المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الربع الثاني من الحزب الثالث والخمسينفي المصحف الكريم (ت) - التيسير في أحاديث التفسير - جـ ٦

[محمد المكي الناصري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء السادس

- ‌الربع الأول من الحزب الواحد والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الأحقاف

- ‌الربع الأول من الحزب الواحد والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الواحد والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة محمد

- ‌الربع الثاني من الحزب الواحد والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الواحد والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الواحد والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الواحد والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الفتح

- ‌الربع الأخير من الحزب الواحد والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثاني والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الثاني والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثاني والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الحجرات

- ‌الربع الثاني من الحزب الثاني والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثاني والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة ق

- ‌الربع الثالث من الحزب الثاني والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثاني والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الذاريات

- ‌الربع الأخير من الحزب الثاني والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثالث والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الطور

- ‌الربع الأول من الحزب الثالث والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثالث والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة النجم

- ‌الربع الثاني من الحزب الثالث والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثالث والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة القمر

- ‌الربع الثالث من الحزب الثالث والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثالث والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثالث والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الرابع والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الرحمن

- ‌الربع الأول من الحزب الرابع والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الرابع والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الواقعة

- ‌الربع الثاني من الحزب الرابع والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الرابع والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الحديد

- ‌الربع الثالث من الحزب الرابع والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الرابع والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الرابع والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الخامس والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة المجادلة

- ‌الربع الأول من الحزب الخامس والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الخامس والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الحشر

- ‌الربع الثاني من الحزب الخامس والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الخامس والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الممتحنة

- ‌الربع الثالث من الحزب الخامس والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الخامس والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الصف

- ‌الربع الأخير من الحزب الخامس والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب السادس والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الجمعة

- ‌ سورة المنافقون

- ‌الربع الأول من الحزب السادس والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب السادس والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة التغابن

- ‌الربع الثاني من الحزب السادس والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب السادس والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الطلاق

- ‌الربع الثالث من الحزب السادس والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب السادس والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة التحريم

- ‌الربع الأخير من الحزب السادس والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب السابع والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الملك

- ‌ سورة القلم

- ‌الربع الأول من الحزب السابع والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الحاقة

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب السابع والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة المعارج

- ‌الربع الثالث من الحزب السابع والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب السابع والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة نوح

- ‌الربع الأخير من الحزب السابع والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثامن والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الجن

- ‌ سورة المزمل

- ‌الربع الأول من الحزب الثامن والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثامن والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة المدثر

- ‌الربع الثاني من الحزب الثامن والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثامن والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة القيامة

- ‌ سورة الإنسان

- ‌الربع الثالث من الحزب الثامن والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثامن والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة المرسلات

- ‌الربع الأخير من الحزب الثامن والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب التاسع والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة النبأ

- ‌ سورة النازعات

- ‌الربع الأول من الحزب التاسع والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب التاسع والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة عبس

- ‌ سورة التكوير

- ‌الربع الثاني من الحزب التاسع والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب التاسع والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الانفطار

- ‌ سورة المطففين

- ‌ سورة الانشقاق

- ‌الربع الثالث من الحزب التاسع والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب التاسع والخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة البروج

- ‌ سورة الطارق

- ‌الربع الأخير من الحزب التاسع والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الستّينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الأعلى

- ‌ سورة الغاشية

- ‌ سورة الفجر

- ‌الربع الأول من الحزب الستّينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الستينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة البلد

- ‌ سورة الشمس

- ‌ سورة الليل

- ‌ سورة الضحى

- ‌الربع الثاني من الحزب الستينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الأول من الربع الثالث في الحزب الستينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الشرح

- ‌ سورة التين

- ‌ سورة العلق

- ‌ سورة القدر

- ‌الثمن الأول من الربع الثالث في الحزب الستينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الثاني من الربع الثالث في الحزب الستينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة البينة

- ‌ سورة الزلزلة

- ‌ سورة العاديات

- ‌الثمن الثاني من الربع الثالث في الحزب الستينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الأول من الربع الأخير في الحزب الستينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة القارعة

- ‌ سورة التكاثر

- ‌ سورة العصر

- ‌ سورة الهمزة

- ‌ سورة الفيل

- ‌الثمن الأول من الربع الأخير في الحزب الستينبالمصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الثاني من الربع الأخير في الحزب الستينبالمصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة قريش

- ‌ سورة الماعون

- ‌ سورة الكوثر

- ‌ سورة الكافرون

- ‌ سورة النصر

- ‌ سورة المسد

- ‌ سورة الإخلاص

- ‌ سورة الفلق

- ‌ سورة الناس

- ‌الثمن الثاني من الربع الأخير في الحزب الستينبالمصحف الكريم (ت)

الفصل: ‌الربع الثاني من الحزب الثالث والخمسينفي المصحف الكريم (ت)

‌الربع الثاني من الحزب الثالث والخمسين

في المصحف الكريم (ت)

عباد الله

في حديث هذا اليوم نعالج تفسير الربع الثاني من الحزب الثالث والخمسين في المصحف الكريم، وبدايته قوله تعالى في سورة "الطور" المكية:{وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ} ، ونهايته قوله تعالى في سورة "النجم" المكية أيضا:{أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى * فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى} .

ــ

في بداية هذا الربع يصف كتاب الله نوع الأحاديث التي يتبادلها أهل الجنة فيما بينهم، عندما يستقرون، بفضل الله، في " دار الخلود " فها هم أولاء يقبل بعضهم على بعض في مودة وإخاء، ويسأل بعضهم بعضا في ثقة واطمئنان وها هم يستعيدون ذكرياتهم عما مضى لهم في الحياة الدنيا، وها هم يحللون حالتهم النفسية والخلقية التي كانوا عليها في " دار التكليف " وها هم يستخلصون النتائج والعبر مما كانوا عليه، ومما صاروا إليه، وذلك ما تضمنه قوله تعالى:{وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} .

ص: 101

ومعنى قول أهل الجنة: {إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} أي كنا في حد ذاتنا، وفيما بين أهلنا ووسط عشيرتنا، ملتزمين لتقوى الله، متجنبين لمعصية الله، خائفين من حساب الله، ولم نكن طاغين ولا متمردين ولا غافلين، ومعنى قول أهل الجنة:{فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} ، أن الله تعالى تفضل علينا بما آتانا من النعيم المقيم، وبما نجانا منه من العذاب الأليم. واعترافهم في هذا المقام " بمنة الله عليهم " دون " الامتنان عليه " بعملهم، أو باستحقاقهم للجزاء عليه، يدل على مبلغ ما هم عليه من أدب مع الله، فهم يعتبرون الأعمال الصالحة التي عملوها في " دار الفناء " مجرد توفيق من الله، ويعدون الجزاء الحسن عليها في " دار الجزاء " مجرد منة من الله، وذلك منتهى الكمال في الأدب، في الدنيا والآخرة.

ومعنى قول أهل الجنة: {إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} ، أنهم كانوا على الدوام يطرقون باب الله، دون أن يملوا من الدعاء والتضرع والابتهال، إذ كانوا واثقين بأن " الدعاء هو مخ العبادة " كما جاء في الحديث الشريف، بحيث يلتجئون إليه سبحانه في السراء والضراء، والشدة والرخاء، إيمانا منهم بأنه لا ضار ولا نافع سواه، وتجاوبا منهم مع التوجيه الإلهي القاطع:{أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} (النمل: 62)، وهم عندما كانوا يتوجهون بدعائهم، ويتجهون فيه إلى الله وحده، لم يكن يداخلهم أدنى شك في بر الله لهم، ورحمته إياهم، إذ هو سبحانه " البر الرحيم " بأوسع معاني البر، وأعم وجوه الرحمة.

ص: 102

وانتقل كتاب الله إلى تثبيت قلب الرسول عليه السلام، وحمله على الصبر إلى النهاية، في سبيل تبليغ الرسالة، دون أن يتأثر بما يوجهه إليه أعداد الله من قذف بالكهانة حينا، وبالجنون حينا، فقد حماه الله منهما، وأنعم عليه بأكبر النعم، إذ اختاره سبحانه وتعالى لأمر عظيم، وذلك قوله تعالى:{فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ} .

ثم استنكر كتاب الله ما يلفقه المشركون أحيانا أخرى من وصف الرسول عليه السلام بأنه مجرد " شاعر "، على نمط ما اعتادوه من الشعراء المغرفين في الخيالات والنزوات والأحلام، وإن كانوا يعرفون حق المعرفة أن كلام الله الذي يتلى عليهم ليس من الشعر ولا من النثر في شيء، وذلك قوله تعالى:{أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ} ، أي: يزعمون أنه مجرد شاعر، ويرون أنه لا بأس -إذا اقتضى الحال- بغض الطرف عنه، في انتظار أن يدركه الموت، فيستريحوا منه ومن شعره، كما كان أمرهم مع الشعراء الأولين، ثم يرد عليهم كتاب الله قائلا:{قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ} ، أي: قل لهم يا محمد: انتظروا فإني منتظر معكم. وكأنه يقول لهم: إن الأمر هنا على خلاف ما تظنون، فهو يتعلق برسالة خالدة إلى يوم الدين، يموتون هم جميعا ولا تموت هي أبدا، وإن الأمر يتعلق بكتاب إلهي خالد، قد تكفل الحق سبحانه وتعالى بحفظه في الصدور، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وليس الأمر متعلقا -كما يدعون- " بشعر جاهلي " يعيش في ظل الجاهلية، ثم يموت وينتهي مفعوله

ص: 103

إلى الأبد. كما استنكر كتاب الله ما يدعيه المشركون في مناسبات أخرى، من أن الوحي الذي تنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هو مجرد " تقوّل " من عنده وافتراء على الله، متحديا لهم أن يأتوا بمثله إذا كان ما يدعونه حقا وصدقا، وذلك قوله تعالى:{أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ * فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} ، وهيهات لهم ذلك، فإن كتاب الله تسري فيه روح من أمر الله، ومعانيه نابعة من معين علم الله، الذي أحاط بكل شيء علما، وأحسن في كل شيء صنعا.

وعرج كتاب الله مرة أخرى على قصة " بدأ الخليقة "، ومركز الإنسان الحقيقي بالنسبة لبقية المخلوقات، وتحدى المشركين الذي يجهلون أو يتجاهلون أن الله واحد أحد، وأنه لم يلد ولم يولد، وذلك قوله تعالى:{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ * أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ * أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ * أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ} ، وقوله تعالى:{أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ} وقوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} .

واستغرب كتاب الله ما عليه المشركون من إعراض عن الرسالة العظمى التي جاءهم بها الرسول عليه السلام، رغما عن أن هذه الرسالة مجرد عطية إلهية، وهبة ربانية، تكرم عليهم بها الحق سبحانه وتعالى، هداية لهم، وأخذا بيدهم، ورغما عن أن القائم بها والداعي إليها لا يطلب لنفسه أي أجر عليها، ولا

ص: 104

يلزمهم بأداء أي مغرم خف أو ثقل، مقابل تبليغها لهم، ونشرها بينهم، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى:{أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ} .

وأشار كتاب الله إلى أن العذاب الذي يسلطه الله على المشركين والمكذبين، ومن لف لفهم من العصاة المذنبين، والمسرفين الظالمين، نوعان اثنان:

النوع الأول: " العذاب الأكبر " وهو العذاب الماحق الساحق، الذي ينتهي بالإبادة والفناء في الدنيا، وبالخلود في جهنم في الآخرة.

النوع الثاني: " العذاب الأدنى " وهو العذاب الذي يراد به مجرد التذكير والتأديب والتلوم في الدنيا، عسى أن يقبل المشركون على الإيمان بالله، وعسى أن يعود العصاة إلى طاعة الله، وعسى أن ينتهي الطغاة عن تعدي حدود الله.

فبالنسبة للنوع الأول قال تعالى: {وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ} ، أي: إن يروا عذابا نازلا عليهم من السماء يقولوا جحودا وعنادا إنه سحاب مقبل عليهم بالماء والحياة والبركة، {فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ * يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ} .

وبالنسبة للنوع الثاني قال تعالى في نفس السياق: {وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ} ، وهذا النوع من العذاب يبتلى به الله الأمم التي انحرفت عن الطريق السوي، ولا يرفعه عنها إلا

ص: 105

إذا عادت إلى رشدها، وخرجت من تيه الغواية والضلال، وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالى في آية أخرى:{وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (السجدة: 21).

وينتقل كتاب الله من محاجة المشركين، والرد على إدعاءاتهم الباطلة، ووصف ما هم عليه من الجحود والعناد، إلى مخاطبة الرسول عليه السلام، ودعوته إلى الاستمرار على ما هو عليه من صبر مزدوج: صبر في أداء الرسالة بكل تفان وثبات وإخلاص، وصبر على أذى المشركين الذي لا ينقطع أبدا، والذي يأخذ كل يوم لونا جديدا من التقولات والادعاءات وحرب الأعصاب، وذلك قوله تعالى:{وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} ، أي: أن الله تعالى قد تكفل بأن يعصمك من الناس، وبأن يرعاك بعينه التي لا تنام. وفي هذا الخطاب الإلهي الرقيق منتهى التأييد والإعزاز والإكرام.

ثم دعا نبيه عليه السلام إلى الاستعانة على ما هو بصدده من أعباء الرسالة العظمى، بالعبادة والدعاء والتسبيح، فذلك أكبر مدد يمد الله به أصفياءه من خلقه:{وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} .

وبهذا العرض الواضح نختم سورة " الطور " المكية، وننتقل إلى سورة " النجم " المكية أيضا، وأول ما يواجهنا في هذه السورة الكريمة قسم من الله عظيم على صدق الرسول في رسالته،

ص: 106

وعلى تصديق الوحي الذي ينزل عليه من عند الله، وذلك قوله تعالى:{بسم الله الرحمن الرحيم وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} .

ويشير كتاب الله في إيجاز وإعجاز إلى أول لقاء وتعارف تم بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبريل عليه السلام في بداية نزول الوحي، عندما بعثه الله على رأس الأربعين، ورأى جبريل على صورته، وذلك قوله تعالى:{عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ} ، أي: ذو قوة، والمراد به هنا جبريل، {فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} ، أي: على بعد ما بين القوسين أو أدنى، تعبيرا عن منتهى القرب منه، {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} ، أي: أوحى جبريل إلى عبد الله ورسوله ما أوحاه إليه ربه: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} ، أي: أن رؤية النبي عليه السلام لجبريل الذي نزل عليه بالوحي كانت رؤية مشاهدة وعيان، ويقين قاطع، بحيث لا تقبل شكا ولا جدالا:{أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى} .

ثم أشار كتاب الله بالخصوص إلى لقاء آخر تم بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبريل عليه السلام، إذ رآه على هيئته التي خلقه الله عليها ليلة الإسراء والمعراج، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى:{وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} .

ص: 107

وقوله تعالى هنا: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} ، يستفاد منه معنيان: المعنى الأول أن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام ليلة الإسراء كانت رؤية حقيقية ليس فيها أدنى غلط في المشاهدة، مما قد يعتوِر أعين الناس العاديين حيث يقع لهم أحيانا غلط في الرؤية، وخلط في النظر بالبصر، والمعنى الثاني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجاوز في هذا المقام العظيم ما أمر به، ولم يتطلع لكشف ما لم يؤذن له فيه، ولم يسأل أكثر مما أعطي، فلا زهو ولا إلحاح ولا تطاول. بل كان عليه السلام في منتهى الطاعة ومنتهى الثبات ومنتهى الأدب. قال ابن كثير: " وما أحسن ما قال الناظم:

"رأى جنة المأوى وما فوقها ولو

رأى غيره ما قد رآه لتاها".

وقوله تعالى هنا: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} ، تنويه بما أطلع الله عليه خاتم الرسل عليه الصلاة والسلام، من آثار قدرته الباهرة، ودلائل سطوته القاهرة، في العالم العلوي الفسيح، وذلك علاوة على ما أوحاه إليه في كتابه المبين، من الدلائل القاطعة، والحجج الساطعة. وحكمته سبحانه في ذلك كله أن يزود رسوله بأكبر زاد من المعرفة واليقين، وأن يعده لحمل رسالته على أكمل وجه إلى العالمين.

وانتهى هذا الربع بتسفيه معتقدات المشركين ومقدساتهم من الأصنام والأوثان: {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} ، وبين كتاب الله أنهم لا يعتمدون في معتقداتهم الباطلة إلا على مجرد الظنون والأهواء والأماني، وكل

ص: 108