الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنهم مرة الهمذاني الكوفي: لكثرة عبادته قيل: مرة الطيب، ومرة الخير، أخذ عن أبيّ بن كعب، وعمر بن الخطاب وغيرهما من الصحابة، وروى عنه الشعبي وغيره.
هؤلاء هم أعلام المفسرين من التابعين استمدوا آراءهم وعلومهم مما تلقوه من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.
وعنهم أخذ تابعو التابعين وهكذا، حتى وصل إلينا دين الله وكتابه وعلومه ومعارفه سليمة كاملة عن طريق التلقي والتلقين، جيلا عن جيل، مصداقا لقوله- سبحانه-:
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [سورة الحجر آية: 9].
ولقوله صلى الله عليه وسلم: «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين» .
نقد المروي عن التابعين:
يلاحظ على ما روي عن التابعين اعتبارات مهمة تثير الطعن فيه وتوجّه الطعن إليه.
منها أنهم لم يشاهدوا عهد النبوة، ولم يتشرفوا بأنوار الرسول صلى الله عليه وسلم، فيغلب على الظن أن ما يروى عنهم من تفسير القرآن إنما هو من قبيل الرأي لهم، فليس له قوة المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
ومنها: أنه يندر فيه الإسناد الصحيح.
ومنها: اشتماله على إسرائيليات وخرافات انسابت إليه تارة من زنادقة الفرس، وأخرى من بعض مسلمة أهل الكتاب، إما بحسن نية، وإما بسوء نية.
ضعف الرواية بالمأثور
علمنا أن الرواية بالمأثور، تتناول ما كان تفسيرا للقرآن بالقرآن، وما كان تفسيرا للقرآن بالسنة، وما كان تفسيرا للقرآن بالموقوف عن الصحابة أو التابعين على رأي.
أما تفسير بعض القرآن ببعض، وتفسير القرآن بالسنة الصحيحة المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلا خلاف في وجاهته وقبوله.
وأما تفسير القرآن بما يعزى إلى الصحابة والتابعين؛ فإنه يتطرق إليه الضعف من وجوه:
أولها: ما دسه أعداء الإسلام مثل: زنادقة اليهود والفرس، فقد أرادوا هدم هذا الدين المتين عن طريق الدس والوضع، حينما أعيتهم الحيل في النيل منه عن طريق الحرب والقوة، وعن طريق الدليل والحجة.
ثانيها: ما لفّقه أصحاب المذاهب المتطرفة ترويجا لتطرفهم، كشيعة عليّ المتطرفين
الذين نسبوا إليه ما هو منه بريء، وكالمتزلفين الذين حطبوا في حبل العباسيين، فنسبوا إلى ابن عباس ما لم تصح نسبته إليه تملقا لهم واستدرارا لدنياهم.
ثالثها: اختلاط الصحيح بغير الصحيح، ونقل كثير من الأقوال المعزوّة إلى الصحابة أو التابعين من غير إسناد ولا تحرّ، مما أدى إلى التباس الحق بالباطل، زد على ذلك أن من يرى رأيا صار يعتمده دون أن يذكر له سندا، ثم يجيء من بعده فينقله على اعتبار أن له أصلا، ولا يكلف نفسه البحث عن أصل الرواية، ولا من يرجع إليه هذا القول.
رابعها: أن تلك الروايات مليئة بالإسرائيليات، ومنها كثير من الخرافات التي يقوم الدليل على بطلانها، ومنها ما يتعلق بأمور العقائد التي لا يجوز الأخذ فيها بالظن، ولا برواية الآحاد، بل لا بد من دليل قاطع فيها، كالروايات التي تتحدث عن أشراط الساعة، وأهوال القيامة وأحوال الآخرة حين تذكر على أنها اعتقاديات في الإسلام.
خامسها: أن ما نقل نقلا صحيحا عن الكتب السابقة التي عند أهل الكتاب كالتوراة والإنجيل، أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نتوقف فيه، فلا نصدقهم لاحتمال أنه مما حرفوه في تلك الكتب، ولا نكذبهم لاحتمال أنه مما حفظوه منها فقد قال تعالى فيهم إنهم:
أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ [سورة آل عمران آية: 23].
وكلمة الإنصاف في هذا الموضوع: أن التفسير بالمأثور نوعان:
أحدهما: ما توافرت الأدلة على صحته وقبوله، وهذا لا يليق بأحد رده، ولا يجوز إهماله وإغفاله، ولا يجمل أن نعتبره من الصوارف عن هدى القرآن، بل هو على العكس عامل من أقوى العوامل على الاهتداء بالقرآن.
ثانيهما: ما لم يصح لسبب من الأسباب الآنفة أو غيرها، وهذا يجب رده ولا يجوز قبوله ولا الاشتغال به، اللهم إلا لتمحيصه والتنبيه إلى ضلاله وخطئه حتى لا يغتر به أحد.
ولا يزال كثير من أيقاظ المفسرين كابن كثير يتحرون الصحة فيما ينقلون، ويزيّفون ما هو باطل أو ضعيف ولا يحابون ولا يجبنون.
ولعل الذين أطلقوا القول في رد المأثور إنما أرادوا المبالغة- كما علمت في توجيه كلمة الإمام أحمد بن حنبل- وعذرهم أن الصحيح منه قليل نادر، نزر يسير، حتى لقد قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: لم يثبت عن ابن عباس في التفسير إلا شبيه بمائة حديث.
أي مع كثرة ما روي عنه.
وقد أشار ابن خلدون إلى أنّ العرب لم يكونوا أهل كتاب ولا علم، وإنما غلبت عليهم
البداوة والأمية، وإذا تشوفوا إلى معرفة شيء مما تتشوف إليه النفوس البشرية في أسباب المكونات وبدء الخليقة وأسرار الوجود، فإنما يسألون عنه أهل الكتاب قبلهم؛ ويستفيدون منهم إلى أن قال: وهؤلاء مثل: كعب الأحبار، ووهب بن منبه، وعبد الله بن سلام، فامتلأت التفاسير من المنقولات عنهم وتلقّيت بالقبول، لما كان لهم من المكانة السامية، ولكن الراسخين في العلم قد تحروا الصحة، وزيفوا ما لم تتوافر أدلة صحته. اه. بتصرف.
تنبيه: إياك أن تفهم من عبارة ابن خلدون أو ابن تيمية أو غيرهما ما يجعلك تخوض مع الخائضين في هؤلاء الأعلام الثلاثة: عبد الله بن سلام، ووهب بن منبه، وكعب الأحبار، فقد ضل بعض الأدباء والمؤرخين من كبار الكتاب في هذا العصر، حين زعموا ذلك، حتى لقد سلكوا عبد الله بن سلام الصحابي الجليل في سلك واحد مع عبد الله ابن سبأ اليهودي الخبيث، الذي تظاهر بالإسلام ثم كاد له شر الكيد، فتشيّع لعليّ، وزعم أن الله حل فيه، وطعن على عثمان، وأظهر الرفض عند حكم الحكمين بصفين، ودعا الناس إلى ضلاله الأثيم، حتى نفي مرارا، والحقيقة أن ثلاثتنا هؤلاء عدول ثقات.
أما ابن سلام: فحسبك أنه صحابي من خيرة الصحابة، ومن المبشرين بالجنة، يروي الترمذي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنه عاشر عشرة في الجنة» وفيه أنزلت آية: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ [سورة الأحقاف آية: 10]، وآية: وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ [سورة الرعد آية: 43]، على ما جاء في بعض الروايات.
وأما وهب بن منبه: فقد كان تابعا ثقة واسع العلم، روى عن أبي هريرة كثيرا وله حديث في الصحيحين عن أخيه همام: وقد بلغ من تنسكه وصلاحه أنه لبث عشرين سنة يصلي الفجر بوضوء العشاء رضي الله عنه.
وأما كعب: فقد كان تابعا جليلا، أسلم في خلافة أبي بكر، وناهيك أن الصحابة أخذوا عنه كما أخذ هو عن الصحابة، وروى عنه جماعة من التابعين مرسلا، وله شيء في صحيح البخاري وغيره.
ولكن يجب أن نفرق في هذا المقام بين ما يصح أن يقال فيهم، وما يصح أن ينقل عنهم، فأما ما يصح أن يقال فيهم؛ فهو الثقة والتقدير على نحو ما ألمحنا، وأما الذي ينقل عنهم؛ فمنه الصحيح وغير الصحيح، لكن عدم صحة ما لم يصح لا يعلل باتهامهم وجرحهم، فقد علمت من هم؟! إنما يعلل بأحد أمرين:
أولهما: رجال السند الذين ينقلون عنهم، فقد يكون بينهم متّهم في عدالته أو