الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وروي ذلك عن مالك أيضا، وروي عن مالك وغيره أنهما سواء. وقد قيل: إن التسوية بينهما مذهب معظم علماء الحجاز والكوفة، ومذهب مالك وأصحابه، وأشياخه من علماء المدينة، ومذهب البخاري وغيرهم.
والصحيح ترجيح السماع من لفظ الشيخ. والحكم بأن القراءة عليه مرتبة ثانية، وقد قيل: إن هذا مذهب جمهور أهل المشرق.
وأما العبارة عنها عند الرواية بها فهي على مراتب، أجودها وأسلمها أن يقول:
«قرأت على فلان، أو قرئ على فلان وأنا أسمع» فهذا سائغ من غير إشكال.
ويتلو ذلك: ما يجوز من العبارات في السماع من لفظ الشيخ إذا أتى بها مقيدة بأن يقول: «حدثنا فلان قراءة عليه، أو أخبرنا قراءة عليه» ، ونحو ذلك، وكذلك «أنشدنا قراءة عليه» في الشعر.
وأما إطلاق «حدثنا وأخبرنا» في القراءة على الشيخ فقد اختلفوا فيه على مذاهب.
القسم الثالث من أقسام طرق نقل الحديث وتحمله: الإجازة:
وهي متنوعة أنواعا:
أولها: أن يجيز لمعين في معين، مثل أن يقول:«أجزت لك الكتاب الفلاني، أو ما اشتملت عليه فهرستي هذه» فهذا أعلى أنواع الإجازة المجردة عن المناولة. وزعم بعضهم أنه لا خلاف في جوازها، ولا خالف فيها أهل الظاهر، وإنما خلافهم في غير هذا النوع. وزاد القاضي أبو الوليد الباجي المالكي فأطلق نفي الخلاف وقال:«لا خلاف في جواز الرواية بالإجازة من سلف هذه الأمة وخلفها» وادعى الإجماع من غير تفصيل، وحكي الخلاف في العمل بها.
قلت: هذا باطل؛ فقد خالف في جواز الرواية بالإجازة جماعات من أهل الحديث والفقهاء والأصوليين، وذلك إحدى الروايتين عن الشافعي رضي الله عنه. روى عن صاحبه الربيع بن سليمان قال: كان الشافعي لا يرى الإجازة في الحديث. قال الربيع: «أنا أخالف الشافعي في هذا» . وقد قال بإبطالها جماعة من الشافعيين منهم القاضيان حسين بن محمد المروزي، وأبو الحسن الماوردي، وبه قطع الماوردي في كتابه «الحاوي» وعزاه إلى مذهب الشافعي وقالا جميعا:«لو جازت الإجازة لبطلت الرحلة» . وروى- أيضا- هذا الكلام عن شعبة وغيره.
ثم إن الذي استقر عليه العمل وقال به جماهير أهل العلم من أهل الحديث وغيرهم:
القول بتجويز الإجازة وإباحة الرواية بها، وفي الاحتجاج لذلك غموض. ويتجه أن
نقول: إذا أجاز أن يروي عنه مروياته فقد أخبره بها جملة فهو كما لو أخبره تفصيلا.
وإخباره بها غير متوقف على التصريح نطقا، كما في القراءة على الشيخ كما سبق، وإنما الغرض حصول الإفهام والفهم وذلك يحصل بالإجازة المفهمة.
النوع الثاني من أنواع الإجازة: أن يجيز لمعين في غير معين مثل أن يقول: «أجزت لك أو لكم جميع مسموعاتي أو جميع مروياتي» وما أشبه ذلك، فالخلاف في هذا النوع أقوى وأكثر. والجمهور من العلماء من المحدثين والفقهاء وغيرهم على تجويز الرواية بها أيضا، وعلى إيجاب العمل بما روي بها بشرطه.
النوع الثالث من أنواع الإجازة: أن يجيز لغير معين بوصف العموم مثل أن يقول:
«أجزت للمسلمين، أو أجزت لكل أحد، أو أجزت لمن أدرك زماني» وما أشبه ذلك فهذا نوع تكلم فيه المتأخرون ممن جوّز أصل الإجازة واختلفوا في جوازه، فإن كان ذلك مقيدا بوصف حاضر أو نحوه فهو إلى الجواز أقرب، وممن جوز ذلك كله أبو بكر الخطيب الحافظ.
وروينا عن أبي عبد الله بن منده الحافظ أنه قال: «أجزت لمن قال لا إله إلا الله» . وجوّز القاضي أبو الطيب الطبري- أحد الفقهاء المحققين فيما حكاه عنه الخطيب- الإجازة لجميع المسلمين من كان منهم موجودا عند الإجازة، وأجاز أبو محمد بن سعيد أحد الجلّة من شيوخ الأندلس لكل من دخل قرطبة من طلبة العلم، ووافقه على جواز ذلك جماعة منهم أبو عبد الله بن عتاب رضي الله عنهم. وأنبأني من سأل الحازمي أبا بكر عن الإجازة العامة هذه فكان من جوابه أن من أدركه من الحفاظ نحو أبي العلاء الحافظ وغيره كانوا يميلون إلى الجواز.
قلت: ولم نر ولم نسمع عن أحد ممن يقتدى به أنه استعمل هذه الإجازة فروى بها ولا عن الشرذمة المستأخرة سوّغوها، والإجازة في أصلها ضعف وتزداد بهذا التوسع والاسترسال ضعفا كثيرا لا ينبغي احتماله. والله أعلم اه. ابن الصلاح.
النوع الرابع من أنواع الإجازة: الإجازة للمجهول أو بالمجهول، ويتشبث بذيلها الإجازة المعلقة بالشرط وذلك مثل أن يقول:«أجزت لمحمد بن خالد الدمشقي» ، وفي وقته ذلك جماعة مشتركون في هذا الاسم والنسب، ثم لا يعين المجاز له منهم، أو يقول:«أجزت لفلان أن يروي عني كتاب السنن» وهو يروي أكثر من كتاب من كتب السنن المعروفة بذلك، ثم لا يعيّن. فهذه إجازة فاسدة لا فائدة لها.
النوع الخامس من أنواع الإجازة: الإجازة للمعدوم، ولنذكر معه الإجازة للطفل الصغير. هذا نوع خاض فيه قوم من المتأخرين واختلفوا في جوازه. ومثاله أن يقول:
«أجزت لمن يولد لفلان» فإن عطف المعدوم في ذلك على الموجود بأن قال: «أجزت