المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الربع الثاني من الحزب الرابع والخمسينفي المصحف الكريم (ت) - التيسير في أحاديث التفسير - جـ ٦

[محمد المكي الناصري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء السادس

- ‌الربع الأول من الحزب الواحد والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الأحقاف

- ‌الربع الأول من الحزب الواحد والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الواحد والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة محمد

- ‌الربع الثاني من الحزب الواحد والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الواحد والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الواحد والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الواحد والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الفتح

- ‌الربع الأخير من الحزب الواحد والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثاني والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الثاني والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثاني والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الحجرات

- ‌الربع الثاني من الحزب الثاني والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثاني والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة ق

- ‌الربع الثالث من الحزب الثاني والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثاني والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الذاريات

- ‌الربع الأخير من الحزب الثاني والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثالث والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الطور

- ‌الربع الأول من الحزب الثالث والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثالث والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة النجم

- ‌الربع الثاني من الحزب الثالث والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثالث والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة القمر

- ‌الربع الثالث من الحزب الثالث والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثالث والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثالث والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الرابع والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الرحمن

- ‌الربع الأول من الحزب الرابع والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الرابع والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الواقعة

- ‌الربع الثاني من الحزب الرابع والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الرابع والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الحديد

- ‌الربع الثالث من الحزب الرابع والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الرابع والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الرابع والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الخامس والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة المجادلة

- ‌الربع الأول من الحزب الخامس والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الخامس والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الحشر

- ‌الربع الثاني من الحزب الخامس والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الخامس والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الممتحنة

- ‌الربع الثالث من الحزب الخامس والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الخامس والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الصف

- ‌الربع الأخير من الحزب الخامس والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب السادس والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الجمعة

- ‌ سورة المنافقون

- ‌الربع الأول من الحزب السادس والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب السادس والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة التغابن

- ‌الربع الثاني من الحزب السادس والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب السادس والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الطلاق

- ‌الربع الثالث من الحزب السادس والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب السادس والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة التحريم

- ‌الربع الأخير من الحزب السادس والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب السابع والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الملك

- ‌ سورة القلم

- ‌الربع الأول من الحزب السابع والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الحاقة

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب السابع والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة المعارج

- ‌الربع الثالث من الحزب السابع والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب السابع والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة نوح

- ‌الربع الأخير من الحزب السابع والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثامن والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الجن

- ‌ سورة المزمل

- ‌الربع الأول من الحزب الثامن والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثامن والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة المدثر

- ‌الربع الثاني من الحزب الثامن والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثامن والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة القيامة

- ‌ سورة الإنسان

- ‌الربع الثالث من الحزب الثامن والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثامن والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة المرسلات

- ‌الربع الأخير من الحزب الثامن والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب التاسع والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة النبأ

- ‌ سورة النازعات

- ‌الربع الأول من الحزب التاسع والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب التاسع والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة عبس

- ‌ سورة التكوير

- ‌الربع الثاني من الحزب التاسع والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب التاسع والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الانفطار

- ‌ سورة المطففين

- ‌ سورة الانشقاق

- ‌الربع الثالث من الحزب التاسع والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب التاسع والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة البروج

- ‌ سورة الطارق

- ‌الربع الأخير من الحزب التاسع والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الستّينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الأعلى

- ‌ سورة الغاشية

- ‌ سورة الفجر

- ‌الربع الأول من الحزب الستّينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الستينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة البلد

- ‌ سورة الشمس

- ‌ سورة الليل

- ‌ سورة الضحى

- ‌الربع الثاني من الحزب الستينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الأول من الربع الثالث في الحزب الستينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الشرح

- ‌ سورة التين

- ‌ سورة العلق

- ‌ سورة القدر

- ‌الثمن الأول من الربع الثالث في الحزب الستينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الثاني من الربع الثالث في الحزب الستينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة البينة

- ‌ سورة الزلزلة

- ‌ سورة العاديات

- ‌الثمن الثاني من الربع الثالث في الحزب الستينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الأول من الربع الأخير في الحزب الستينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة القارعة

- ‌ سورة التكاثر

- ‌ سورة العصر

- ‌ سورة الهمزة

- ‌ سورة الفيل

- ‌الثمن الأول من الربع الأخير في الحزب الستينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الثاني من الربع الأخير في الحزب الستينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة قريش

- ‌ سورة الماعون

- ‌ سورة الكوثر

- ‌ سورة الكافرون

- ‌ سورة النصر

- ‌ سورة المسد

- ‌ سورة الإخلاص

- ‌ سورة الفلق

- ‌ سورة الناس

- ‌الثمن الثاني من الربع الأخير في الحزب الستينبالمصحف الكريم (ت)

الفصل: ‌الربع الثاني من الحزب الرابع والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

‌الربع الثاني من الحزب الرابع والخمسين

في المصحف الكريم (ت)

عباد الله

في حديث هذا اليوم نتناول تفسير الربع الثاني من الحزب الرابع والخمسين في المصحف الكريم، وبدايته فاتحة سورة "الواقعة" المكية:{بسم الله الرحمن الرحيم إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ} ، ونهايته قوله تعالى في نفس السورة:{نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} .

ــ

موضوع سورة " الواقعة " المكية التي نفتتح بها هذا الربع هو وصف يوم القيامة، ذلك اليوم الذي تحيطه هالة من الرهبة والجلال، {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى} (الحج: 2)، ثم عرض قضية " النشأة الآخرة " على وجه يبطل شبه المشركين والمكذبين. وبذلك يطابق موضوع السورة نفس الاسم الذي سميت به، إذ لفظ " الواقعة " هنا مرادف في معناه ليوم القيامة، وإنما سمي يوم القيامة " بالواقعة " لتحقق وقوعه، رغما عن جدل المجادلين، وشك الشاكين، وذلك معنى قوله تعالى:

ص: 146

{إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ} ، قال قتادة:" أي ليس فيها ارتداد ولا رجعة، فلا صارف يصرفها، ولا دافع يدفعها "، وهذه الآية على غرار قوله تعالى في آية أخرى:{اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ} (الشورى: 47)، قال ابن جرير:" الكاذبة " هنا مصدر، كالعاقبة والعافية.

وقوله تعالى: {خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ} ، معناه أنها تخفض أقواما وترفع آخرين، قال محمد بن كعب:" تخفض رجالا كانوا في الدنيا مرتفعين، وترفع رجالا كانوا في الدنيا مخفوضين ". وقال السدي: " خفضت المتكبرين، ورفعت المتواضعين "، وذلك لأن القيم المتعارف عليها بين الناس كثيرا ما يكون ميزانها مختلا، فلا يستقيم ميزان القيم على الوجه الصحيح إلا بين يدي الله.

وقوله تعالى: {إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا * فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا} ، إشارة إلى ما يعتري الأرض عند قيام الساعة من الاضطراب والحركة والاهتزاز طولا وعرضا، كقوله تعالى في آية أخرى:{إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} (الزلزلة: 1)، وقوله تعالى أيضا:{إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} (الحج: 1). كما أن فيه إشارة إلى ما يعتري رواسي الجبال الصلبة من نسف وتفتت يجعل الجبال عبارة عن فتات طائر في الهواء، كالهباء الذي يطير من النار إذا اضطرمت، والشرر الذي يقع منها فلا يبقى له أي أثر.

وانتقلت الآيات الكريمة إلى تحديد الأصناف التي سيكون

ص: 147

عليها الناس يوم القيامة، وتصنيفهم درجات على أساس جديد، وبينت أنهم سينقسمون باعتبار أعمالهم والجزاء عليها فقط، لا باعتبار الغنى والفقر، ولا بحسب القوة والضعف، ولا على أساس الرياسة والتبعية، ولا على أساس فوارق الجنس واللون، مما تعارف عليه البشر فيما بينهم، فالناس يوم القيامة وأمام ربهم لا يخرجون عن ثلاثة أقسام: القسم الأول هم " السابقون " والقسم الثاني هم " أصحاب الميمنة "، والقسم الثالث هم " أصحاب المشأمة "، وذلك قوله تعالى:{وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً * فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} ، على غرار قوله تعالى في سورة (فاطر: 32): {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} . قال ابن عباس: " وكنتم أزواجا ثلاثة " أي: فرقا ثلاثة. وقال عثمان بن سراقة: " وكنتم أزواجا ثلاثة "، أي: اثنان في الجنة وواحد في النار.

و" السابقون " إنما أطلق عليهم هذا الوصف، لأنهم سابقون بين يدي الله عز وجل:{أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} ، فهم أخص وأحظى وأقرب من " أصحاب اليمين " الذين يلونهم في المنزلة، وعلى رأس السابقين الرسل والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، ثم الصديقون والشهداء والصالحون، وألحق ابن كثير بالقسم الأول، وهم " السابقون " جميع الذين

ص: 148

بادروا إلى فعل الخيرات، امتثالا لقوله تعالى:{سَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} (آل عمران: 133)، وقوله تعالى:{سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} (الحديد: 21)، فمن سابق في هذه الدنيا وسبق إلى الخير كان في الآخرة من السابقين إلى الكرامة، فإن الجزاء من جنس العمل، وكما تدين تدان.

وستأتي الإشارة إلى هذه الأقسام الثلاثة مرة أخرى في آخر هذه السورة الكريمة، تأكيدا لما ورد في أولها، مما يدل على الأهمية الخاصة التي يوليها كتاب الله لهذا التقسيم الشامل والعادل.

وقوله تعالى: {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ} ، إخبار من الله تعالى عن هؤلاء السابقين المقربين، وأنهم بالنسبة إلى غيرهم كثرة في الأولين، وقلة في الآخرين اختارهم الله، وآتاهم من الرعاية والعناية، ما أعانهم على أن يخترقوا الصفوف، ويكونوا في طليعة الطليعة إخلاصا وصلاحا، وعزما وصبرا وطاعة وتقوى.

والمراد في هذه الآية " بالأولين " الأمم الماضية، " وبالآخرين " الأمة الإسلامية، فيما روي عن مجاهد والحسن البصري، وهذا التفسير اختاره ابن جرير. ورجح ابن كثير أن المراد " بالأولين " صدر هذه الأمة الإسلامية، و " بالآخرين " الذين يلونهم من بعدهم إلى يوم الدين، ونسب إلى ابن سيرين القول

ص: 149

بأن الجميع من هذه الأمة. ثم عقب ابن كثير على ذلك بقوله: " ويحتمل أن تعم الآية جميع الأمم، كل أمة بحسبها، ولهذا ثبت في الصحاح وغيرها من غير وجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم " الحديث.

ووصف كتاب الله مآل " السابقين " المقربين، وما ادخر لهم الحق سبحانه من مختلف العطايا، وميزهم به من المزايا في جنات النعيم، وعقب على ذلك بما يفيد أن الله تعالى قد صدقهم وعده:{جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ، وأنهم أثناء إقامتهم في دار الخلد، {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا} .

ثم انتقل كتاب الله إلى وصف مآل " أصحاب الميمنة " الذين يلون السابقين المقربين في المنزلة، فقال تعالى:{وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ * وَظِلٍّ مَمْدُودٍ * وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ * وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ * وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ} ، إلى قوله تعالى:{ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ} أي: جماعة كثيرة من الأولين، وجماعة كثيرة من الآخرين، مما يفيد أن عدد " أصحاب اليمين " أكثر من عدد " السابقين " المقربين.

ومن " أصحاب اليمين " ينتقل كتاب الله إلى وصف ما ينتظر " أصحاب المشأمة " من عذاب أليم، وسموم وحميم، فقال تعالى: {وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ * فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ

ص: 150

وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ * لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ}.

ويذكر كتاب الله في نفس السياق بما كان عليه " أصحاب الشمال " في حياتهم من الغفلة والترف، وما كانوا يمارسونه من الكذب والزور، وما كانوا ينكرونه من البعث والنشور، {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ * وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ * وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ} ، ثم يبادر كتاب الله بالرد على دعواهم الباطلة قائلا:{قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} .

ويعود كتاب الله إلى المخاطبة " أصحاب المشأمة " وهم يتلقون عذاب الله في جهنم، فيواجههم قائلا:{ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ * لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ * فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ * فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ} ، ويعقب كتاب الله على ذلك بقوله:{هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ} إشارة إلى أن هذا النوع من المآكل والمشارب هو ضيافتهم المفضلة يوم حسابهم، تدشينا لعذابهم، وإنه لعذاب دائم لا راحة بعده أبدا.

وعادت الآيات الكريمة إلى عرض جملة من آيات الله الكونية البارزة في خلقه، ووصف طائفة من نعمه السابغة، التي يتقلب فيها الإنسان ليل نهار صباح مساء دون أن يحسب لها حسابا:

ص: 151

- فهذه آية " الحياة " والنشأة الأولى التي أكرم الله بها الإنسان: {نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ * أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} .

- وهذه آية " الموت " في انتظار النشأة الآخرة، التي يجازى فيها الإحسان بالإحسان:{نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ} .

- وهذه آية " الزرع " الذي منه يقتات الإنسان " {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} ، حتى إذا ما وقع ذلك، وأصبح الزرع حطاما يئستم وحرتم وقال بعضكم لبعض:{إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} .

- وهذه آية " الماء " الذي يروى به الإنسان والنبات والحيوان: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ} .

- وهذه آية " النار " التي لولا أن الله أنعم بها على الإنسان لما استطاع أن يتقدم خطوة واحدة في ميدان الحضارة والصناعة والعمران: {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ} .

وعقب كتاب الله على آية " النار " التي ننتفع بها في هذه الدنيا بما يشير إلى نار الله الموقدة، التي تطلع على الأفئدة، في

ص: 152

الدار الآخرة، فقال تعالى:{نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً} ، أي: تذكركم بالنار الكبرى، كما قال مجاهد وقتادة. روى البخاري من حديث مالك، ومسلم من حديث أبي الزناد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" نار بني آدم التي يوقدون جزء من سبعين جزءا من نار جهنم، فقالوا يا رسول الله: إن كانت لكافية. فقال: " إنها قد فضلت عليها بتسعة وستين جزءا ".

وأشار كتاب الله إلى ما في النار من منافع وفوائد لجميع البشر، فقال تعالى:{وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ} ، أي متاعا للمستمتعين، من الناس أجمعين. قال ابن كثير:" وهذا التفسير أعم من غيره، فإن الحاضر والبادي من غني وفقير، الجميع محتاجون إلى النار للطبخ والاصطلاء والإضاءة، وغير ذلك من المنافع ".

وانتهت الآيات الكريمة في هذا السياق بتمجيد الله وتقديس اسمه الأعظم، بعد أن استعرضت آثار قدرته في الأكوان، وما تفضل به سبحانه وتعالى على الإنسان، من نعم سابغة تقوي في القلب روح الإيمان، وتستوجب الطاعة والإذعان، وتستحق مضاعفة الشكر والامتنان. وذلك قوله تعالى في ختام هذا الربع من كتاب الله الكريم:{فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} .

ص: 153