المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الربع الأخير من الحزب التاسع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت) - التيسير في أحاديث التفسير - جـ ٤

[محمد المكي الناصري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الرابع

- ‌الربع الأول من الحزب الواحد والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الواحد والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الواحد والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة مريم

- ‌الربع الثاني من الحزب الواحد والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الواحد والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الواحد والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الواحد والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الواحد والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثاني والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة طه

- ‌الربع الأول من الحزب الثاني والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثاني والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثاني والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثاني والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثاني والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثاني والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثاني والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثالث والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الأنبياء

- ‌الربع الأول من الحزب الثالث والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثالث والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثالث والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثالث والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثالث والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثالث والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثالث والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الرابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الحج

- ‌الربع الأول من الأول من الحزب الرابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الرابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الرابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الرابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الرابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الرابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الرابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الخامس والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة المؤمنون

- ‌الربع الأول من الحزب الخامس والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الخامس والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الخامس والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الخامس والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الخامس والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الخامس والثلاثسنفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة النور

- ‌الربع الأخير من الحزب الخامس والثلاثسنفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب السادس والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب السادس والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب السادس والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب السادس والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب السادس والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب السادس والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب السادس والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الفرقان

- ‌الربع الأخير من الحزب السادس والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)(القسم الأول من هذا الربع)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)(القسم الأول من هذا الربع)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)(القسم الثاني من هذا الربع)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)(القسم الثاني من هذا الربع)

- ‌الربع الثالث من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الشعراء

- ‌الربع الثالث من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثامن والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الثامن والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثامن والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة النمل

- ‌الربع الثاني من الحزب الثامن والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثامن والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثامن والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الأول من الربع الأخير في الحزب الثامن والثلاثينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌الثمن الأول من الربع الأخير في الحزب الثامن والثلاثينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الثاني من الربع الأخير في الحزب الثامن والثلاثينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌الثمن الثاني من الربع الأخير في الحزب الثامن والثلاثينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الأول من الربع الأول في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌الثمن الأول من الربع الأول في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الثاني من الربع الأول في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌الثمن الثاني من الربع الأول في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الأول من الربع الثاني في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌الثمن الأول من الربع الثاني في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الثاني من الربع الثاني في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة القصص

- ‌الثمن الثاني من الربع الثاني في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الأول من الربع الثالث في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌الثمن الأول من الربع الثالث في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الثاني من الربع الثالث في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌الثمن الثاني من الربع الثالث في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌تعليق وتحقيق

- ‌الربع الأخير من الحزب التاسع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب التاسع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة العنكبوت

- ‌الربع الثاني من الحزب الأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الأربعينفي المصحف الكريم (ت)

الفصل: ‌الربع الأخير من الحزب التاسع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

‌الربع الأخير من الحزب التاسع والثلاثين

في المصحف الكريم (ت)

عباد الله

ابتداء من اليوم نعود إلى تناول ربع كامل من الذكر الحكيم في كل حصة من الحصص، طبقا للخطة التي جرينا عليها في أغلب هذه الأحاديث، وموعدنا اليوم مع الربع الأخير من الحزب التاسع والثلاثين، ابتداء من قوله تعالى:{فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا} إلى قوله تعالى في نهاية هذا الحزب: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} .

ــ

في بداية هذا الربع ينتقل كتاب الله من الحديث عن إقامة موسى بين ظهراني أهل مدين، حيث عقد مع " شيخ مدين الكبير " عقدا للزواج بابنته، وعقدا للإجارة والقيام بخدمته، إلى الحديث عن وفائه بكلا العقدين، وتأهبه للعودة إلى مسقط رأسه قرير العين، فها هو يغادر أرض مدين ويسير بأهله في رفقته، بعدما قضى " أتم الأجلين واوفاهما " في خدمة صهره ووالد زوجته، {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ} .

ومن حكمة الله وقدره العجيب أن الطقس كان باردا يتوقف على التدفئة، وان الجو كان قاتما يتوقف على الإنارة، فاحتاج

ص: 522

موسى إلى نور ونار، وبينما هو كذلك {آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا} أي رأى نارا تضيء على بعد، وكان في رؤيته لها نوع أنس {قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} . وبينما كان موسى يتوقع العثور على نار للتدفئة ونور للإضاءة، إذا به يفاجأ بما لم يكن في الحسبان، ويتبين له ان النار التي تخيلها من بعيد إنما هي شجرة خضراء، وجهته القدرة الإلهية نحوها، ليتلقى من خلالها نداء الرحمن {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} وشاطئ الوادي جانبه.

وحيث أنه كان يحمل معه عصاه التي يتوكأ عليها ويهش بها على غنمه خوطب في نفس الوقت بأمر إلهي مطاع: {وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ} ، فألقاها من يده في الحين، وإذا به يفاجأ بآية العصا، تلك الآية التي سيواجه بها في الأيام القادمة فرعون وملأه، ويبطل بها سحر السحرة الذين حشرهم فرعون من جميع أطراف مملكته {فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ} من دون أن يلتفت إلى الوراء، وذلك لهول المفاجأة وشدة وقعها، ويتداركه الحق بلطفه ويهدئ روعه في الحين، قائلا:{يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ} .

ثم يجري الحق سبحانه وتعالى على اليد التي كان موسى يحمل بها عصاه آية ثانية، فيغاير بين لونها ولون جسمه العادي، وتصبح بيضاء ناصعة البياض لها شعاع وبريق، لكن من غير عاهة

ص: 523

ولا برص، ويتلقى موسى خطاب ربه قائلا:{اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} ، على غرار قوله تعالى في سورة طه:{وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى} [الآية: 22].

ثم يدعوه سبحانه وتعالى إلى أن يضبط نفسه ويتجلد، ويسلك مسلك أولي العزم من الرسل، فلا يجزع ولا يخاف، لأن العناية الإلهية ستحيطه كما أحاطتهم بخفي الألطاف، وهذا ما يشير إليه الخطاب الإلهي الموجه إلى موسى إذ يقول:{وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ} .

ثم كشف الخطاب الإلهي عن السر فيما آتاه الله لموسى الكليم، من الرعاية والتكريم، إذ قال تعالى:{فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ} ، إ شارة إلى أن تحويل عصا موسى بأمر الله إلى حية تسعى في الوقت المناسب، وتحويل يده من حالتها الطبيعية، إلى يد بيضاء تتلألأ، لها شعاع وبريق، إنما هما برهانان على صدق رسالته، وصحة نبوته، اكرمه الله بهما ليتغلب على عناد فرعون ومغالطته، عندما يقبل على مخاطبته، ويتوجه إليه بدعوته، وعقب كتاب الله على هذا القرار الإلهي الحكيم بأن فرعون وملأه قد جاوزوا الحدود في تصرفاتهم ومعاملاتهم وحياتهم الخاصة والعامة، فلا بد من أن يوجه إليهم الإنذار الأخير، قبل الاعذار وسوء المصير {إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} .

والآن وقد سُرِّي عن موسى ووعى خطاب ربه، وأدرك مبلغ العبء الثقيل الذي وضعته الأقدار الإلهية على عاتقه، أخذ يتعلل

ص: 524

بكل وجه، رجاء أن يعفى من تكاليف التبليغ، ومواجهة طاغية كبير يضرب به المثل في العدوان والطغيان في كل الأزمان {قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ} .

ثم تعلل بكونه ليس فصيح اللسان، ولا قوي التعبير والبيان، كأخيه هارون، وكأنه يشير من طرف خفي إلى ترشيح أخيه بدلا منه لهذه المهمة الخطيرة، وذلك قوله فيما حكاه عنه كتاب الله:{وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا} .

ثم يقول متلطفا متعقبا: {فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِداً (رِدْءًا) يُصَدِّقُنِي} والردء: بمعنى المعين، {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ} . لكن الحق سبحانه وتعالى أكد تكليف موسى بالذهاب إلى فرعون، وأنعم عليه في نفس الوقت بالتصديق على مؤازرة أخيه هارون فيما وكله إليه {قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ} .

وتهدئة لروع موسى وتأمينا له من كل خوف تعهد الحق سبحانه وتعالى برعايته ورعاية أخيه، وحمايتهما من كل أذى، وبشرهما بأن الغلبة في النهاية ستكون لهما ولمن اتبعهما على الحق، ومعنى ذلك ان الهزيمة ستكون عاقبة فرعون وملائه، وهذا التعهد الإلهي النافذ هو ما نطق به قول الله تعالى في نفس السياق:{وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ} .

قال جار الله الزمخشري: " فإن قلت ما الفائدة في تصديق أخيه (ردا يصدقني)؟ قلت: ليس الغرض بتصديقه أن يقول له:

ص: 525

صدقت، أو يقول للناس: صدق موسى، وإنما هو ان يلخص بلسانه الحق، ويبسط القول فيه، ويجادل به الكفار، كما يفعل الرجل المنطيق ذو العارضة، فذلك جار مجرى التصديق المفيد، كما يصدق القول بالبرهان ".

ومضى كتاب الله يقص على نبيه والمؤمنين كيف ذهب موسى إلى فرعون وملائه، ويحكي الحوار الذي دار بين الفريقين، فقال تعالى:{فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ * وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ} وهذه لهجة خالية من المباهاة والعناد، مرغوب في استعمالها عند القيام بالدعوة والإرشاد، ثم قال تعالى:{إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} .

وعرض كتاب الله بعد ذلك ما قام به فرعون من مغالطة مكشوفة، تأييد لعقيدته الفاسدة، وتثبيتا لها في نفوس الأغرار والأغمار من قومه، مستعينا بهامان مستشار دولته، والمدافع عن عقيدته {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} أي أنا مالك رقابكم الوحيد، الذي تلزمكم طاعتي والخضوع لأمري دون غيري {فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى} ، وما دام أي بناء ولو بلغ أعلى عليين، لا يصل متسلقه إلى عرش رب العالمين، لكونه لا يحده زمان ولا مكان، ولا يدركه بصر أي إنسان، فسيتخذ فرعون من ذلك ذريعة لإنكار الألوهية، ويجعل موسى امام الملأ موضع

ص: 526

تهكم وسخرية، مشككا فيه وفي عقيدته إذ يقول:{وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ} .

ووصف كتاب الله ما كان عليه فرعون وجنود من عتو واستكبار، وإهدار لحقوق الخلق واستهتار ثم عقب على ذلك بإغراقهم في البحر وأخذهم أخذ عزيز مقتدر، جزاء وفاقا لكل طاغية متجبر، فقال:{وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ * فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ} .

قال الزمخشري: " هذا من الكلام الفخم الذي دل به (كتاب الله) على عظمة شأنه، وكبرياء سلطانه، شبههم استحقارا لهم واستقلالا لعددهم وإن كانوا الكثر الكثير، والجم الغفير بحصيات أخذهن آخذ في كفه فطرحهن في البحر، ونحو ذل قوله تعالى: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67] وما هي إلا تصويرات وتمثيلات لاقتدراه، وأن كل مقدور وإن عظم وجل فهو مستصغر إلى جنب قدرته سبحانه وتعالى ".

وكما كافأ الله أئمة الهدى الذي يدعون الناس إلى الخير، فجعل لهم " لسان صدق " أي لسان " مدح ومبرة " في الآخرين، كافأ أئمة الضلال الذين يدعون الناس إلى الشر، وجعل لهم لسان " قدح ومعرة " في الدنيا ويوم الدين، وذلك قوله تعالى:{وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ * وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ} .

ص: 527

وشاءت قدرة الله أن يكون قيام موسى بتبليغ دعوته المقرون بالقضاء على فرعون ودولته، تمهيدا لإكرام موسى بنزول التوراة عليه، وإقامة نظام جديد مستمد من الوحي الإلهي ومستند إليه، فقد مضى على الإنسانية قبله زمن طويل لم تعرف فيه أي مرشد أو دليل، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى هنا:{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} .

وبعدما تلا كتاب الله على رسوله الأمي الأمين، نبأ موسى وفرعون بالحق المبين، توجه إليه بالخطاب المستطاب، ممتنا بما قصه عليه من أمرهما في محكم الكتاب، فقال تعالى مخاطبا لخاتم أنبيائه ورسله:{وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ} ، و " الغربي " هنا وصف للمكان الواقع في شق الغرب من " الطور، حيث تلقى موسى عنده أمر ربه، وقال تعالى مخاطبا له مرة ثانية: {وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ} أي ما كنت مقيما بين أظهرهم، فتروي لأمتك خبرهم وخبر إقامة موسى عندهم {تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا}. وقال تعالى مخاطبا له مرة ثالثة: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ} أي طور سيناء أو " طور سينين " كما جاء في سورة التين {إِذْ نَادَيْنَا} أي ليلة المناجاة والتكليم، لموسى الكليم.

وهكذا يذكر كتاب الله خاتم رسله بالمراحل التي قطعها موسى في حياته قبل أن يولد هو ويبعث بقرون، ويعرفه بالوقائع والمواقع التي تألفت منها قصة موسى بدءا وختاما، الأمر الذي لا

ص: 528

سبيل إلى معرفته، والتعرف عليه على حقيقته، لولا الوحي الذي أكرم الله به رسوله، وجعله برهان صدقه ودليله، يتحدى به الجاحدين والمكابرين، ويطاول به المشركين والكافرين، ويذكر به المؤمنين، ولذلك قال تعالى وهو يخاطب نبيه في الآية الأولى من هذا السياق:{وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ} أي لم تكن حاضرا لتلك الوقائع، ولا عارفا بتلك المواقع، وقال تعالى في سياق الآية الثانية:{وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} أي نحن الذين اصطفيناك وأرسلناك، ومن علم الغيب علمناك، وقال تعالى في سياق الآية الثالثة:{وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} على غرار قوله تعالى فيما سبق: {وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ} أي قصصنا عليك أحسن القصص وعلمناك ما لم تكن تعلم، رحمة وتذكرة للقوم الذين طال عليهم الأمد، فقد سبقت لهم العناية، واقتضت حكمة الله أن يمدهم على يدك بهذا المدد، عسى ان يصلح الله أمرهم، ويجبر كسرهم، ويجعلهم خير أمة أخرجت للناس.

ثم زاد كتاب الله هذا المعنى توضيحا وتوكيدا، فقال تعالى:{وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} ومعنى هذه الآية ان الله تعالى، رحمة منه وفضلا، نظر إلى حال " أهل الفترة والجاهلية الأولى " ولم يبادر إلى عقابهم بما يستحقون، رغما عما اجترحوه من المعاصي والآثام، في سالف الأيام والأعوام، لأنه لو لم يمهلهم، ولو بادرهم بالعقاب قبل

ص: 529

إرسال الرسول وإنزال الكتاب، لخيل إليهم أنه مظلومون، ولقالوا: كيف يعاقبنا الحق ونحن من الهداية محرومون، فلو أرسل إلينا رسولا لآمنا به وصدقناه، ولو انزل علينا كتابا لأخذنا به واتبعناه.

ويعرج كتاب الله بعد ذلك على موقف المتعنتين المعاندين الذين تمسكوا بالضلال والخبال حتى بعد إعلان الرسالة ونزول الكتاب، وأخذوا يشترطون للإيمان بخاتم الرسل ان يكون له من الآيات مثل ما أوتي موسى من قبل، والحال أنهم لم يومنوا برسالة موسى ولا برسالة عيسى من بعده، رغما عن الآيات التي قارنت رسالتهما. على أنه لا يلزم أن تكون معجزات الأنبياء عليهم السلام واحدة، كما لا يلزم فيما أنزل عليهم من الكتب أن يكون على وجه واحد.

وها هو كتاب الله يعلن كفرهم الصراح بجميع الرسالات والرسل دون استثناء، ويبين ان ما كانوا يبررون به مواقفهم ليس إلا مجرد تستر وتهرب والتواء، وذلك ما يتضمنه قوله تعالى:{فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا} وهو محمد خاتم الرسل، والقرآن خاتم الكتب {قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ} وعن موسى ومحمد عليهما السلام:{قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ} .

ولقن كتاب الله لرسوله حجة أخرى تقطع أعذارهم، وتهتك أستارهم، فأمره أن يطالب أئمة الكفر بأن يقدموا له وللبشرية كتابا

ص: 530

أهدى من التوراة التي أنزلت على موسى، وأهدى من القرآن الذي أنزل بعده على محمد، مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه، وان يعلن إليهم انه على أتم الاستعداد لإتباع هذا الكتاب المقترح عليهم إن جاؤوا به من عند الله، وكان أهدى مما جاء به رسول الله، والله يعلم في سابق علمه وأزله أنهم عاجزون عن الإتيان بهذا الكتاب، وأنهم عباد هوى وأتباع ضلال لا يبحثون عن الحق ولا يهتدون إلى الصواب، وذلك قوله تعالى في ختام هذا الربع مخاطبا لنبيه في إيجاز وإعجاز:{قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} .

ص: 531