الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على التاء من نَسْتَعِينُ وقفة لطيفة مدعيا أنه يرتل، وهذا النوع من القراءة مذهب حمزة وورش، وقد أخرج فيه الداني حديثا في كتاب التجويد مسلسلا إلى أبيّ بن كعب أنه قرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم التحقيق وقال: إنه غريب مستقيم الإسناد.
الثانية: الحدر بفتح الحاء وسكون الدال المهملتين
، وهو إدراج القراءة وسرعتها وتخفيفها بالقصر، والتسكين، والاختلاس، والبدل، والإدغام الكبير، وتخفيف الهمزة، ونحو ذلك مما- صحت به الرواية- مع مراعاة إقامة الإعراب وتقويم اللفظ وتمكين الحروف بدون بتر حروف المد واختلاس أكثر الحركات، وذهاب صوت الغنة والتفريط إلى غاية لا تصح بها القراءة ولا توصف بها التلاوة، وهذا النوع مذهب ابن كثير وأبي جعفر ومن قصر المنفصل كأبي عمرو ويعقوب.
الثالثة: التدوير: وهو التوسط بين المقامين بين التحقيق والحدر
، وهو الذي ورد عن أكثر الأئمة ممن مد المنفصل ولم يبلغ فيه الإشباع وهو مذهب سائر القراء، وهو المختار عند أكثر أهل الأداء.
تنبيه:
سيأتي في النوع الذي يلي هذا استحباب الترتيل في القراءة، والفرق بينه وبين التحقيق فيما ذكره بعضهم: أن التحقيق يكون للرياضة والتعليم والتمرين، والترتيل يكون للتدبر والتفكر والاستنباط فكل تحقيق ترتيل وليس كل ترتيل تحقيقا. اه.
المحكم والمتشابه في القرآن الكريم
قال السيوطي في الإتقان: قال الله تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ [سورة آل عمران آية: 7].
وقد حكى ابن حبيب النيسابوري في المسألة ثلاثة أقوال:
أحدها: أن القرآن كله محكم لقوله تعالى: كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ [سورة هود آية: 1].
الثاني: كله متشابه لقوله تعالى: كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ [سورة الزمر آية: 23].
الثالث: وهو الصحيح انقسامه إلى محكم ومتشابه للآية المصدر بها، والجواب عن الآيتين أن المراد بإحكامه إتقانه وعدم تطرق النقص والاختلاف إليه، وبتشابهه كونه يشبه بعضه بعضا في الحق والصدق والإعجاز.
وقد اختلف في تعيين المحكم والمتشابه على أقوال: فقيل: المحكم ما عرف المراد منه إما بالظهور وإما بالتأويل، والمتشابه: ما استأثر الله بعلمه كقيام الساعة وخروج الدجال والحروف المقطعة في أوائل السور.
- وقيل: المحكم ما وضح معناه، والمتشابه نقيضه.
- وقيل: المحكم ما لا يحتمل من التأويل إلا وجها واحدا، والمتشابه ما احتمل أوجها.
- وقيل: المحكم ما كان معقول المعنى، والمتشابه بخلافه كأعداد الصلوات، واختصاص الصيام برمضان دون شعبان قاله الماوردي.
- وقيل: المحكم ما استقل بنفسه، والمتشابه ما لا يستقل بنفسه إلا برده إلى غيره.
- وقيل المحكم الفرائض والوعد والوعيد، والمتشابه القصص والأمثال.
أخرج ابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: المحكمات:
ناسخه وحلاله وحرامه وحدوده وفرائضه، وما يؤمن به ويعمل به، والمتشابهات:
منسوخه ومقدمه ومؤخره وأمثاله وأقسامه وما يؤمن به ولا يعمل به.
وأخرج الفريابي عن مجاهد قال: المحكمات: ما فيه الحلال والحرام وما سوى ذلك منه متشابه يصدق بعضه بعضا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع قال: المحكمات: هي أوامره الزاجرة.
وأخرج عن إسحاق بن سويد أن يحيى بن يعمر وأبا فاختة تراجعا في هذه الآية فقال أبو فاختة: فواتح السور، وقال يحيى: الفرائض والأمر والنهي والحلال.
وأخرج الحاكم وغيره عن ابن عباس قال: «الثلاث الآيات من آخر سورة الأنعام محكمات: قُلْ تَعالَوْا والآيتان بعدها» وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر عن ابن عباس في قوله تعالى: مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ قال: من ههنا قُلْ تَعالَوْا إلى ثلاث آيات، ومن ها هنا وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ إلى ثلاث آيات بعدها. وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك قال: المحكمات ما لم ينسخ منه، والمتشابهات ما قد نسخ.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان قال: المتشابهات فيما بلغنا الم، والمص، المر، والر، قال ابن أبي حاتم: وقد روي عن عكرمة وقتادة وغيرهما: أن المحكم الذي يعمل به، والمتشابه الذي يؤمن به ولا يعمل به.
واختلف هل المتشابه مما يمكن الإطلاع على علمه، أو لا يعلمه إلا الله .. ؟ على قولين منشؤهما الاختلاف في قوله تعالى: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ هل هو معطوف، ويقولون حال أو مبتدأ خبره يقولون والواو للاستئناف؟ وعلى الأول طائفة يسيرة منهم مجاهد وهو رواية عن ابن عباس، فأخرج ابن المنذر من طريق مجاهد عن ابن عباس في قوله: وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ قال: أنا ممن يعلم تأويله.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ قال: يعلمون تأويله ويقولون آمنا به، وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يعلمون تأويله، لو لم يعلموا تأويله لم يعلموا ناسخه من منسوخه، ولا حلاله من حرامه، ولا محكمه من متشابهه- واختار هذا القول النووي فقال: في شرح مسلم:
إنه الأصح؛ لأنه يبعد أن يخاطب الله عباده بما لا سبيل لأحد من الخلق إلى معرفته.
وقال ابن الحاجب: إنه الظاهر.
وأما الأكثرون من الصحابة والتابعين وأتباعهم ومن بعدهم- خصوصا أهل السنة- فذهبوا إلى الثاني، وهو أصح الروايات عن ابن عباس، قال ابن السمعاني: لم يذهب إلى القول الأول إلا شرذمة قليلة، واختاره العتبي. قال: وقد كان يعتقد مذهب أهل السنة لكنه سها في هذه المسألة قال: ولا غرو فإن لكل جواد كبوة ولكل عالم هفوة.
قلت: ويدل لصحة مذهب الأكثرين ما أخرجه عبد الرزاق في تفسيره والحاكم في مستدركه عن ابن عباس، أنه كان يقرأ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ويقول:
وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ فهذا يدل على أن الواو للاستئناف؛ لأن هذه الرواية وإن لم تثبت بها القراءة فأقل درجتها أن تكون خبرا بإسناد صحيح إلى ترجمان القرآن فيقدم كلامه في ذلك على من دونه، ويؤيد ذلك أن الآية دلت على ذم مبتغي المتشابه ووصفهم بالزيغ وابتغاء الفتنة، وعلى مدح الذين فوضوا العلم إلى الله وسلموا إليه، كما مدح الله المؤمنين بالغيب، وحكى الفراء أن في قراءة أبي بن كعب- أيضا- «ويقول الراسخون» . وأخرج ابن أبي داود في المصاحف من طريق الأعمش، قال في قراءة ابن مسعود:«وإن تأويله إلا عند الله، والراسخون في العلم يقولون آمنا به» .
وأخرج الشيخان وغيرهما عن عائشة قالت: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ إلى قوله: أُولُوا الْأَلْبابِ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله، فاحذرهم» .
وأخرج الحاكم عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الكتاب الأول ينزل من باب واحد على حرف واحد، ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف: زجر وأمر، وحلال وحرام، ومحكم ومتشابه وأمثال، فأحلّوا حلاله، وحرّموا حرامه، وافعلوا ما أمرتم به، وانتهوا عما نهيتم عنه، واعتبروا بأمثاله، واعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه، وقولوا: آمنا به كل من عند ربنا.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس مرفوعا: أنزل القرآن على أربعة أحرف: حلال
وحرام لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير تفسره العرب، وتفسير تفسره العلماء، ومتشابه لا يعلمه إلا الله، ومن ادعى علمه سوى الله فهو كاذب، ثم أخرجه من وجه آخر عن
ابن عباس موقوفا بنحوه.
وأخرج الدارمي في مسنده عن سليمان بن يسار أن رجلا يقال له صبيغ قدم المدينة «فجعل يسأل عن متشابه القرآن، فأرسل إليه عمر وقد أعدّ له عراجين النخل، فقال: من أنت؟ قال: أنا عبد الله بن صبيغ، فأخذ عمر عرجونا من تلك العراجين فضربه حتى دمى رأسه» وفي رواية عنده «فضربه بالجريد حتى ترك ظهره دبرة، ثم تركه حتى برأ، ثم عاد ثم تركه حتى برأ فدعا به ليعود فقال: إن كنت تريد قتلي فاقتلني قتلا جميلا فأذن له إلى أرضه وكتب إلى أبي موسى الأشعري: لا يجالسه أحد من المسلمين» .
وأخرج الدارمي عن عمر بن الخطاب قال: إنه سيأتيكم ناس يجادلونكم بمشتبهات القرآن فخذوهم بالسنن فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله، فهذه الأحاديث والآثار تدل على أن المتشابه مما لا يعلمه إلا الله تعالى وأن الخوض فيه مذموم، وسيأتي قريبا زيادة على ذلك.
قال الطيبي: المراد بالمحكم: ما اتضح معناه، والمتشابه بخلافه، لأن اللفظ الذي يقبل معنى إما أن يحتمل غيره أو لا، والثاني النص، والأول إما أن تكون دلالته على ذلك الغير أرجح أو لا والأول هو الظاهر، والثاني إما أن يكون مساويه أو لا، والأول هو المجمل والثاني المؤول، فالمشترك بين النص والظاهر هو المحكم، والمشترك بين المجمل والمؤول هو المتشابه. ويؤيد هذا التقسيم أنه تعالى أوقع المحكم مقابلا للمتشابه قالوا: فالواجب أن يفسر المحكم بما يقابله، ويعضد ذلك أسلوب الآية وهو الجمع مع التقسيم؛ لأنه تعالى فرق ما جمع في معنى الكتاب بأن قال: مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ وأراد أن يضيف إلى كل منهما ما شاء، فقال أولا: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ إلى أن قال:
وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ وكان يمكن أن يقال: وأما الذين في قلوبهم استقامة فيتبعون المحكم، لكنه وضع موضع ذلك وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ لإتيان لفظ الرسوخ؛ لأنه لا يحصل إلا بعد التثبت العام والاجتهاد البليغ، فإذا استقام القلب على طريق الإرشاد ورسخ القدم في العلم، أفصح صاحبه النطق بالقول الحق وكفى بدعاء الراسخين في العلم:
رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا [سورة آل عمران آية: 8] .. إلخ شاهدا على أن الراسخين في العلم مقابل لقوله: الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ وفيه إشارة إلى أن الوقف على قوله: إِلَّا اللَّهُ تام، وإلى أن علم المتشابه مختص بالله تعالى. وأن من حاول معرفته هو الذي أشار