الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكلمة السابعة والثمانون: الاستخارة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:
(1)
.
قال ابن أبي جمرة: الحكمة في تقديم الصلاة على دعاء الاستخارة: «أن المراد هو حصول الجمع بين خيري الدنيا والآخرة، فيحتاج إلى قرع باب الملك، ولا شيء لذلك أنجع، ولا أنجح من
(1)
صحيح البخاري برقم (6382)، وسنن الترمذي برقم (480)، والنسائي برقم (3253).
الصلاة، لما فيها من تعظيم الله، والثناء عليه، والافتقار إليه مالًا وحالاً»
(1)
.
وقال بعض أهل العلم: يجوز تكرارها - أي الاستخارة - في الأمر الواحد، وممن ذهب إلى جواز ذلك الحافظ العراقي، ومال إلى ذلك الشوكاني في النيل، فقال: قد يستدل للتكرار بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا دَعَا، دَعَا ثَلَاثًا، حديث صحيح. هذا وإن كان المراد به تكرار الدعاء في الوقت الواحد، فإن الدعاء الذي تسن الصلاة له تكرر الصلاة له، كالاستسقاء
(2)
. اهـ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ما ندم من استخار الخالق، وشاور المخلوقين، وتثبت في أمره، فقد قال تعالى:{وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ} [آل عمران: 159]، وقال قتادة:«ما تشاور قوم يبتغون وجه الله إلا هدوا إلى أرشد أمرهم»
(3)
. اهـ.
قال الشيخ كمال الدين محمد بن علي الزملكاني: إذا صلى الإنسان ركعتي الاستخارة لأمر فليفعل بعدها ما بدا له، سواء انشرحت نفسه أم لا، فإن فيه الخير، وإن لم تنشرح نفسه. وقال: وليس في الحديث ما يدل على اشتراط انشراح النفس
(4)
. اهـ.
تنبيه: الاستخارة تكون في الأمر الذي يريد أن يقدم عليه، سواء كان مترددًا فيه أم جازمًا، وليس كما يظن البعض أن الاستخارة في الأمر الذي يتردد فيه، لأن الاستخارة طلب التوفيق، والنتائج لا يعلمها إلا الله، وكم من أمر ظن صاحبه أن فيه خيرًا فكان فيه هلاكه، وكم من أمر ظن
(1)
فتح الباري (11/ 186).
(2)
نيل الأوطار (2/ 90).
(3)
الكلم الطيب لابن تيمية (ص: 71).
(4)
طبقات الشافعية الكبرى (9/ 206).
صاحبه أن فيه شرًا، فكان فيه نجاته؟ ! وحسبنا في ذلك قول الله تعالى:{وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216].
ومن فوائد الاستخارة وثمراتها:
أولاً: إنها دليل على تعلق قلب المؤمن بالله عز وجل، وتوكله عليه في سائر أحواله، قال تعالى:{قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَاّ مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ} [التوبة: 51]، وقال تعالى:{وَتَوَكَّلْ عَلَى العَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء: 217 - 219].
ثانيًا: الاستخارة تزيد ثواب المرء، وتقربه من ربه، وذلك لما تتضمنه من الصلاة والدعاء، وفي الحديث: قلت: فما الصلاة يا رسول الله؟ قال: «خَيْرُ مَوْضُوعٍ»
(1)
.
ثالثًا: في الاستخارة مخرج من الحيرة والشك، وهي مدعاة للطمأنينة وراحة البال، لأن العبد يفوض أمره إلى ربه الذي أزمة الأمور بيده سبحانه، قال تعالى:{قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ للهِ} [آل عمران: 154].
رابعًا: حصول الخير ودفع الشر؛ لأن ما يختاره الله لعبده أفضل مما يختاره العبد لنفسه؛ لأنه سبحانه هو العالم بمصالح عباده، العالم بغيبيات الأمور.
خامسًا: حصول البركة في الأمر الذي سيقدم عليه، والبركة ما حلّت في قليل إلا كثر، ولا كثير إلا نفع، وفي حديث الاستخارة
(1)
جزء من حديث في مسند الطيالسي (1/ 65) برقم (478)، وحسنه الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله في صحيح الجامع الصغير برقم (3870).
السابق: «وَبَارِكْ لِي فِيهِ» .
سادسًا: أن المرء قد يحتقر شيئًا لصغره، ويكون في فعله أو تركه ضرر عظيم، ولذلك شرعت الاستخارة في الأمور كلها
(1)
.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1)
نيل الأوطار للشوكاني (2/ 88) طبعة وزارة الشؤون الإسلامية.