الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الربع الأخير من الحزب الثامن والخمسين
في المصحف الكريم (ت)
عباد الله
في حديث هذا اليوم نتناول تفسير الربع الأخير من الحزب الثامن والخمسين في المصحف الكريم، ابتداء من قوله تعالى في سورة "الإنسان" المكية:{وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا} ، إلى قوله جل علاه في ختام سورة "المرملات" المكية أيضا:{فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} .
ــ
تواصل الآيات الكريمة في بداية هذا الربع وصف ما أعده الله لعباده " الأبرار " من ضروب النعيم وصنوف الإحسان، وفي خلال هذا الوصف يقول الله تعالى في خطابه لنبيه:{وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا} ، أي: إذا رأيت يا محمد الجنة وما هي عليه رأيت نعيما حقيقيا لا ينغصه أي منغص، ولا يساويه أي نعيم عرفه الناس، ورأيت ملكا إلهيا كبيرا، تتضاءل دونه جميع مظاهر الملك البشري المحدود، فملك الله لا يعادله غيره في السلطان الباهر، والنفوذ القاهر. ولا غرابة فيما يفاجأ به الذين آمنوا بالله ورسوله في دار النعيم، فقد وعدهم الله أن يكرمهم " بما لا عين رأت، ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ".
وفي خلال هذا الوصف يقول الله تعالى بشأن عباده الأبرار: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} ، وقد فسره ابن كثير بأن الله تعالى طهر بواطنهم من الحسد والحقد والغل والأذى وسائر الأخلاق الرديئة، اعتمادا منه على أثر روي في الموضوع عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وبذلك جمع لهم الحق سبحانه وتعالى بين نظارة الظاهر وجمال الباطن، إذ قال تعالى في حقهم في الربع السابق:{وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا} .
وتفضل الحق سبحانه وتعالى، فأعلن إلى عباده " الأبرار " أنه قد بر بوعده، وأوفى بعهده، فقال تعالى:{إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا} ، بمعنى أن هذا النعيم المقيم الذي يتقلبون فيه- على سعته وعظمته- هو إحسان من الله إليهم، تكريما لتقواهم، وتقديرا لنواياهم، بالرغم من أنه لا نسبة بين عملهم المحدود المنتهي في الدنيا، ونعيم الله الواسع الذي لا نهاية له في دار الخلود.
وانتقل كتاب الله إلى دعوة الرسول عليه السلام إلى الثبات على الحق، وإلى تبشيره بمدد روحاني جديد يمده الله به من عنده، حتى يقوى على مواجهة قريش بعنادها وإصرارها وتكتلها، ومن ورائها إذ ذاك- من الجهة المعنوية- قوات الشرك والكفر والطغيان في العالم أجمع، مذكرا له بالرسالة العظمى التي أنزلها عليه في الذكر الحكيم، آمرا له بالاعتصام بالصبر والثبات، في وجه جميع العراقيل والعقبات، داعيا إياه إلى مكافحة الإثم والكفر كفاحا لا هوادة فيه ولا تنازل، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى:
ولا بأس من التنبيه هنا على أن التعبير في هذه الآية وأمثالها بصيغة " نزل ": {نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا} ، يفيد بمقتضى الاستعمال اللغوي لهذه الصيغة بالذات أن كتاب الله لم ينزل على رسوله دفعة واحدة، وإنما نزل بالتدريج وبالتتابع على دفعات، حسب التخطيط الإلهي لمناسبات نزوله، وحسب الوقائع والأحداث، وبذلك يؤدي لفظ " نزّل " في هذا السياق معنى خاصا لا يؤديه غيره من الأفعال الأخرى المشتقة من هذه المادة.
ثم اتجه الخطاب الإلهي إلى الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام، آمرا له بالذكر والعبادة والتسبيح والسجود، ولا سيما في خلوات الليل، فقال تعالى:{وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا} ، على غرار قوله تعالى:{وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} (الإسراء: 79)، وذلك لأن العبادة بكافة أشكالها وأنواعها عون عظيم على تحمل الأعباء الجسام، ولا سيما أعباء الرسالة، وإلى هذا المعنى ينظر قوله تعالى في آية أخرى:{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} .
والتنويه " بعبادة الليل " في هذا المقام، وحض الرسول عليها بالخصوص، يناسب ما يمتاز به الليل من السكون والهدوء، وما يساعد عليه من جمع الفكر والتأمل والتدبر في آيات الله القرآنية
والكونية، والاستغراق في مناجاته دون انقطاع، على حد قوله تعالى في سورة (المزمل: 5): {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} ، بمعنى أن قيام الليل هو أشد مواطأة بين القلب واللسان، وأجمع للخاطر عند تلاوة القرآن.
وعاد كتاب الله مرة أخرى إلى التنديد بموقف المشركين والكفار، وما هم عليه من الاستغراق في الشهوات والاستهتار، فقال تعالى:{إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا} ، وقد جاء التعبير عن الدنيا في هذه السورة أيضا باسم " العاجلة " على غرار ما سبق في سورة (القيامة: 20، 21)، إذ قال تعالى:{كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ} ، " فالعاجلة " هي الحياة الدنيا، التي مهما طالت فهي قصيرة الأجل، ومهما أبطأت فهي مسرعة الخطى، وحظ كل إنسان منها أسرع وأقصر، بحيث لا يستحق أن يذكر، " واليوم الثقيل " الذي تركوه أمامهم، وتشير إليه الآية هنا، هو " يوم القيامة "، فهو " ثقيل " بتبعاته الكبيرة، ومسؤولياته الخطيرة، حيث يحشر الخلق أمام خالقهم للعرض والحساب، وهو " ثقيل " بنتائجه وعواقبه، حيث يتلقى الخلق أحكام خالقهم، إما بالثواب وإما بالعقاب.
وانتقلت الآيات الكريمة إلى التهوين من شأن " أصحاب العاجلة " المغرورين المستغرقين في شهواتهم، المنتهكين لحرمات الله، والمتعدين لحدوده، مبينة أنهم مدينون بكل شيء لله الذي خلقهم، والذي أمدهم بكل ما يستعملونه من طاقات وملكات، وأن ما يسيئون التصرف فيه، من نعم الله وعطاياه، إنما
هو عارية مستردة، وسيحاسبون عليها حسابا عسيرا، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى:{نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ} ، وقوله تعالى في نهاية السياق:{وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} .
وقوله تعالى هنا: {وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا} ، يمكن تفسيره بمعنى أن الله تعالى قادر على أن يبعثهم يوم القيامة ويعيد خلقهم من جديد، من باب الاستدلال بالنشأة الأولى على النشأة الآخرة، ويمكن تفسيره بمعنى أن الله تعالى إذا شاء أبادهم من الدنيا عقابا لهم، وأتى بغيرهم من الناس، على حد قوله تعالى في آية ثانية:{إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ} (النساء: 133)، وقوله تعالى في آية ثالثة:{إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} (فاطر: 16، 17).
وعادت الآيات الكريمة مرة أخرى إلى الحديث عن " كتاب الله " والتنويه بما جاء به من الهداية والنور للإنسانية جمعاء مع الإشارة إلى أن في طليعة أهدافه تذكير الناسين، وتنبيه الغافلين، إلى ما عليهم من حقوق الله وحقوق لمخلوقاته يلزمهم القيام بها، وصرف الوجهة إليها، وذلك قوله تعالى هنا، ونفس هذا النص سبق نظيره في سورة (المزمل: 17): {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا} ، ولا طريق إلى الله والوصول إلى معرفته ورضاه، أفضل وأضمن من كتاب الله، روي عن أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه أنه سأل عن المخرج من الفتن فقال: " المخرج منها كتاب الله، فيه نبأ من قبلكم، وخبر ما
بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، فهو حبل الله المتين، ونوره المبين، والذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا تتشعب معه الآراء، ولا يشبع منه العلماء، ولا تمله الأتقياء، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، من علم علمه سبق، ومن قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن عمل به أجر، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم ". قال ابن كثير:" وقد وهم بعضهم في رفع هذا الحديث ".
وقوله تعالى هنا: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} ، يمكن أن يفهم على وجهين:
- الوجه الأول: أن المؤمن ينبغي له أن يربط أعماله وتصرفاته بمشيئة الله، أدبا مع الله من جهة، وتوكلا عليه من جهة أخرى، بحيث لا يعتقد أن إرادته المحدودة هي الكل في الكل، وذلك على حد قوله تعالى:{وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} (الكهف: 23).
- والوجه الثاني: أن المؤمن ينبغي له أن يلتجئ إلى الله دائما، ويطلب منه الهداية منه والتوفيق فيما يقدم عليه من أعمال وتصرفات، حتى ييسر له أسباب النجاح من جميع الوجوه، وقد سبق في ختام سورة " المدثر " قوله تعالى:{وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} ، وهو يشابه تمام المشابهة قوله تعالى هنا:{وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} .
ثم عقب كتاب الله على ذلك بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} ، أي:" عليما " بنواياكم في أعمالكم وتصرفاتكم، " حكيما " في تيسير أسبابها والتصديق عليها إن كانت خيرا، أو في تعطيل أسبابها، والتعرض لها، إن كانت شرا، ولله الحجة الدامغة، والحكمة البالغة.
والآن فلننتقل بعون الله وتوفيقه إلى سورة " المرسلات " المكية أيضا، وهذه السورة الكريمة تتناول بالوصف مشاهد القيامة وأهوالها بالنسبة لجميع الأكوان، ولا سيما ما يتعرض له الإنسان، وكما سبق في سورة " الرحمن " التعقيب على كل نعمة من نعم الله بقوله تعالى:{فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} ، وتكرر ذلك إحدى وثلاثين مرة، نجد التعقيب ها هنا على كل حجة وبرهان، من حجج الله القاطعة، وبراهينه الساطعة، بقوله تعالى:{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} ، ويتكرر ذلك عشر مرات، عقب مختلف الآيات.
وقد سجلت هذه السورة في مطلعها قسما غليظا بعدد من القوات المسخرة لله، المبثوثة في الآفاق، وهذا القسم ينصب على أن ما وعد به من قيام الساعة، والبعث، والحشر، والجزاء، واقع لا محالة، وإن كذب به المكذبون، وأنكره المنكرون، وذلك قوله تعالى:{بسم الله الرحمن الرحيم وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا * فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا * وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا * فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا * فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا * عُذْرًا أَوْ نُذْرًا * إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ} .
والمراد " بالمرسلات " هنا الرياح، بناء على ما يستفاد من
قوله تعالى في آية ثانية: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} (الحجر: 22)، وفي آية ثالثة:{هُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} (الأعراف: 57)، و " العاصفات " و " الناشرات " هنا وصفان للرياح " المرسلات "، إذ كثيرا ما تصحب الرياح عواصف تهب معها، وسحب تنتشر في السماء إثرها.
والمراد بـ {الْفَارِقَاتِ فَرْقًا} ، {الْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا} الملائكة المكرمون، كما قاله ابن مسعود وابن عباس ومن تابعهما، فإن الملائكة تنزل بأمر الله على رسله بما يفرق بين الحق والباطل، والهدى والضلال، والحلال والحرام، وتلقى إلى رسله من الوحي ما فيه إعذار للخلق حينا، وما فيه إنذار لهم حينا آخر، وذلك معنى قوله تعالى:{ذِكْرًا * عُذْرًا أَوْ نُذْرًا} .
ثم عرض كتاب الله على جميع الأنظار صورة حية من مشهد الانقلاب العظيم الذي سيشهده الكون عندما ينفرط عقده، وتتقوض أركانه، وهذا المشهد قادم لا محالة بشهادة القرآن العظيم أولا، وهذه الشهادة عندنا هي الأساس، واعتراف البحث العلمي الحديث ثانيا، وهذا الاعتراف لمن له به استئناس، فسيأتي يوم تتفجر فيه القوى المخزونة في الكون، ويكفي أن يقع الانفجار في كوكب واحد ليمتد منه الانفجار إلى الكواكب الأخرى فيحيلها دخانا وغبارا، وإلى ذلك يشير قوله تعالى:{فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ} ، أي: ذهب ضوءها ونورها، {وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ} ، أي: انفطرت وانشقت، {وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ} ، أي: أصبحت هباء منثورا بعد نسفها واقتلاعها من أصلها.
وقوله تعالى: {وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ * لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ} ، إشارة إلى أن يوم القيامة هو الموعد الذي يقدم فيه الرسل إلى بارئهم حساباتهم مع الذين أرسلوا إليهم من البشر، ويعرضون فيه النتائج التي أثمرتها الرسالة الإلهية إلى مختلف الأمم والشعوب، سلبا وإيجابا، على حد قوله تعالى في آية ثانية:{وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} ، (الزمر: 69)، وقوله تعالى في آية ثالثة:{يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ} (المائدة: 109)، فقد أجل هذا الموعد الفصل:{لِيَوْمِ الْفَصْلِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} .
ومضى كتاب الله يتحدث عن مصارع الأمم الغابرة، وعن آيات الكون الباهرة، وعن أهوال الآخرة، وعما يكون فيه المتقون من النعيم المقيم:{كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} ، وعما يكون فيه المجرمون المكذبون من العذاب الأليم:{كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ} .
وللمرة العاشرة جاء قوله تعالى في هذا السياق: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} ثم جاء التعقيب عليه بسؤال مقتضب يثير الاستغراب والعجب، ألا وهو قوله تعالى في ختام هذه السورة:{فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} ؟ أي: إذا أصروا على التكذيب بالقرآن، ولم يؤمنوا بما فيه من حكمة وبيان، وحجة وبرهان، وهو {الذِّكْرِ الْحَكِيمِ} الذي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ
خَلْفِهِ} فبماذا سيؤمنون؟ أيؤمنون بالرأي العقيم، والفكر السقيم، ويعطلون ملكة العقل السليم والفهم القويم؟ وقد سبق في سورة (الأعراف: 185) وضع هذا السؤال في سياق قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} .