المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الربع الأخير من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت) - التيسير في أحاديث التفسير - جـ ٤

[محمد المكي الناصري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الرابع

- ‌الربع الأول من الحزب الواحد والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الواحد والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الواحد والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة مريم

- ‌الربع الثاني من الحزب الواحد والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الواحد والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الواحد والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الواحد والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الواحد والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثاني والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة طه

- ‌الربع الأول من الحزب الثاني والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثاني والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثاني والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثاني والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثاني والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثاني والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثاني والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثالث والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الأنبياء

- ‌الربع الأول من الحزب الثالث والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثالث والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثالث والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثالث والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثالث والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثالث والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثالث والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الرابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الحج

- ‌الربع الأول من الأول من الحزب الرابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الرابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الرابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الرابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الرابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الرابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الرابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الخامس والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة المؤمنون

- ‌الربع الأول من الحزب الخامس والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الخامس والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الخامس والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الخامس والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الخامس والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الخامس والثلاثسنفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة النور

- ‌الربع الأخير من الحزب الخامس والثلاثسنفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب السادس والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب السادس والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب السادس والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب السادس والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب السادس والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب السادس والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب السادس والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الفرقان

- ‌الربع الأخير من الحزب السادس والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)(القسم الأول من هذا الربع)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)(القسم الأول من هذا الربع)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)(القسم الثاني من هذا الربع)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)(القسم الثاني من هذا الربع)

- ‌الربع الثالث من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الشعراء

- ‌الربع الثالث من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثامن والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الثامن والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثامن والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة النمل

- ‌الربع الثاني من الحزب الثامن والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثامن والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثامن والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الأول من الربع الأخير في الحزب الثامن والثلاثينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌الثمن الأول من الربع الأخير في الحزب الثامن والثلاثينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الثاني من الربع الأخير في الحزب الثامن والثلاثينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌الثمن الثاني من الربع الأخير في الحزب الثامن والثلاثينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الأول من الربع الأول في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌الثمن الأول من الربع الأول في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الثاني من الربع الأول في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌الثمن الثاني من الربع الأول في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الأول من الربع الثاني في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌الثمن الأول من الربع الثاني في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الثاني من الربع الثاني في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة القصص

- ‌الثمن الثاني من الربع الثاني في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الأول من الربع الثالث في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌الثمن الأول من الربع الثالث في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الثاني من الربع الثالث في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌الثمن الثاني من الربع الثالث في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌تعليق وتحقيق

- ‌الربع الأخير من الحزب التاسع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب التاسع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة العنكبوت

- ‌الربع الثاني من الحزب الأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الأربعينفي المصحف الكريم (ت)

الفصل: ‌الربع الأخير من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

‌الربع الأخير من الحزب السابع والثلاثين

في المصحف الكريم (ت)

عباد الله

في حصة هذا اليوم نتناول الربع الأخير من الحزب السابع والثلاثين في المصحف الكريم، ابتداء من قوله تعالى في سورة الشعراء المكية:{قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ} إلى قوله تعالى في نفس السورة: {إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} .

ــ

واصل كتاب الله في القسم الأول من هذا الربع ذكر حلقات أخرى من قصة موسى مع فرعون وقومه، وتناول في القسم الذي يليه قصة إبراهيم، وجزءا من قصة نوح عليهما السلام، ويواجهنا في بدايته جواب السحرة الذين بهرتهم معجزة موسى فسجدوا لله وآمنوا برب العالمين، دون أن يحسبوا حسابا لفرعون وملائه، والجمع الحاشد الذي كان من حوله، معلنين في جوابهم أنهم لا يهابون الموت والاستشهاد في سبيل الله، بل يتحملون أذى فرعون وعذابه الموقوت، طمعا في رضوان الحي الذي لا يموت، إذ لا ينقطع رضوانه ولا يفوت {قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ * إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ} . وهكذا

ص: 371

انتقل السحرة من حال إلى حال، وكان لهول المفاجأة في نفس فرعون وملائه وقع الصاعقة أو الزلزال، فبعد أن كانوا " سحرة كفرة " يقسمون " بعزة فرعون "، انقلبوا إلى " مؤمنين بررة " يرجون من الله العفو، فسبقوا إلى الإيمان، من حضر موقف التحدي والرهان، وإذا كان جوابهم قد جاء في هذه السورة موجزا مجملا، فقد سبق في سورة طه مطولا ومفصلا، {قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الآيتان: 72، 73].

ثم بين كتاب الله موقف فرعون وملائه من رسالة موسى وما اتخذه من الوسائل الزجرية، والتعبئة النفسية والعسكرية، لمقاومتها والحيلولة دون تحقيق أهدافها، وإلى ذلك يشير قوله تعالى:{فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ* إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ} كما بين كتاب الله بنفس الإيجاز والإعجاز ما قام به موسى عليه السلام، من التدابير الجريئة والخطط المحكمة، التي بلغت الغاية في التنظيم والإحكام، لكونها مسددة الخطى، مؤيدة من الله بالوحي والإلهام، إذ قال تعالى:{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ} - {فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ} وسجل كتاب الله مشاهد المعركة الدائرة بين الحق والباطل بقيادة موسى عليه السلام من جهة، وقيادة فرعون من جهة أخرى، فقال تعالى: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ

ص: 372

رَبِّي سَيَهْدِينِ فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ}، وأنهى كتاب الله قصة موسى في هذا الربع، ببيان العاقبة التي آل إليها أمر فرعون ومن معه، وموسى ومن معه، فقال تعالى مشهرا بعاقبة الفريق الأول، ومنذرا بنفس العاقبة لكل من سار على نهجه {فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} وقال تعالى منوها بعاقبة الفريق الثاني، ومبشرا كل من اهتدى بهديه:{وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ} .

ولا شك أن ما تضمنته قصة موسى، من المواقف والمشاهد والمثلات والعبر، كان يشابه أو يقارب إلى حد كبير ما يواجهه خاتم الأنبياء والمرسلين في الحال، وما سيواجهه في المستقبل المنتظر، فقد عبأ مشركو قريش جميع قواهم المادية والأدبية للطعن في رسالته، وحاولوا بكل الوسائل محاصرة دعوته، وكما فارق موسى وقومه معه مصر، لينجوا من طغيان فرعون وقومه، هاجر خاتم الأنبياء والمرسلين مع أصحابه من مكة، لينجوا من طغيان الشرك وأهله، وكما كان النصر على فرعون حليف موسى في عاقبة أمره، سيكون النصر حليف الرسول وصحبه في نهاية عمره {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} .

ومن التذكير بقصة موسى انتقل كتاب الله إلى التذكير بقصة إبراهيم عليه السلام، فقال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ * قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ *

ص: 373

قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ}. وهذا الحوار الصريح الذي دار بين إبراهيم وأبيه وقومه أبرز ما كان سائدا بينهم من السذاجة والجهل والتقليد الأعمى، الأمر الذي جعل إبراهيم عليه السلام يعلن براءته من الأصنام التي يعبدونها، وعداوته لها، دون تحفظ ولا تردد {قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ} .

وكان هذا الرد المفحم من إبراهيم الخليل على قومه الضالين، صدمة بالغة لهم، ومحاولة جادة لنقلهم من عبادة الأصنام إلى عبادة الله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لا يستحق العبادة سواه، فهو الذي يعبده إبراهيم ويطيعه ويتولاه، {إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ * الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} . وبهذه الأوصاف التي وصف بها إبراهيم ربه عرفهم بخصائص الألوهية ومظاهر الربوبية، كما عرفهم ببداية الحياة ونشأة الأحياء، وما يؤول إليه مصير الإنسان في دار البقاء. ومن لطائف التفسير ما يلاحظ في قوله تعالى هنا حكاية عن إبراهيم الخليل:{وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} فقد أسند في هذه الجملة المرض إلى نفسه، وإن كان عن قضاء الله وقدره، أدبا مع الله، وتربية للعارفين بالله، أضف إلى ذلك ان كثيرا من أسباب المرض تحدث بتفريط من نفس الإنسان، لكن لا يتم شفاؤها إلا بإذن الرحيم الرحمن.

ص: 374

وإذا كان الحوار الإبراهيمي مفيدا ومنتجا بالنسبة للماضي في مهاجمة الشرك والوثنية، والتعريف بخصائص ومظاهر الربوبية، فإن التذكير به في كتاب الله على عهد الرسالة المحمدية، أعظم فائدة، وأعم عائدة، لا سيما ومشركو قريش يعتبرون أنفسهم " عربا إسماعيلية " فهم بالنسبة لإبراهيم الخليل أقرب الأقرباء، ودعوة إبراهيم للتوحيد ضد الشرك الذي هم عليه سند قوي يؤكد دعوة خاتم الأنبياء، ولذلك جاء التعقيب عليها بما ينتظر مشركي قريش وغيرهم من المشركين، من عذاب يوم الدين، فقال تعالى:{وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ * وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ * فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ * وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ * قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ * تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ * فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ * فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} ، ثم ختمت قصة إبراهيم بما يشير إلى الحكمة من إيرادها، والفائدة من تذكير الرسول وقومه بها، فقال تعالى:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} .

أما قصة نوح عليه السلام التي استغرقت من هذا الربع في نهايته ست آيات لا غير، فلنؤجل تفسير ما ورد منها في هذه السورة إلى الربع المقبل بحول الله، حتى نلقي عليها نظرة شاملة.

ولنلتفت الآن إلى شرح بعض المفردات الواردة في هذا

ص: 375

الربع، فقوله تعالى في قصة موسى:{فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ} من الشروق، والمراد به شروق الشمس وطلوعها، وهو بيان لوقت وصول فرعون وجنوده والتقائهم بموسى ومن معه. وقوله تعالى:{إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} معناه أن " أصحاب موسى " كانوا يتوقعون أن يدركهم فرعون بجنوده. وقوله تعالى: {فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} ، المراد بالفرق في الأصل هو الفج الواقع بين جبلين، والطود هو الجبل الكبير، وقوله تعالى:{وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ} أي قربنا الآخرين من البحر، والمراد " بالآخرين " فرعون وجنوده. وقوله تعالى في قصة إبراهيم حكاية عن قومه:{فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ} أي نظل مقيمين على عبادة الأصنام ودعائها. وقوله تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ} أي قربت الجنة وأدينت من أهلها. وقوله تعالى: {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ} أي كشف عنها وعن أهوالها للغاوين المسوقين إليها. وقوله تعالى: {فَكُبْكِبُوا فِيهَا} أي كبوا فيها وألقي بعضهم على بعض. وقوله تعالى حكاية عن نفس الغاوين الضالين: {فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} معناه أنهم يتمنون العودة إلى الدنيا، زاعمين انهم إذا عادوا إليها أطاعوا وأصلحوا، بدلا مما كانوا عليه من المعصية والفساد، لكن المتوقع خلاف ما زعموا {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الأنعام: 28].

ومما ينبغي التنبيه إليه في هذا المقام ما حكاه كتاب الله على لسان إبراهيم الخليل، من أدعية صالحة كلها ابتهال إلى الله وتعظيم وتبجيل:

ص: 376

الدعاء الأول: {رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} .

والدعاء الثاني: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} .

والدعاء الثالث: {وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ} .

والدعاء الرابع: {واغفر لأبي إنه كان من الضالين} .

والدعاء الخامس: {وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} .

فالدعاء الأول يتضمن التماس المزيد من الرشد والحكمة والالتحاق بزمرة الصالحين المصلحين.

والدعاء الثاني يتضمن التماس الذكر الجميل المستمر على وجه الدهر في كل جيل، والمراد " بلسان الصدق " الثناء الحسن الذي لا تزيد فيه ولا مبالغة.

والدعاء الثالث يتضمن التماس الفوز في الجنة بالنعيم المقيم، حيث لا لغو ولا تأثيم.

والدعاء الرابع يتضمن التماس الغفران لأبيه، إن تاب إلى الله وأناب إليه.

والدعاء الخامس يتضمن التماس العز والكرامة، وعدم التعرض للهوان والذل يوم القيامة، فهذه الأدعية الصالحة التي دعا بها إبراهيم أب الأنبياء، هي خير ما يتوجه به إلى الله الصالحون الأتقياء، وهي دليل على مزيد تعلقه بالله، ومبلغ خشيته من الله {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28].

ص: 377

وقد استجاب الله لإبراهيم أدعيته، وحقق بمنه وكرمه أمنيته، وليؤكد فضله عليه لدى السابقين واللاحقين، قال تعالى في كتابه المبين:{وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} [البقرة: 130].

أما دعاؤه الخاص لأبيه، فقد بين كتاب الله القرار الأخير فيه، فقال تعالى في سورة التوبة:{وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} [الآية: 114].

ص: 378