المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الثمن الأول من الربع الأول في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ت) - التيسير في أحاديث التفسير - جـ ٤

[محمد المكي الناصري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الرابع

- ‌الربع الأول من الحزب الواحد والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الواحد والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الواحد والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة مريم

- ‌الربع الثاني من الحزب الواحد والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الواحد والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الواحد والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الواحد والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الواحد والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثاني والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة طه

- ‌الربع الأول من الحزب الثاني والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثاني والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثاني والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثاني والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثاني والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثاني والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثاني والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثالث والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الأنبياء

- ‌الربع الأول من الحزب الثالث والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثالث والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثالث والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثالث والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثالث والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثالث والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثالث والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الرابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الحج

- ‌الربع الأول من الأول من الحزب الرابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الرابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الرابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الرابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الرابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الرابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الرابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الخامس والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة المؤمنون

- ‌الربع الأول من الحزب الخامس والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الخامس والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الخامس والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الخامس والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الخامس والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الخامس والثلاثسنفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة النور

- ‌الربع الأخير من الحزب الخامس والثلاثسنفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب السادس والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب السادس والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب السادس والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب السادس والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب السادس والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب السادس والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب السادس والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الفرقان

- ‌الربع الأخير من الحزب السادس والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)(القسم الأول من هذا الربع)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)(القسم الأول من هذا الربع)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)(القسم الثاني من هذا الربع)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)(القسم الثاني من هذا الربع)

- ‌الربع الثالث من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الشعراء

- ‌الربع الثالث من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثامن والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الثامن والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثامن والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة النمل

- ‌الربع الثاني من الحزب الثامن والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثامن والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثامن والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الأول من الربع الأخير في الحزب الثامن والثلاثينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌الثمن الأول من الربع الأخير في الحزب الثامن والثلاثينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الثاني من الربع الأخير في الحزب الثامن والثلاثينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌الثمن الثاني من الربع الأخير في الحزب الثامن والثلاثينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الأول من الربع الأول في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌الثمن الأول من الربع الأول في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الثاني من الربع الأول في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌الثمن الثاني من الربع الأول في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الأول من الربع الثاني في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌الثمن الأول من الربع الثاني في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الثاني من الربع الثاني في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة القصص

- ‌الثمن الثاني من الربع الثاني في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الأول من الربع الثالث في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌الثمن الأول من الربع الثالث في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الثاني من الربع الثالث في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌الثمن الثاني من الربع الثالث في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌تعليق وتحقيق

- ‌الربع الأخير من الحزب التاسع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب التاسع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة العنكبوت

- ‌الربع الثاني من الحزب الأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الأربعينفي المصحف الكريم (ت)

الفصل: ‌الثمن الأول من الربع الأول في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ت)

‌الثمن الأول من الربع الأول في الحزب التاسع والثلاثين

بالمصحف الكريم (ت)

عباد الله

في حصة هذا اليوم نشرع في تفسير الربع الأول من الحزب التاسع والثلاثين في المصحف الكريم، وسنقتصر فيها على تفسير الثمن الأول منه، لما يلزم من استقصاء القول فيه، وذلك ابتداء من قوله تعالى:{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} إلى قوله تعالى: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} .

ــ

لقد كانت نهاية الربع الماضي بداية للحديث عن آخر قصة في سورة النمل المكية، وهي قصة لوط مع قومه، وهذه القصة تجدد ذكرها في ثمان سور من القرآن الكريم، فتولى كتاب الله في سبع منها التشهير بعمل قوم لوط والتنفير منه، وذكر العقاب الإلهي الصارم الذي عاقبهم به على فاحشتهم الكبرى، ألا وهي سور: الأعراف، وهود، والحجر، والشعراء، والنمل، والعنكبوت، والقمر، واقتصر في واحدة منها وهي سورة الصافات على وصف عقابهم دون وصف عملهم، اكتفاء بما رددته السور الأخرى، فقال تعالى في سورة الأعراف: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ

ص: 446

أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} [80، 81]. وقال تعالى في سورة هود: {وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي} - يشير إلى بنات قومه ويدعوهم إلى الزواج بهن - {هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ * قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ} [78، 79]. وقال تعالى في سورة الحجر: {قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ * وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ} ، وفيها أيضا:{قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} [الآيات: 68، 71، 69] وقال تعالى في سورة الشعراء: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} [166، 165]. وقال تعالى في سورة العنكبوت: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ * أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ} [29، 28]. وقال تعالى في سورة القمر: {وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ} [37]. وقال تعالى في نهاية الربع الماضي من سورة النمل: {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ * أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [55، 54].

ومن عرض هذه الآيات في صعيد واحد يتضح ما كان لعمل قوم لوط من أبعاد خطيرة، وما يؤدي إليه عند انتشاره

ص: 447

من مفاسد كبيرة، فقد أوحى إليهم شيطانهم أن قضاء الشهوة هو الهدف الأول والأخير من وجود الغريزة الجنسية، وأنه لا معنى لوجود أي هدف أخلاقي أو اجتماعي من ورائها، وأنه لا ضرورة تدعو إلى التستر بها وكتمانها، وكانوا يحملون الكراهية والبغض للنساء عموما، ويتبجحون بإعلان النفور من معاشرتهن في كل المناسبات {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ} - {وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ} {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} - {وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ} - {مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ} . وهذا الوضع الشاذ يؤدي عند استفحال عدواه إلى رفض الذكور للزواج، اكتفاء بأمثالهم، ويتبعه في نفس الوقت - بصورة آلية - اكتفاء الإناث بأمثالهن، فلا يبقى أي حافز يحفز على الزواج وتأسيس الأسرة، لا بالنسبة للرجال ولا بالنسبة للنساء، وبذلك يقع القضاء التام على ملكة الإخصاب والإنجاب، لأنها لا تؤدي دورها إلا عند تزاوج الذكور والإناث، فيتوقف النسل في البداية، ثم ينقطع النسل في النهاية، وهكذا يتعرض المجتمع البشري - متى انتشرت فيه هذه العدوى وسادت العلاقات الجنسية - للاختلال والانحلال، ويتعرض النوع الإنساني تدريجيا في مختلف الأقطار للفناء والانقراض، وذلك خلاف مراد الله ونقيض حكمته، من حمل الإنسان للأمانة والجلوس على عرش خلافته {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30]- {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ} [الأحزاب: 72].

ص: 448

ومن هذه النبذة القصيرة يتبين السر في التشهير بعمل قوم لوط والتنفير منه في كتاب الله، والتعبير عنه في ثلاث سور مختلفة بلفظ (الفاحشة) معرفا بالألف واللام، إبرازا لشدة قبحه، وتنبيها إلى أنه أم الفواحش وأكبرها وأخطرها جميعا، لما فيه إذا استفحل أمره من أخطار بالغة على نظام المجتمع، ومصير النوع الإنساني الذي يرتبط به عمران العالم. أضف إلى ذلك ما هو مركوز في العقول والفطر من قبحه وشناعته والنفور منه، حتى أصبح لفظ (الفاحشة) أصدق تعريف له، ولذلك خاطبهم لوط عليه السلام، كما حكى عنه كتاب الله، قائلا لهم في سورة الأعراف:{بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} [81]، وفي سورة الشعراء:{بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} [165]، وهنا في سورة النمل:{بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} .

وواضح أن من انحرف عن طريق الفطرة السوي، ولم يستجب لداعي الميل الطبيعي المركوز في الذكر نحو الأنثى والأنثى نحو الذكر، وكرس حياته لمجرد قضاء الشهوة البهيمية من دون تحقيق أي هدف إنساني نبيل من ورائها، يكون قد بلغ الغاية في " الإسراف "، والغاية في " العدوان "، والغاية في " الجهل " بكلا معنييه: معناه المضاد للعلم، ومعناه المنافي لمكارم الأخلاق. و " الإسراف " في الشيء هو الزيادة المفسدة للغرض المقصود منه.

ولأجل أن نفهم قرار الشواذ المنحرفين من قوم لوط بنفي آل لوط وهو لوط ومن آمن معه إذ {قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ} وتعليل القرار الذي أصدروه في حق لوط وصحبه

ص: 449

بقولهم عنهم: {إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} حسبما حكاه كتاب الله في سورة الأعراف {الآية: 82]، وهنا في سورة النمل، ينبغي أن نعيد إلى الذاكرة قول لوط وهو يخاطبهم في سورة هود: {يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ} [الآية: 78] فقد جعل الله أرحام النساء بالنسبة للرجال هي مقر البذر والإخصاب، وبدونها لا يستمر النسل ولا يحصل الإنجاب، وهذه الأرحام طاهرة من الأذى في أغلب الأوقات، فالبذر فيها ممكن متيسر من دون أدنى ضر ولا خطر، اللهم إلا في فترة الحيض المحدودة، طبقا لقوله تعالى في سورة البقرة:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [الآية: 222]، ومن تعود على الطهارة والنظافة في الجوارح والملابس والأنفاس، يربأ بنفسه أن يقرب مواقع الأقذار والخبائث والأنجاس، ولا يعرض نفسه للأورام والأسقام التي تتولد من ذلك فيتعرض لها المنحرفون من الناس.

من أجل ذلك كله حرم الله عمل قوم لوط وشهر به في جميع الأعصار، ولو كان قليل الوقوع محدود الانتشار، كما حرم قليل الخمر ولو لم يكن مثل كثيره مفضيا إلى الإسكار، لأن المعصية تدفع إلى مثلها، والعدوى تضاعف من فعلها، و " سد الذرائع "، من أحكم وأوجب الشرائع.

وقد عرفت الشريعة الإسلامية من عقوبات هذه الفاحشة في الحالات القليلة التي واجهتها عقوبة الإحراق والرجم والقتل

ص: 450

والجلد والتعزير، وهذه العقوبات كلها طبقت عليها أيضا خارج العالم الإسلامي في فترات مختلفة، حسبما تؤكده المصادر الأجنبية، ولا تزال القوانين الوضعية في كثير من أقطار العالم تدينها وتعاقب عليها حتى اليوم.

أما العقاب الإلهي الذي عوقب به قوم لوط على فاحشتهم الكبرى وما كانوا يعملونه من مختلف السيئات، فقد فصله كتاب الله في سورة هود إذ قال:{فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [83، 82]، وفي سورة الحجر إذ قال:{فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ * فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} [75، 73] وأجمله كتاب الله في هذه السورة بعد أن تحدث عن لوط والناجين من أهله إذ قال: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ} ، لأنها كانت متواطئة معهم وبقيت بجانبهم، فكانت من الهالكين {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ}. قال القاضي أبو بكر (ابن العربي):" وإنما دخل في هذا العقاب الكبير والصغير، لسكوت الجملة عليه والجماهير، فكان منهم فاعل، وكان منهم راض، فعوقب الجميع، وبقي الأمر في العقوبة مستمرا على الفاعلين، إلى يوم الدين ".

وفي ختام القصص التي قصها الله في هذه السورة على رسوله المصطفى، تثبيتا لفؤاده، وتحذيرا لعباده، خاطبه الحق

ص: 451

سبحانه وتعالى قائلا: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} فدعاه إلى حمده تعالى على نصرة المحقين، وهزيمة المبطلين، والسلام على أصفيائه الأمناء المتقين، الذين بلغوا الرسالة وأدوا الأمانة، وجاء ذلك بمنزلة " صدر الخطبة " الذي يكون تمهيدا لما يليه من براهين الحق القاطعة، وحججه الساطعة.

قال جار الله الزمخشري وتابعه أبو حيان: " أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يتلو هذه الآيات، الناطقة بالبراهين على وحدانيته، وقدرته على كل شيء وحكمته، وأن يستفتح بتحميده والسلام على أنبيائه المصطفين من عباده، وفيه تعليم حسن، وتوقيف على أدب جميل، وبعث على التيمن بالذكرين والتبرك بهما، والاستظهار بمكانهما، على قبول ما يلقى إلى السامعين وإصغائهم إليه، وإنزاله من قلوبهم المنزلة التي يبغيها المسمع، ولقد توارث العلماء والخطباء والوعاظ كابرا عن كابر، هذا الأدب، فحمدوا الله عز وجل، وصلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمام كل علم مفاد، وقبل كل عظة وتذكرة، وفي مفتتح كل خطبة، وتبعهم المترسلون، فأجروا عليه أوائل كتبهم في الفتوح والتهاني والحوادث التي لها شأن ".

وقد بادر كتاب الله عقب حمد الله على نعمه وآلائه، والسلام على أصفيائه، بعرض دلائل وحدانيته وقدرته وحكمته، منتزعة من واقع الكون وواقع الإنسان، إذ فيهما أوضح حجة وأسطع برهان.

وفي كل شيء له آية

تدل على أنه الواحد

ص: 452

فقال تعالى منبها ومذكرا، ومبشرا ومنذرا، والخطاب موجه لمن يأتي من الأقوام في مستقبل العصور، ويسلك مسلك الأقوام السالفة في الجحود والإنكار والغفلة والغرور، {ءَاللَّهُ آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ * أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ * أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} .

وختم هذا العرض الباهر الذي كله حق مبين، بخطاب موجه إلى خاتم الأنبياء والمرسلين، وكل من آمن برسالته إلى يوم الدين، فقال تعالى:{قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} .

ص: 453