المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الثمن الثاني من الربع الأخير في الحزب الستينبالمصحف الكريم (ت) - التيسير في أحاديث التفسير - جـ ٦

[محمد المكي الناصري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء السادس

- ‌الربع الأول من الحزب الواحد والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الأحقاف

- ‌الربع الأول من الحزب الواحد والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الواحد والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة محمد

- ‌الربع الثاني من الحزب الواحد والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الواحد والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الواحد والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الواحد والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الفتح

- ‌الربع الأخير من الحزب الواحد والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثاني والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الثاني والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثاني والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الحجرات

- ‌الربع الثاني من الحزب الثاني والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثاني والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة ق

- ‌الربع الثالث من الحزب الثاني والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثاني والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الذاريات

- ‌الربع الأخير من الحزب الثاني والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثالث والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الطور

- ‌الربع الأول من الحزب الثالث والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثالث والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة النجم

- ‌الربع الثاني من الحزب الثالث والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثالث والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة القمر

- ‌الربع الثالث من الحزب الثالث والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثالث والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثالث والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الرابع والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الرحمن

- ‌الربع الأول من الحزب الرابع والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الرابع والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الواقعة

- ‌الربع الثاني من الحزب الرابع والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الرابع والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الحديد

- ‌الربع الثالث من الحزب الرابع والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الرابع والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الرابع والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الخامس والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة المجادلة

- ‌الربع الأول من الحزب الخامس والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الخامس والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الحشر

- ‌الربع الثاني من الحزب الخامس والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الخامس والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الممتحنة

- ‌الربع الثالث من الحزب الخامس والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الخامس والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الصف

- ‌الربع الأخير من الحزب الخامس والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب السادس والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الجمعة

- ‌ سورة المنافقون

- ‌الربع الأول من الحزب السادس والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب السادس والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة التغابن

- ‌الربع الثاني من الحزب السادس والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب السادس والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الطلاق

- ‌الربع الثالث من الحزب السادس والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب السادس والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة التحريم

- ‌الربع الأخير من الحزب السادس والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب السابع والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الملك

- ‌ سورة القلم

- ‌الربع الأول من الحزب السابع والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الحاقة

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب السابع والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة المعارج

- ‌الربع الثالث من الحزب السابع والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب السابع والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة نوح

- ‌الربع الأخير من الحزب السابع والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثامن والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الجن

- ‌ سورة المزمل

- ‌الربع الأول من الحزب الثامن والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثامن والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة المدثر

- ‌الربع الثاني من الحزب الثامن والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثامن والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة القيامة

- ‌ سورة الإنسان

- ‌الربع الثالث من الحزب الثامن والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثامن والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة المرسلات

- ‌الربع الأخير من الحزب الثامن والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب التاسع والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة النبأ

- ‌ سورة النازعات

- ‌الربع الأول من الحزب التاسع والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب التاسع والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة عبس

- ‌ سورة التكوير

- ‌الربع الثاني من الحزب التاسع والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب التاسع والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الانفطار

- ‌ سورة المطففين

- ‌ سورة الانشقاق

- ‌الربع الثالث من الحزب التاسع والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب التاسع والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة البروج

- ‌ سورة الطارق

- ‌الربع الأخير من الحزب التاسع والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الستّينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الأعلى

- ‌ سورة الغاشية

- ‌ سورة الفجر

- ‌الربع الأول من الحزب الستّينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الستينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة البلد

- ‌ سورة الشمس

- ‌ سورة الليل

- ‌ سورة الضحى

- ‌الربع الثاني من الحزب الستينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الأول من الربع الثالث في الحزب الستينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الشرح

- ‌ سورة التين

- ‌ سورة العلق

- ‌ سورة القدر

- ‌الثمن الأول من الربع الثالث في الحزب الستينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الثاني من الربع الثالث في الحزب الستينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة البينة

- ‌ سورة الزلزلة

- ‌ سورة العاديات

- ‌الثمن الثاني من الربع الثالث في الحزب الستينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الأول من الربع الأخير في الحزب الستينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة القارعة

- ‌ سورة التكاثر

- ‌ سورة العصر

- ‌ سورة الهمزة

- ‌ سورة الفيل

- ‌الثمن الأول من الربع الأخير في الحزب الستينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الثاني من الربع الأخير في الحزب الستينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة قريش

- ‌ سورة الماعون

- ‌ سورة الكوثر

- ‌ سورة الكافرون

- ‌ سورة النصر

- ‌ سورة المسد

- ‌ سورة الإخلاص

- ‌ سورة الفلق

- ‌ سورة الناس

- ‌الثمن الثاني من الربع الأخير في الحزب الستينبالمصحف الكريم (ت)

الفصل: ‌الثمن الثاني من الربع الأخير في الحزب الستينبالمصحف الكريم (ت)

‌الثمن الثاني من الربع الأخير في الحزب الستين

بالمصحف الكريم (ت)

عباد الله

حديث هذا اليوم هو مسك الختام لأحاديثنا التفسيرية، وسنتناول فيه بحول الله وقوته "السور التسع" الباقية من الحزب الستين في المصحف الكريم، ابتداء من سورة "قريش" وانتهاء بسورة "الناس"، وكلها سور مكية، ما عدا سورة "النصر".

ــ

أما سورة " قريش " وهي الأولى في هذا الحديث، فرغما عن كونها مستقلة عن سورة " الفيل " التي قبلها، ومفصولة عنها في " المصحف الإمام "، هي في الحقيقة متعلقة بها وتتمة لها، كما صرح بذلك محمد بن إسحاق وعبد الرحمن بن زيد. فمعنى قوله تعالى:{لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ} عند ابن إسحاق وابن زيد: " حبسنا عن مكة الفيل، وأهلكنا أهله {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ} ، أي: لائتلافهم واستمرار اجتماعهم في بلدهم آمنين، وكذلك لما سيؤول إليه أمر مكة والكعبة، عندما يبعث إلى الخلق خاتم الأنبياء والمرسلين.

وقوله تعالى: {إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ} ، امتنان من الله على قريش بما أفاضه عليهم من الرزق الواسع، عن

ص: 471

طريق القوافل التجارية، التي كانت تسير في الشتاء إلى اليمن جنوبا، وفي الصيف إلى الشام شمالا.

وقوله تعالى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} ، دعوة من الله لقريش أن يشكروا نعمته عليهم، وأن يطهروا بيته الحرام من الأصنام والأوثان، إذ " البيت الحرام " بيت الله، ولا رب للبيت يستحق العبادة سواه. قال القشيري:" ووجه المنة في الإطعام والأمان هو أن يتفرغوا إلى عبادة الله، فإن من لم يكن مكفي الأمور لا يتفرغ إلى الطاعة، ولا تساعده القوة ولا القلب إلا عند السلامة بكل وجه، وقد قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ} (البقرة: 155)، فقدم " الخوف " على جميع أنواع البلاء ".

وتُواجهنا بعد ذلك سورة " الماعون "، وهذه السورة تكشف النقاب عن سريرة المكذبين بالبعث والجزاء، وأن الدافع لهم إلى التكذيب بالنشأة الآخرة هو علمهم بأنهم ليسوا على شيء، وخوفهم من سوء العاقبة، لما هم عليه من قبض في اليد، وغفلة في الفكر، وقسوة في القلب، ورياء للناس، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى بعد البسملة:{أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ} ، أي: يكذب بالميعاد والجزاء، {فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ} ، أي: يظلمه ويقهره ولا يحسن إليه، {وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} ، أي: ساهون عن فعلها بالمرة، أو ساهون عن أدائها في الوقت المقرر لها شرعا، أوساهون عن الخشوع فيها، والتدبر لمعانيها. قال ابن كثير: " فهذا

ص: 472

اللفظ يشمل ذلك كله. ولكل من اتصف بشيء من ذلك قسط من الآية، ومن اتصف بجميع ذلك فقد تم له نصيبه منها، وكمل له النفاق العملي، كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق "، الحديث.

وقوله تعالى: {الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ} ، أي: الذين يراءون الناس بأعمالهم وعباداتهم، ويفعلونها من أجل رؤية الناس، {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} ، أي: يمنعون بذل المعروف كما فسره محمد بن كعب. قال عكرمة: " رأس الماعون زكاة المال، وأدناه المنخل والدلو والإبرة ". وقال ابن كثير: " هذا الذي قاله عكرمة حسن، فإنه يشمل الأقوال كلها، وترجع كلها إلى شيء واحد، هو أن المراد " بمنع الماعون " ترك المعاونة بمال أو منفعة".

والآن فلنقف وقفة خاصة عند سورة " الكوثر "، والخطاب الإلهي في هذه السورة الكريمة موجه إلى الرسول عليه السلام، وهي تتضمن امتنان ربه عليه بما أعطاه من الخير الكثير في الدنيا والآخرة، كما تتضمن أمره بالاستمرار على ما هو عليه من التوجه إلى الله في صلاته ونسكه في كل حين، وذلك قوله تعالى بعد البسملة:{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} ، قال ابن عباس:" الكوثر هو الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه "، وقيل لسعيد بن جبير:" إن ناسا يزعمون أنه نهر في الجنة "، فقال سعيد:" النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه ". وروي عن أنس وأبي العالية ومجاهد وغير واحد من السلف: " أن الكوثر نهر في الجنة ".

ص: 473

وقوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} ، أي: أخلص صلاتك لربك، وبذلك تخالف المشركين الذين يعبدون غير الله، وأخلص نحرك لربك، وبذلك تخالف المشركين الذين لا يذكرون على ذبائحهم اسم الله، على غرار قوله تعالى:{قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (الأنعام: 162، 163)، قال ابن كثير:(والصحيح أن المراد " بالنحر " ذبح المناسك، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العيد ثم ينحر نسكه ويقول: " من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك، ومن نسك قبل الصلاة فلا نسك له ").

وقوله تعالى: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} ، دفاع من الله عن كرامة رسوله، فقد تهجم أبو لهب على مقام الرسول عليه السلام، وقال عنه: إنه " قد بتر " لوفاة ابنه الذكر، وكان العرب يقولون ذلك لمن مات أولاده الذكور، يريدون أنه إذا مات الابن الذكر أصبح أبوه " أبتر "، وانقطع ذكره، غير أن " أبا لهب " الذي شنأ الرسول عليه السلام، ومثله كل من حمل لرسول الله صلى الله عليه وسلم عداوة أو بغضا، هو الذي بتره الله من الوجود. وقد كتب قلم القدرة اسم " محمد " وآله الطاهرين في سجل الخلود، وها هو ذكره باق على رؤوس الأشهاد، وحبه يملأ في دنيا الإسلام كل فؤاد.

ومن هنا ننتقل إلى سورة " الكافرون " وهذه السورة عبارة عن " براءة " من الشرك والمشركين، والكفر والكافرين، يعلنها كل مسلم في كل حين، بتصميم وعزم ويقين: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

ص: 474

الرَّحِيمِ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}، على حد قوله تعالى في آية أخرى:{وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ} (يونس: 41)، قال القشيري:" والعبودية لله هي القيام بأمره على الوجه الذي به أمر، وبالقدر الذي به أمر، وفي الوقت الذي فيه أمر ".

والآن نستقبل سورة " النصر " المدنية، وهذه السورة بشارة من الله لرسوله بما سيناله الإسلام من الظهور والانتشار، في مختلف الديار، وما سيقع من تسابق بين الأمم والشعوب على اعتناقه، وتفان في سبيل رفع رايته ومد رواقه، وذلك قوله تعالى:{بسم الله الرحمن الرحيم إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} ، أي: يسلمون جماعات جماعات، شعوبا وقبائل، {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} .

قال ابن كثير: " والمراد (بالفتح) هنا فتح مكة قولا واحدا، فإن أحياء العرب كانت تتلوم بإسلامها فتح مكة، يقولون: إن ظهر على قومه فهو نبي. فلما فتح الله عليه مكة دخلوا في دين الله أفواجا، فلم تمض سنتان حتى استوسقت له جزيرة العرب إيمانا، ولم يبق في سائر قبائل العرب إلا مظهر للإسلام، ولله الحمد والمنة ".

ومن المعاني التي فهمها ابن عباس من هذه السورة ووافقه

ص: 475

عليها عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أنها حينما نزلت نعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه، فأخذ بأشد ما كان قط اجتهادا في أمر الآخرة. ويناسب هذا التأويل قوله تعالى في ختام السورة:{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} .

ومن هنا ننتقل إلى سورة " المسد "، وهذه السورة وعيد شديد من الله " لفرعون قريش " المكنى {بأبي لهب} لإشراق وجهه ووضاءته في البداية، ولتعذيبه " بلهيب " النار في النهاية، واسمه عبد العزى، وقد كان كثير الإذاية لرسول الله صلى الله عليه وسلم والبغض له ولدينه، والدعاية ضده في الأسواق والمجتمعات يلاحقه في كل مكان يحل به للدعوة إلى دين الله، وكان أحول العينين، ذا غديرتين، ففي شأنه وشأن زوجته يقول الله تعالى:{بسم الله الرحمن الرحيم تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} ، أي: خسرت يداه، وضل سعيه وعمله، {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} ، أي: ما أغنى عنه ذلك كله شيئا، {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} ، إشارة إلى أنها كانت تحمل الشوك وتلقيه في طريق الرسول عليه السلام وصحبه الكرام، وإذا كانت في الدنيا عونا لزوجها على كفره وعناده، فستكون في الآخرة عونا عليه في عذابه، تحمل الحطب وتلقيه على زوجها في النار. {فِي جِيدِهَا} ، أي: في عنقها، {حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} ، قال مجاهد:" أي في جيدها طوق من حديد. وقال سعيد بن المسيب: " كانت لها قلادة فاخرة، فقالت لأنفقنّها في عداوة محمد، فأعقبها الله منها حبلا في جيدها من مسد النار "، و " المسد " في الأصل ليف

ص: 476

يتخذ من جريد النخل ومن الجلد أو غيرهما " فيمسد " أي يفتل.

وبعد الانتهاء من " سورة المسد " نتناول سورة " الإخلاص " مستعينين بالله، وهذه السورة الكريمة نزلت ردا على المشركين الذين قالوا لرسول الله:" يا محمد، انسب لنا ربك "، فأنزل الله تعالى {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، إلى آخر السورة، وقال عكرمة: لما قالت اليهود: نحن نعبد عزير ابن الله، وقالت النصارى: نحن نعبد المسيح ابن الله، وقالت المجوس: نحن نعبد الشمس والقمر، وقالت المشركون: نحن نعبد الأوثان، أنزل الله على رسوله:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} . يعني هو الواحد الأحد الذي لا نظير له، ولا يطلق هذا اللفظ على أحد في الإثبات إلا على الله عز وجل؛ لأنه المنفرد بالكمال في جميع صفاته وأفعاله.

وقوله تعالى: {اللَّهُ الصَّمَدُ} ، أي: السيد الذي يصمد إليه الخلائق في حوائجهم ورغباتهم، ويلجئون إليه في الأزمات والشدائد.

وقوله تعالى: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} ، نفي لجميع المعتقدات الباطلة، التي شاعت بين أتباع الأديان الأخرى، الكتابية منها وغير الكتابية، فليس لله والد، وليس له ولد.

وقوله تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} ، أي: ليس له من خلقه نظير يساميه أو يدانيه، ولذلك تنزه جل جلاله عن اتخاذ الزوجة، كما تنزه عن الولد، على حد قوله تعالى:(6: 101) {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ

ص: 477

وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ} (الأنعام: 101).

قال القشيري: " يقال: هذه السورة بعضها تفسير لبعض: من هو الله؟ هو الله. من الله؟ هو الأحد. من الأحد؟ هو الصمد. من الصمد؟ هو الذي لم يلد ولم يولد. من الذي لم يلد ولم يولد؟ هو الذي لم يكن له كفوا أحد ".

ومن هنا ننتقل إلى سورة "الفلق" ويطلق عليها وعلى سورة، الناس، بعدها اسم "المعوذتين"، وهذه السورة والتي تليها كلاهما توجيه من الله لرسوله والمومين إلى الإلتجاء لكنف الله، والاحتماء بحماه، من كل أمر مخوف، ظاهر أو خفي، معلوم أو مجهول، وذلك قوله تعالى:{بسم الله الرحمن الرحيم قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} ، ومعنى " الفلق "" فلق الصبح ". وهذا المعنى هو الذي صوبه ابن جرير في تفسيره، واختاره البخاري في صحيحه. وقال البعض:" إن معنى الفلق عموم الخلق "، {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} ، أي: الشمس إذا غربت، والليل إذا أقبل بظلامه، {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} ، أي: من شر النساء السواحر، اللاتي يتعاطين السحر، وينفثن في العقد، ويوهمن إدخال الضرر على الغير بذلك، {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} ، أي: إذا ركز حقد نفسه الشريرة على ذات المحسود، وعلى النعم التي يتقلب فيها.

ونختمُ بسورة " الناس "، ومدار الحديث فيها الاستعاذة برب الناس من {شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} ، وذلك قوله تعالى: {بِسْمِ اللَّهِ

ص: 478

الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ}.

فها هنا توجيه من الله للرسول والمؤمنين إلى الاعتصام بحبل الله، والالتجاء إليه، والاحتماء بما له من صفات الربوبية والملك والألوهية، تلك الصفات التي يتصرف بها سبحانه في الكون، ويهيمن بها على مقاليد السماوات والأرض، وإلى سؤاله سبحانه وتعالى أن يعصم المؤمنين من وساوس الشيطان، وأن يعينهم على التخلص من كيده وإغرائه وإغوائه، قال ابن عباس:" الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس. وإذا ذكر الله خنس "، و " إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم "، كما ورد في الحديث الشريف.

وقوله تعالى: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} ، تفسير للذي يوسوس في صدور الناس من شياطين الإنس والجن، على غرار قوله تعالى في آية أخرى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} (الأنعام: 112).

وهذه السورة الكريمة تبين لكل ذي عقل أن في إمكانه أن يسقط فريسة للشيطان وعملائه، وأن لا يكون مغلوبا على أمره إزاء وساوسه ومكايده، وذلك إذا التجأ إلى ربه وملكه وإلهه المسيطر على الخلق كله، ولم يقطع صلته به في أي وقت من الأوقات، فمن ذكر الله واعتصم بحبله كان في نجوة من كل شر،

ص: 479

وكان في مأمن من كل وسواس؛ لأنه في حماية رب الناس، ملك الناس، إله الناس.

صدق الله العظيم

* * *

والآن وقد أكرمنا الله جميعاً بختم القرآن، فلنتوجه إلى الله ضارعين خاشعين، سائلين مِنْهُ سبحانه أن يختم لنا بالخاتمة الحسنى، وأن يُصلح الأمة المحمدية، ويجعل كتابه شفاءً لأدوائها، ورحمةً لأبنائها، وأن يَهدِيَها سواء السبيل، ويُعيد لها مَجْدَها الأثيل، ويجمع آراء قَادَتِها وكلمتَهم على الحق والصدق، ويملأ قلوبهم بالمحبة والرفق، وأن يغفر لنا ولوالدينا ولأشياخنا ولجميع المسلمين.

اللهمَّ اجعل القرآن لنا ولكافة المسلمين في الدنيا قريناً، وفي القبر مؤنساً، وعلى الصراط نوراً، وفي الجنة رفيقاً، ومن النار سِتْراً وججاباً، وإلى الخيرات كلِّها دليلاً، وصلَّى الله على سيدنا محمد خير خلقه وخاتم أنبيائه، وآله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً، والحمد لله رب العالمين.

ص: 480

رقم الإيداع القانوني

427 -

1983

الرباط

ص: 481