الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من عذاب الله ونقمته، استعجالا منهم للعذاب= (إن كنت من المرسلين)، يقول: إن كنت لله رسولا إلينا، فإن الله ينصر رسله على أعدائه، فعجَّل ذلك لهم كما استعجلوه، يقول جل ثناؤه:(فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين) .
* * *
القول في تأويل قوله: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ
(78) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فأخذت الذين عقروا الناقةَ من ثمود = (الرجفة) ، وهي الصيحة.
* * *
و"الرجفة"،"الفعلة"، من قول القائل:"رجَف بفلان كذا يرجُفُ رجْفًا"، وذلك إذا حرَّكه وزعزعه، كما قال الأخطل:
إِمَّا تَرَيْنِي حَنَانِي الشَّيْبُ مِنْ كِبَرٍ
…
كَالنَّسْرِ أَرْجُفُ، وَالإنْسَانُ مَهْدُودُ (1)
(1) ديوانه: 146 من قصيدة له جيدة، قالها في يزيد بن معاوية، وذكر فيها الشباب ذكرًا عجبًا، وقد رأى إعراض الغواني عنه من أجله، يقول بعده: وَقَدْ يَكُونُ الصِّبَى مِنِّي بِمَنْزِلَةٍ
…
يَوْمًا، وتَقْتَادُنِي الهِيفُ الرَّعَادِيدُ
يَا قَلَّ خَيْرُ الغَوَانِي، كيف رُغْنَ بِهِ
…
فَشُرْبُهُ وَشَلٌ فِيهِنَّ تَصْرِيدُ
أَعْرَضْنَ مِنْ شَمَطٍ في الرَّأْسِ لاحَ بِهِ
…
فَهُنّ مِنْهُ، إِذَا أَبْصَرْنَهُ، حِيدُ
قَدْ كُنَّ يَعْهَدْنَ مِنِّي مَضْحَكًا حَسَنًا
…
وَمَفْرِقًا حَسَرَتْ عَنْهُ العَنَاقِيدُ
فَهُنَّ يَشْدُونَ مِنِّي بَعْضَ مَعْرِفَةٍ،
…
وَهُنَّ بالوُدِّ، لا بُخْلٌ ولا جُودُ
قَدْ كَانَ عَهْدِي جَدِيدًا، فَاسْتُبِدَّ بِهِ،
…
وَالعَهْدُ مُتَّبَعٌ مَا فِيهِ، مَنشُودُ
يَقُلْنَ: لا أَنْتَ بَعْلٌ يُسْتَقَادُ لَهُ،
…
وَلا الشَّبَابُ الَّذِي قَدْ فَاتَ مَرْدُودُ
هَلْ لِلشَّبَابِ الذي قَدْ فَاتَ مرْدُودُ ?
…
أَمْ هَلْ دَوَاءٌ يَرُدُّ الشِّيبَ مَوْجُودُ ?
لَنْ يَرْجِعَ الشِّيبُ شُبَّانًا، وَلَنْ يَجِدُوا
…
عِدْلَ الشَّبَابِ، مَا أَوْرَقَ العُودُ
إِنَّ الشَّبَابَ لَمَحْمُودٌ بَشَاشَتُهُ
…
والشَّيْبُ مُنْصَرفٌ عَنْهُ وَمَصْدُودُ
وهي أبيات ملئت عاطفة وحزنًا وحسرة، فاحفظها.
وإنما عنى بـ"الرجفة"، ها هنا الصيحة التي زعزعتهم وحركتهم للهلاك، لأن ثمود هلكت بالصيحة، فيما ذكر أهل العلم.
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
14828-
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله:"الرجفة"، قال: الصيحة.
14829-
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
14830-
حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:(فأخذتهم الرجفة) ، وهي الصيحة.
14831-
حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد، عن مجاهد:(فأخذتهم الرجفة)، قال: الصيحة.
* * *
وقوله: (فأصبحوا في دارهم جاثمين)، يقول: فأصبح الذين أهلك الله من ثمود= (في دارهم) ، يعني في أرضهم التي هلكوا فيها وبلدتهم.
* * *
ولذلك وحَّد"الدار" ولم يجمعها فيقول" في دورهم"= وقد يجوز أن يكون أريد بها الدور، ولكن وجَّه بالواحدة إلى الجميع، كما قيل:(وَالْعَصْرِ إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ)[العصر: 1-2] .
* * *