الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَكْرَار الْجَمَاعَة فِي الْمَسْجِد الْوَاحِد
(ت د حم)، وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ:(جَاءَ رَجُلٌ وَقَدْ صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ: " أَيُّكُمْ)(1)(يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا فَيُصَلِّيَ مَعَهُ؟ ")(2)(فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ فَصَلَّى مَعَهُ)(3).
(1)(ت) 220 ، (حم) 11032
(2)
(د) 574 ، (حم) 11032 ، (حب) 2397، (ك) 758
(3)
(حم) 11426 ، (ش) 7097 ، (خز) 1632 ، وصححه الألباني في الإرواء: 535
(هق) ، وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أنه دخل مسجدا قد صلوا فيه ، فأمر رجلًا فأذَّن بهم وأقام ، فصلى بهم جماعة. (1)
(1) صححه الألباني في تمام المنة ص155 وقال: وقد يستدِل به بعضهم على جواز تعدد صلاة الجماعة في المسجد الواحد ولا حجة فيه لأمرين: الأول: أنه موقوف.
الثاني: أنه قد خالفه من الصحابة من هو أفقه منه ، وهو عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فروى عبد الرزاق في " المصنف " ، وعنه الطبراني في " المعجم الكبير " بسند حسن عن إبراهيم أن علقمة والأسود أقبلا مع ابن مسعود إلى المسجد فاستقبلهم الناس وقد صلوا فرجع بهما إلى البيت
…
ثم صلى بهما "
فلو كانت الجماعة الثانية في المسجد جائزة مطلقا لما جمع ابن مسعود في البيت ، مع أن الفريضة في المسجد أفضل كما هو معلوم ،
ثم وجدت ما يدل على أن هذا الأثر في حكم المرفوع ، فانه يشهد له ما روى الطبراني في " الأوسط " عَنْ عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل من نواحي المدينة يريد الصلاة فوجد الناس قد صلوا ، فمال إلى منزله فجمع أهله فصلى بهم " ، وقال: " لَا يروى عن أبي بكرة إِلَّا بهذا الإسناد " قلت: وهو حسن ، وقال الهيثمي: " رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط " ورجاله ثقات "
ولعل الجماعة التي أقامها أنس رضي الله عنه كانت في مسجد ليس له إمام راتب ولا مؤذن راتب ، فإن إعادتها في مثل هذا المسجد لَا تُكره لما يأتي ، وبذلك يتفق الأثران ولا يختلفان.
وأحسن ما وقفت عليه من كلام الأئمة في هذه المسألة هو كلام الإمام الشافعي رضي الله عنه ولا بأس من نقله مع شيء من الاختصار ولو طال به التعليق نظرا لأهميته وغفلة أكثر الناس عنه ، قال رضي الله عنه في " الأم ": " وإن كان لرجل مسجد يجمع فيه ففاتته الصلاة ، فإن أتى مسجد جماعة غيره كان أحبَّ إلي إن لم يأته ، وصلى في مسجده منفردا فحسن ، وإذا كان للمسجد إمام راتب ففاتت رجلا أو رجالا فيه الصلاة صلوا فرادى ، ولا أحب أن يصلوا فيه جماعة ، فإن فعلوا أجزأتهم الجماعة فيه ، وإنما كرهت ذلك لهم لأنه ليس مما فعل السلف قبلنا ، بل قد عابه بعضهم ، وأحسب كراهية من كره ذلك منهم إنما كان لتفرقة الكلمة ، وأن يرغب رجل عن الصلاة خلف إمام الجماعة ، فيتخلف هو ومن أراد عن المسجد في وقت الصلاة ، فإذا قُضِيت دخلوا فجمعوا ، فيكون بهذا اختلاف وتفرق الكلمة وفيهما المكروه ، وإنما أكره هذا في كل مسجد له إمام ومؤذن ، فأما مسجدٌ بُنِي على ظهر الطريق أو ناحية لَا يؤذن فيه مؤذن راتب ، ولا يكون له إمام راتب ويصلي فيه المارة ويستظلون ، فلا أكره ذلك ، لأنه ليس فيه المعنى الذي وصفت من تفرُّق الكلمة ، وأن يرغب رجال عن إمامة رجل فيتخذون إماما غيره ،
قال الشافعي: وإنما منعني أن أقول: صلاة الرجل لَا تجوز وحده وهو يقدر على جماعة بحال ، تفضيل النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الجماعة على صلاة المنفرد ، ولم يقل: لَا تجزي المنفرد صلاته ، وأنا قد حفظنا أنه قد فاتت رجالا معه الصلاة فصلوا بعلمه منفردين ، وقد كانوا قادرين على أن يجمعوا ، وأنه قد فاتت الصلاة في الجماعة قوما ، فجاؤوا المسجد فصلى كل واحد منهم منفردا ، وقد كانوا قادرين على أن يجمعوا في المسجد ، فصلى كل واحد منهم منفردا ، وإنما كرهوا لئلا يجمعوا في مسجد مرتين " أ. هـ كلام الشافعي
وما علقه الشافعي عن الصحابة قد جاء موصولا عن الحسن البصري قال: " كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا دخلوا المسجد وقد صلي فيه صلوا فرادى " رواه ابن أبي شيبة (2/ 223)
وقال أبو حنيفة: " لَا يجوز إعادة الجماعة في مسجد له إمام راتب " ، ونحوه في " المدونة " عن الإمام مالك.
وبالجملة فالجمهور على كراهة إعادة الجماعة في المسجد بالشرط السابق ، وهو الحق ، ولا يعارض هذا الحديث المشهور:" أَلَا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه " ، فإن غاية ما فيه حض الرسول صلى الله عليه وسلم أحد الذين كانوا صلوا معه صلى الله عليه وسلم في الجماعة الأولى أن يصلي وراءه تطوعا ، فهي صلاة متنفل وراء مفترض ، وبحْثُنَا إنما هو في صلاة مفترض وراء المفترض فاتتهم الجماعة الأولى ، ولا يجوز قياس هذه على تلك ، لأنه قياس مع الفارق من وجوه:
الأول: أن الصورة الأولى المختلف فيها لم تُنقل عنه صلى الله عليه وسلم لَا إذنا ولا تقريرا ، مع وجود المقتضي في عهده صلى الله عليه وسلم كما أفادته رواية الحسن البصري.
الثاني: أن هذه الصورة تؤدي إلى تفريق الجماعة الأولى المشروعة ، لأن الناس إذا علموا أنهم تفوتهم الجماعة ، يستعجلون ، فتكثر الجماعة ، وإذا علموا أنها لَا تفوتهم ، يتأخرون ، فتقل الجماعة ، وتقليل الجماعة مكروه ، وليس شيء من هذا المحذور في الصورة التي أقرَّها رسول الله صلى الله عليه وسلم فثبت الفرق ، فلا يجوز الاستدلال بالحديث على خلاف المتقرِّر من هديه " صلى الله عليه وسلم ". أ. هـ