الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأصل واضحة فيها غالبا، ولهذا اعتمدوا عليها في الترجمات الزمنية، وفضّلها المشتغلون بالترجمات على قسيمتها الترجمة الحرفية.
فروق بين الترجمة والتفسير:
ومهما تكن الترجمة حرفية أو تفسيرية فإنها غير التفسير مطلقا، سواء أكان تفسيرا بلغة الأصل، أم تفسيرا بغير لغة الأصل، ولكن كثيرا من الكاتبين اشتبه عليهم الأمر، فحسبوا أن الترجمة التفسيرية هي التفسير بغير لغة الأصل، أو هي ترجمة تفسير الأصل، ثم رتبوا على ذلك أن خلعوا حكمها على ترجمة الأصل نفسه، وكان لهذا اللبس والاشتباه مدخل في النزاع والخلاف، لهذا نرى أن نقف هنا وقفة طويلة. نرسم فيها فروقا أربعة- لا فرقا واحدا- بين هذين المشتبهين في نظرهم.
(الفارق الأول): أن صيغة الترجمة صيغة استقلالية يراعى فيها الاستغناء بها عن أصلها وحلولها محله، وليس كذلك التفسير، فإنه قائم أبدا على الارتباط بأصله، بأن يؤتى مثلا بالمفرد أو المركب، ثم يشرح هذا المفرد أو المركب شرحا متصلا به اتصالا يشبه اتصال المبتدأ بخبره إن لم يكن إياه، ثم ينتقل إلى جزء آخر مفرد أو جملة، وهكذا من بداية التفسير إلى نهايته، بحيث لا يمكن تجريد التفسير، وقطع وشائج اتصاله بأصله مطلقا، ولو جرّد لتفكك الكلام وصار لغوا أو أشبه باللغو فلا يؤدي معنى سليما، فضلا عن أن يحل في جملته وتفصيله محل أصله.
(الفارق الثاني): أن الترجمة لا يجوز فيها الاستطراد، أما التفسير فيجوز بل قد يجب فيه الاستطراد، وذلك لأن الترجمة مفروض فيها أنها صورة مطابقة لأصلها حاكية له، فمن الأمانة أن تساويه بدقة من غير زيادة ولا نقص، حتى لو كان في الأصل خطأ لوجب أن يكون الخطأ عينه في الترجمة، بخلاف التفسير فإن المفروض فيه أنه بيان لأصله وتوضيح له، وقد يقتضي هذا البيان والإيضاح أن يذهب المفسر مذاهب شتى في الاستطراد، توجيها لشرحه، أو تنويرا لمن يفسر لهم على مقدار حاجتهم إلى استطراده، ويظهر ذلك في شرح الألفاظ اللغوية خصوصا إذا أريد بها غير ما وضعت له، وفي المواضع التي يتوقف فهمها أو الاقتناع بها على ذكر مصطلحات أو سوق أدلة أو بيان حكمة.
وهذا هو السر في أكثر تفاسير القرآن الكريم تشتمل على استطرادات متنوعة في علوم اللغة، وفي العقائد، وفي الفقه وأصوله، وفي أسباب النزول، وفي الناسخ والمنسوخ، وفي العلوم الكونية والاجتماعية وغير ذلك.
ومن ألوان الاستطراد، تنبيهه على خطأ الأصل إذا أخطأ، كما نلاحظ ذلك في
شروح الكتب العلمية، ويستحيل أن تجد مثل هذا في الترجمة، وإلا كان خروجا عن واجب الأمانة والدقة فيها.
(الفارق الثالث): أن الترجمة تتضمن- عرفا- دعوى الوفاء بجميع معاني الأصل ومقاصده، وليس كذلك التفسير فإنه قائم على الإيضاح كما قلنا، سواء أكان هذا الإيضاح بطريق إجمالي أو تفصيلي، متناولا كافة المعاني والمقاصد، أو مقتصرا على بعضها دون بعض طوعا للظروف التي يخضع لها المفسّر ومن يفسر لهم، والدليل على هذا الفارق، هو حكم العرف العام الذي نتحدث الآن بلسانه، وإليك مثلا من أمثاله:
رجل عثر في مخلفات أبيه على صحيفتين مخطوطتين بلغة أجنبية وهو غير عالم بهذا اللسان الأجنبي، فدفعهما إلى خبير باللغات يستفسره عنهما، فيجيبه الخبير قائلا: إن الصحيفة الأولى خطاب تافه من معوز أجنبي، يستجدي أباك فيه ويستعينه، أما الثانية فوثيقة بدين كبير لأليك على أجنبي. هنا مزّق الرجل خطاب الاستجداء ولم يحفل به، أما الوثيقة فاعتد بها وطلب من هذا المتمكن في اللغات أن يترجمها له ليقاضي المدين أمام المحكمة، لغتها لغة الترجمة.
أليس معنى هذا أن التفسير لم يكفه؟ بدليل أنه طلب الترجمة من المترجم، علما بأنها هي التي تفي بكل ما تضمنته تلك الوثيقة، وبكل ما يقصد منها فلا تضعف له بها حجة، ولا يضيع عليه حق؟.
(الفارق الرابع): أن الترجمة تتضمن- عرفا- دعوى الاطمئنان إلى أن جميع المعاني والمقاصد التي نقلها المترجم، هي مدلول كلام الأصل، وأنها مرادة لصاحب الأصل منه، وليس كذلك التفسير، بل المفسر تارة يدعي الاطمئنان، وذلك إذا توافرت لديه أدلته، وتارة لا يدعيه، وذلك عندما تعوزه تلك الأدلة.
ثم هو طورا يصرح بالاحتمال ويذكر وجوها محتملة مرجحا بعضها على بعض، وطورا يسكت عن التصريح أو عن الترجيح، وقد يبلغ به الأمر أن يعلن عجزه عن فهم كلمة أو جملة ويقول: ربّ الكلام أعلم بمراده، على نحو ما نحفظه لكثير من المفسرين إذا عرضوا لمتشابهات القرآن ولفواتح السور المعروفة.
ودليلنا على أنّ الترجمة تتضمن دعوى الاطمئنان إلى ما حوت من معان ومقاصد، وهو شهادة العرف العام- أيضا- بذلك، وجريان عمل الناس جميعا في الترجمات على هذا الاعتبار، فهم يحلونها محل أصولها إذا شاءوا، ويستغنون بها عن تلك الأصول، بل قد ينسون هذه الأصول جملة، ويغيب عنهم أن الترجمات ترجمات فيحذفون لفظ ترجمة من الاسم،