الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التفسير والمفسرين وما يتعلق بهما
[معنى] التفسير:
التفسير معناه في اللغة:
الإيضاح والتبيين ومنه قوله تعالى: وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً [سورة الفرقان: 33].
والتفسير في الاصطلاح:
علم يبحث فيه عن أحوال القرآن الكريم من حيث دلالته على مراد الله تعالى بقدر الطاقة البشرية.
التأويل:
والتأويل مرادف للتفسير في أشهر معانيه اللغوية، قال صاحب القاموس: أوّل الكلام تأويلا وتأوّله: دبّره وقدّره وفسّره. ومنه قوله تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ [سورة آل عمران آية: 7].
أنواع التفسير:
التفسير على نوعين بالإجمال:
النوع الأول: تفسير جاف لا يتجاوز حل الألفاظ وإعراب الجمل، وبيان ما يحتويه نظم القرآن الكريم من نكات بلاغية وإشارات فنية، وهذا النوع أقرب إلى التطبيقات العربية منه إلى التفسير وبيان مراد الله من هداياته.
النوع الثاني: تفسير يجاوز هذه الحدود، ويجعل هدفه الأعلى تجلية هدايات القرآن وتعاليم القرآن، وحكمة الله فيما شرع للناس في هذا القرآن على وجه يجتذب الأرواح، ويفتح القلوب، ويدفع النفوس إلى الاهتداء بهدى الله، وهذا هو الخليق باسم التفسير وفيه يساق الحديث إذا تكلمنا عن فضله والحاجة إليه.
فضل التفسير والحاجة إليه:
نهضة الأمم لا يمكن أن تكون صحيحة عن تجربة، ولا سهلة متيسرة، ولا رائعة مدهشة، إلا عن طريق الاسترشاد بتعاليم القرآن ونظمه الحكيمة، التي روعيت فيها جميع عناصر السعادة للنوع البشري بناء على ما أحاط به علم خالقه الحكيم، وبدهيّ أن العمل بهذه التعاليم لا يكون إلا بعد فهم القرآن وتدبره، والوقوف على ما حوى من نصح ورشد، والإلمام بمبادئه عن طريق تلك القوة الهائلة التي يحملها أسلوبه
البارع المعجز، وهذا لا يتحقق إلا عن طريق الكشف والبيان لما تدل عليه ألفاظ القرآن (وهو ما نسميه بعلم التفسير) خصوصا في هذه العصور الأخيرة التي فسدت فيها ملكة البيان العربي، وضاعت فيها خصائص العروبة حتى من سلائل العرب أنفسهم.
فالتفسير هو مفتاح هذه الكنوز والذخائر التي احتواها هذا الكتاب المجيد النازل لإصلاح البشر وإنقاذ الناس، وإسعادهم في الدنيا والآخرة.
وبدون التفسير لا يمكن الوصول إلى هذه الكنوز والذخائر، مهما بالغ الناس في ترديد ألفاظ القرآن وتوافروا على قراءته كل يوم.
وهنا تلمح السر في تأخر مسلمة هذا الزمن على رغم وفرة المصاحف في أيديهم، ووجود ملايين الحفّاظ بين ظهرانيهم، وعلى رغم كثرة عددهم، واتساع بلادهم، في حين أن سلفنا الصالح نجحوا بهذا القرآن نجاحا مدهشا، كان ومازال موضع إعجاب المؤرخين، مع أن أسلافنا أولئك كانوا في قلة من العدد، وضيق من الأرض، وخشونة من العيش، ومع أن نسخ القرآن ومصاحفه لم تكن ميسورة لهم، ومع أن حفاظه لم يكونوا بهذه الكثرة الغامرة.
إن السر في ذلك هو أنهم توفّروا على دراسة القرآن واستخراج كنوز هداياته، يستعينون على هذه الثقافة العليا بمواهبهم الفطرية، وملكاتهم السليمة العربية من ناحية، وبما يشرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبينه لهم بأقواله وأعماله وأخلاقه وسائر أحواله كما قال- سبحانه-:
وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [سورة النحل آية: 44].
وعلى ذلك كان همهم الأول هو القرآن الكريم يحفظونه ويفهمونه، ثم يعملون بتعاليمه بدقة، ويهتدون بهديه في يقظة.
بهذا وحده صفت أرواحهم وطهرت نفوسهم، وعظمت آثارهم؛ لأن الروح الإنساني هو أقوى شيء في هذا الوجود، فمتى صفا وتهذب، وحسن توجيهه وتأدب أتى بالعجب العجاب.
وكذلك أتت الأمة العربية بالعجب العجاب، في الهداية والإرشاد، وإنقاذ العالم وإصلاح البشر، وكتب الله لهم النصر والتأييد والدولة والظفر، حتى على أقوى الدول المعادية لدعوة الحق والإصلاح في ذلك العهد؛ دولة الفرس في الشرق، ودولة الرومان في الغرب، تلك محوها من لوح الوجود بهدم طغيانها وإسلام شعبها، وهذه سلبوها ما كان في حوزتها من ممالك الشرق وشعوبه الكثيرة، ثم دانت لهم الدنيا فاستولوا على بعض بلاد أوربا وأقاموا فيها دولة عربية شامخة البنيان كانت بهجة الدنيا وزينة الحياة، ومنها شع النور على الشعوب
الأوربية، وكانت النواة الناجحة في نهضتهم الحديثة الحاضرة (تلك هى فردوس الأندلس المفقود)!! أما غالب مسلمة اليوم، فقد اكتفوا من القرآن بألفاظ يرددونها، وأنغام يلحنونها، في المآتم والمقابر والدور، وبمصاحف يحملونها أو يودعونها بركة في البيوت، ونسوا أن بركة القرآن العظمي إنما هى في تدبره وتفهمه، وفي الجلوس إليه، والاستفادة من هديه وآدابه، ثم في الوقوف عند أوامره ومراضيه، والبعد عن مساخطه ونواهيه، والله- تعالى- يقول: كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ [سورة ص: 29]، ويقول جل ذكره: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها [سورة محمد: 24]، ويقول سبحانه: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [سورة القمر آية: 17].
فما أشبه المسلمين اليوم بالعطشان يموت من الظمأ والماء بين يديه، وبالمريض يفتك به المرض ودواؤه أمام عينيه، فلا حول ولا قوة إلا بالله!! ألا إن آخر هذه الأمة لا يصلح إلا بما صلح به أولها، وهو أن يعودوا إلى كتاب الله يستلهمونه الرشد، ويستمنحونه الهدى، ويحكمونه في نفوسهم وفي كل ما يتصل بهم، كما كان آباؤنا الأولون يتلونه حق تلاوته بتدبر وتفكر، حتى ظهرت آثاره الباهرة عاجلة فيهم، فرفع نفوسهم وانتشلها من حضيض الوثنية، وأعلى هممهم وهذب أخلاقهم، وأرشدهم إلى الانتفاع بقوى الكون ومنافعه، وكان من وراء ذلك أن مهروا في العلوم والفنون والصناعات، كما مهروا في الأخلاق والآداب والإصلاح والإرشاد، ووصلوا إلى غاية بزّوا فيها كل أمم الدنيا، حتى قال بعض فلاسفة الغرب في كتابه (تطور الأمم) ما نصه:«إن ملكة الفنون لا تستحكم في أمة من الأمم إلا في ثلاثة أجيال: جيل التقليد، وجيل الخضرمة، وجيل الاستقلال، وشذّ العرب وحدهم فاستحكمت فيهم ملكة الفنون في جيل واحد» . اه.
قال السيوطي في بيان الحاجة إلى التفسير ما ملخصه: «القرآن إنما نزل بلسان عربي في زمن أفصح العرب، فكانوا يعلمون ظواهره وأحكامه» .
أما دقائق باطنه فلا تظهر لهم إلا بعد البحث والنظر وسؤالهم النبي صلى الله عليه وسلم مثل قولهم:
«وأيّنا لم يظلم نفسه .. ؟!» حينما نزل قوله- تعالى-: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ [سورة الأنعام: 82]، ففسره النبي صلى الله عليه وسلم بالشرك، واستدل بقوله- سبحانه-: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [سورة لقمان آية: 13].
وكذلك حين قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من نوقش الحساب عذّب» سألته عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها عن قوله تعالى: فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً (8) وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً [سورة الانشقاق آية: 8، 9]، فقال صلى الله عليه وسلم:«ذلك العرض» ، وكقصة عدي بن حاتم في
الخيط الأبيض والخيط الأسود، ونحن محتاجون إلى ما كانوا يحتاجون إليه، بل نحن أشد احتياجا إلى التفسير لقصورنا عن مدارك اللغة وأسرارها بغير تعلم» اه.
مما تقدم يتبين أن فائدة التفسير هي التذكر والاعتبار، ومعرفة هداية الله في العقائد والعبادات والمعاملات والأخلاق، ليفوز الأفراد والمجاميع بخير العاجلة والآجلة. ويتبين أيضا- أن هذا العلم من أشرف العلوم الدينية والعربية، إن لم يكن أشرفها جميعا، وذلك لسمو موضوعه، وعظم فائدته.
وسمّى «علم التفسير» لما فيه من الكشف والتبيين، واختص بهذا الاسم دون بقية العلوم مع أنها كلها مشتملة على الكشف والتبيين؛ لأنه لجلالة قدره، واحتياجه إلى زيادة الاستعداد، وقصده إلى تبيين مراد الله من كلامه، كان كأنه هو التفسير وحده دون ما عداه.