المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الربع الأخير من الحزب الخامس والثلاثسنفي المصحف الكريم (ت) - التيسير في أحاديث التفسير - جـ ٤

[محمد المكي الناصري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الرابع

- ‌الربع الأول من الحزب الواحد والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الواحد والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الواحد والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة مريم

- ‌الربع الثاني من الحزب الواحد والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الواحد والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الواحد والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الواحد والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الواحد والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثاني والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة طه

- ‌الربع الأول من الحزب الثاني والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثاني والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثاني والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثاني والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثاني والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثاني والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثاني والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثالث والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الأنبياء

- ‌الربع الأول من الحزب الثالث والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثالث والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثالث والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثالث والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثالث والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثالث والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثالث والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الرابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الحج

- ‌الربع الأول من الأول من الحزب الرابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الرابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الرابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الرابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الرابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الرابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الرابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الخامس والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة المؤمنون

- ‌الربع الأول من الحزب الخامس والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الخامس والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الخامس والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الخامس والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الخامس والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الخامس والثلاثسنفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة النور

- ‌الربع الأخير من الحزب الخامس والثلاثسنفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب السادس والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب السادس والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب السادس والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب السادس والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب السادس والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب السادس والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب السادس والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الفرقان

- ‌الربع الأخير من الحزب السادس والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)(القسم الأول من هذا الربع)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)(القسم الأول من هذا الربع)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)(القسم الثاني من هذا الربع)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)(القسم الثاني من هذا الربع)

- ‌الربع الثالث من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الشعراء

- ‌الربع الثالث من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثامن والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الثامن والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثامن والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة النمل

- ‌الربع الثاني من الحزب الثامن والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثامن والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثامن والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الأول من الربع الأخير في الحزب الثامن والثلاثينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌الثمن الأول من الربع الأخير في الحزب الثامن والثلاثينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الثاني من الربع الأخير في الحزب الثامن والثلاثينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌الثمن الثاني من الربع الأخير في الحزب الثامن والثلاثينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الأول من الربع الأول في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌الثمن الأول من الربع الأول في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الثاني من الربع الأول في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌الثمن الثاني من الربع الأول في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الأول من الربع الثاني في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌الثمن الأول من الربع الثاني في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الثاني من الربع الثاني في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة القصص

- ‌الثمن الثاني من الربع الثاني في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الأول من الربع الثالث في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌الثمن الأول من الربع الثالث في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الثاني من الربع الثالث في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌الثمن الثاني من الربع الثالث في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌تعليق وتحقيق

- ‌الربع الأخير من الحزب التاسع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب التاسع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة العنكبوت

- ‌الربع الثاني من الحزب الأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الأربعينفي المصحف الكريم (ت)

الفصل: ‌الربع الأخير من الحزب الخامس والثلاثسنفي المصحف الكريم (ت)

‌الربع الأخير من الحزب الخامس والثلاثسن

في المصحف الكريم (ت)

عباد الله

حديث هذا اليوم يتناول الربع الأخير من الحزب الخامس والثلاثين في المصحف الكريم، وهو يتألف من خواتم سورة الإيمان المكية التي ذكر فيها (المومنون) المفلحون بأوصافهم البارزة، المميِّزة لهم عن بقية الأصناف، ومن الآيات التسع عشرة الأوائل في سورة النور المدنية، وبداية هذا الربع قوله تعالى:{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} ونهايته قوله تعالى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} .

ــ

في ختام سورة الإيمان التي ذكر فيها (المومنون) المفلحون خصص كتاب الله الآيات الختامية الأربع لما ينبغي أن يستخلصه كل إنسان من هذه السورة الكريمة، فبعد ما عرض كتاب الله في الربع الأول والربع الثاني والربع الثالث مزايا المؤمنين الصادقين ومميزاتهم، وما يكون عليه مصيرهم من الفوز المبين، مقارنا كل ذلك بمساؤى المكذبين الذين لم تخالط بشاشة الإيمان قلوبهم، وبما يؤول إليه أمرهم من الخسران المبين، أعاد الكرة مرة أخرى

ص: 241

ليذكر الجميع بحقيقة ثابتة لا مناص من الاعتراف بها والالتزام بنتائجها، ألا وهي: أن الله تعالى لم يخلق الإنسان عبثا، وإنما خلقه لإبراز حكمة إلهية من وراء إيجاده وإمداده، وإنجاز مهمة سامية في مستوى إدراكه واستعداده، ألا وهي جعله خليفة في الأرض يقوم بعمارتها واستثمار خيراتها، طبقا لمنهج إلهي حكيم، يكون مسؤولا عن تطبيقه كاملا، كي لا يقع في خلافته خلل ولا اضطراب، ويؤدي عنه لربه أدق الحساب، لينال ما هو أهل له من الثواب أو العقاب، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى هنا موجها الخطاب إلى كافة البشر، من حضر منهم ومن غبر:{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} على غرار قوله تعالى في سورة القيامة: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} [الآية: 36] أي غير مسؤول عن عمله كالحيوانات العجماء، ويؤكد هذا المعنى قوله تعالى في سورة الدخان:{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [الآيتان: 38، 39]، وقوله تعالى في سورة الأنبياء:{لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ} [الآية: 17]. فلا عبث ولا لعب ولا لهو ولا إعفاء من المسؤولية، لا في العالم العلوي ولا في العالم السفلي، وإبطالا لما يمكن توهمه عند سخفاء العقول، من أن خلق الإنسان داخل في نطاق العبث، ولا حكمه فيه، ولا مسؤولية من ورائه، عقب كتاب الله بما يؤكد تنزيه الحق سبحانه وتعالى عن أن يخلق شيئا عبثا، مهما يكن ذلك الشيء ضئيلا، فضلا عن الإنسان الذي خلقه الله في أحسن تقويم، وكرمه أجل تكريم، فقال تعالى:

ص: 242

{فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ} أي تقدس وتنزه عن كل نظر سخيف لا يدرك دقيق حكمته، البارزة في صنع إرادته وقدرته، فهو ملك حق، لا يسوس ملكه وملكوته إلا بالحق، وكما أنه لا يأمر بأي شيء عبثا، فإنه لا يخلق أي شيء عبثا، وينظر إلى هذا المعنى قوله تعالى في سورة الحجر:{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ} [الآية: 85]. وتأكيدا لتنزيهه سبحانه عن الأولاد والأنداد، طبقا لقوله تعالى في الربع الماضي:{مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ} قال تعالى هنا: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} .

ومن لطائف هذه السورة ذكر العرش فيها مرتين، موصوفا في إحداهما بوصف العظمة، كما سبق في قوله تعالى:{قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} ، وبوصف الكرم، كما في قوله تعالى هنا:{رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} ، لنسبته إلى أكرم الأكرمين، بينما وقع ذكر العرش عند وروده في بقية السور مجردا من الوصف، أو موصوفا بالعظمة دون غيرها، إلا في سورة البروج، حيث انفرد ذكر العرش فيها موصوفا بصفة المجد {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} [الآيتان: 14، 15].

وإمعانا في إقامة الحجة على من يشرك بالله غيره، وإرخاء للعنان في مجادلتهم والحوار معهم تحدث كتاب الله عن هذا الصنف الضال من الناس، بما يشعر أنه على كامل الاستعداد للتحاكم معهم إلى العقل والمنطق، ولقبول زعمهم الباطل إذا استطاعوا أن يقيموا عليه الحجة والبرهان، أما أن يصروا على

ص: 243

الشرك ورفض التوحيد دون استناد إلى حجة قاطعة، فإنهم يكونون محجوجين مغلوبين، ولا يحق لهم الاعتراض على ما يلقونه من العذاب الأليم يوم الدين، لا سيما والعثور على حجة تؤيد الشرك ضد التوحيد أمر مستحيل طبعا وشرعا، وإلى هذه المعاني يشير قوله تعالى بإيجاز وإعجاز:{وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ} . ويقرب من هذا النوع في التنازل أمام الخصم، لإعادة الكرة عليه، قوله تعالى في سورة سبإ:{وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الآية: 24]. وإنما جعل حساب المشرك " عند ربه " لا عند الناس، إشارة إلى أن عقابه بلغ إلى حيث لا يقدر على حسابه بما يستحق، إلا الله تعالى، لفظاعة جرمه في حق الله، قال تعالى:{إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]، وقال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48].

وليوضح كتاب الله خطورة هذه العقاب الذي ينزل بالمكذبين والمشركين أصدر حكمه الفاصل في ختام هذه السورة فقال: {إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} ، في مقابلة الفاتحة التي جاءت في مطلعها تحمل البشرى للمؤمنين الموحدين بالفوز الأكبر، حيث قال تعالى:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} ، وشتان ما بين تلك الفاتحة وهذه الخاتمة.

وختمت سورة الإيمان بخطاب الله لرسوله، وتلقينه دعاء قرآنيا كريما، يكون فيه لأمته إسوة حسنة، فقال تعالى: {وَقُلْ

ص: 244

رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ}. ويمكن فهم هذا الخطاب على أنه إذن من الله لرسوله بالاستغفار لأمته، فما منهم من أحد - كان مطيعا أو عاصيا - إلا وتقر عينه، وينشرح صدره، بدعاء خاتم النبيئين والمرسلين، على غرار قوله تعالى في سورة التوبة:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [الآية: 103] أي ادع لهم دعاء صالحا، ولا خاتمة أكمل وأفضل من مثل هذه الخاتمة، التي تؤذن بالانقطاع إلى الله تعالى، والالتجاء إلى عفوه وغفرانه، والأمل في رحمته وإحسانه.

والآن فلننتقل بعون الله وتوفيقه من تفسير سورة الإيمان المكية، إلى تفسير سورة النور المدنية، فنقول:

هذه السورة مدنية باتفاق، وسميت " سورة النور " لكثرة ذكر النور فيها، فقد جاء ضمن آياتها قوله تعالى:{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} [53]، وقوله تعالى:{نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} ، [53]، وقوله تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [40].

ومن دقق النظر في موقع سورة النور بعد سورة الإيمان لا يصعب عليه أن يكتشف المناسبة الموجودة بين السورتين، فقد سبق في سورة المؤمنين المفلحين وصفهم بأنهم {لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [الآيات:

ص: 245

5، 6، 7] كما سبق فيها ما يشير إلى وصف أعداء الإيمان وخصوم الرسالة الإلهية، في الجاهلية وما قبلها، بممارسة عدة أعمال فاحشة لا يرضى عنها الطبع السليم، ولا الشرع القويم، حيث قال تعالى في شأنهم ووصف أعمالهم على وجه الإجمال:{بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ} [الآية: 64]، وفي طليعة تلك الأعمال المنكرة ممارسة الزنى والتبرج، اللذين لا يتصور معهما إحصان ولا عفاف، فجاءت سورة النور تضع النقط على الحروف، وتبين " آياتها البينات " أسس التربية الخلقية والاجتماعية النظيفة، التي يجب ان يقوم عليها المجتمع الإسلامي والأسرة المسلمة، بصفها الخلية الأولى وحجر الزاوية في بناء ذلك المجتمع، حتى يقضى على الخصال الجاهلية، والمفاهيم الوثنية غير الأخلاقية، قضاء مبرما.

وهكذا أشهرت " سورة النور " الحرب على الزنى وما ألحق به، سواء كان عن طواعية أو إكراه، وحددت طريقة الزواج المشروع وما يلزم اتباعه في شأنه بالنسبة للفقراء والأيامى، وملك اليمين، وأحاطت عرض الأزواج بأكبر الضمانات، حتى لا يلغ أحد في عرض أحد، وبينت الإجراءات الاستثنائية التي يلزم اتخاذها عند صدور القذف من نفس الزوج في عرض زوجته، وبهذه المناسبة تعرضت في عدة آيات لقصة الإفك التي اختلقها المنافقون، وروجوها للقذف في عائشة أم المؤمنين، ثم ما أنزل الله في براءتها ولعن المنافقين، ووصفهم المشين، كما قررت

ص: 246

سورة النور حرمة المساكن والبيوت، ومنع دخولها وانتهاك حرمتها للاطلاع على دخائلها، ونصت على طريقة الاستيذان للدخول في البيت، وأوجبت الاستيذان في فترات الخلوة اليومية على أعضاء العائلة أنفسهم ولو كانوا صغارا، ووصفت جملة من الآداب في الزينة واللباس تحافظ عليها المرأة عند الاتصال بمحارمها فضلا عن غيرهم، ولم تهمل آداب الضيافة عند اجتماع ذوي القربى وأصدقائهم حول مائدة واحدة، ولعل هذه المعاني، مجتمعة، هي التي أوحت إلى القرطبي أن يقول:" مقصود هذه السورة ذكر أحكام العفاف والستر ". وإلى ما فصلته في هذا المجال من واجبات، وما حضت على اجتنابه من محرمات، وما أذنت به من مباحات، نصت على الحرمة الخاصة والقداسة البالغة التي تتمتع بها بيوت الله لشرف نسبتها إليه، وأعطت للمؤمنين درسا عمليا في آداب مجالسة رسول الله والحديث معه والنداء عليه، وآداب الانصراف من مجلسه الشريف، بعد الاجتماع به والجلوس بين يديه، صلوات الله وسلامه عليه، وتخللت سورة النور آيات كريمة تبرز عجائب صنع الله، مما يذكر بجلاله وعظمته، وقدرته وحكمته، وختمت بتقرير عقيدة ثابتة لا سبيل إلى تجاهلها أو إنكارها، {أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الآية: 64].

ونظرا لما للموضوعات الرئيسية التي عالجتها هذه السورة بتفصيل، من أهمية بالغة في تنظيم الأسرة المسلمة والمجتمع الإسلامي، وما يعلق عليها الإسلام من نتائج حاسمة بالنسبة

ص: 247

لاستمرار وجوده، والحفاظ على كيانه، افتتح كتاب الله هذه السورة بقوله:{بسم الله الرحمن الرحيم سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} مما جعل عمر بن الخطاب وعائشة رضي الله عنهما يأمران بتلقين هذه السورة للنساء، حتى تتشبع نفوسهن بما فيها من توجيهات أخلاقية واجتماعية.

ثم شرع كتاب الله فورا في بيان الحكم الصارم الذي شرعه لمقاومة الزنى والقضاء عليه، فقال تعالى:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} ، و " الجلد " معناه إصابة الجلد بالضرب، ولم تتعرض الآية لهيئة الجالد ولا لهيئة المجلود، ولا لمحل الجلد، ولا لصفة الآلة المجلود بها، وتركت ذلك للسنة والاجتهاد، واتفق العلماء على أن الجلد يكون بالسوط، بشرط أن لا يكون السوط شديدا ولا لينا، وإنما بين بين، اعتمادا على حديث رواه مالك في المطأ مرسلا عن زيد ابن أسلم، ويطبق حكم الجلد على الزاني إذا كان بكرا لم يتزوج بعد، أما المحصن وهو الحر البالغ العاقل الذي قد وطئ في نكاح صحيح فقد اتفق فقهاء الأمصار على أنه يرجم بدلا من أن يجلد، اعتمادا على آية الرجم التي نسخت تلاوتها وبقي حكمها. ثم قال تعالى:{وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} ، إشارة إلى وجوب تنفيذ هذه العقوبة كاملة، متى كانت شروطها متوافرة، وحضا على عدم النقص من قدرها فضلا عن تعطيلها بالمرة، لأن الإخلال بها إخلال بدين الله وشرعه النافذ، والمطالب بتنفيذ

ص: 248

عقوبة الجلد هو إمام المسلمين ومن ينوب عنه، لا عامة الناس، وسعيا في التأثير على غير الزاني والزانية، حتى لا يقع فيما وقعا فيه، وتشهيرا بهذه الجريمة النكراء، وتنفيرا منها، قال تعالى:{وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} .

وأشار كتاب الله إلى أن المؤمن الصالح لا يرتضي لنطفته وذريته إلا الصوالح من النساء، كما أن المؤمنة الصالحة لا ترتضي لعشرتها الزوجية إلا الصالحين من الرجال، بحيث لا يتصور إقبال المؤمنين والمؤمنات على التزوج بالزناة والزانيات، لما في ذلك من مفاسد وأخطار، وآثام وأوزار، وإنما يتصور وقوع هذا النوع من الزواج والرضا به من طرف الفجار والمشركين وحدهم، وإلى ذلك يشير قوله تعالى:{الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} .

وحرصا على حفظ عرض المؤمنات المحصنات، حتى لا يلطخ بسوء، هدد كتاب الله من يتجرأ على قذفهن بالزنى ولم يشهد معه أربعة شهود، بعقوبة الجلد ثمانين جلدة، وبرفض شهادته باستمرار، وباعتباره من الفساق غير العدول، تغليظا لشأن القذف، وردعا عنه بكل حزم وشدة، وذلك قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ولا خلاف في أن التوبة تسقط الفسق، قال الإمام القشيري: " العقوبة

ص: 249

على الزنى شديدة أكيدة، ولكن الله جعل إثبات أمره، وتقرير حكمه، والقطع بكونه على أكثر الناس خصلة عسيرة بعيدة، إذ لا تقبل الشهادة عليه حتى يقول: رأيت ذلك منه في ذلك منها. وذلك أمر ليس بالهين، فسبحان من أعظم العقوبة على تلك الفعلة الفحشاء، ثم جعل الأمر في إثباتها بغاية الكد والعناء ". وقال أبو بكر (ابن العربي) المعافري:" كثر الله عدد الشهود في الزنى، على سائر الحقوق، رغبة في الستر على الخلق ".

وعندما يشتد الأمر، ويكون قذف الزوجة بالزنى صادرا عن زوجها نفسه لا عن غيره، دون ان يشهد معه شهود، ينظر في هذه التهمة الخطيرة، على أساس أن يشهد الزوج بالله أربع مرات على صدقه في قذف زوجته بالزنى، وفي الخامسة يشهد أنه يستحق لعنة الله إن كان كاذبا، وبذلك يبرأ من حد القذف، ولا ينسب إليه الولد، ثم تشهد الزوجة بالله أربع مرات على كذبه فيما رماها به، وفي الخامسة تشهد أنها تستحق غضب الله إن كان زوجها صادقا، وبذلك تبرأ من حد الزنى، ويفرق بينهما فلا يجتمعان أبدا ولا يتوارثان، وجرت السنة على أن ابنها في هذه الحالة يدعى إلى أمه ويرثها، كما أنها ترثه، وهذا الحكم المعروف " باللعان " هو الذي شرعه الله في قوله تعالى هنا:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ} وهو حد الزنا {أَنْ

ص: 250

تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ}. ثم عقب كتاب الله على ذلك بقوله: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ} قال الإمام القشيري: " أي ولولا فضل الله عليكم ورحمته لبقيتم في هذه الواقعة المعضلة، ولم تهتدوا للخروج من هذه الحالة المشكلة، إذ من الذي يهتدي لمثل هذا الحكم، لولا تعريف سماوي، وأمر نبوي، من الوحي متلقاه، ومن الله مبتداه وإليه منتهاه؟ ".

وانتقل كتاب الله من الحديث عن القذف الصادر من الأباعد ومن الأقارب، وبيان الحكم الشرعي المطلوب تطبيقه على صوره المختلفة، إلى الحديث عن أكبر وأخطر قذف قام به المنافقون في تاريخ الإسلام، وذلك في حق أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عند منصرفها من إحدى الغزوات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ووصولها متأخرة عن موكبه، بسبب اضطرارها إلى الوقوف عن السير، لقضاء حاجتها والبحث، عن عقد نفيس ضاع لها، وقصة هذا القذف هي المعروفة " بقصة الإفك "، والإفك أبلغ ما يكون من الكذب والافتراء، والبهتان الذي لا تشعر به حتى يفاجئك، والذي تولى كبره هو زعيم المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول، وقد برأها الله مما قذفها به المنافقون، كما برأ مريم العذراء مما قذفها به اليهود المغرضون، وأقيم حد القذف الشرعي على من روج هذا البهتان العظيم، فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ

ص: 251

امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.

ووجه كتاب الله الخطاب إلى فريق من ضعفاء المؤمنين الذين أثرت في نفوسهم بعض التأثير إشاعة عصبة الإفك والنفاق، يعاتبهم ويبين لهم الموقف السليم الذي يجب أن يقفوه من مثل هذه الإشاعات الملفقة، التي يتحتم البحث عن مصدرها، والغرض المقصود منها، والتحري عنها من جميع الوجوه. ونفس هذا الخطاب موجه إلى جميع المؤمنين، بالنسبة لقصة الإفك ولجميع قصص الإفك الأخرى، التي يمكن أن تصدر عن أعداء الإسلام والمسلمين في كل زمان ومكان، فقال تعالى:{لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ * لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ * وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ * وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ * يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} .

وندد كتاب الله في ختام هذا الربع بالذين يجدون لذة في ترويج أقوال السوء، ونشر الإشاعات الباطلة عن صالحي المؤمنين، لبلبلة الأفكار ونهش الأعراض، وهددهم بالعذاب الأليم

ص: 252

في الدنيا، وهو العقوبة المترتبة على القذف بسائر أنواعه، وبالعذاب في الآخرة وهو عذاب النار، فقال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} أي هو وحده الذي يعلم مقدار عظم هذا الذنب وانعكاساته على الأفراد والجماعات، وإلى أي حد من الأذى يمكن أن يصل، فردوا الأمور إليه تهتدوا.

وأخيرا جدد الحق سبحانه وتعالى منته على من وقعوا في المحظور، حيث فتح في وجوههم من الرأفة والتوبة أوسع باب، حتى لا يعاجلهم بالعقاب، فقال تعالى:{وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} .

ص: 253