الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى الآفاق، فوجه للعراق والشام ومصر بأمهات، فاتخذها قراء الأمصار معتمد اختياراتهم ولم يخالف أحد منهم مصحفه على النحو الذي بلغه، وما وجد بين هؤلاء القراء السبعة من الاختلاف في حروف يزيدها بعضهم على بعض وينقصها بعضهم فذلك لأن كلّا منهم اعتمد على ما بلغه في مصحفه ورواه؛ إذ قد كان عثمان كتب تلك المواضع في بعض النسخ ولم يكتبها في بعض إشعارا بأن كل ذلك صحيح، وأن القراءة بكل منها جائزة.
قال ابن عطية: ثم إن عثمان أمر بما سواها من المصاحف أن تحرق، أو تخرق- تروى بالحاء غير منقوطة وتروى بالخاء على معنى «تدفن» - ورواية الحاء غير منقوطة أحسن.
وذكر أبو بكر الأنباري في كتاب الرد عن سويد بن غفلة قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول: يا معشر الناس: اتقوا الله وإياكم والغلق في عثمان وقولكم: حرّاق المصاحف، فو الله ما حرقها إلا عن ملأ منا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
وعن عمر بن سعيد قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لو كنت الوالي وقت عثمان لفعلت في المصاحف مثل الذي فعل عثمان.
قال أبو الحسن بن بطال: وفي أمر عثمان بتحريق الصحف والمصاحف حين جمع القرآن جواز تحريق الكتب التي فيها أسماء الله تعالى، وأن ذلك إكرام لها وصيانة عن الوطء بالأقدام، وطرحها في ضياع من الأرض.
روى معمر عن ابن طاووس عن أبيه: أنه كان يحرق الصحف إذا اجتمعت عنده الرسائل فيها بسم الله الرحمن الرحيم. وحرق عروة بن الزبير كتب فقه كانت عنده يوم الحرة.
وكره إبراهيم أن تحرق الصحف إذا كان فيها ذكر الله تعالى، وقول من حرقها أولى بالصواب، وقد فعله عثمان؛ وقد قال القاضي أبو بكر لسان الأمة: جائز للإمام تحريق الصحف التي فيها القرآن، إذا أدّاه الاجتهاد إلى ذلك. اه ملخصا من مقدمة القرطبي.
ترتيب آيات القرآن وسوره
انعقد إجماع الأمة على أن ترتيب آيات القرآن الكريم على هذا النمط الذي نراه اليوم بالمصاحف، كان بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى، وأنه لا مجال للرأي والاجتهاد فيه. بل كان جبريل ينزل بالآيات على الرسول صلى الله عليه وسلم ويرشده إلى موضع كل آية من سورتها. ثم يقرؤها النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه، ويأمر كتاب الوحي بكتابتها معيّنا لهم السورة التي تكون فيها الآية، وموضع الآية من هذه السورة. وكان يتلوه عليهم مرارا وتكرارا في صلاته وعظاته. وكان يعارض به جبريل كل عام مرة، وعارضه به في العام
الأخير مرتين. كل ذلك كان على الترتيب المعروف لنا في المصاحف. وكذلك كان كل من حفظ القرآن أو شيئا منه من الصحابة، حفظه مرتب الآيات على هذا النمط، يتدارسونه فيما بينهم، ويقرءونه في صلاتهم، ويأخذه بعضهم عن بعض، ويسمعه بعضهم من بعض بالترتيب القائم الآن، فليس لواحد من الصحابة والخلفاء الراشدين يد ولا تصرف في ترتيب شيء من آيات القرآن الكريم. بل الجمع الذي كان على عهد أبي بكر لم يتجاوز نقل القرآن من العسب واللخاف وغيرها في مصحف، والجمع الذي كان على عهد عثمان لم يتجاوز نقله من الصحف في مصاحف. وكلا هذين كان وفق الترتيب المحفوظ المستفيض عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى.
أجل: انعقد الإجماع على ذلك تامّا لا ريب فيه. وممن حكى هذا الإجماع جماعة منهم الزركشي في البرهان، وأبو جعفر في المناسبات إذ يقول ما نصه: «ترتيب الآيات في سورها واقع بتوقيفه صلى الله عليه وسلم وأمره من غير خلاف في هذا بين المسلمين.
واستند هذا الإجماع إلى نصوص كثيرة: منها ما سبق لك قريبا، ومنها ما رواه الإمام أحمد عن عثمان بن أبي العاص قال: كنت جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ شخص ببصره ثم صوبه ثم قال: «أتاني جبريل فأمرني أن أضع هذه الآية في هذا الموضع من السورة إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» [سورة النحل آية: 90].
ومنها ما ثبت في السنن الصحيحة من قراءة النبي صلى الله عليه وسلم بسور عديدة كسورة البقرة، وآل عمران، والنساء، ومن قراءته لسورة الأعراف في صلاة المغرب، وسورة قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ وسورة «الروم» في صلاة الصبح، وقراءة سورة «السجدة» وسورة هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ في صبح يوم الجمعة، وقراءة سورتي «الجمعة والمنافقون» في صلاة الجمعة، وقراءته سورة «ق» في الخطبة، وسورتي «اقتربت وق» في صلاة العيد، كان يقرأ ذلك كله مرتب الآيات على النحو الذي في المصحف على مرأى ومسمع من الصحابة.
ومنها ما رواه مسلم عن عمر قال: ما سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء أكثر مما سألته عن الكلالة حتى طعن بأصبعه في صدري: «تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء» .
فأنت ترى أنه صلى الله عليه وسلم دله على موضع تلك الآية من سورة النساء، وهي قوله سبحانه:
يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إلخ.