المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الربع الثاني من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)(القسم الأول من هذا الربع) - التيسير في أحاديث التفسير - جـ ٤

[محمد المكي الناصري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الرابع

- ‌الربع الأول من الحزب الواحد والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الواحد والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الواحد والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة مريم

- ‌الربع الثاني من الحزب الواحد والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الواحد والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الواحد والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الواحد والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الواحد والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثاني والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة طه

- ‌الربع الأول من الحزب الثاني والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثاني والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثاني والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثاني والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثاني والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثاني والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثاني والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثالث والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الأنبياء

- ‌الربع الأول من الحزب الثالث والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثالث والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثالث والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثالث والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثالث والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثالث والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثالث والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الرابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الحج

- ‌الربع الأول من الأول من الحزب الرابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الرابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الرابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الرابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الرابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الرابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الرابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الخامس والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة المؤمنون

- ‌الربع الأول من الحزب الخامس والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الخامس والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الخامس والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الخامس والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الخامس والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الخامس والثلاثسنفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة النور

- ‌الربع الأخير من الحزب الخامس والثلاثسنفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب السادس والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب السادس والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب السادس والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب السادس والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب السادس والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب السادس والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب السادس والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الفرقان

- ‌الربع الأخير من الحزب السادس والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)(القسم الأول من هذا الربع)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)(القسم الأول من هذا الربع)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)(القسم الثاني من هذا الربع)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)(القسم الثاني من هذا الربع)

- ‌الربع الثالث من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الشعراء

- ‌الربع الثالث من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثامن والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الثامن والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثامن والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة النمل

- ‌الربع الثاني من الحزب الثامن والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثامن والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثامن والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الأول من الربع الأخير في الحزب الثامن والثلاثينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌الثمن الأول من الربع الأخير في الحزب الثامن والثلاثينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الثاني من الربع الأخير في الحزب الثامن والثلاثينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌الثمن الثاني من الربع الأخير في الحزب الثامن والثلاثينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الأول من الربع الأول في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌الثمن الأول من الربع الأول في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الثاني من الربع الأول في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌الثمن الثاني من الربع الأول في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الأول من الربع الثاني في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌الثمن الأول من الربع الثاني في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الثاني من الربع الثاني في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة القصص

- ‌الثمن الثاني من الربع الثاني في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الأول من الربع الثالث في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌الثمن الأول من الربع الثالث في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الثاني من الربع الثالث في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌الثمن الثاني من الربع الثالث في الحزب التاسع والثلاثينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌تعليق وتحقيق

- ‌الربع الأخير من الحزب التاسع والثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب التاسع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة العنكبوت

- ‌الربع الثاني من الحزب الأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الأربعينفي المصحف الكريم (ت)

الفصل: ‌الربع الثاني من الحزب السابع والثلاثينفي المصحف الكريم (ت)(القسم الأول من هذا الربع)

‌الربع الثاني من الحزب السابع والثلاثين

في المصحف الكريم (ت)

(القسم الأول من هذا الربع)

عباد الله

في حصة هذا اليوم نشرع في تفسير الربع الثاني من الحزب السابع والثلاثين في المصحف الكريم، ابتداء من قوله تعالى في سورة الفرقان المكية:{أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا} . ونظرا للحاجة الملحة إلى شيء عن التوسع في تفسير آياته، والإلمام ما أمكن بكافة موضوعاته، سنقتصر في حديث اليوم على تقديم القسم الأول من تفسير هذا الربع، وهو خاص بتفسير ست آيات منه لا غير، تاركين تفسير بقية الآيات الواردة فيه إلى القسم الثاني الذي نقدمه في حصة الغد بحول الله وقوته.

ــ

في بداية هذا الربع وجه كتاب الله الخطاب إلى كل إنسان عنده نصيب من الوعي وحظ من التأمل، لينظر إلى ما حوله من ظواهر طبيعية، ونواميس كونية، يزخر بها الكون، نظرة تدبر واعتبار، إذ بالتعرف عليها، والتأمل فيها، والتعمق في بحثها، يهتدي إلى ما تحتوي عليه من المنافع والحكم والأسرار، فينتفع بها في حياته اليومية خير انتفاع، وتكون له خير حافز على

ص: 328

الاختراع والإبداع، ويصل في نهاية المطاف عن طريقها العقلي المضمون، إلى معرفة خالق الكون الذي طبع الطبيعة، وشرع الشريعة، فيقدر الله حق قدره، ويهتدي بهديه ويأتمر بأمره، فقال تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا * ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا * وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا} ، وقال تعالى:{وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا * وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا} ، وقال تعالى:{تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} .

ففي هذه الآيات لفت كتاب الله أنظار الناس أجمعين إلى عدة ظواهر طبيعية، مرتبطة في نشأتها وسيرها بالسنن الإلهية، كل واحد منها برهان ساطع على وجود الله وقدرته، ودليل قاطع على حكته ورحمته، وهذه الظواهر هي ظاهرة تعاقب الظل والضوء، وتعاقب الصحو والمطر، وتعاقب الليل والنهار، وتعاقب الشمس والقمر، وازدواج الماء بين عذب ومالح، وازدواج الإنسان بين ذكر وأنثى، فمتى فتح الإنسان بصره وبصيرته لدراسة هذه الظواهر واستيعابها أدرك بالبداهة ان تصنيفها وتصريفها فوق قدرة

ص: 329

البشر، وأنها من صنع الله الذي أتقن كل شيء، ومتى ربط الإنسان بين هذه الظوار وبين حياته الخاصة فوق سطح الأرض، وعرف أن حياة النوع البشري كله رهينة بوجودها واستمرارها، إذ إنه لولا ما بين هذه الظواهر الطبيعية وبين تكوين الإنسان الخاصة، وحاجياته الملحة، من توافق وتلاؤم وانسجام، لما أمكن له العيش بدونها لحظة واحدة، أدرك لا محالة أن تكوينها على ما هي عليه، وتكوينه هو على ما هو عليه، إنما هما صادران عن قوة مدبرة حكيمة هي قوة الخالق الحكيم الذي يدبر كل شيء بأمره {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الجاثية: 13].

فقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ} يتضمن دعوة كل إنسان إلى ملاحظة ظاهرة طبيعية تبرز عند كل مطلع شمس، لتستفيد من وجودها جميع الكائنات الحية، الموجودة على سطع الأرض، وفي طليعتها الإنسان نفسه الذي لا يستطيع الحياة في راحة وهناء إذا فقدها بالمرة، ألا وهي ظاهرة " الظل " الذي يلاحق ضوء الشمس، " والذي ترخيه الأشياء بجوارها وعلى جوانبها ممتدا أو منقبضا، يتحرك إذا تحركت، ويسكن إذا سكنت، ولكن لا يسمع الناس له همسا، ولا يلقون إليه بالا " فبالرغم من أن طاقة الشمس لا يصل منها إلى الأرض إلا ما يقارب جزءين اثنين من بليون جزء من طاقتها الكلية، نجد الإنسان فضلا عن النبات وبقية الأحياء لا يتحمل تعريض جسمه طيلة النهار لهذا القدر الضئيل من طاقتها باستمرار، وكما

ص: 330

أن الإنسان يكره بطبعه الظلمة الخالصة وينفر منها، فإنه لا يحب الضوء الخالص الذي يسطع بقوة فيبهر البصر، والذي يرهق الجسم فيضعفه ويؤذيه بحرارته الزائدة، بل يفضل الظل عليهما معا، لأنه بالنسبة لطبيعته وتكوينه أطيب الأحوال، ولذلك جعله الحق سبحانه وتعالى معدودا في جملة النعم التي سيكرم بها أصحاب اليمين في دار النعيم، إذ قال:{وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ * وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} [الواقعة: 27، 28، 29، 30] وقال: {لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا} [النساء: 57]، وحرم المكذبين بيوم الدين من هذه النعمة الكبرى، فقال تعالى في شأنهم:{انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ * انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ * لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ} [المرسلات: 29، 30، 31]، ومعنى قوله:{لَا ظَلِيلٍ} أي لا يفيد فائدة الظل في كونه واقيا من الحر، وقال تعالى:{وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ * وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ} [فاطر: 19، 21]. وعلى غرار الإنسان الذي يميل إلى الطقس المعتدل، ويفضل الظل الذي يلطف الحرارة نجد النباتات والحيوانات، بل حتى الحشرات، تبحث بدورها عن الظل، وتفضل الحياة في كنفه، وذلك لتنعم بحرارة مقبولة يمكنها أن تتحملها وتساعدها على البقاء. ونظرا لكون الظل من أهم العوامل الملطفة للجو، استعمله العرب في لغتهم كناية عن معنى " الراحة " فقالوا " السلطان ظل الله في الأرض "، قاصدين بذلك أن الشأن في السلطان أن يدفع الأذى عن الناس ويرعى مصالحهم، كما

ص: 331

يدفع الظل عنهم أذى حر الشمس ويلائم مصالحهم.

وقوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا} توكيد لامتنان الله على خلقه بنعمة الظل، فوجود الظل من أصله إلى جانب الشمس نعمة كبرى، وحركة الظل التي ترافق الشعاع الفائض من الشمس نعمة أخرى، ولولا رعاية الخالق الحكيم لمصالح عباده ورحمته بهم لما أوجد الظل أصلا، فبرزت الكائنات الحية لأشعة الشمس وجها لوجه وهلكت، أو لجعل الظل بعد وجوده دائما لا يتحول، وساكنا لا يتحرك، ففقدت الكائنات الحية ولا سيما النبات الذي هو قوام حياة الإنسان والحيوان منافع الطاقة الشمسية التي تغذيها بالقوة والنماء، إذ بواسطة إشعاع الشمس وانبساط الظل تتمكن من مواصلة حياتها الطبيعية دون تعب ولا عناء.

وقوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا} إشارة إلى حقيقة طبيعية أخرى هي أن الظل يلاحق أشعة الشمس، وأشعة الشمس تلاحق الظل، فهما متلازمان ومتعاقبان، بحيث كلما ازداد أحدهما نقص الآخر، وإن كانا متعاكسين، كل منهما يسير في اتجاه مغاير للثاني، حتى إذا ما غربت الشمس شرق الظل، وإذا شرقت غرب، فلولا الشمس لما عرف الظل، كما أنه لولا الظلمة لما عرف النور، وبهذا كانت الشمس دليلا على الظل بالتضاد لا بالاتفاق. ونظرا لما بين الظل وشعاع الشمس من رابطة قوية لا تنفصم، فقد انتفع الإنسان بهذه الظاهرة الطبيعية التي تتكرر بانتظام في تنظيم حياته اليومية، فقاس الزمن، وعين ساعات النهار، تبعا للظل الممدود الذي تحدثه أشعة الشمس على

ص: 332

الأرض، وعن هذا الطريق اهتدى المسلمون إلى ابتكار (علم التوقيت)، للتعرف على مواقيت الصلاة، وتعيين الوقت الشرعي لأدائها، بواسطة المزاول الشمسية، التي برعوا في صنعها كل البراعة.

وقوله تعالى: {ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا} إشارة إلى ان الظل لا يظل على حالة واحدة من الانبساط والامتداد، بل يعتريه التقلص والانقباض، إذ كلما ازداد ارتفاع الشمس ازداد نقصان الظل بحسبه والعكس بالعكس. قال جار الله الزمخشري:" وفي هذا القبض اليسير شيئا بعد شيء، من المنافع ما لا يعد ولا يحصى، ولو قبض دفعة واحدة لتعطلت أكثر مرافق الناس بالظل والشمس جميعا ". فما أدق حكمة الله في خلقه، وما أوسع رحمته بعباد، وصدق الله العظيم، إذ قال ممتنا على الناس بهذه النعمة:{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا} [النحل: 81]، وقال أيضا:{أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ} [النحل: 48].

وبعدما وصف كتاب الله ظاهرة الظل وارتباطها بالشمس بغاية الإيجاز ومنتهى الإعجاز، كشف النقاب عن ظاهرة أخرى هي ظاهرة تعاقب الليل والنهار، اللذين يقتسمان المعمور في وقت واحد قسمة عادلة، فيكون نصف الكرة الأرضية نهارا، ونصفها الآخر ليلا، ولو كانت الأرض منبسطة لا كروية لعمها ضوء الشمس عند الشروق دفعة واحدة، فكان النهار فيها جميعا،

ص: 333

ثم لعمها الظلام عند الغروب دفعة واحدة، فكان الليل فيها جميعا، لكن حكمة الله اقتضت أن تظل الحياة نابضة فيها على الدوام، وذلك على سبيل التناوب بين نصفها الذي يكون نهارا ونصفها الذي يكون ليلا. تعريفا من الله لعباده، بما في تعاقب الليل والنهار من منافع لهم، وامتنانا عليهم، قال تعالى:{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا} ، فشبه كتاب الله الليل باللباس، لكونه يستر الأشياء والأحياء كما يستر اللباس البدن، إذ في الليل تهدأ الحركة العامة، ويتوقف النشاط اليومي، ويغشى الناس مساكنهم ليسكنوا إلى أهليهم وذويهم، ويقضوا جزءا من الليل في ممارسة حياتهم الخاصة بين الأقرباء، وذلك في ستر تام من فضول الرقباء، وأنسب شيء بالذكر في هذا المقام، هو نوم الليل الذي يعتبر أحسن غذاء للجسم بالراحة والاستجمام، وإنما وصف كتاب الله النوم بكونه {سُبَاتًا} ، لما يلازمه في العادة من التمدد والاسترخاء وتوقف الحركات، التي تشترك في القيام بها أثناء النهار مختلف الأعضاء والجوارح والملكات، ووصف كتاب الله النهار، بكونه {نُشُورًا} ، تشبيها لقيام الناس فيه من النوم، وانتشارهم في الأرض لمكاسبهم ومعايشهم، بقيامهم من الموت، وهو البعث الذي يطلق عليه اسم (النشور) حقيقة لا مجازا، وسبق ذكر " النشور " بمعناه الحقيقي في قوله تعالى في هذه السورة:{بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا} [الآية: 40].

ص: 334

ثم نبه كتاب الله كافة الأنظار إلى ظاهرة أخرى جديرة بالتدبر والاعتبار، والكشف عما في كوينها وتصريفها من حكم وأسرار، وهذه الظاهرة هي ظاهرة تصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لإنزال الأمطار، وما يتبع ذلك من نتائج وآثار، وذلك قوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا} ، مشيرا إلى أن دور الرياح، أو الهواء الصاعد إلى أعلى، في إثارة السحب على اختلاف أنواعها، وتلقيحها ببخار لكي تجود بالمطر، هو الدور الرئيسي الذي بدونه لا يمكن أن تنزل من السماء، قطرة واحدة من الماء، ومؤكدا لمن لا يزال عنده شك، ان تصريف الرياح وإرسالها أمر لا يقدر عليه إلا الله تعالى وحده، الذي له الخلق والأمر، لأنه يتوقف على طاقة عظمى، ويحتاج إلى تدبير كبير فوق طاقة الإنسان المحدودة وتدبيره القاصر {وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ} .

وقوله تعالى هنا: {بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} على غرار قوله تعالى في آية أخرى: {وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا} [المرسلات: 3]، من " النشور " الذي هو الحياة بعد الموت، إشارة إلى أن الرياح تسبق السحب، مؤذنة بإحياء الله للبلاد، ورحمته للعباد {لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا} .

وقوله تعالى هنا: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} إشارة إلى أن الماء المنزل من السماء طاهر مطهر لغيره، وهو

ص: 335

أفضل المياه، ويعتبر طاهرا شرعا وطبعا ما لم يتغير أحد أوصافه، وكما أنزل الله من السماء الذكر الحكيم ليطهر به العقول والأفكار، أنزل منها الماء ليطهر به الأبدان من الأوساخ والأوضار.

وقوله تعالى هنا: {وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا} بتقديم الأنعام على الأناسي إشارة إلى أن قوام حياة الناس بحياة أرضهم وحياة أنعامهم، فعامة معايشهم متعلقة بحياة الحيوان والنبات، إذ عليهما المعول في التغذية والاقتيات، والإنعام من الله بسقي أرضهم وأنعامهم هو في الحقيقة إنعام عليهم، لا يقل أهمية عن الإنعام بسقيهم أنفسهم. ووصف " الأناسي " بالكثرة في قوله تعالى:{وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا} إشارة إلى أن النوع الإنساني سيتضاعف عدده على سطح الأرض مع مرور الزمن ويقول هل من مزيد، لكن لا ينقذه من عوزه وضيق عيشه إلا مدد إلهي جديد.

وعالج كتاب الله في هذا الربع ظاهرة أخرى تثير منتهى العجب والإعجاب عند كافة أولي الألباب، ألا وهي ظاهرة انقسام الماء إلى عذب فرات وملح أجاج، رغما عن كون الماء واحدا في تركيبه الخاص، ثم منع الاختلاط بينهما والامتزاج، رغما من التقاء الماء العذب مع الماء الأجاج، وذلك قوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا} فالماء العذب ما تجود به الأمطار فتحمله الأنهار، وتخزنه العيون والآبار، ولو جمع هذا الماء في صعيد واحد لكان بحرا من أكبر البحار، لكن الله تعالى وزعه بين

ص: 336

خلقه في كل أرض بحسب حاجتهم وكفايتهم، فهو بحر سارح في الأرض بين الناس، إلى جانب البحار المعروفة في العالم، التي خصها الله بالماء الملح الأجاج. على أن الأنهار الكبرى ذات الماء العذب التي تصب في البحار يصح أن يطلق عليها اسم " البحر " بطريق المجاز، لشبهها به في كثرة الماء واتساع الرقعة، فيقال للنهر العذب الكبير الواسع " بحر " كما يقال للبحر الأجاج " بحر ". وإذا ما التقى الماء العذب الذي تجري به الأنهار مع الماء الملح الذي تجري به البحار، فإن كلا من الماءين يتفادى الامتزاج مع الآخر، رغما عما يوجد بينهما من تماس والتصاق، وذلك حتى لا تبطل حكمة الله من وجودهما معا، إذ إن كل ما على اليابسة من الأحياء، لا تنتظم حياته إلا بالعذب من الماء، وعلى العكس من ذلك البحار لو خلت مياهها من الملح لفسدت وفسد ما فيها من الأحياء، ولأنتنت وتلوث الهواء. وقد جعل الله جاذبية الأرض عونا للأنهار، حتى يمكنها أن تصب في البحر، كما جعل الجاذبية لجاما للبحر حتى لا يصب في النهر ولا يطغى عليه - رغما عن صغر النهر بالنسبة إلى البحر - وكذلك الأمر عندما يلتقي بحر ببحر، أو بحر بأرض يابسة، فالبحر ملجم من خالقه الحكيم العليم بلجام الجاذبية، لا يفارق مستقره بحال، وهذه المعاني هي بعض ما يشير إليه قوله تعالى هنا:{وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا} أي جعل بينهما حاجزا تلقائيا، ومانعا طبيعيا، على غرار قوله تعالى في آية ثانية:{مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ} [الرحمن: 19، 20]، أي لا يبغي أحدهما على الآخر، وقوله تعالى في آية ثالثة: {وَجَعَلَ

ص: 337

بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} [النمل: 61].

ثم مضى كتاب الله يقيم الحجة تلو الحجة على وحدانية الله وقدرته، وبالغ علمه وحكمته، فلفت نظر الإنسان، في أي مستوى كان، إلى ظاهرة بارزة لا تغيب عن العين، ولا تقبل أي شك أو مين، ألا وهي ظاهرة خلق النوع الإنساني، الذي هو أرقى أنواع الحيوان، وأحسنها تقويما، وأكثرها تعقيدا، وأقدرها على حمل الأمانة والقيام بالخلافة عن الله في عمران الأرض، من نفس العنصر الذي خلق منه أبسط الحيوانات، وأضعف الحشرات، ألا وهو عنصر الماء الذي هو القاسم المشترك بين كافة الأحياء، مصداقا لقوله تعالى:{وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ} [النور: 45]، وقوله تعالى:{وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [الأنبياء: 30]، ثم ظاهرة النطفة الواحدة وهي أيضا ماء التي يخلق الله منها في آن واحد، وحمل واحد، توأمين ذكرا وأنثى، فضلا عما يخلقه منها على انفراد من الذكور والإناث، مصداقا لقوله تعالى:{خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} [الطارق: 6]، وقوله تعالى:{فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} [القيامة: 39]، وإلى هاتين الظاهرتين الأصلية والفرعية يشير قوله تعالى هنا:{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا} وذوو " النسب " هم الذكور، إذ إليهم يقع انتساب الذرية خلفا عن سلف، وذوات " الصهر " هن الإناث، إذ بواسطتهن تتم المصاهرة ويوجد الأصهار، وعن طريق هذين العنصرين تنشأ الأسر وتتسع، حتى تصبح عشائر، وتتسع العشائر، حتى تصبح قبائل، وتتعدد

ص: 338

القبائل حتى تصبح شعوبا {وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا} .

وأضاف كتاب الله إلى ما عرضه من آياته الكونية في هذا الربع ظاهرة أخرى لها وثيق الصلة باستمرار الحياة على وجه الأرض، وسيرها سيرا مطردا منتظما، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ألا وهي ظاهرة تعاقب الشمس والقمر، المختلفين بطبيعتهما، والمتكاملين بمنفعتهما، فقال تعالى:{تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا} ، وأطلق كتاب الله على الشمس (اسم السراج) لكونها مصدرا قائما بذاته للحرارة والنور، بينما اقتصر في وصف القمر على كونه {مُنِيرًا} إشارة إلى أن إنارته للأرض إذا سطع نوره عليها ليست أصلية، ولكنها مستمدة من ضوء الشمس، إذ القمر في أصله جرم مظلم، ويزيد هذه الآية تفسيرا وتوضيحا قوله تعالى في سورة نوح:{وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا} [الآية: 16].

وقوله تعالى هنا: {جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا} على غرار قوله تعالى في آية أخرى: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} [البروج: 1]، وقوله تعالى:{وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ} [الحجر: 16] إشارة إلى الكواكب السيارة السابحة في الفضاء، ومداراتها الفلكية في أعالي الأجواء، ومن بينها منازل الشمس والقمر التي لها أهمية خاصة في حياة الإنسان، إذ إن لها علاقة مباشرة بكل ما عرفه من تدرج الأزمنة، وتنقل الفصول، وتحديد الأيام والشهور والأعوام. وواضح أن تعاقب الليل والنهار مرتبط كل الارتباط بحركة الشمس اليومية،

ص: 339

التي هي بالنسبة لنا حركة ظاهرية، مردها إلى دوران الأرض حول نفسها، ولذلك يكون نصفها المقابل لضوء الشمس نهارا، ونصفها الآخر الذي لا يقابل ضوءها ليلا.

وقوله تعالى هنا: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً} إشارة إلى ما في تعاقب الليل والنهار، وكون كل منهما يخلف الآخر، من حكمة ربانية، وعناية إلهية، مردهما إلى إعانة الإنسان على ممارسة الحياة ممارسة معتدلة منتظمة لا شطط فيها ولا إرهاق، فللكد والسعي، والعلاقات المتداخلة بين الناس، وقتها وهو النهار، وللراحة والاستجمام، والعلاقات الخاصة التي لا تداخل فيها مع الآخرين، وقتها وهو الليل، ولا شك أن هذا التوزيع الإلهي لحياة الإنسان بين الليل والنهار، مع ما يتميز به كل منهما من خصائص وأسرار، نعمة كبرى تستحق الشكر والتدبر والاعتبار، وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالى في آية أخرى:{لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} وقوله تعالى في آية أخرى: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [القصص: 73].

ص: 340