الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنَ الصَّلَوَاتِ الْمَسْنُونَةِ الْمُطْلَقَةِ صَلَاةُ الْحَاجَة
حُكْمُ صَلَاةِ الْحَاجَة
قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} (1)
(1)[البقرة: 153]
(د)، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رضي الله عنه قَالَ:" كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا حَزَبَهُ (1) أَمْرٌ صَلَّى "(2)
(1) حَزَبَهُ: نابه وألمَّ به واشتد عليه.
(2)
(د) 1319 ، (حم) 23347 ، (هب) 3181 ، انظر صَحِيح الْجَامِع: 4703
(ت جة حم)، وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ رضي الله عنه قَالَ:(أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ ، فَقَالَ: ادْعُ اللهَ أَنْ يُعَافِيَنِي ، فَقَالَ: " إِنْ شِئْتَ دَعَوْتُ لَكَ)(1)(وَإِنْ شِئْتَ صَبَرْتَ)(2)(فَهُوَ أَفْضَلُ لِآخِرَتِكَ " ، قَالَ: لَا بَلْ ادْعُ اللهَ لِي)(3)(" فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَتَوَضَّأَ فَيُحْسِنَ وُضُوءَهُ ، وَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ ، وَيَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ)(4)(بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيِّ الرَّحْمَةِ)(5)(يَا مُحَمَّدُ)(6)(إِنِّي تَوَجَّهْتُ بِكَ (7) إِلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ لِتُقْضَى لِيَ (8) اللَّهُمَّ فَشَفِّعْهُ (9) فِيَّ (10) ") (11)(قَالَ: فَفَعَلَ الرَّجُلُ فَبَرَأَ (12)) (13).
(1)(حم) 17279 ، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح.
(2)
(ت) 3578 ، (جة) 1385
(3)
(حم) 17280 ، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح.
(4)
(جة) 1385 ، (ت) 3578
(5)
(ت) 3578
(6)
(جة) 1385
(7)
أَيْ: اِسْتَشْفَعْتُ بِك ، وَالْخِطَابُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 476)
(8)
أَيْ: لِتُقْضَى لِي حَاجَتِي بِشَفَاعَتِك. تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 476)
(9)
أَيْ: اِقْبَلْ شَفَاعَتَهُ. تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 476)
(10)
أَيْ: فِي حَقِّي. تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 476)
(11)
(ت) 3578 ، (حم) 17279 ، صححه الألباني في كتاب التوسل ص69
(12)
قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْغَنِيِّ فِي إِنْجَاحِ الْحَاجَةِ: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّوَسُّلِ وَالِاسْتِشْفَاعِ بِذَاتِهِ الْمُكَرَّمِ فِي حَيَاتِهِ.
وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي تُحْفَةِ الذَّاكِرِينَ: وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ التَّوَسُّلِ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى اللهِ عز وجل ، مَعَ اِعْتِقَادِ أَنَّ الْفَاعِلَ هُوَ اللهُ سبحانه وتعالى ، وَأَنَّهُ الْمُعْطِي الْمَانِعُ ، مَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأ لَمْ يَكُنْ ، ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا التَّوَسُّلُ بِالصَّالِحِينَ فَمِنْهُ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ الصَّحَابَةَ اِسْتَسْقَوْا بِالْعَبَّاسِ رضي الله عنه عَمِّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه اللهمَّ إِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْك بِعَمِّ نَبِيِّنَا إِلَخْ ، قَالَ الشَّوْكَانِيُّ: وَقَالَ الشِّيحُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: إِنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّوَسُّلُ إلى اللهِ تَعَالَى إِلَّا بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِنْ صَحَّ الْحَدِيثُ فِيهِ ، وَلَعَلَّهُ يُشِيرُ إِلَى الْحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ اِبْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ أَعْمَى أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، قَالَ: وَلِلنَّاسِ فِي مَعْنَى هَذَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ التَّوَسُّلَ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَمَّا قَالَ: كُنَّا إِذَا أَجْدَبْنَا نَتَوَسَّلُ بِنَبِيِّنَا إِلَيْك فَتَسْقِينَا وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْك بِعَمِّ نَبِيِّنَا وَهُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ ، فَقَدْ ذَكَرَ عُمَرُ رضي الله عنه أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَوَسَّلُونَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قِي حَيَاتِهِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ ، ثُمَّ تَوَسَّلَ بِعَمِّهِ الْعَبَّاسِ بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَتَوَسُّلُهُمْ هُوَ اِسْتِسْقَاؤُهُمْ ، بِحَيْثُ يَدْعُو وَيَدْعُونَ مَعَهُ ، فَيَكُونُ هُوَ وَسِيلَتُهُمْ إلى اللهِ تَعَالَى ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي مِثْلِ هَذَا شَافِعًا وَدَاعِيًّا لَهُمْ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ التَّوَسُّلَ بِهِ صلى الله عليه وسلم يَكُونُ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ وَفِي حَضْرَتِهِ وَمَغِيبِهِ ، وَلَا يَخْفَاك أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ التَّوَسُّلُ بِهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَيَاتِهِ ، وَثَبَتَ التَّوَسُّلُ بِغَيْرِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ إِجْمَاعًا سُكُوتِيًّا لِعَدَمِ إِنْكَارِ أَحَدٍ مِنْهُمْ عَلَى عُمَرَ رضي الله عنه فِي تَوَسُّلِهِ بِالْعَبَّاسِ رضي الله عنه وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِ جَوَازِ التَّوَسُّلِ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَمَا زَعَمَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لِأَمْرَيْنِ: الْأَوَّلُ مَا عَرَّفْنَاك بِهِ مِنْ إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم.
وَالثَّانِي: أَنَّ التَّوَسُّلَ إلى اللهِ بِأَهْلِ الْفَضْلِ وَالْعِلْمِ هُوَ فِي التَّحْقِيقِ تَوَسُّلٌ بِأَعْمَالِهِمْ الصَّالِحَةِ وَمَزَايَاهُمْ الْفَاضِلَةِ ، إِذْ لَا يَكُونُ الْفَاضِلُ فَاضِلًا إِلَّا بِأَعْمَالِهِ، فَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ: اللهمَّ إِنِّي أَتَوَسَّلُ إِلَيْك بِالْعَالِمِ الْفُلَانِيِّ فَهُوَ بِاعْتِبَارِ مَا قَامَ بِهِ مِنْ الْعِلْمِ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَكَى عَنْ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ اِنْطَبَقَتْ عَلَيْهِمْ الصَّخْرَةُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ تَوَسَّلَ إلى اللهِ بِأَعْظَمِ عَمَلٍ عَمِلَهُ فَارْتَفَعَتْ الصَّخْرَةُ، فَلَوْ كَانَ التَّوَسُّلُ بِالْأَعْمَالِ الْفَاضِلَةِ غَيْرَ جَائِزٍ أَوْ كَانَ شِرْكًا كَمَا يَزْعُمُهُ الْمُتَشَدِّدُونَ فِي هَذَا الْبَابِ كَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ مِنْ أَتْبَاعِهِ لَمْ تَحْصُلْ الْإِجَابَةُ لَهُمْ ، وَلَا سَكَتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ إِنْكَارِ مَا فَعَلُوهُ بَعْدَ حِكَايَتِهِ عَنْهُمْ ، وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ مَا يُورِدُهُ الْمَانِعُونَ مِنْ التَّوَسُّلِ بِالْأَنْبِيَاءِ وَالصُّلَحَاءِ مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إلى اللهِ زُلْفَى} وَنَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا} وَنَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَاَلَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ} لَيْسَ بِوَارِدٍ ، بَلْ هُوَ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى مَحَلِّ النِّزَاعِ بِمَا هُوَ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُ، فَإِنَّ قَوْلَهُمْ {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إلى اللهِ زُلْفَى} مُصَرِّحٌ بِأَنَّهُمْ عَبَدُوهُمْ لِذَلِكَ ، وَالْمُتَوَسِّلُ بِالْعَالِمِ مَثَلًا لَمْ يَعْبُدْهُ ، بَلْ عَلِمَ أَنَّ لَهُ مَزِيَّةً عِنْدَ اللهِ بِحَمْلِهِ الْعِلْمَ فَتَوَسَّلَ بِهِ لِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ {وَلَا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا} فَإِنَّهُ نَهْيٌ عَنْ أَنْ يُدْعَى مَعَ اللهِ غَيْرُهُ ، كَأَنْ يَقُولَ بِاللهِ وَبِفُلَانٍ، وَالْمُتَوَسِّلُ بِالْعَالِمِ مَثَلًا لَمْ يَدْعُ إِلَّا اللهَ ، فَإِنَّمَا وَقَعَ مِنْهُ التَّوَسُّلُ عَلَيْهِ بِعَمَلٍ صَالِحٍ عَمِلَهُ بَعْضُ عِبَادِهِ ، كَمَا تَوَسَّلَ الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ اِنْطَبَقَتْ عَلَيْهِمْ الصَّخْرَةُ بِصَالِحِ أَعْمَالِهِمْ ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ:{لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ} [الرعد/14] ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ دَعَوْا مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُمْ وَلَمْ يَدْعُوا رَبَّهُمْ الَّذِي يَسْتَجِيبُ لَهُمْ ، وَالْمُتَوَسِّلُ بِالْعَالِمِ مَثَلًا لَمْ يَدْعُ إِلَّا اللهَ وَلَمْ يَدْعُ غَيْرَهُ دُونَهُ وَلَا دَعَا غَيْرَهُ مَعَهُ ، وَإِذَا عَرَفْت هَذَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْك دَفْعُ مَا يُورِدُهُ الْمَانِعُونَ لِلتَّوَسُّلِ مِنْ الْأَدِلَّةِ الْخَارِجَةِ عَنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ خُرُوجًا زَائِدًا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ ، كَاسْتِدْلَالِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمَا أَدْرَاك مَا يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ مَا أَدْرَاك مَا يَوْمُ الدِّينِ يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ للهِ} فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ الشَّرِيفَةَ لَيْسَ فِيهَا إِلَّا أَنَّهُ تَعَالَى الْمُنْفَرِدُ بِالْأَمْرِ فِي يَوْمِ الدِّينِ ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ، وَالْمُتَوَسِّلُ بِنَبِيٍّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ أَوْ عَالِمٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ هُوَ لَا يَعْتَقِدُ أَنَّ لِمَنْ تَوَسَّلَ بِهِ مُشَارَكَةً للهِ جل جلاله فِي أَمْرِ يَوْمِ الدِّينِ ، وَمَنْ اِعْتَقَدَ هَذَا الْعَبْدَ مِنْ الْعِبَادِ سَوَاءٌ كَانَ نَبِيًّا أَوْ غَيْرَ نَبِيٍّ فَهُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ، وَهَكَذَا الِاسْتِدْلَالُ عَلَى مَنْعِ التَّوَسُّلِ بِقَوْلِهِ:{لَيْسَ لَك مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ} ، {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا} فَإِنَّ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ مُصَرِّحَتَانِ بِأَنَّهُ لَيْسَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَمْرِ اللهِ شَيْءٌ ، وَأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا ، فَكَيْفَ يَمْلِكُ لِغَيْرِهِ، وَلَيْسَ فِيهِمَا مَنْعُ التَّوَسُّلِ بِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ أَوْ الْأَوْلِيَاءِ أَوْ الْعُلَمَاءِ، وَقَدْ جَعَلَ اللهُ لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ لِمَقَامِ الشَّفَاعَةِ الْعُظْمَى ، وَأَرْشَدَ الْخَلْقَ إِلَى أَنْ يَسْأَلُوهُ ذَلِكَ وَيَطْلُبُوهُ مِنْهُ ، وَقَالَ لَهُ: سَلْ تُعْطَهْ ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ ، وَقِيلَ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ ، بِأَنَّ الشَّفَاعَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ، وَلَا تَكُونُ إِلَّا لِمَنْ اِرْتَضَى، وَهَكَذَا الِاسْتِدْلَالُ عَلَى مَنْعِ التَّوَسُّلِ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَك الْأَقْرَبِينَ} يَا فُلَانُ بْنَ فُلَانٍ لَا أَمْلِكُ لَك مِنْ اللهِ شَيْئًا، يَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ لَا أَمْلِكُ لَك مِنْ اللهِ شَيْئًا ، فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ فِيهَا إِلَّا التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَا يَسْتَطِيعُ نَفْعَ مَنْ أَرَادَ اللهُ ضُرَّهُ ، وَلَا ضُرَّ مَنْ أَرَادَ اللهُ تَعَالَى نَفْعَهُ ، وَأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ لِأَحَدٍ مِنْ قَرَابَتِهِ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِمْ شَيْئًا مِنْ اللهِ، وَهَذَا مَعْلُومٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ ، وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ لَا يُتَوَسَّلُ بِهِ إلى اللهِ فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ طَلَبُ الْأَمْرِ مِمَّنْ لَهُ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الطَّالِبُ أَنْ يُقَدِّمَ بَيْنَ يَدَيْ طَلَبِهِ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْإِجَابَةِ مِمَّنْ هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِالْعَطَاءِ وَالْمَنْعِ ، وَهُوَ مَالِكُ يَوْمِ الدِّينِ اِنْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ.
قُلْت: الْحَقُّ عِنْدِي أَنَّ التَّوَسُّلَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَيَاتِهِ بِمَعْنَى التَّوَسُّلِ بِدُعَائِهِ وَشَفَاعَتِهِ جَائِزٌ ، وَكَذَا التَّوَسُّلُ بِغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ فِي حَيَاتِهِمْ ، بِمَعْنَى التَّوَسُّلِ بِدُعَائِهِمْ وَشَفَاعَتِهِمْ أَيْضًا جَائِزٌ، وَأَمَّا التَّوَسُّلُ بِهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ مَمَاتِهِ ، وَكَذَا التَّوَسُّلُ بِغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ بَعْدَ مَمَاتِهِمْ فَلَا يَجُوزُ، وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ فِي رِسَالَتِهِ التَّوَسُّلُ وَالْوَسِيلَةُ ، وَقَدْ أَشْبَعَ الْكَلَامَ فِي تَحْقِيقِهِ وَأَجَادَ فِيهِ، وَمِنْ جُمْلَةِ كَلَامِهِ فِيهَا: وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إِذَا ثَبَتَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ أَوْ غَيْرِهِ أَنَّهُ جَعَلَ مِنْ الْمَشْرُوعِ الْمُسْتَحَبِّ أَنْ يُتَوَسَّلَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم دَاعِيًا لَهُ وَلَا شَافِعًا فِيهِ ، فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ عُمَرَ وَأَكَابِرَ الصَّحَابَةِ لَمْ يَرَوْا هَذَا مَشْرُوعًا بَعْدَ مَمَاتِهِ كَمَا كَانَ يُشْرَعُ فِي حَيَاتِهِ ، بَلْ كَانُوا فِي الِاسْتِسْقَاءِ فِي حَيَاتِهِ يَتَوَسَّلُونَ بِهِ ، فَلَمَّا مَاتَ لَمْ يَتَوَسَّلُوا بِهِ ، بَلْ قَالَ عُمَرُ فِي دُعَائِهِ الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ الثَّابِتِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِمَحْضَرٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فِي عَامِ الرَّمَادَةِ الْمَشْهُورِ لَمَّا اِشْتَدَّ بِهِمْ الْجَدْبُ حَتَّى حَلَفَ عُمَرُ لَا يَأكُلُ سَمْنًا حَتَّى يُخْصِبَ النَّاسُ، فَلَمَّا اِسْتَسْقَى بِالنَّاسِ قَالَ: اللهمَّ إِنَّا كُنَّا إِذَا أَجْدَبْنَا نَتَوَسَّلُ إِلَيْك بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا ، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْك بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا فَيُسْقَوْنَ، وَهَذَا دُعَاءٌ أَقَرَّهُ عَلَيْهِ جَمِيعُ الصَّحَابَةِ لَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ مَعَ شُهْرَتِهِ ، وَهُوَ مِنْ أَظْهَرْ الْإِجْمَاعَاتِ الْإِقْرَارِيَّةِ ، وَدَعَا بِمِثْلِهِ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ فِي خِلَافَتِهِ لَمَّا اِسْتَسْقَى بِالنَّاسِ، فَلَوْ كَانَ تَوَسُّلُهُمْ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ مَمَاتِهِ كَتَوَسُّلِهِمْ فِي حَيَاتِهِ ، لَقَالُوا: كَيْفَ نَتَوَسَّلُ بِمِثْلِ الْعَبَّاسِ وَيَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ وَنَحْوِهِمَا وَنَعْدِلُ عَنْ التَّوَسُّلِ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ الْخَلَائِقِ ، وَهُوَ أَفْضَلُ الْوَسَائِلِ وَأَعْظَمُهَا عِنْدَ اللهِ، فَلَمَّا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْهُمْ - وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُمْ فِي حَيَاتِهِ إِنَّمَا تَوَسَّلُوا بِدُعَائِهِ وَشَفَاعَتِهِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ تَوَسَّلُوا بِدُعَاءِ غَيْرِهِ وَشَفَاعَةِ غَيْرِهِ - عُلِمَ أَنَّ الْمَشْرُوعَ عِنْدَهُمْ التَّوَسُّلُ بِدُعَاءِ الْمُتَوَسَّلِ بِهِ لَا بِذَاتِهِ، وَحَدِيثُ الْأَعْمَى حُجَّةٌ لِعُمَرَ وَعَامَّةِ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا أَمَرَ الْأَعْمَى أَنْ يَتَوَسَّلَ إلى اللهِ بِشَفَاعَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَدُعَائِهِ لَا بِذَاتِهِ، وَقَالَ لَهُ فِي الدُّعَاءِ " قُلْ اللهمَّ فَشَفِّعْهُ فِيَّ " وَإِذَا قُدِّرَ أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ أَمَرَ غَيْرَهُ أَنْ يَتَوَسَّلَ بِذَاتِهِ لَا بِشَفَاعَتِهِ وَلَمْ يَأمُرْ بِالدُّعَاءِ الْمَشْرُوعِ بَلْ بِبَعْضِهِ وَتَرَكَ سَائِرَهُ الْمُتَضَمِّنَ لِلتَّوَسُّلِ بِشَفَاعَتِهِ كَانَ مَا فَعَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ هُوَ الْمُوَافِقُ لِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وَكَانَ الْمُخَالِفُ لِعُمَرَ مَحْجُوجًا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وَكَانَ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حُجَّةً عَلَيْهِ لَا لَهُ ، وَقَالَ فِيهَا: فَأَمَّا التَّوَسُّلُ بِذَاتِهِ فِي حُضُورِهِ أَوْ مَغِيبِهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ مِثْلُ الْإِقْسَامِ بِذَاتِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ ، أَوْ السُّؤَالِ بِنَفْسِ ذَوَاتِهِمْ لَا بِدُعَائِهِمْ ، فَلَيْسَ هَذَا مَشْرُوعًا عِنْدَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بَلْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَمُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَمَنْ بِحَضْرَتِهِمَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ لَمَّا أَجْدَبُوا اِسْتَسْقَوْا وَتَوَسَّلُوا أَوْ اِسْتَشْفَعُوا بِمَنْ كَانَ حَيًّا كَالْعَبَّاسِ وَيَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ ، وَلَمْ يَتَوَسَّلُوا وَلَمْ يَسْتَشْفِعُوا وَلَمْ يَسْتَسْقُوا فِي هَذِهِ الْحَالِ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا عِنْدَ قَبْرِهِ وَلَا غَيْرِ قَبْرِهِ ، بَلْ عَدَلُوا إِلَى الْبَدَلِ كَالْعَبَّاسِ وَكَيَزِيدَ ، بَلْ كَانُوا يُصَلُّونَ عَلَيْهِ فِي دُعَائِهِمْ اِنْتَهَى. تحفة الأحوذي (ج 8 / ص 476)
(13)
(حم) 17280