الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وثمة قول ثالث: أنه ابتدئ إنزاله في ليلة القدر، ثم نزل بعد ذلك منجما في أوقات مختلفة من سائر الأزمان على النبي صلى الله عليه وسلم. وكأن صاحب هذا القول ينفي النزول جملة إلى بيت العزة في ليلة القدر.
وذكروا قولا رابعا أيضا هو أنه نزل من اللوح المحفوظ جملة واحدة، وأن الحفظة نجمته على جبريل في عشرين ليلة، وأن جبريل نجمه على النبي صلى الله عليه وسلم في عشرين سنة.
ولكن هذه الأقوال الثلاثة الأخيرة بمعزل عن التحقيق، وهي محجوجة بالأدلة التي سقناها بين يديك تأييدا للقول الأول.
والحكمة في النزول، على ما ذكره السيوطي نقلا عن أبي شامة هي تفخيم أمره (أي القرآن) وأمر من نزل عليه بإعلام سكان السموات السبع أن هذا آخر الكتب المنزلة على خاتم الرسل لأشرف الأمم، وبإنزاله مرتين، مرة جملة، ومرة مفرقا. بخلاف الكتب السابقة، فقد كانت تنزل جملة مرة واحدة.
الإنزال الثالث: [كان على قلب النبي ص بواسطة جبرئيل ع]
هذا هو واسطة عقد الإنزالات؛ لأنه المرحلة الأخيرة التي منها شع النور على العالم، ووصلت هداية الله إلى الخلق، وكان هذا النزول بوساطة أمين الوحي جبريل يهبط به على قلب النبي صلى الله عليه وسلم، ودليله قول الله تعالى مخاطبا رسوله صلى الله عليه وسلم:
نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [سورة الشعراء آية: 193 - 195].
كيفية أخذ جبريل للقرآن؟ وعمن أخذ
؟
هذا من أنباء الغيب، فلا يطمئن الإنسان إلى رأي فيه إلا إن ورد بدليل صحيح عن المعصوم صلى الله عليه وسلم، وكل ما عثرنا عليه أقوال منثورة هنا وهناك.
وأيّا ما تكن هذه الأقوال، فإن هذا الموضوع لا يتعلق به كبير غرض، ما دمنا نقطع بأن مرجع الإنزال هو الله تعالى وحده.
ما الذي نزل به جبريل
؟
ولتعلم في هذا المقام أن الذي نزل به جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم هو القرآن باعتبار أنه الألفاظ الحقيقية المعجزة من أول الفاتحة إلى آخر سورة الناس. وتلك الألفاظ هي كلام الله وحده، لا دخل لجبريل ولا لمحمد صلى الله عليه وسلم في إنشائها وترتيبها. بل الذي رتبها أولا هو الله سبحانه تعالى، ولذلك تنسب له دون سواه، وإن نطق بها جبريل ومحمد، وملايين الخلق
من بعد جبريل ومحمد، من لدن نزول القرآن إلى يوم الساعة، وذلك كما ينسب الكلام البشري إلى من أنشأه ورتبه أولا دون غيره، ولو نطق به آلاف الخلائق في آلاف الأيام والسنين.
فالله- جلت حكمته- هو الذي أبرز ألفاظ القرآن وكلماته مرتبة، ولذلك لا يجوز إضافة القرآن على سبيل الإنشاء إلى جبريل أو محمد، ولا لغير جبريل ومحمد صلى الله عليه وسلم.
وقد أسفّ بعض الناس فزعم أن جبريل كان ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم بمعاني القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم يعبر عنها بلغة العرب.
وزعم آخرون أن اللفظ لجبريل وأن الله كان يوحي إليه المعنى فقط وكلاهما قول باطل أثيم، مصادم لصريح الكتاب والسنة والإجماع، ولا يساوي قيمة المداد الذي يكتب به.
وعقيدتي أنه مدسوس على المسلمين في كتبهم، وإلا فكيف يكون القرآن حينئذ معجزا واللفظ لمحمد أو لجبريل؟ ثم كيف تصح نسبته إلى الله واللفظ ليس لله؟ مع أن الله يقول: حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [سورة التوبة آية: 6]، إلى غير ذلك مما يطول بنا تفصيله.
والحق أنه ليس لجبريل في هذا القرآن سوى حكايته للرسول وإيحائه إليه، وليس للرسول صلى الله عليه وسلم في هذا القرآن سوى وعيه وحفظه، ثم حكايته وتبليغه، ثم بيانه وتفسيره، ثم تطبيقه وتنفيذه.
إنا نقرأ في القرآن الكريم أنه ليس من إنشاء جبريل ولا محمد نحو قوله تعالى:
وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ [سورة النمل آية 6].
ونحو قوله تعالى: وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَها قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي [سورة الأعراف آية: 203].
ونحو قوله: وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ [سورة يونس آية: 15].
ونحو قوله: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (44) لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ [سورة الحاقة آية: 44 - 47].