الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ [سورة الأنفال آية: 42].
التفسير المحمود والتفسير المذموم:
تفسير الصحابة والتابعين، وتفسير الذين اعتمدوا على أقوال الصحابة والتابعين بالأسانيد الصحيحة، وتفسير أهل الرأي الموفق الذين جمعوا بين المأثور الصحيح مع حذف أسانيده وبين آرائهم العلمية المعتدلة، كل هذه الثلاثة من التفسير المحمود، ويغلب هذا النوع الثالث في عصرنا الحاضر؛ إذ تجمع التفاسير لدينا بين معان مأثورة، ومعان توسعوا في ذكرها عن طريق الرأي والاجتهاد المعتمد على العلم والاعتدال.
وهناك نوع رابع، هو تفسير أهل الأهواء والبدع وحكمه أنه مذموم قالوا: وأشهر الغارقين في هذا الضلال: الرماني، والجبائي، والقاضي عبد الجبار، ثم اختلفوا في الزمخشري، فمنهم من عدّ تفسيره من هذا النوع لما فيه من مناحي الاعتزال، ومنهم من قال: إن فيه فوائد مهمة، يريد بذلك أن يلتمس له المعاذير وأن يغلب جانب الفوائد التي فيه على جانب الاعتزال الذي يحتويه، ولكن عدالة الأحكام تقضي بأن نسوي بين جميع التفاسير وأن نحاكمها إلى مبدأ واحد، فما وافق منها وجه الصواب، وكان بمنأى عن البدع والأهواء؛ فهو محمود، وما تورط منها في الخطأ وتخبط في الهوى والبدعة؛ فهو مذموم، لا فرق في ذلك بين الزمخشري وغير الزمخشري، ولا بين معتزلي وغير معتزلي.
ميزان المدح والذم:
ثم إن هناك ميزانا لما يحمد من التفسير وما يذم، وهو الفيصل الذي يجب أن نحكمه ونزن كل تفسير به، فما رجح في هذا الميزان قلبناه وحمدناه، وما طاش رفضناه وذممناه، والمدح والذم درجات بعضها فوق بعض، على حسب استيفاء التفسير لوجوه المدح والذم أو نقصها قليلا أو كثيرا، وسنضع هذا الميزان بين يديك تحت عنوان «منهج المفسرين بالرأي» .
غير أنا نسترعي نظرك هنا إلى كلمة أهل البدع والأهواء، ونريد أن تكون موفّقا في حكمك على أية طائفة أو أي شخص ببدعة أو هوى، وإلا خيف عليك أن تكون أنت صاحب البدعة والهوى في حكمك: وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ [سورة ص آية: 26].
غلطة التعصب للرأي:
واعلم أن هناك أفرادا- بل أقواما- تعصبوا لآرائهم ومذاهبهم، وزعموا أن من خالف هذه الآراء والمذاهب كان مبتدعا متبعا لهواه، ولو كان متأولا تأويلا سائغا يتسع
له الدليل والبرهان، كأن رأيهم ومذهبهم هو المقياس والميزان، أو كأنه الكتاب والسنة والإسلام، وهكذا استزلهم الشيطان وأعماهم الغرور.
ولقد نجم عن هذه الغلطة الشنيعة أن تفرق كثير من المسلمين شيعا وأحزابا، وكانوا حربا على بعضهم وأعداء، وغاب عنهم أن الكتاب والسنة والإسلام أوسع من مذاهبهم وآرائهم، وأن مذاهبهم وآراءهم أضيق من الكتاب والسنة والإسلام، وأن في ميدان الحنيفية السمحة متسعا لحرية الأفكار، واختلاف الأنظار، مادام الجميع معتصما بحبل الله.
ثم غاب عنهم أن الله تعالى يقول: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً [سورة آل عمران آية: 103].
ويقول جل ذكره: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ [سورة الأنعام آية: 159].
ويقول تقدست أسماؤه: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (105) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [سورة آل عمران آية: 105، 106].
لمثل هذا أربأ بنفسي وبك أن تتهم مسلما بالكفر أو البدعة والهوى لمجرد أنه خالفنا في رأي إسلامي نظري، فإن الترامي بالكفر والبدعة من أشنع الأمور.
ولقد قرر علماؤنا أن الكلمة إذا احتملت الكفر من تسعة وتسعين وجها ثم احتملت الإيمان من وجه واحد، حملت على أحسن المحامل وهو الإيمان، وهذا موضوع مفروغ منه ومن التدليل عليه، لكن يفت في عضدنا غفلة كثير من إخواننا المسلمين عن هذا الأدب الإسلامي العظيم، الذي يحفظ الوحدة، ويحمي الأخوة، ويظهر الإسلام بصورته الحسنة ووجهه الجميل من السماحة واليسر، واتساعه لجميع الاختلافات الفكرية والمنازع المذهبية، والمصالح البشرية، مادامت معتصمة بالكتاب والسنة على وجه من الوجوه الصحيحة التي يحتملها النظر السديد والتأويل الرشيد.
ولقد حدث مثل هذا الاختلاف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، فما تنازعوا من أجله، بل أخذ كل برأيه وهو يحترم الآخر ورأيه، وأقرهم الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك، ولم يعب أحدا منهم، على رغم أنه ترتب على بعض هذه الاختلافات أن ترك بعضهم الصلاة في وقتها اجتهادا منه، إذ قال الرسول صلى الله عليه وسلم لفئة من أصحابه:«لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة» فسافروا وجدّوا، ولكن الغزالة تدلت للغروب وهم لا يزالون ضاربين في الأرض، ولمّا يصلّوا. هنالك اجتهدوا، فمنهم من وقف عند ظاهر النص