الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المغرب، على الإيمان بالصفات من غير تفسير ولا تشبيه، وقال الترمذي في الكلام على حديث الرؤية: المذهب في هذا عند أهل العلم من الأئمة مثل سفيان الثوري، ومالك، وابن المبارك، وابن عيينة، ووكيع وغيرهم أنهم قالوا: نروي هذه الأحاديث كما جاءت ونؤمن بها، ولا يقال: كيف .. ؟ ولا نفسر ولا نتوهم .. !
وذهبت طائفة من أهل السنة إلى أننا نؤولها على ما يليق بجلاله تعالى وهذا مذهب الخلف. وكان إمام الحرمين يذهب إليه ثم رجع عنه، فقال في الرسالة النظامية: الذي نرتضيه دينا وندين الله به عقدا اتباع سلف الأمة، فإنهم درجوا على ترك التعرض لمعانيها.
معنى كون القرآن أنزل على سبعة أحرف
روى مسلم عن أبيّ بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عند أضاة (مسيل الماء إلى الغدير) بني غفار، فأتاه جبريل عليه السلام فقال:«إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرف فقال: «أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك» ثم أتاه الثانية فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرفين، فقال «أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك» ثم جاءه الثالثة فقال: «إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف» فقال: «أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق ذلك، ثم جاءه الرابعة فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على سبعة أحرف فأيما حرف قرأوا عليه فقد أصابوا» .
وروى الترمذي عنه قال: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل فقال: «يا جبريل: إني بعثت إلى أمة أمية منهم العجوز الشيخ الكبير والغلام والجارية والرجل الذي لا يقرأ كتابا قط فقال لي يا محمد: إن القرآن أنزل على سبعة أحرف» قال: هذا حديث حسن صحيح، وثبت في الأمهات: البخاري ومسلم والموطأ وأبي داود، والنسائي، وغيرها من المصنفات والمسندات قصة عمر مع هشام بن حكيم، وسيأتي بكماله في آخر الباب مبينا إن شاء الله تعالى.
وقد اختلف العلماء في المراد بالأحرف السبعة على خمسة وثلاثين قولا، ذكرها أبو حاتم محمد بن حبان البستي، نذكر منها في هذا الكتاب خمسة أقوال:
الأول: وهو الذي عليه أكثر أهل العلم كسفيان بن عيينة وعبد الله بن وهب والطبري والطحاوي وغيرهم: أن المراد سبعة أوجه من المعاني المتقاربة بألفاظ مختلفة
نحو: أقبل، وتعال، وهلم.
قال الطحاوي: وأبين ما ذكر في ذلك حديث أبي بكرة قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اقرأ على حرف، فقال ميكائيل: استزده، فقال: اقرأ على حرفين، فقال ميكائيل:
استزده حتى بلغ سبعة أحرف؛ فقال: اقرأ فكلّ شاف كاف، إلا أن تخلط آية رحمة بآية عذاب أو آية عذاب بآية رحمة على نحو: هلم، وتعال، وأقبل، وأسرع، وعجّل.
وروى ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، عن ابن عباس، عن أبي بن كعب: أنه كان يقرأ: لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا [سورة الحديد آية: 13]، للذين آمنوا أمهلونا، للذين آمنوا أخرونا، للذين آمنوا ارقبونا.
وبهذا الإسناد عن أبيّ كان يقرأ: كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ [سورة البقرة آية: 20]، مروا فيه، سعوا فيه.
وفي البخاري ومسلم قال الزهري: إنما هذه الأحرف في الأمر الواحد ليس يختلف في حلال ولا حرام.
قال الطحاوي: إنما كانت السعة للناس في الحروف؛ لعجزهم عن أخذ القرآن على غير لغاتهم؛ لأنهم كانوا أميين لا يكتب إلا القليل منهم، فلما كان يشق على كل ذي لغة أن يتحول إلى غيرها من اللغات، ولو رام ذلك لم يتهيأ له إلا بمشقة عظيمة، فوسع لهم في اختلاف الألفاظ، إذا كان المعنى متفقا، فكانوا كذلك حتى كثر منهم من يكتب وعادت لغاتهم إلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقدروا بذلك على تحفظ ألفاظه، فلم يسعهم حينئذ أن يقرءوا بخلافها.
قال ابن عبد البر: فبان بهذا أن تلك السبعة الأحرف إنما كانت في وقت خاص لضرورة دعت إلى ذلك، ثم ارتفعت تلك الضرورات فارتفع حكم هذه السبعة الأحرف، وعاد ما يقرأ به القرآن على حرف واحد.
روى أبو داود عن أبي قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبي إني أقرئت القرآن فقيل لي: على حرف أو حرفين فقال الملك الذي معي: قل على حرفين. فقيل لي: على حرفين أو ثلاثة. فقال الملك الذي معي: قل على ثلاثة أحرف حتى بلغ سبعة أحرف، ثم قال: ليس منها إلا شاف كاف إن قلت: سميعا عليما، عزيزا حكيما، ما لم تخلط آية عذاب برحمة، أو آية رحمة بعذاب» .
وأسند ثابت بن قاسم نحو هذا الحديث عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر من كلام ابن مسعود نحوه، قال القاضي ابن الطيب: وإذا ثبتت هذه الرواية- يريد
حديث أبي- حمل على أن هذا كان مطلقا ثم نسخ، فلا يجوز للناس أن يبدلوا اسما لله تعالى في موضع بغيره مما يوافق معناه أو يخالف.
القول الثاني: قال قوم: هي سبع لغات في القرآن على لغات العرب، كلها يمنها ونزارها؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجهل شيئا منها، وكان قد أوتي جوامع الكلم، وليس معناه أن يكون في الحرف الواحد سبعة أوجه ولكن هذه اللغات السبع متفرقة في القرآن، فبعضه بلغة قريش، وبعضه بلغة هذيل، وبعضه بلغة هوازن، وبعضه بلغة اليمن» قال الخطابي: على أن في القرآن ما قد قرئ بسبعة أوجه وهو قوله: وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ [سورة المائدة آية: 60] وقوله: أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ [سورة يوسف آية: 12] وذكر وجوها، كأنه يذهب إلى أن بعضه أنزل على سبعة أحرف لا كله.
وإلى هذا القول: بأن القرآن أنزل على سبعة أحرف على سبع لغات، ذهب أبو عبيد القاسم بن سلام واختاره ابن عطية. قال أبو عبيد: وبعض الأحياء أسعد بها وأكثر حظّا فيها من بعض، وذكر حديث ابن شهاب عن أنس، أن عثمان قال لهم حين أمرهم أن يكتبوا المصاحف: ما اختلفتم أنتم وزيد فاكتبوه بلغة قريش، فإنه نزل بلغتهم. ذكره البخاري، وذكر حديث ابن عباس قال: نزل القرآن بلغة الكعبين: كعب قريش وكعب خزاعة، قيل: وكيف ذلك؟ قال: لأن الدار واحدة. قال أبو عبيد: يعني أن خزاعة جيران
قريش فأخذوا بلغتهم.
قال القاضي ابن الطيب: معنى قول عثمان: فإنه نزل بلسان قريش، (يريد معظمه وأكثره)، ولم تقم دلالة قاطعة على أن القرآن بأسره منزّل بلغة قريش فقط، إذ فيه كلمات وحروف خلاف لغة قريش، وقد قال الله تعالى: إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا [سورة الزخرف آية: 3] ولم يقل قريشيّا، وهذا يدل على أنه منزل بجميع لسان العرب، وليس لأحد أن يقول: إنه أراد قريشا من العرب دون غيرها، كما أنه ليس له أن يقول: أراد لغة عدنان دون قحطان، أو ربيعة دون مضر؛ لأن اسم العرب يتناول جميع هذه القبائل تناولا واحدا.
وقال ابن عبد البر: قول من قال: إن القرآن نزل بلغة قريش معناه عندي في الأغلب والله أعلم، لأن غير لغة قريش موجود في صحيح القراءات من تحقيق الهمزات ونحوها، وقريش لا تهمز.
وقال ابن عطية: معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أنزل القرآن على سبعة أحرف» أي فيه عبارات سبع قبائل بلغة جملتها نزل القرآن، فيعبر عن المعنى فيه مرة بعبارة قريش، ومرة بعبارة هذيل، ومرة بغير ذلك بحسب الأفصح والأوجز في اللفظ.
ألا ترى أن فَطَرَ معناه عند غير قريش: «ابتدأ» فجاءت في القرآن فلم تتجه لابن عباس حتى اختصم إليه أعرابيان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها؛ قال ابن عباس:
ففهمت حينئذ موقع قوله تعالى: فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [سورة فاطر آية: 1] وقال أيضا:
ما كنت أدري معنى قوله تعالى: رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ [سورة الأعراف آية: 89] حتى سمعت بنت ذي يزن تقول لزوجها: تعال أفاتحك: أي أحاكمك.
وكذلك قال عمر بن الخطاب، وكان لا يفهم معنى قوله تعالى: أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ [سورة النحل آية: 47] أي على تنقص لهم.
وكذلك اتفق لقطبة بن مالك إذ سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصلاة: وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ [سورة ق آية: 10] ذكره مسلم في باب القراءة في صلاة الفجر إلى غير ذلك من الأمثلة.
القول الثالث: أن هذه اللغات السبع إنما تكون في مضر، قاله قوم، واحتجوا بقول عثمان: نزل القرآن بلغة مضر، وقالوا: جائز أن يكون منها لقريش، ومنها لكنانة، ومنها لأسد، ومنها لهزيل، ومنها لتميم، ومنها لضبة، ومنها لقيس، قالوا: فهذه قبائل مضر تستوعب بسبع لغات على هذه المراتب، وقد كان ابن مسعود يحب أن يكون الذين يكتبون المصاحف من مضر، وأنكر آخرون أن تكون كلها في مضر، وقالوا: في مضر شواذ لا يجوز أن يقرأ القرآن بها، مثل كشكشة قيس وتمتمة تميم.
فأما كشكشة قيس: فإنهم يجعلون كاف المؤنث شينا فيقولون في: جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا [سورة مريم آية: 24] جعل ربّش تحتش سريّا.
وأما تمتمة تميم: فيقولون في الناس: النات، وفي أكياس: أكيات، قالوا: وهذه لغات يرغب عن القرآن بها ولا يحفظ عن السلف فيها شيء. وقال آخرون: أما إبدال الهمزة عينا وإبدال حروف الحلق بعضها من بعض فمشهور عن الفصحاء، وقد قرأ به الجلة واحتجوا بقراءة ابن مسعود (ليسجننه عتى حين) ذكرها أبو داود.
وبقول ذي الرمة:
فعيناك عيناها وجيدك جيدها
…
ولونك إلا عنّها غير طائل
القول الرابع: ما حكاه صاحب الدلائل عن بعض العلماء، وحكى نحوه القاضي ابن الطيب قال: تدبرت وجوه الاختلاف في القراءة فوجدتها سبعا: منها ما تتغير حركته ولا يزول معناه ولا صورته، مثل هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ [سورة هود آية: 78] وأطهر وَيَضِيقُ صَدْرِي [سورة الشعراء آية: 13] ويضيق.