الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجارية بين الناس المختلفة باختلاف الأشخاص والأزمنة والأمكنة والأحوال، فلا مدخل لذلك في هذا الأمر الديني الذي تنبني عليه قنطرتان عظيمتان وجسران كبيران وهما:
الرواية، والشهادة. نعم من فعل ما يخالف ما يعده الناس مروءة عرفا لا شرعا فهو تارك للمروءة العرفية، ولا يستلزم ذلك ذهاب مروءته الشرعية.
الصغائر والكبائر
اختلف الناس: هل المعاصي منقسمة إلى صغائر وكبائر، أم هي قسم واحد؟
فذهب الجمهور إلى أنها صغائر وكبائر، ويدل على ذلك قوله سبحانه: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ [سورة النساء آية: 31]، وقوله: وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ [سورة الحجرات آية: 7].
ويدل عليه ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم متواترا من تخصيص بعض الذنوب باسم الكبائر وبعضها بأكبر الكبائر.
وذهب جماعة إلى أن المعاصي قسم واحد، ومنهم الأستاذ أبو إسحاق، والجويني، وابن فورك ومن تابعهم، قالوا: إن المعاصي كلها كبائر، وإنما يقال لبعضها صغيرة بالنسبة إلى ما هو أكبر كما يقال: الزنا صغيرة بالنسبة إلى الكفر، والقبلة المحرمة صغيرة بالنسبة إلى الزنا وكلها كبائر. قالوا: ومعنى قوله: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ إن تجتنبوا الكفر كفّرت عنكم سيئاتكم التي هي دون الكفر، والقول الأول راجح.
وهاهنا مذهب ثالث ذهب إليه الحليمي، فقال: إن المعاصي تنقسم بحسب حد الكبائر إلى ثلاثة أقسام: صغيرة، وكبيرة، وفاحشة، فقتل النفس بغير حق كبيرة، فإن قتل ذا رحم له ففاحشة، فأما الخدشة والضربة مرة أو مرتين فصغيرة، وجعل سائر الذنوب هكذا.
تعريف الكبائر
ثم اختلفوا في الكبائر هل تعرف بالحد، أو لا تعرف إلا بالعدد؟ فقال الجمهور:
إنها تعرف بالحد، ثم اختلفوا في ذلك، فقيل: إنها المعاصي الموجبة للحد.
وقال بعضهم: هي ما يلحق صاحبها وعيد شديد.
وقال آخرون: ما يشعر بقلة اكتراث مرتكبها بالدين.
وقيل: ما كان فيه مفسدة.
وقال الجويني: ما نص الكتاب على تحريمه أو أوجب في حقه حدّا. وقيل: ما ورد
الوعيد عليه مع الحد أو لفظ يفيد الكبر.
وقال جماعة: إنها لا تعرف إلا بالعدد، ثم اختلفوا هل تنحصر في عدد معين أم لا؟
فقيل: هي سبع، وقيل: تسع، وقيل: عشر، وقيل: اثنتا عشرة، وقيل: أربع عشرة، وقيل: ست وثلاثون، وقيل: سبعون، وإلى السبعين أنهاها الحافظ الذهبي في جزء صنفه في ذلك، وقد جمع ابن حجر الهيثمي فيها مصنفا حافلا سماه «الزواجر في الكبائر» وذكر فيه نحو أربعمائة معصية، وبالجملة فلا دليل يدل على انحصارها في عدد معين.
ومن المنصوص عليه منها: القتل، والزنا، واللواطة، وشرب الخمر، والسرقة، والغصب، والقذف، والنميمة، وشهادة الزور، واليمين الفاجرة، وقطيعة الرحم، والعقوق،
والفرار من الزحف، وأخذ مال اليتيم، وخيانة الكيل والوزن، والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقديم الصلاة وتأخيرها، وضرب المسلم، وسب الصحابة، وكتمان الشهادة، والرشوة، والدياثة، ومنع الزكاة، واليأس من الرحمة، وأمن المكر، والظهار، وأكل لحم الخنزير والميتة، وفطر رمضان، والربا، والغلول، والسحر، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونسيان القرآن بعد تعلمه، وإحراق الحيوان بالنار، وامتناع الزوجة من زوجها بلا سبب.
وقد قيل: إن الإصرار على الصغيرة حكمه حكم مرتكب الكبيرة، وليس على هذا دليل يصلح للتمسك به وإنما هي مقالة لبعض الصوفية، فإنه قال: لا صغيرة مع إصرار، وقد روى بعض من لا يعرف علم الرواية هذا اللفظ وجعله حديثا، ولا يصح ذلك، بل الحق أن الإصرار حكمه حكم ما أصر عليه، فالإصرار على الصغيرة صغيرة، والإصرار على الكبيرة كبيرة.
وإذا تقرر لك هذا فاعلم أنه لا عدالة لفاسق، وقد حكى مسلم في صحيحه الإجماع على رد خبر الفاسق، فقال: إنه غير مقبول عند أهل العلم، كما أن شهادته مردودة عند جميعهم، قال الجويني: والحنفية وإن باحوا بقبول شهادة الفاسق فلم يقولوا بقبول روايته، فإن قال به قائل فهو مسبوق بالإجماع.
الشرط الرابع- الضبط: فلا بد أن يكون الراوي ضابطا لما يرويه، ليكون المروي له على ثقة منه في حفظه وقلة غلطه وسهوه، فإن كان كثير الغلط والسهو؛ ردّت روايته، إلا فيما علم أنه لم يغلط فيه ولا سها عنه، وإن كان قليل الغلط؛ قبل خبره، إلا فيما يعلم أنه غلط فيه، كذا قال ابن السمعاني وغيره.
قال أبو بكر الصيرفي: من أخطأ في حديث فليس بدليل على الخطأ في غيره ولم يسقط لذلك حديثه ومن كثر بذلك خطؤه وغلطه لم يقبل خبره.
قال الترمذي في العلل: كل من كان متهما في الحديث بالكذب، أو كان مغفلا يخطئ الكثير، فالذي اختاره أكثر أهل الحديث من الأئمة أن لا يشتغل بالرواية عنه. اه.
والحاصل: أن الأحوال ثلاثة: إن غلب خطؤه وسهوه على حفظه؛ فمردود إلا فيما علم أنه لم يخطئ فيه، وإن غلب حفظه على خطئه وسهوه؛ فمقبول إلا فيما علم أنه أخطأ فيه، وإن استويا، فالخلاف. قال القاضي عبد الجبار: يقبل لأن جهة التصديق راجحة في خبره لعقله ودينه.
وقال الشيخ أبو إسحاق: إنه يردّ.
وقيل: إنه يقبل خبره إذا كان مفسرا، وهو أن يذكر من روى عنه ويعين وقت السماع منه وما أشبه ذلك، وإلا فلا يقبل. وبه قال القاضي حسين، وحكاه الجويني عن الشافعي في الشهادة، ففي الرواية أولى.
وقد أطلق جماعة من المصنفين في علوم الحديث أن الراوي إن كان تام الضبط مع بقية الشروط المعتبرة فحديثه من قسم الصحيح، وإن خفّ ضبطه؛ فحديثه من قسم الحسن، وإن كثر غلطه؛ فحديثه من قسم الضعيف.
وقال الكيا الطبري: ولا يشترط انتفاء الغفلة، ولا يوجب لحوق الغفلة له ردّ حديثه إلا ما يعلم أنه قد لحققه الغفلة فيه بعينه.
وما ذكره صحيح إذا كان ممن تعتريه الغفلة في غير ما يرويه، كما وقع ذلك لجماعة من الحفاظ؛ فإنهم قد تلحقهم الغفلة في كثير من أمور الدنيا، فإذا رووا كانوا من أحذق الناس بالرواية وأنبههم فيما يتعلق بها.
وليس من شرط الضبط أن يضبط اللفظ بعينه كما سيأتي.
الشرط الخامس: أن لا يكون الراوي مدلسا، وسواء كان التدليس في المتن أو في الإسناد. أما التدليس في المتن: فهو أن يزيد في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كلام غيره، فيظن السامع أن الجميع من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما التدليس في الإسناد: فهو على أنواع:
أحدها: أن يكون في إبدال الأسماء فيغيّر عن الراوي وعن أبيه اسميهما وهذا نوع من الكذب.
وثانيها: أن يسميه بتسمية غير مشهورة، فيظن السامع أنه رجل آخر غير من قصده الراوي، وذلك مثل من يكون مشهورا باسمه فيذكره الراوي بكنيته أو العكس، إيهاما