها)، قال: لا يركبها أحد= (وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها) .
* * *
(1) الأثر: 13927 - ((محمد بن عباد بن موسى الختلي)) ، مضى برقم: 11318، ونقلت هناك عن ابن أبي حاتم 4 / 1 / 15، أنه روى عن هشام بن محمد الكلبي، والوليد بن صالح، وروى عنه أبو بكر بن أبي الدنيا. ثم توقفت في هذه الترجمة المختصرة التي ذكرها ابن أبي حاتم، وشككت في صحة ما فيها، فإن أبا بكر بن أبي الدنيا، إنما يروي عن أبيه ((عباد بن موسى الختلي)) . ولا أدري أروى عن ولده ((محمد بن عباد)) أم لم يرو عنه، فإنهم لم يذكروا ذلك في ترجمة أبي بكر ابن أبي الدنيا.
و ((شاذان)) هو: ((الأسود بن عامر)) ، ثقة صدوق. مترجم في التهذيب.
(2)
الأثر: 13928 - ((أحمد بن عمرو البصري)) ، مضى ما قلت فيه برقم:9875. و ((محمد بن سعيد الشهيد)) ، لم أعرف من هو، ولم أجد له ذكرًا.
(3)
لعل الصواب: ((لا إن أولدوها)) .