المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الربع الثالث من الحزب الرابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت) - التيسير في أحاديث التفسير - جـ ٤

[محمد المكي الناصري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الرابع

- ‌الربع الأول من الحزب الواحد والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الواحد والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الواحد والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة مريم

- ‌الربع الثاني من الحزب الواحد والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الواحد والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الواحد والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الواحد والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الواحد والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثاني والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة طه

- ‌الربع الأول من الحزب الثاني والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثاني والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثاني والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثاني والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثاني والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثاني والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثاني والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثالث والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الأنبياء

- ‌الربع الأول من الحزب الثالث والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثالث والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثالث والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثالث والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثالث والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثالث والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثالث والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الرابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الحج

- ‌الربع الأول من الأول من الحزب الرابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الرابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الرابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الرابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الرابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الرابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الرابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الخامس والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة المؤمنون

- ‌الربع الأول من الحزب الخامس والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الخامس والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الخامس والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الخامس والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الخامس والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الخامس والثلاثسنفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة النور

- ‌الربع الأخير من الحزب الخامس والثلاثسنفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب السادس والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب السادس والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب السادس والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب السادس والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب السادس والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب السادس والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب السادس والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الفرقان

- ‌الربع الأخير من الحزب السادس والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)(القسم الأول من هذا الربع)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)(القسم الأول من هذا الربع)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)(القسم الثاني من هذا الربع)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)(القسم الثاني من هذا الربع)

- ‌الربع الثالث من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الشعراء

- ‌الربع الثالث من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثامن والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الثامن والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثامن والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة النمل

- ‌الربع الثاني من الحزب الثامن والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثامن والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثامن والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الأول من الربع الأخير في الحزب الثامن والثلاثينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌الثمن الأول من الربع الأخير في الحزب الثامن والثلاثينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الثاني من الربع الأخير في الحزب الثامن والثلاثينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌الثمن الثاني من الربع الأخير في الحزب الثامن والثلاثينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الأول من الربع الأول في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌الثمن الأول من الربع الأول في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الثاني من الربع الأول في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌الثمن الثاني من الربع الأول في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الأول من الربع الثاني في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌الثمن الأول من الربع الثاني في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الثاني من الربع الثاني في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة القصص

- ‌الثمن الثاني من الربع الثاني في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الأول من الربع الثالث في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌الثمن الأول من الربع الثالث في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الثاني من الربع الثالث في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌الثمن الثاني من الربع الثالث في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌تعليق وتحقيق

- ‌الربع الأخير من الحزب التاسع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب التاسع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة العنكبوت

- ‌الربع الثاني من الحزب الأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الأربعينفي المصحف الكريم (ت)

الفصل: ‌الربع الثالث من الحزب الرابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

‌الربع الثالث من الحزب الرابع والثلاثين

في المصحف الكريم (ت)

عباد الله

حديث هذا اليوم يتناول الربع الثالث من الحزب الرابع والثلاثين في المصحف الكريم، ابتداء من قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} إلى قوله تعالى: {لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ} .

ــ

في الربع الماضي تحدث كتاب الله عما قام به مشركو قريش من صد رسول الله والمؤمنين عن البيت الحرام عام الحديبية، إلحادا وظلما، وفي هذا الربع يتصدى كتاب الله لتقرير حق الدفاع عن النفس والدين، لأول مرة، دفعا للظلم، ومقاومة للإلحاد، حتى يتحرر البيت الحرام من رجس الأوثان، ولا يبقى تحت ربقة الوثنيين، وحتى يتحرر المستضعفون بمكة من عنت المشركين. وقبل أن يأذن الله للمؤمنين بقتال من ظلمهم، وتثبيتا لهم على الحق، أوحى إلى رسوله انه سبحانه سيتولى الدفاع عنهم، وأنهم سيكونون في حمايته ورعايته، عندما يعدون العدة لمكافحة الباطل وتقليم أظفاره، ويهبون لنصرة الحق وتحرير أنصاره، فمن كان الله له عونا، لم يخف هضما ولا غبنا، وإلى

ص: 177

هذا المعنى يشير قوله تعالى في بداية هذا الربع: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} ، وكما ألقى بهذا الوعد الحق السكينة في قلوب المؤمنين، أعلن غضبه على الكفر والكافرين، وسخطه على الخيانة والخائنين، ومن غضب الله عليه وكله إلى نفسه أحوج ما يكون إليه، وخذله حتى أقرب الناس إليه، وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالى في نفس السياق:{إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} . وهكذا تضمنت هذه الآية وعدا من الله بنصر المؤمنين، ووعيدا بخذلان الكافرين والخائنين، والخيانة هنا تصدق بالأصالة على " الخيانة الكبرى " وهي خيانة الأمانة الإلهية التي عرضها الله على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان، مما يجب على الإنسان الوفاء به من حقوق الله وحقوق العباد في كل آن، وتصدق بالتبع على بقية صنوف وحقوق العباد في كل آن، وتصدق بالتبع على بقية صنوف وحقوق العباد في كل آن، وتصدق بالتبع على بقية صنوف الخيانات، مما يتفرع عنها ويظهر أثره في مختلف التصرفات.

وبعدما نهى كتاب الله عن قتال المشركين في نيف وسبعين آية، لعدم توافر الظروف الملائمة، وضعف الاستعدادات اللازمة، نزلت أول آية في الإذن بالقتال، بعدما استنفد الرسول والمؤمنون جميع الوسائل السلمية، ولم يبق للصبر والاحتمال أي مجال، وذلك قوله تعالى هنا:{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} ، والمأذون فيه محذوف، أي أذن لهم في القتال، بدليل قوله:{يُقَاتَلُونَ} ، وكأنه لما قال:{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ} قال: (فليقاتل المؤمنون)، وعلل كتاب الله هذا الإذن {بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} ، فقتال المسلمين إنما هو لرفع الظلم، وإزهاق الباطل، وإحقاق الحق.

ص: 178

وقوله تعالى: {وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} تعهد من الله على وجه التفضل والإحسان بنصر المؤمنين نصرا مؤزرا، متى خاضوا المعركة، لإعلاء كلمة الله ونصر دينه، وقد جاء هذا التعهد في صيغة تحفز على الاستماتة في سبيل الله، كلها توكيد وتأييد. ومن كانت قدرة الله توجهه وترافق خطواته، لم يستطع أي عائق كيفما كان أن يقف في طريقه أو يعطل حركاته.

ثم كشف كتاب الله النقاب عن أشنع وجوه الظلم التي نزلت بالمسلمين على أيدي المشركين، مما يبرر انتفاضتهم ضد الظلم والطغيان، ومكافحتهم للمشركين، المعتصمين بتقاليد الجاهلية وعبادة الأوثان، فقال تعالى في وصف المؤمنين {الَّذِينَ ظَلَمُوا}:{الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} ، مبينا أن حرية الاستقرار والإقامة بالأوطان، وحرية الضمير والوجدان، حقان أساسيان لا بد من ضمانهما لكل إنسان، ولا سيما إذا كان الأمر يتعلق بعقيدة التوحيد والإيمان.

ووضع كتاب الله أمام أنظار المؤمنين حقيقة واقعية وتاريخية لا جدال فيها ولا نزاع، ألا وهي ان الحق مهما كان نوعه لا بد له من نصرة ودفاع، فكثيرا ما يطغى الباطل ويحاول أن يسيطر سيطرة نهائية، لولا ما يقف في وجهه من حركات الدفاع المضاد، التي تدفع بالطغاة الظالمين إلى الهاوية. وهذه الحقيقة هي التي عبر عنها كتاب الله بمنتهى الدقة والوضوح في قوله تعالى:{وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [البقرة: 251] وإليها يشير قوله تعالى هنا مع ذكر المثال:

ص: 179

{وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} ، مما يدل على أن العقائد والأديان، إنما هي مدينة بوجودها وبقائها لمن دافعوا عنها بحماس وإيمان، ولولا ذلك لدخلت كلها في خبر كان.

ومما يحسن التنبيه إليه في هذا المقام ما في هذه الآية الكريمة من ذكر لجملة من معابد الملل الأخرى إلى جانب " المساجد " التي هي بيوت الله، والإتيان بها جميعا في صعيد واحد، ففي ذلك تلميح لطيف إلى مبدأ الإسلام الأساسي القائل:" لا إكراه في الدين "، وإشارة واضحة، إلى أن الإسلام يضمن لمخالفيه حرية الاعتقاد، وأنه كما لا يسمح بالاعتداء على معابده ومقدساته لا يسمح بالاعتداء على معابدهم ومقدساتهم أيضا. قال ابن خويز منداد:" هذه الآية تضمنت المنع من هدم كنائس أهل الذمة وبيعهم وبيوت نيراهم "، وقال القرطبي:" إنما لم ينقض ما في بلاد الإسلام لأهل الذمة، لأنها جرت مجرى بيوتهم وأموالهم التي عوهدوا على صيانتها ".

وقوله تعالى هنا: {يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ} بعد ذكر الصوامع والبيع والصلوات والمساجد يعود الضمير فيها على المساجد دون إشكال، ويمكن أن يعود حتى على الصوامع والبيع والصلوات، باعتبار ما كان عليه الأمر فيها قبل أن ينحرف أهلها عن دين الحق ويدخلوا فيه البدع والمحدثات.

وبعدما أذن الله لعباده المؤمنين بالقتال، دفاعا عن عقيدتهم وحريتهم وكيانهم الخاص، ومقاومة للظلم والإلحاد، وبعدما حدد

ص: 180

كتاب الله مبادئ الدفاع المشروع، وفائدة هذا الدفاع، وضرورة الالتجاء إليه في معترك الحياة، لحفظ التوازن والحد من الطغيان، حول مجرى الحديث إلى الكلام عن الغاية الأولى والأخيرة التي يجب أن يتوخاها المؤمنون من جهادهم ودفاعهم، بمجرد تمكنهم في الأرض وانتصارهم، فقال تعالى:{الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} مبينا بذلك المبادئ الأساسية التي يجب أن ترعاها الدولة الإسلامية، ومبرزا الطابع الخاص الذي يجب ان يتميز به المجتمع الإسلامي، وأول هذه المبادئ: إقامة الصلاة وربط الصلة بالله، بحيث يكون المجتمع الإسلامي والدولة الإسلامية في انسجام تام مع التوجه الإلهي العام، فلا تمرد على الله ولا عصيان، ولا غفلة ولا طغيان، ولكن طاعة وإذعان، ويقظة وإيمان، والصلاة هي عماد الدين، والحق الأول من حقوق الله على المؤمنين.

وثاني هذه المبادئ: إيتاء الزكاة، وتوثيق رباط المحبة والتكافل بين عباد الله، بحيث يكون المجتمع الإسلامي والدولة الإسلامية على درجة كبيرة من الإنسانية والتعاطف والتراحم والتواصل، بدلا من الأنانية والتقاطع والتهارش والتقاتل، شعارهما " نفسي وأخي، بل أخي قبل نفسي، لا نفسي نفسي "، والزكاة هي دعامة الإخاء والوئام بين الإخوة المؤمنين، والحق الأول من حقوق المعسرين على الموسرين.

وثالث هذا المبادئ: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بحيث يكون المجتمع الإسلامي والدولة الإسلامية على تمام

ص: 181

الوعي بخطورة المسؤولية الملقاة على عاتقهما في صيانة الإسلام من كل ما هو دخيل، والحفاظ عليه شكلا وموضوعا، مظهرا ومخبرا، عرضا وجوهرا، حماية للكيان الإسلامي من الفناء، ووقوفا في وجه الدسائس والمؤامرات التي تحاك ضده في الخفاء، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بمعنى نصرة الصلاح والقيام بالإصلاح، ومحاربة الفساد والحيلولة دون الإفساد هو الواجب الأول من واجبات الدولة الإسلامية، وهو الضامن الأكبر لسلامة الدين، وسلامة المجتمع، وسلامة الدولة.

وواضح من هذه الآية الكريمة أن " تمكين " المسلمين في الأرض مشروط بهذه الشروط كلها وبما تفرع منها، فمتى توافرت كان لهم النصر والتمكين، ومتى أهملت أو أهمل بعضها حل بساحتهم الخذلان والتفكك إلى حين، {وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} .

واتجه الخطاب بعد ذلك إلى الرسول والمؤمنين، باستخلاص العبرة مما جرى للأنبياء والرسل السابقين، والتحذير مما أصاب أقوامهم من الهلاك والعذاب بين الحين والحين، تثبيتا لرسوله على الحق، وإنذارا للمصرين على الباطل من الخلق، فقال تعالى: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ * وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ * وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ * فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ * أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ

ص: 182

يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ * وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ * وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ}.

وردا على المشركين الذين كانوا يتحدون الرسول ويستعجلونه بالعذاب الذي حذرهم منه كتاب الله، جاء قوله تعالى:{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ} أي ليس لي تعجيل عذابكم، ولا تأخيره عنكم، وإنما أنا منذركم به، ثم عرف كتاب الله كل فريق من المؤمنين والكافرين بمصيره عند الله، حتى يكون على بينة من أمره، فقال تعالى في شأن المؤمنين:{فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} ، وقال تعالى في شأن الكافرين المعاندين:{وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} .

وتأكيدا لما وعد الله به رسوله من أن يعصمه من الناس، وكشفا عن حقيقة المحاولات التي يحاولها أعداء الرسالات الظالمون المضللون، من بث البلبلة في الصفوف، ونشر الشبه المضللة بين ضعفاء النفوس، ثبت الله نبيه على الحق، وأطلعه على ما تعرض له الرسل والأنبياء السابقون من ابتلاء في هذا السبيل، فقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ

ص: 183

فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} إشارة إلى ان جميع الرسل والأنبياء السابقين كانوا حريصين على هداية قومهم، متمنين لذلك مثابرين عليه، وأنه ما منهم من أحد إلا وكان الشيطان لدعوته بالمرصاد، واقفا في وجه نبوته ورسالته، يقاومه ويراغمه، بتزيين الكفر لقومه، وإلقاء الشبه في نفوسهم، لكن الله تعالى لا يلبث أن يمحو تلك الشبه من قلوبهم شيئا فشيئا حتى يؤمنوا، ثم يظهر الله آياته محكمة لا لبس فيها ولا خفاء، ولا يبقى لتلك الشبه وزخارف القول أي أثر، اللهم إلا فيمن كان قلبه مريضا وقاسيا {وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ * الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} .

وإنما نسب إلى " الشيطان " في هذه الآية ما يقوم به خصوم النبوات والرسالات من تحدي الأنبياء والرسل، وبثهم البلبلة وإلقائهم الشبه، لأن الشيطان هو المغوي، والمحرك شياطين الإنس للإغواء، مصداقا لما حكى عنه كتاب الله {وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [الحجر: 39، 40]، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على غرار إخوانه الأنبياء والرسل السابقين، من أحرص الناس على هداية قومه، بشهادة الحق سبحانه وتعالى في كتابه العزيز، إذ قال في وصفه:{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} [التوبة: 128]، وقال أيضا:{النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6] وكان في قومه شياطين، كالنضر بن الحارث، يلقون لقومه

ص: 184

وللوافدين عليه من الشبهات ما يثبطونهم به عن الإسلام، ورغما عن ذلك فقد أظهر الله دينه على الدين كله ولو كره المشركون، ودخل الناس في دين الله أفواجا {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ} أما قصة (الغرانيق)" السفلى " التي هول بها البعض في هذا المقام، فهي كما قال الإمام محمد بن إسحاق جامع السيرة النبوية، من وضع الزنادقة، وليس لها أصل في الإسلام، واستدل علاء الدين المعروف " بالخازن " في تفسيره على ضعفها باضطراب رواتها، واختلاف ألفاظها، وانقطاع سندها.

وقوله تعالى: {وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} في هذا السياق فسره جار الله الزمخشري بأنه " تعهد من الحق سبحانه وتعالى بتوفيق المؤمنين من أهل العلم، على تأويل ما تشابه في الدين بالتأويلات الصحيحة، وحمل ما أشكل منه على ما تقتضيه الأصول المحكمة، والقوانين الممهدة، حتى لا تلحق المؤمنين حيرة، ولا تعتريهم شبهة، ولا تزل لهم قدم ".

وختم هذا الربع بتأكيد وعد الله للسعداء، ووعيده للأشقياء، فقال تعالى في شأن الكافرين والمكذبين:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} ، وقال تعالى في شأن المؤمنين الصالحين:{فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} ، وخص كتاب الله المهاجرين منهم بالذكر والثناء، جزاء ما بذلوا في سبيل الله وإعلاء كلمته من التضحية

ص: 185