الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعدها قال ما نصه: ومن مقام الإشارة في الآيات. وإذا قلتم: يا موسى القلب، لن نؤمن الإيمان الحقيقي حتى نصل إلى مقام المشاهدة والعيان. فأخذتكم صاعقة الموت الذي هو الفناء في التجلي الذاتي، وأنتم تراقبون أو تشاهدون. ثم بعثناكم بالحياة الحقيقة، والبقاء بعد الفناء، لكي تشكروا نعمة التوحيد والوصول بالسلوك في الله عز وجل، وظللنا عليكم غمام تجلي الصفات، لكونها حجبت شمس الذات إلخ ما قال.
3 -
تفسير التستري: هو أبو محمد سهل بن عبد الله التستري المتوفى سنة (383 هـ) وتفسيره هذا لم يستوعب كل الآيات، وإن استوعب السور، وقد سلك فيه مسلك الصوفية مع موافقته لأهل الظاهر.
وإليك نموذجا منه؛ إذ يقول في تفسير البسملة ما نصه:
(الباء) بهاء الله عز وجل (السين) سناء الله عز وجل (الميم) مجد الله عز وجل (والله) هو الاسم الأعظم الذي حوى الأسماء كلها
…
إلخ.
نصيحة خالصة:
بيد أن هذا التفسير كما ترى جاء كله على هذا النمط دون أن يتعرض لبيان المعاني الوضعية للنصوص القرآنية. وهنا الخطر كل الخطر؛ فإنه يخاف على مطالعه أن يفهم أن هذه المعاني الإشارية هي مراد الخالق إلى خلقه في الهداية إلى تعاليم الإسلام، والإرشاد إلى حقائق هذا الدين الذي ارتضاه لهم.
ولعلك تلاحظ معي أن بعض الناس قد فتنوا بالإقبال على دراسة تلك الإشارات والخواطر، فدخل في روعهم أن الكتاب والسنة بل الإسلام كله ما هو إلا سوانح وواردات،
على هذا النحو من التأويلات والتوجيهات، وزعموا أن الأمر ما هو إلا تخييلات، وأن المطلوب منهم هو الشطح مع الخيال أينما شطح، فلم يتقيدوا بتكاليف الشريعة. ولم يحترموا قوانين اللغة العربية في فهم أبلغ النصوص العربية كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
والأدهى من ذلك: أنهم يتخيلون ويخيّلون إلى الناس أنهم هم أهل الحقيقة الذين أدركوا الغاية واتصلوا بالله اتصالا أسقط عنهم التكليف، وسما بهم عن حضيض الأخذ بالأسباب، ما داموا في زعمهم مع رب الأرباب، وهذا- لعمر الله- هو المصاب العظيم، الذي عمل له الباطنية وأضرابهم من أعداء الإسلام، كيما يهدموا التشريع من أصوله، ويأتوا بنيانه من قواعده: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ
وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ [سورة التوبة آية: 32].
فواجب النصح لإخواننا المسلمين يقتضينا أن نحذّرهم الوقوع في هذه الشباك، ونشير عليهم أن ينفضوا أيديهم من أمثال تلك التفاسير الإشارية الملتوية، ولا يعولوا على أشباهها مما ورد في كلام القوم بالكتب الصوفية؛ لأنها كلها أذواق ومواجيد خارجة عن حدود الضبط والتقييد. وكثيرا ما يختلط فيها الخيال بالحقيقة والحق بالباطل، وإذ تجردت من ذلك فقلما يظهر منها مراد القائل، وإذا ظهر فقد يكون من الكفريات الفاحشة، التي نستبعد صدورها من العلماء والمتصوفة، بل من صادقي عامة المسلمين، والتي نرى أن الطعن فيها بالدس والوضع أقرب وأسلم من الطعن فيمن عزيت إليه بالكفر والفسق.
إن أسوأ ما في هذه الكتب: أنها توهم الضعفاء في فهم الشريعة والجاهلين بها أن ما فيها هو الحقيقة التي وصلت إليها قلوب العابدين أو المفتونين، والحقيقة أن هذه العلوم طمس للحقيقة التي أنزلها الله تعالى وبينها وشرحها رسوله صلى الله عليه وسلم، وما هذه الشطحات إلا نوع من الخبل يراد منه صرف الناس عن الحقائق الإلهية التي جاءت في الكتاب والسنة؛ فأحيت أمة، وأقامت للإسلام دولة، وأعزت شعوبا كانت مغمورة، وحررت إنسانية كانت مستعبدة لشياطين الإنس والجن، وشادت للإنسانية صروحا من العلوم والفنون؛ قامت على أصول ربانية، وأعمدة نورانية، تحت مظلة من السعادة والسيادة التي لم ير العالم مثيلا لها. اه.
فالأحرى بالفطن العاقل، أن ينأى بنفسه عن هذه المزالق، وأن يفر بدينه من هذه الشبهات، وأمامه في الكتاب والسنة وشروحهما على قوانين الشريعة واللغة رياض وجنات أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ [سورة البقرة آية: 61]؟!
قال صلى الله عليه وسلم: «فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه» .
وقال صلى الله عليه وسلم: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» .
وبالله تعالى توفيقي وتوفيقك. نسأل الله تعالى أن يخرجنا من ظلمات الأوهام، وأن يحققنا بحقائق الدين وتعاليم الإسلام آمين. اه «1» .
(1) من المناهل بتصرف قليل.