الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جبير، وزيد بن أسلم بالمدينة، وعنه أخذ ابنه عبد الرحمن، ومالك بن أنس من تابعي التابعين رضي الله عنه أجمعين، وهؤلاء جميعا يعتبرون واضعي الأساس لما يسمى علم التفسير، وعلم أسباب النزول، وعلم الناسخ والمنسوخ، وعلم غريب القرآن ونحو ذلك.
وستجد بسطا لهذا الإجماع في بحث طبقات المفسرين.
عهد التدوين لعلوم القرآن
ثم جاء عصر التدوين، فألفت كتب في أنواع علوم القرآن، واتجهت الهمم قبل كل شيء إلى التفسير باعتباره أم العلوم القرآنية لما فيه من التعرض لهذه العلوم في كثير من المناسبات عند شرح الكتاب العزيز.
ومن أوائل الكاتبين في التفسير: شعبة بن الحجاج، وسفيان بن عيينة، ووكيع بن الجراح، وتفاسيرهم جامعة لأقوال الصحابة والتابعين، وهم من علماء القرن الثاني.
ثم تلاهم ابن جرير الطبري المتوفى سنة 310 هـ، وكتابه أجل التفاسير وأعظمها؛ لأنه أول من تعرض لتوجيه الأقوال، وترجيح بعضها على بعض، كما تعرض للإعراب والاستنباط. وبقيت العناية بالتفسير قائمة إلى عصرنا هذا حتى وجدت منه مجموعة رائعة فيها المعجب والمطرب، والموجز والمطول والمتوسط، ومنها التفسير بالمعقول، والتفسير بالمأثور، ومنها تفسير القرآن كله، وتفسير جزء، وتفسير سورة، وتفسير آية، وتفسير آيات الأحكام، إلى غير ذلك.
أما علوم القرآن الأخرى ففي مقدمة المؤلفين فيها: علي بن المديني شيخ البخاري، إذ ألف في أسباب النزول، وأبو عبيد القاسم بن سلام إذ كتب في الناسخ والمنسوخ، وكلاهما من علماء القرن الثالث.
وفي مقدمة من ألف في غريب القرآن: أبو بكر السجستاني، وهو من علماء القرن الرابع. وفي طليعة من صنف في إعراب القرآن: علي بن سعيد الحوفي، وهو من علماء القرن الخامس، ومن أوائل من كتب في مبهمات القرآن: أبو القاسم عبد الرحمن المعروف بالسبيلي، وهو من علماء القرن السادس.
كذلك تصدى للتأليف في مجاز القرآن: ابن عبد السلام، وفي القراءات: علم الدين السخاوي، وهما من علماء القرن السابع.
وهكذا قويت العزائم، وتبارت الهمم، ونشأت علوم جديدة للقرآن.
وظهرت مؤلفات في كل نوع منها، سواء في ذلك أقسام القرآن، وأمثال القرآن،
وحجج القرآن، وبدائع القرآن، ورسم القرآن، وما أشبهها مما يروعك تصوره والاطلاع عليه، ومما يملأ خزائن كاملة من أعظم المكتبات في العالم. ثم لا يزال المؤلفون
إلى عصرنا هذا يزيدون، وعلوم القرآن ومؤلفاته تنمو وتزدهر. أليس ذلك إعجازا آخر للقرآن يريك إلى أي حد بلغ علماء الإسلام في خدمة التنزيل. ويريك أنه كتاب لا تفنى عجائبه، ولا تنقضي معارفه، ولن يستطيع أن يحيط بأسراره إلا صاحبه ومنزله؟.
وإذا أضفت إلى علوم القرآن ما جاء في الحديث النبوي الشريف وعلومه وكتبه وبحوثه باعتبارها من علوم القرآن، نظرا إلى أن الحديث شارح للقرآن يبين مبهماته، ويفصل مجملاته، ويخصص عامّه، كما قال سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [سورة النحل آية: 44].
أقول: إذا أضفت الحديث النبوي وعلومه إلى علوم القرآن تراءى لك بحر متلاطم الأمواج.
وتزداد عجبا إذا علمت أن طريقة أولئك المؤلفين في تأليفهم كانت طريقة استيعاب واستقصاء بحيث يقصد أصحابها أن يحيطوا بجزئيات القرآن من الناحية التي كتبوا فيها بقدر طاقتهم البشرية.
فمن يكتب في غريب القرآن مثلا يذكر كل مفرد من مفردات القرآن التي فيها غرابة وإبهام. ومن يكتب في مجاز القرآن يقتفي أثر كل لفظ فيه مجاز أيّا كان نوعه في القرآن. ومن يكتب في أمثال القرآن يتحدث عن كل مثل ضربه الله في القرآن، وهكذا سائر أنواع علوم القرآن.
ولهذا اشرأبت أعناق العلماء أن يعتصروا من تلك العلوم علما جديدا يكون كالفهرس والدليل عليها، والمتحدث عنها. فكان هذا العلم هو ما نسميه «علوم القرآن» بالمعنى المدون، ولا نعلم أن أحدا قبل المائة الرابعة للهجرة ألّف أو حاول أن يؤلف في علوم القرآن بالمعنى المدون؛ لأن الدواعي لم تكن موفورة لديهم نحو هذا النوع من التأليف. وإن كنا نعلم أنها كانت مجموعة في صدور المبرزين من العلماء، على الرغم من أنهم لم يدونوها في كتاب، ولم يفردوها باسم.
أجل: كانت علوم القرآن مجموعة في صدور هؤلاء العلماء. فنحن نقرأ في تاريخ الشافعي رضي الله عنه أنه أثناء محنته التي اتهم فيها بأنه رئيس حزب العلويين باليمن، وسيق بسبب هذه التهمة إلى الرشيد مكبلا بالحديد في بغداد، سأله الرشيد حين لمح علمه وفضله، فقال: كيف علمك يا شافعي بكتاب الله عز وجل؟ فإنه أولى الأشياء أن يبتدأ به؟ فقال الشافعي: عن أي كتاب من كتب الله تسألني يا أمير المؤمنين؟ فإن الله تعالى قد أنزل