الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَشْهُرٍ [سورة الطلاق آية: 4]. فقد أشكل معنى هذا الشرط على بعض الأئمة حتى قال الظاهرية: بأن الآيسة لا عدة عليها، إذا لم ترتب (أي تشك) وقد بيّن ذلك سبب النزول، وهو أنه لما نزلت الآية التي في سورة البقرة في عدد النساء قالوا: قد بقي عدد من عدد النساء لم يذكرن: الصغار والكبار فنزلت». أخرجه الحاكم بن أبي، فعلم بذلك أنّ الآية خطاب لمن لم يعلم حكمهن في العدة، وارتاب هل عليهن عدة أو لا؟
وهل عدتهن كاللاتي في سورة البقرة أو لا؟ فمعنى إِنِ ارْتَبْتُمْ: إن أشكل عليكم حكمهن وجهلتم كيف يعتددن فهذا حكمهن.
ومن ذلك قوله تعالى: فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [سورة البقرة آية: 115] فإنا لو تركنا ومدلول اللفظ، لا قتضى أن المصلي لا يجب عليه استقبال القبلة سفرا ولا حضرا وهو خلاف الإجماع، فلما عرف سبب نزولها علم أنها في نافلة السفر أو فيمن صلى بالاجتهاد وبان له الخطأ على اختلاف الروايات في ذلك.
(ومنها) دفع توهم الحصر، قال الشافعي- ما معناه- في قوله تعالى: قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً [سورة الأنعام آية: 145]: إن الكفّار لمّا حرّموا ما أحلّ الله، وأحلّوا ما حرم الله، وكانوا على المضادّة والمحادّة فجاءت الآية مناقضة لغرضهم، فكأنه قال: لا حلال إلا ما حرّمتموه، ولا حرام إلا ما أحللتموه، نازلا منزلة من يقول: لا تأكل اليوم حلاوة فتقول: لا آكل اليوم إلا حلاوة، والغرض المضادّة لا النفي والإثبات على الحقيقة فكأنه تعالى قال: لا حرام إلا ما أحللتموه من الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به، ولم يقصد حل ما وراءه، إذ القصد إثبات التحريم لا إثبات الحل، قال إمام الحرمين: وهذا في غاية الحسن، ولولا سبق الشافعي إلى ذلك لما كنا نستجيز مخالفة مالك في حصر المحرمات فيما ذكرته الآية.
المسألة الثانية: اختلف أهل الأصول: هل العبرة بعموم اللفظ أم بخصوص السبب
؟
والأصح عندنا الأول، وقد نزلت آيات في أسباب واتفقوا على تعديتها إلى غير أسبابها كنزول آية الظهار في سلمة بن صخر، وآية اللعان في شأن هلال بن أمية، وحدّ القذف في رماة عائشة ثم تعدّى إلى غيرهم، ومن لم يعتبر عموم اللفظ قال: خرجت هذه الآية ونحوها لدليل آخر كما قصرت آيات على أسبابها اتفاقا لدليل قام على ذلك.
قال الزمخشري «في سورة الهمزة» : يجوز أن يكون السبب خاصّا، والوعيد عامّا ليتناول كل من باشر ذلك القبيح، وليكون ذلك جاريا مجرى التعريض.
قلت: ومن الأدلة على اعتبار عموم اللفظ احتجاج الصحابة وغيرهم في وقائع
بعموم آيات نزلت على أسباب خاصة.
قال ابن جرير: حدثني محمد بن أبي معشر، أخبرنا أبو معشر نجيح، سمعت سعيدا المقبري يذكر محمد بن كعب القرظي، فقال سعيد: إن في بعض كتب الله: إن لله عبادا ألسنتهم أحلى من العسل، وقلوبهم أمرّ من الصبر لبسوا لباس مسوح الضأن من اللين يجترون الدنيا بالدّين. فقال محمد بن كعب القرظي: هذا في كتاب الله: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا [سورة البقرة آية: 204]، فقال سعيد: قد عرفت فيمن أنزلت، فقال محمد بن كعب: إن الآية تنزل في الرجل ثم تكون عامة بعد.
فإن قلت: فهذا ابن عباس لم يعتبر عموم قوله: لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ [سورة آل عمران آية: 188] بل قصرها على ما أنزلت فيه من قصة أهل الكتاب، قلت:
أجيب عن ذلك بأنه لا يخفى عليه أن اللفظ أعم من السبب لكنه بيّن أن المراد باللفظ خاص، ونظيره تفسير النبي صلى الله عليه وسلم الظلم في قوله تعالى: وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ [سورة الأنعام آية: 82] بالشّرك من قوله سبحانه: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [سورة لقمان آية: 13]. مع فهم الصحابة العموم في كل ظلم.
وقد ورد عن ابن عباس ما يدل على اعتبار العموم، فإنه قال به في آية السرقة مع أنها نزلت في امرأة سرقت.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا عليّ بن الحسين، نبأنا محمد بن أبي حماد، حدثنا أبو ثميلة ابن عبد المؤمن، عن نجدة الحنفي قال: سألت ابن عباس عن قوله تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما [سورة المائدة آية: 38] أخاص أم عام؟ قال: بل عام.
وقال ابن تيمية: قد يجيء كثيرا من هذا الباب قولهم: هذه الآية نزلت في كذا لا سيما إن كان المذكور شخصا، كقولهم: إن آية الظهار نزلت في امرأة سلمة ابن صخر، وإن آية الكلالة نزلت في جابر بن عبد الله، وإن قوله: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ [سورة المائدة آية: 49] نزلت في بني قريظة والنضير، ونظائر ذلك مما يذكرون أنه نزل في قوم من
المشركين بمكة، أو في قوم من اليهود والنصارى، أو في قوم من المؤمنين، فالذين قالوا ذلك لم يقصدوا أن حكم الآية يختص بأولئك الأعيان دون غيرهم، فإن هذا لا يقوله مسلم ولا عاقل على الإطلاق، والناس وإن تنازعوا في اللفظ العام الوارد على سبب هل يختص بسببه أم لا؟ فلم يقل أحد إن عمومات الكتاب والسنة تختص بالشخص المعيّن، وإنما غاية ما يقال: إنها تخص بنوع ذلك الشخص فتعم ما يشبهه ولا يكون العموم فيها بحسب اللفظ، والآية التي لها سبب معيّن إن كانت أمرا أو نهيا