المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

في واحدها ساكنة، وهي في الجمع متحركة. ولو جعلت"مدينة""مَفْعلة" من:"دان - تفسير الطبري جامع البيان - ط دار التربية والتراث - جـ ١٢

[ابن جرير الطبري]

الفصل: في واحدها ساكنة، وهي في الجمع متحركة. ولو جعلت"مدينة""مَفْعلة" من:"دان

في واحدها ساكنة، وهي في الجمع متحركة. ولو جعلت"مدينة""مَفْعلة" من:"دان يدين"، وجمعت على"مفاعل"، كان الفصيح ترك الهمز فيها. وتحريك الياء. وربما همزت العرب جمع"مفعلة" في ذوات الياء والواو = وإن كان الفصيح من كلامها ترك الهمز فيها. إذا جاءت على"مفاعل" = تشبيهًا منهم جمعها بجمع"فعيلة"، كما تشبه"مَفْعلا""بفعيل" فتقول:"مَسِيل الماء"، من:"سال يسيل"، ثم تجمعها جمع"فعيل"، فتقول:"هي أمسلة"، في الجمع، تشبيهًا منهم لها بجمع"بعير" وهو"فعيل"، إذ تجمعه"أبعرة". وكذلك يجمع"المصير" وهو"مَفْعل"،"مُصْران" تشبيهًا له بجمع:"بعير" وهو"فعيل"، إذ تجمعه"بُعْران"، (1) وعلى هذا همز الأعرج"معايش". وذلك ليس بالفصيح في كلامها، وأولى ما قرئ به كتاب الله من الألسن أفصحها وأعرفها، دون أنكرها وأشذِّها.

* * *

القول في تأويل قوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ ‌

(11) }

قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.

فقال بعضهم: تأويل ذلك: (ولقد خلقناكم) ، في ظهر آدم، أيها الناس = (ثم صورناكم) ، في أرحام النساء. خلقًا مخلوقًا ومثالا ممثلا في صورة آدم.

* ذكر من قال ذلك:

(1) انظر معاني القرآن للفراء 1: 373، 374

ص: 317

14338-

حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:(ولقد خلقناكم ثم صورناكم)، قوله:(خلقناكم) ، يعني آدم = وأما"صورناكم"، فذريّته.

14339-

حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:(ولقد خلقناكم ثم صورناكم) الآية، قال: أمّا"خلقناكم"، فآدم. وأمّا"صورناكم"، فذرية آدم من بعده.

14340-

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن أبي جعفر، عن الربيع:(ولقد خلقناكم)، يعني: آدم = (ثم صورناكم)، يعني: في الأرحام.

14341-

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن سعد قال، أخبرنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس في قوله:(ولقد خلقناكم ثم صورناكم)، يقول: خلقناكم خلق آدم، ثم صَوَّرناكم في بطون أمهاتكم.

14342-

حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:(ولقد خلقناكم ثم صورناكم)، يقول: خلقنا آدم، ثم صورنا الذرية في الأرحام.

14343-

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:(ولقد خلقناكم ثم صورناكم)، قال: خلق الله آدم من طين ="ثم صورناكم"، في بطون أمهاتكم خلقًا من بعد خلق: علقة، ثم مضغة، ثم عظامًا، ثم كسا العظام لحمًا، ثم أنشأناه خلقًا آخر. (1)

14344-

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن

(1) الأثر: 14343 - ((بشر بن معاذ العقدي)) ، مضى مرارًا، وهذا إسناد يدور في التفسير دورانًا، ولكنه جاء هنا في المخطوطة والمطبوعة:((بشر بن آدم)) ، وهو خطأ. لا شك في ذلك.

ص: 318

معمر، عن قتادة قال: خلق الله آدم، ثم صوّر ذريته من بعده.

14345-

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمر بن هارون، عن نصر بن مُشارس، عن الضحاك:(خلقناكم ثم صورناكم)، قال: ذريته. (1)

14346-

حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك، قوله:(ولقد خلقناكم) ، يعني آدم = (ثم صورناكم)، يعني: ذريته.

* * *

وقال آخرون: بل معنى ذلك:"ولقد خلقناكم"، في أصلاب آبائكم ="ثم صورناكم"، في بطون أمهاتكم.

* ذكر من قال ذلك:

14347-

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن شريك، عن سماك، عن عكرمة:(ولقد خلقناكم ثم صورناكم)، قال: خلقناكم في أصلاب الرجال، وصوّرناكم في أرحام النساء.

14348-

حدثني المثنى قال، حدثنا الحمانى قال، حدثنا شريك، عن سماك، عن عكرمة، مثله.

14349-

حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان قال، سمعت الأعمش يقرأ:(ولقد خلقناكم ثم صورناكم)، قال: خلقناكم في أصلاب الرجال، ثم صورناكم في أرحام النساء.

* * *

وقال آخرون: بل معنى ذلك: (خلقناكم) ، يعني آدم = (ثم صورناكم) ، يعني = في ظهره.

(1) الأثر: 14345 - ((عمر بن هارون بن يزيد البلخي)) ، متكلم فيه وجرح، مضى برقم:12389.

و ((نصر بن مشاري)) أو ((نصر بن مشيرس)) ، هو ((أبو مصلح الخراساني)) مشهور بكنيته، وكذلك مضى في الأثر رقم:12389.

وكان في المطبوعة: ((مشاوش)) ، وفي المخطوطة:((مشاوس)) والصواب ما أثبته.

ص: 319

* ذكر من قال ذلك:

14350-

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله:(ولقد خلقناكم)، قال: آدم = (ثم صورناكم)، قال: في ظهر آدم.

14351-

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:(ولقد خلقناكم ثم صورناكم) ، في ظهر آدم.

14352-

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله:(ولقد خلقناكم ثم صورناكم)، قال: صورناكم في ظهر آدم.

14353-

حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد المدني قال، سمعت مجاهدًا في قوله:(ولقد خلقناكم ثم صورناكم)، قال: في ظهر آدم، لما تصيرون إليه من الثواب في الآخرة.

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك:"ولقد خلقناكم"، في بطون أمهاتكم ="ثم صورناكم"، فيها.

* ذكر من قال ذلك:

14354-

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عمن ذكره قال:(خلقناكم ثم صورناكم)، قال: خلق الله الإنسان في الرحم، ثم صوّره، فشقَّ سمعه وبصره وأصابعه.

* * *

قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب قول من قال: تأويله: (ولقد خلقناكم) ، ولقد خلقنا آدم = (ثم صورناكم) ، بتصويرنا آدم، كما قد بينا

ص: 320

فيما مضى من خطاب العرب الرجلَ بالأفعال تضيفها إليه، والمعنيُّ في ذلك سلفه، (1) وكما قال جل ثناؤه لمن بين أظهر المؤمنين من اليهود على عهد رسول الله:(وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ)، [سورة البقرة: 63] . وما أشبه ذلك من الخطاب الموجَّه إلى الحيّ الموجود، والمراد به السلف المعدوم، فكذلك ذلك في قوله:(ولقد خلقناكم ثم صورناكم)، معناه: ولقد خلقنا أباكم آدم ثم صوَّرناه.

وإنما قلنا هذا القول أولى الأقوال في ذلك بالصواب، لأن الذي يتلو ذلك قوله:(ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) ، ومعلوم أن الله تبارك وتعالى قد أمر الملائكة بالسجود لآدم، قبل أن يصوِّر ذريته في بطون أمهاتهم، بل قبل أن يخلُق أمهاتهم.

و"ثم" في كلام العرب لا تأتي إلا بإيذان انقطاع ما بعدها عما قبلها، (2) وذلك كقول القائل:"قمت ثم قعدت"، لا يكون"القعود" إذ عطف به بـ"ثم" على قوله:"قمت" إلا بعد القيام، (3) وكذلك ذلك في جميع الكلام. ولو كان العطف في ذلك بالواو، جاز أن يكون الذي بعدها قد كان قبل الذي قبلها، وذلك كقول القائل:"قمت وقعدت"، فجائز أن يكون"القعود" في هذا الكلام قد كان قبل"القيام"، لأن الواو تدخل في الكلام إذا كانت عطفًا، لتوجب للذي بعدها من المعنى ما وجب للذي قبلها، من غير دلالة منها بنفسها على أن ذلك كان في وقت واحد أو وقتين مختلفين، أو إن كانا في وقتين، أيهما

(1) انظر هذا من خطاب العرب فيما سلف 2: 38، 39 ثم ص: 164، 165، ومواضع أخرى بعد ذلك في فهرس مباحث العربية والنحو وغيرها.

(2)

انظر القول في ((ثم)) فيما سلف ص: 233.

(3)

كان في هذه الجملة في المخطوطة تكرار، ووضع الناسخ في الهامش (كذا) ، والصواب ما في المطبوعة.

ص: 321

المتقدم وأيهما المتأخر. فلما وصفنا قلنا إنّ قوله: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم) ، لا يصح تأويله إلا على ما ذكرنا.

فإن ظن ظانّ أن العربَ، إذ كانت ربما نطقت بـ"ثم" في موضع"الواو" في ضرورة شعره، كما قال بعضهم:

سَأَلْتُ رَبِيعَةَ: مَنْ خَيْرُهَا

أَبًا ثُمَّ أُمًّا? فَقَالَتْ: لِمَهْ? (1)

بمعنى: أبًا وأمًّا، فإن ذلك جائز أن يكون نظيره= فإن ذلك بخلاف ما ظن. وذلك أن كتاب الله جل ثناؤه نزل بأفصح لغات العرب، وغير جائز توجيه شيء منه إلى الشاذّ من لغاتها، وله في الأفصح الأشهر معنى مفهومٌ ووجه معروف.

* * *

وقد وجَّه بعض من ضعفت معرفته بكلام العرب ذلك إلى أنه من المؤخر الذي معناه التقديم، وزعم أن معنى ذلك: ولقد خلقناكم، ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم، ثم صورناكم. وذلك غير جائز في كلام العرب، لأنها لا تدخل"ثم" في الكلام وهي مرادٌ بها التقديم على ما قبلها من الخبر، وإن كانوا قد يقدِّمونها في الكلام، (2) إذا كان فيه دليل على أن معناها التأخير، وذلك كقولهم:"قام ثم عبد الله عمرو"، فأما إذا قيل:"قام عبد الله ثم قعد عمرو"، فغير جائز أن يكون قعود عمرو كان إلا بعد قيام عبد الله، إذا كان الخبر صدقًا، فقول الله تبارك وتعالى:(ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا)، نظير قول القائل:"قام عبد الله ثم قعد عمرو"، في أنه غير جائز أن يكون أمرُ الله الملائكةَ بالسجود لآدم كان إلا بعد الخلق والتصوير، لما وصفنا قبل.

* * *

وأما قوله للملائكة: (اسجدوا لآدم)، فإنه يقول جل ثناؤه: فلما صوّرنا

(1) لم أعرف قائله.

(2)

في المخطوطة: ((وإن كان يعبر فنرنها في الكلام)) ، فلم استبن لقراءتها وجهًا أرضاه، فتركت ما في المطبوعة على حاله، لأنه مستقيم المعنى إن شاء الله.

ص: 322