الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أو التخيير. وإما على سبيل كون الشيء سببا أو شرطا أو مانعا أو صحيحا أو فاسدا.
والدليل الشرعي: هو وحي الله مطلقا متلوّا أو غير متلوّ، فيشمل الكتاب والسنة.
أما القياس والإجماع ففي نسخهما والنسخ بهما كلام تراه في موضع آخر.
ما لا بد منه في النسخ
ولا بد من تحقق النسخ من أمور أربعة:
أولها: أن يكون المنسوخ حكما شرعيّا.
ثانيها: أن يكون دليل رفع الحكم دليلا شرعيّا.
ثالثها: أن يكون هذا الدليل الرافع متراخيا عن دليل الحكم الأول غير متصل به كاتصال القيد بالمقيد والتأقيت بالمؤقت.
رابعا: أن يكون بين ذينك الدليلين تعارض حقيقي.
تلك أربعة لا بد منها لتحقق النسخ باتفاق جمهرة الباحثين. وثمة شروط اختلفوا في شرطيتها لا داعي لذكرها الآن.
الفرق بين النسخ والبداء
البداء: (بفتح الباء) يطلق في لغة العرب على معنيين متقاربين:
أحدهما: الظهور بعد الخفاء، ومنه قول الله سبحانه: وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ [سورة الزمر آية: 47]، وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا [سورة الجاثية آية: 33]، ومنه قولهم: بدا لنا سور المدينة.
والآخر: نشأة رأي جديد لم يك موجودا. قال في القاموس: وبدا له في الأمر بدوّا، وبداء وبداءة أي: نشأ له فيه رأي. اه.
ومنه قول الله تعالى: ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ [سورة يوسف آية: 35]. ذانك معنيان متقاربان للبداء، وكلاهما مستحيل على الله تعالى، لما يلزمهما من سبق الجهل وحدوث العلم، والجهل والحدوث عليه محالان؛ لأن النظر الصحيح في هذا العالم، دلّنا على أن خالقه ومدبره متصف أزلا وأبدا بالعلم الواسع المطلق المحيط بكل ما كان وما سيكون وما هو كائن، كما هدانا هذا النظر الصحيح إلى أنه تعالى لا يمكن أن يكون حادثا ولا محلّا للحوادث، وإلا لكان ناقصا يعجز عن
أن يبدع هذا الكون ويدبره هذا التدبير المعجز! ذلك إجمال لدليل العقل.
أما أدلة النقل فنصوص فياضة ناطقة بأنه تعالى أحاط بكل شيء علما، وأنه لا تخفى عليه خافية: ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [سورة الحديد آية: 22].
وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ [سورة
الأنعام آية: 59].
اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ (8) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ (9) سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ [سورة الرعد آية: 8 - 10]، إلى غير ذلك من مئات الآيات والأحاديث.
ولكن على رغم وجود هذه البراهين الساطعة من عقلية ونقلية، ضل أقوام سفهوا أنفسهم فأغمضوا عيونهم عن النظر في كتاب الكون الناطق، وصموا آذانهم عن سماع كلام الله وكلام نبيه الصادق، وزعموا أن النسخ ضرب من البداء أو مستلزم للبداء! وهكذا اشتبهوا أو شبهوا على الناس الأمر، وقالوا: لولا ظهور مصلحة الله، ونشوء رأي جديد له، ما نسخ أحكامه، وبدل تعاليمه، ونسوا أو تناسوا أن الله تعالى حين نسخ بعض أحكامه ببعض، ما ظهر له أمر كان خافيا عليه، وما نشأ له رأي جديد كان يفقده من قبل، إنما كان سبحانه يعلم الناسخ والمنسوخ أزلا من قبل أن يشرعهما لعباده، بل من قبل أن يخلق الخلق، ويبرأ السماء والأرض، إلا أنه- جلت حكمته- علم أن الحكم الأول المنسوخ منوط بحكمة، أو مصلحة تنتهي في وقت معلوم، وعلم بجانب هذا أن الناسخ يجيء في هذا الميقات المعلوم منوطا بحكمة ومصلحة أخرى، ولا ريب أن الحكم والمصالح تختلف باختلاف الناس، وتتجدد بتجدد ظروفهم وأحوالهم. وأن الأحكام وحكمها، والعباد ومصالحهم، والنواسخ والمنسوخات، كانت كلها معلومة لله من قبل، ظاهرة لديه لم يخف شيء منها عليه، والجديد في النسخ إنما هو إظهاره تعالى ما علم لعباده، لا ظهور ذلك له، على حد التعبير المعروف:(شئون يبديها ولا يبتديها)، وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا [سورة مريم آية: 64].
وخلاصة هذا التوجيه أن النسخ تبديل في المعلوم لا في العلم، وتغيير في المخلوق لا في الخالق، وكشف لنا وبيان عن بعض ما سبق به علم الله القديم المحيط بكل شيء، ولهذا ذهب كثير من علمائنا إلى تعريف النسخ بأنه: بيان انتهاء الحكم الشرعي الذي تقرر في أوهامنا استمراره بطريق التراخي، ثم قالوا توجيها لهذا الاختيار: إن في هذا التعريف دفعا