الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقاصد القرآن الكريم
بما أن الترجمة- عرفا- لابد أن تتناول مقاصد الأصل جميعا، فإنا نقفك على أن لله تعالى في إنزال كتابه العزيز ثلاثة مقاصد رئيسية:
1 -
أن يكون هداية للثقلين.
2 -
أن يقوم آية لتأييد النبي صلى الله عليه وسلم.
3 -
أن يتعبد الله خلقه بتلاوة هذا الطراز الأعلى من كلامه المقدس.
[المقصد الأول] هداية القرآن:
هداية القرآن تمتاز بأنها عامة، وتامة، وواضحة.
أما عمومها: فلأنها تنتظم الإنس والجن في كل عصر ومصر، وفي كل زمان ومكان قال الله سبحانه: تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً [سورة الفرقان آية: 1].
وقال سبحانه: قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً [سورة الأعراف آية: 158].
وأما تمام هذه الهداية: فلأنها احتوت أرقى وأوفى ما عرفت البشرية وعرف التاريخ من هدايات الله للناس، وانتظمت كل ما يحتاج إليه الخلق في العقائد والأخلاق والعبادات والمعاملات على اختلاف أنواعها، وجمعت بين مصالح البشر في العاجلة والآجلة، ونظمت علاقة الإنسان بربه، وبالكون الذي يعيش فيه، ووفّقت بطريقة حكيمة
بين مطالب الروح والجسد.
وأما وضوح هذه الهداية: فلعرضها- عرضا رائعا مؤثرا، توافرت فيه كل وسائل الإيضاح وعوامل الإقناع- أسلوب فذ معجز في بلاغته وبيانه، واستدلال بسيط عميق يستمد بساطته وعمقه من كتاب الكون الناطق، وأمثال خلابة تخرج أدق المعقولات في صورة أجلى المحسوسات، وحكم بالغات تبهر الألباب بمحاسن الإسلام، وجلال التشريع، وقصص حكيم مختار يقوي الإيمان واليقين، ويهذب النفوس والغرائز، ويصقل الأفكار والعواطف، ويدفع الإنسان دفعا إلى التضحية والنهضة، ويصور له مستقبل الأبرار والفجار تصويرا يجعله كأنه حاضر تراه الأبصار في رابعة النهار، والأمثلة على ذلك كثيرة في القرآن الكريم.
والمهم أن نعلم في هذا المقام أن الهدايات القرآنية منها ما استفيد من معاني القرآن
الأصلية، ومنها ما استفيد من معانيه الثانوية.
أما القسم الأول فواضح لا يحتاج إلى تمثيل، وهو موضع اتفاق بين الجميع، وأما القسم الثاني ففيه دقة جعلت بعض الباحثين يجادل فيه، وإنا نوضحه لك بأمثلة نستمدها من فاتحة الكتاب العزيز:
- منها: استفادة أدب الابتداء بالبسملة في كل أمر ذي بال، أخذا من ابتداء الله كلامه بها، ومن افتتاحه كل سورة من سوره بها عدا سورة التوبة.
- ومنها: أن الاستعانة في أي شيء لا تستمد إلا من اسم الله وحده، أخذا من إضافة الاسم إلى لفظ الجلالة موصوفا بالرحمن الرحيم، ومن القصر المفهوم من البسملة على تقدير عامل الجار والمجرور متأخرا، ومن تقدير هذا العامل عامّا لا خاصّا.
- ومنها: استفادة الاستدلال على أن الحمد مستحق لله بأمور ثلاثة: تربيته تعالى للعوالم كلها، ورحمته الواسعة التي ظهرت آثارها وتأصّل اتصافه تعالى بها، وتصرفه وحده بالجزاء العادل يوم الجزاء، وذلك أخذا من جريان هذه الأوصاف على اسم الجلالة في مقام حمده بقوله سبحانه: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ.
- ومنها: استفادة التوحيد بنوعيه: توحيد الألوهية، وتوحيد الربوبية من القصر الماثل في قوله سبحانه إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ.
ومنها: استفادة دليل هذا التوحيد من الآيات السابقة عليه ووقوعه هو في سياقها عقيبها كما تقع النتيجة عقب مقدماتها.
- ومنها: استفادة أن الهداية إلى الصراط المستقيم هي المطمع الأسمى الذي يجب أن يرمي إليه الناس ويتنافس فيه المتنافسون، يدل على ذلك اختيارها والاقتصار على طلبها والدعاء بها، ثم انتهاء سورة الفاتحة بها كما تنتهي البدايات بمقاصدها.
- ومنها: استفادة أن الهداية لا يرجى فيها إلا الله وحده؛ لأنها انتظمت مع آيات التوحيد قبلها في سمط (خيط) واحد.
- ومنها: استفادة أدب من الآداب، هو أن يقدم الداعي ثناء الله على دعائه، استنتاجا من ترتيب هذه الآيات الكريمة، حيث تقدم فيها ما يتصل بحمد الله وتمجيده وتوحيده على ما يتصل بدعائه واستهدائه.
هذه أمثلة اقتبسناها من سورة الفاتحة ونحن لا نظن أن أحدا يخاصم فيها.
واعلم أن قرآنية القرآن وامتيازه، ترتبط بمعانيه الثانوية وما استفيد منها، أكثر مما