المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الربع الأخير من الحزب الواحد والخمسينفي المصحف الكريم (ت) - التيسير في أحاديث التفسير - جـ ٦

[محمد المكي الناصري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء السادس

- ‌الربع الأول من الحزب الواحد والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الأحقاف

- ‌الربع الأول من الحزب الواحد والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الواحد والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة محمد

- ‌الربع الثاني من الحزب الواحد والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الواحد والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الواحد والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الواحد والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الفتح

- ‌الربع الأخير من الحزب الواحد والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثاني والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الثاني والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثاني والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الحجرات

- ‌الربع الثاني من الحزب الثاني والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثاني والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة ق

- ‌الربع الثالث من الحزب الثاني والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثاني والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الذاريات

- ‌الربع الأخير من الحزب الثاني والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثالث والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الطور

- ‌الربع الأول من الحزب الثالث والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثالث والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة النجم

- ‌الربع الثاني من الحزب الثالث والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثالث والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة القمر

- ‌الربع الثالث من الحزب الثالث والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثالث والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثالث والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الرابع والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الرحمن

- ‌الربع الأول من الحزب الرابع والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الرابع والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الواقعة

- ‌الربع الثاني من الحزب الرابع والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الرابع والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الحديد

- ‌الربع الثالث من الحزب الرابع والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الرابع والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الرابع والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الخامس والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة المجادلة

- ‌الربع الأول من الحزب الخامس والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الخامس والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الحشر

- ‌الربع الثاني من الحزب الخامس والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الخامس والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الممتحنة

- ‌الربع الثالث من الحزب الخامس والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الخامس والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الصف

- ‌الربع الأخير من الحزب الخامس والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب السادس والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الجمعة

- ‌ سورة المنافقون

- ‌الربع الأول من الحزب السادس والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب السادس والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة التغابن

- ‌الربع الثاني من الحزب السادس والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب السادس والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الطلاق

- ‌الربع الثالث من الحزب السادس والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب السادس والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة التحريم

- ‌الربع الأخير من الحزب السادس والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب السابع والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الملك

- ‌ سورة القلم

- ‌الربع الأول من الحزب السابع والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الحاقة

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب السابع والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة المعارج

- ‌الربع الثالث من الحزب السابع والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب السابع والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة نوح

- ‌الربع الأخير من الحزب السابع والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثامن والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الجن

- ‌ سورة المزمل

- ‌الربع الأول من الحزب الثامن والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثامن والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة المدثر

- ‌الربع الثاني من الحزب الثامن والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثامن والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة القيامة

- ‌ سورة الإنسان

- ‌الربع الثالث من الحزب الثامن والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثامن والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة المرسلات

- ‌الربع الأخير من الحزب الثامن والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب التاسع والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة النبأ

- ‌ سورة النازعات

- ‌الربع الأول من الحزب التاسع والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب التاسع والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة عبس

- ‌ سورة التكوير

- ‌الربع الثاني من الحزب التاسع والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب التاسع والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الانفطار

- ‌ سورة المطففين

- ‌ سورة الانشقاق

- ‌الربع الثالث من الحزب التاسع والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب التاسع والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة البروج

- ‌ سورة الطارق

- ‌الربع الأخير من الحزب التاسع والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الستّينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الأعلى

- ‌ سورة الغاشية

- ‌ سورة الفجر

- ‌الربع الأول من الحزب الستّينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الستينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة البلد

- ‌ سورة الشمس

- ‌ سورة الليل

- ‌ سورة الضحى

- ‌الربع الثاني من الحزب الستينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الأول من الربع الثالث في الحزب الستينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الشرح

- ‌ سورة التين

- ‌ سورة العلق

- ‌ سورة القدر

- ‌الثمن الأول من الربع الثالث في الحزب الستينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الثاني من الربع الثالث في الحزب الستينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة البينة

- ‌ سورة الزلزلة

- ‌ سورة العاديات

- ‌الثمن الثاني من الربع الثالث في الحزب الستينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الأول من الربع الأخير في الحزب الستينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة القارعة

- ‌ سورة التكاثر

- ‌ سورة العصر

- ‌ سورة الهمزة

- ‌ سورة الفيل

- ‌الثمن الأول من الربع الأخير في الحزب الستينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الثاني من الربع الأخير في الحزب الستينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة قريش

- ‌ سورة الماعون

- ‌ سورة الكوثر

- ‌ سورة الكافرون

- ‌ سورة النصر

- ‌ سورة المسد

- ‌ سورة الإخلاص

- ‌ سورة الفلق

- ‌ سورة الناس

- ‌الثمن الثاني من الربع الأخير في الحزب الستينبالمصحف الكريم (ت)

الفصل: ‌الربع الأخير من الحزب الواحد والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

‌الربع الأخير من الحزب الواحد والخمسين

في المصحف الكريم (ت)

عباد الله

في حديث هذا اليوم نتناول الربع الأخير من الحزب الواحد والخمسين في المصحف الكريم، ابتداء من قوله تعالى في سورة "محمد" المدنية:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} ، إلى قوله تعالى جل علاه في صورة "الفتح" المدنية أيضا:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا} .

ــ

لا تزال التوجيهات الإلهية تترى على المسلمين الأولين بما يهديهم ويسدد خطواتهم، ويقيم دعائم دولتهم الأولى بالمدينة المنورة، على أساس متين، من الحق المبين.

ففي هذا الربع يتجه الخطاب الإلهي إلى المؤمنين بأحب وصف إليهم، وأعز شعار عليهم، وهو وصف " الإيمان " بالدين الحنيف، وشعاره المنيف:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} ، ثم يؤكد الحق سبحانه وتعالى أمره لهم بطاعة الله وطاعة رسوله، طاعة كاملة مطلقة، لا تردد فيها ولا التواء، وذلك حذرا من إبطال

ص: 38

أعمالهم، وإحباط مساعيهم، إذا لم يبادروا إلى الامتثال، أو ظهرت منهم بوادر الإهمال:{أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} .

ثم يتحدث كتاب الله عن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله، بما يضعونه في طريق المؤمنين من العراقيل، وما يدبرونه من المؤامرات والدسائس لعرقلة الدعوة الإسلامية، حتى لا تتمكن من تحقيق أهدافها، والوصول إلى غاياتها، وينذر هؤلاء الأعداء الألداء للإسلام والمسلمين بأنهم إذا واصلوا نفس الخطة تجاه الإسلام، ولم يتراجعوا عنها إلى أن أدركهم الموت، فإنه لا سبيل إلى غفران ذنوبهم، ولا إلى نجاتهم من العذاب الأليم الذي ينتظرهم، ومعنى هذا أن فرصتهم الوحيدة المواتية إلى الآن وحتى الآن هي تدارك ما فات بالدخول في حظيرة الإسلام، والتوقف عما اعتادوه من الدسائس والآثام، فإذا تابوا إلى الله قبل أن يدركهم الموت توبة نصوحا كان لهم في الإسلام ردء وأي ردء، وجنة واقية من عذاب الله، إذ الإسلام يجب ما قبله، وإلى ذلك يشير قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} .

واتجه خطاب الله بعد مرة أخرى إلى المؤمنين جميعا، ناهيا لهم عن الرضى بالوهن والفشل والتخاذل، وعن الميل إلى موادعة الأعداء ومسالمتهم، إن كانت تلك المواعدة والمسالمة لا خير فيهما للإسلام، ولا نفع من ورائهما للمسلمين، وذلك قوله تعالى:{فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ} ، قال القاضي أبو بكر

ص: 39

(ابن العربي): " إن الصلح إنما هو إذا كان له وجه يحتاج فيه إليه، ويفيد فائدة ".

ووضح كتاب الله السر في نهي المسلمين عن التخاذل والوهن، وعن الصلح إذا لم تكن فيه فائدة محققة للإسلام، فقال تعالى:{وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ} ، إشارة إلى أن الدعوة الإسلامية التي يدافع المسلمون عن حريتها، ويجاهدون في سبيل استقرارها واستمرارها دعوة سامية يجب أن يكتب لها البقاء، لأنها أجلّ قدرا وأعظم مقاما، وأجدى نفعا للبشرية جمعاء، من دعوة الشرك والجاهلية التي هي دعوة سافلة منحطة يجب القضاء عليها إلى الأبد، {وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} . يضاف إلى ذلك أن الدعوة الإسلامية دعوة إلهية من الملأ الأعلى تسدد خطواتها إرادة الله النافذة، وحكمته البالغة، فمن نصرها وحمل لواءها كان الله معه في حركاته وسكناته:{وَاللَّهُ مَعَكُمْ} ، ومن كان الله معه لم يقف في وجهه شيء:{وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا} (النساء: 45)، ثم قال تعالى:{وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} ، أي لن يقطع عنكم جزاء أعمالكم، بل يمنحكم الجزاء الأوفى.

وانتقلت الآيات الكريمة إلى التهوين من شأن المصالح المادية، والمنافع الشخصية، التي قد تعوق الإنسان عن الفداء والتضحية في سبيل عقيدته السامية، فقال تعالى:{إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ} ، إشارة إلى أن خير زاد يتزود به المسلم في هذه الدار لتلك الدار هو ما يملأ به قلبه من الإيمان، وما يشغل به جوارحه من الأعمال الصالحة

ص: 40

المزدوجة النفع، دنيا وأخرى، فذلك هو الزاد الذي يدوم ويبقى، أما ما عداه من الشهوات والملذات، والأغراض البشرية الصرفة التي يصرف الناس فيها حياتهم، فمآلها إلى الانصراف والزوال، وهي تنتهي بانتهاء وقتها في الحال.

واتجه كتاب الله إلى مخاطبة المسلمين في موضوع حساس بالنسبة لحياتهم المادية، ألا وهو موضوع البذل في سبيل الله، والإنفاق على الدعوة الإسلامية، وعلى الجهاد الإسلامي المشروع، لحماية هذه الدعوة وضمان وجودها، منبها إلى أن الحق سبحانه وتعالى لا يأمر المسلمين بإنفاق كل ما يملكونه في هذا السبيل، لأنه لو أمرهم بإنفاق كل ما يملكون لشق عليهم هذا التكليف وضاقوا به ذرعا، إذ يكون فيه نوع من الإحراج:{وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ * إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ} ، ومبدأ الإسلام الأساسي:" لا يكلف الله نفسا إلا وسعها " وقاعدته الأصلية: " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " لكن المطلوب من المسلمين هو أن لا يتخلفوا عن واجباتهم الأساسية، وأن يبذلوا من أموالهم في سبيل تحقيقها والوفاء بها ما هو ضروري لذلك في حدود المستطاع، وامتثال المسلمين لهذا الأمر الإلهي يعود عليهم قبل غيرهم بالصلاح والرشاد، ويضمن لهم القوة والهيبة بين العباد، فإذا بخلوا بأموالهم، وتخلوا عن واجباتهم جنوا ثمرة بخلهم ضعفا في أنفسهم، وهوانا على الله وعلى الناس، وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالى: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ

ص: 41

مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ}. قال ابن كثير: " وصف الله بالغنى وصف لازم له، ووصف الخلق بالفقر وصف لازم لهم لا ينفكون عنه "، وهذا أمر واضح، ما داموا فقراء إلى رزقه في الدنيا، وإلى أجره في الآخرة.

وخُتِمت سورة " محمد " أو سورة " القتال " بخاتمة تعتبر إنذارا أو شبه إنذار، مما كان له وقع عظيم عند المسلمين الأولين، ذلك أنها تعلن في حزم وصراحة أن الدعوة الإسلامية التي وكلها الله إلى رسوله والمؤمنين إنما هي أمانة مودعة بين أيديهم، شرفهم الله بها وميزهم بفضلها على بقية الناس، فإن وفوا بها، وقاموا بحقها، وضحوا في سبيلها، كانوا أهلا لها، ومضوا في حمل أمانتها إلى يوم الدين، وإن تخلوا عنها، أو أهملوا شأنها، أو بخلوا في سبيلها ببذل النفس والمال نزع الله أمرها من بين أيديهم، واستبدل بهم غيرهم، وجعل هذا الغير أفضل منهم في القيام بحقها، والوفاء لها، والتفاني في سبيلها، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى في خطابه للمؤمنين:{وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} .

ومن هنا ننتقل إلى سورة " الفتح " المدنية أيضا، وهذه السورة نزلت في السنة السادسة من الهجرة عقب " صلح الحديبية " الشهير، " والفتح " الذي تشير إليه هو صلح الحديبية نفسه، باعتبار ما كان فيه من المصلحة في البداية، وما آل إليه أمره في النهاية، لا " فتح مكة " كما يتبادر إلى بعض الأذهان، قال عبد الله

ص: 42

بن مسعود: " إنكم تعدون (الفتح) فتح مكة، ونحن نعد الفتح صلح الحديبية "، وقال جابر:" ما كنا نعد الفتح إلا يوم الحديبية "، وروى البخاري بسنده عن البراء قال:" تعدون أنتم الفتح فتح مكة، وقد كان فتح مكة فتحا، ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية ". إلى آخر الحديث. ذلك أنه مضت خمسة أعوام منذ هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة والمشركون يمنعونه ويمنعون المؤمنين من دخول مكة ولو في الأشهر الحرم، حتى كان العام السادس للهجرة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيارة بيت الحرام في رفقة ألف وأربعمائة من المسلمين، وذلك في شهر ذي القعدة، وخرج " معتمرا " لا يريد حربا، وساق معه الهدي سبعين بدنة، إيذانا للمشركين بأنه فعلا غير عازم على حربهم ولا على فتح مكة، لكن قريشا لبسوا " جلود النمور " وخرجوا لملاقاته، إذ تعاهدوا فيما بينهم على أن لا يدخلها أبدا، وتبودلت الرسل بين الفريقين، وكان عثمان بن عفان رسول الله إلى قريش، وكان سهيل بن عمرو رسول قريش إلى رسول الله، وانتهى الأمر بكتابة صلح الحديبية الشهير، الذي كان من جملة ما تضمنه أن يرجع الرسول عامه ذاك، ثم يأتي إلى مكة من العام القابل، وكان علي رضي الله عنه كاتب الصحيفة المتضمنة لشروط الصلح، وعند منصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية وهو في طريقه إلى المدينة المنورة نزلت عليه سورة " الفتح " المدنية التي نحن بصدد تفسيرها الآن. وبمناسبة نزولها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رواه البخاري والترمذي والنسائي من طرق عن مالك بن أنس: " نزل علي البارحة سورة هي أحب إلي من الدنيا وما فيها: {إِنَّا فَتَحْنَا

ص: 43

لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ}، فقد كان هذا الخطاب الإلهي الكريم بشرى مضاعفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بما يناله في الدنيا وما يناله في الآخرة، وذلك بالإضافة إلى ما تضمنه من تصديق لمعاهدة الصلح التي عقدها مع قريش، ومن إعلان الله رضاه عن الأهداف السامية الموفقة، التي رمت إليها تلك الخطة النبوية الكريمة.

وقوله تعالى: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} ، يتضمن إحدى الخصائص التي يختص بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يشاركه فيها غيره من الناس. قال ابن كثير:" وليس في حديث صحيح في ثواب الأعمال لغير رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فهذا تشريف عظيم لرسول الله، هذا هو صلى الله عليه وسلم في جميع أموره على الطاعة والبر والاستقامة، التي لم ينلها بشر سواه، لا من الأولين ولا من الآخرين ".

وانتقلت الآيات إلى الحديث عن " السكينة " التي أنزلها الله في قلوب المؤمنين، وما ينتظرهم من الجزاء الحسن عند الله، وما ينتظر المنافقين والمشركين من العذاب الأليم، وبينت الآيات أن مبايعة المؤمنين لرسول الله تحت الشجرة في " بيعة الرضوان " بالحديبية إنما هي مبايعة لله:{يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} ، ولم يهمل كتاب الله الحديث عن موقف المنافقين من الأعراب الذين تخلفوا عن رسول الله، وعن الأعذار التي ينتظر أن ينتحلوها ليبرروا بها تخلفهم عنه، ويفضح كتاب الله نواياهم الحقيقية، ومخاوفهم الوهمية: {بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ

ص: 44

أَبَدًا}، ويحدد كتاب الله الموقف المناسب اتخاذه منهم، فيما يستقبل من معارك الجهاد الإسلامي، كما يتنبأ بما سيمتحنون به في مستقبل الأيام:{قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} .

ويعرج كتاب الله في نهاية هذا الربع على الأعذار المقبولة شرعا للتخلف عن الجهاد، والإعفاء من الواجبات العسكرية، وفي هذه الأعذار ما هو لازم ودائم، كالعمى والعرج المستمر، وما هو عارض ومؤقت، كالمرض الذي يطرأ ثم يزول، إذ يعتبر المريض ملحقا بذوي الأعذار العارضة حتى يبرأ من مرضه، وذلك قوله تعالى:{لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} .

وتختم آيات هذا الربع بنفس المبدأ الذي كان فاتحة لها، ألا وهو مبدأ الطاعة لله والطاعة لرسوله، وما يناله المطيع من الجزاء بالحسنى، وما يناله العاصي من العذاب الأليم، وذلك قوله تعالى:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا} .

ص: 45