الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكلمة المئة وثمان وثلاثون: مقتطفات من سيرة عمر بن الخطاب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:
فهذه مقتطفات من سيرة علم من أعلام هذه الأمة، وبطل من أبطالها، صحابي جليل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، نقتبس من سيرته العطرة الدروس والعبر.
هذا الصحابي شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، شهد بدرًا وأحدًا والخندق وغيرها من معارك المسلمين الفاصلة، ولد بعد حادثة الفيل بثلاث عشرة سنة، وكان من السابقين إلى الإسلام، قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المخرج في مسند الإمام أحمد:«إِنَّ اللهَ جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِهِ وَقَلْبِهِ»
(1)
.
وقال عنه صلى الله عليه وسلم كما في الحديث المخرج في الصحيحين من حديث سعد بن أبي وقاص: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكًا فَجًّا، إِلَاّ سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ»
(2)
.
كان إسلامه فتحًا على المسلمين، وفرجًا لهم من الضيق، وكانت هجرته نصرًا، وكانت إمارته رحمة، تزوج النبي صلى الله عليه وسلم من ابنته، وهو أحد
(1)
(9/ 144) برقم (5145) وقال محققوه: حديث صحيح من حديث ابن عمر.
(2)
البخاري برقم (3294)، ومسلم برقم (2396).
العشرة المبشرين بالجنة، وفي عهده سقطت دولتي فارس والروم، قال عنه عبد الله بن مسعود:«ما عُبِدَ اللهُ جَهرَةً حَتَّى أَسلَمَ هَذَا الرَّجُلُ» .
إنه فاروق هذه الأمة، عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى القرشي العدوي، أبو حفص، كان إسلامه رضي الله عنه قد تحقق ببشارة النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي في سننه من حديث ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اللهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ بِأَحَبِّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ: بِأَبِي جَهْلٍ، أَوْ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ» ، قَالَ: وَكَانَ أَحَبَّهُمَا إِلَيهِ عُمَرُ
(1)
.
وروى البخاري في صحيحه من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: «مَا زِلْنَا أَعِزَّةً مُنْذُ أَسْلَمَ عُمَرُ»
(2)
.
قال ابن عباس: «أول من جهر بالإسلام عمر بن الخطاب» ، وصفه أهل السير بأنه كان رجلًا طويلًا جدًّا، ومن طوله إنه إذا ركب الفرس تخط رجلاه بالأرض، ومع طوله فإنه كان ضخمًا عريض المنكبين، مفتول الساعدين، أبيض مشربًا بالحمرة، وقد وردت أحاديث كثيرة تدل على فضله ومكانته، فمن ذلك ما رواه الترمذي في سننه من حديث عقبة بن عامر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَوْ كَانَ بَعْدِي نَبِيٌّ لَكَانَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ»
(3)
، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:«بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ، رَأَيْتُنِي فِي الْجَنَّةِ، فَإِذَا امْرَأَةٌ تَتَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ، قُلْتُ: لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ؟ قَالُوا: لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا» ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَبَكَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، ثُمَّ قَالَ: أَعَلَيْكَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ أَغَارُ؟ !
(4)
(1)
برقم (3681) وقال: هذا حديث صحيح غريب، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (3/ 204) برقم (2907).
(2)
برقم (3684).
(3)
برقم (3686).
(4)
البخاري برقم (7023)، ومسلم برقم (2394).
وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ عُرِضُوا عَلَيَّ وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ، فَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثَّدْيَ، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ دُونَ ذَلِكَ، وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ اجْتَرَّهُ» قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «الدِّينَ»
(1)
.
وقد كان رضي الله عنه رجلاً ملهمًا، نزل القرآن الكريم في موافقته في عدد من آرائه، ففي الصحيحين من حديث عمر أنه قال: وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوِ اتَّخَذْنَا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى؟ فَنَزَلَتْ:{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125]. وَآيَةُ الْحِجَابِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ أَمَرْتَ نِسَاءَكَ أَنْ يَحْتَجِبْنَ؟ فَإِنَّهُ يُكَلِّمُهُنَّ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ، وَاجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْغَيْرَةِ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُنَّ:{عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} [التحريم: 5]، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ
(2)
.
وكذلك وافقه في أسارى بدر، وفي ترك الصلاة على المنافقين، وفي غيرها من المواضع، وكان رضي الله عنه من أعلم الصحابة وأفقههم، قال عبد الله بن مسعود: لو أن علم عمر وضع في كفة ميزان، ووضع علم أحياء الأرض في كفة لرجح بهم علم عمر، ولقد كانوا يرون أنه ذهب بتسعة أعشار العلم
(3)
.
(1)
البخاري برقم (3691)، ومسلم برقم (2390).
(2)
البخاري برقم (402)، ومسلم برقم (2399).
(3)
مستدرك الحاكم (4/ 39) برقم (4553) وقال: حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، والطبراني في الكبير (9/ 163) برقم (8809) وقال في مجمع الزوائد (9/ 69): رواه الطبراني بأسانيد ورجال هذا رجال الصحيح غير أسد بن موسى وهو ثقة.
تولى الخلافة بعد أبي بكر الصديق، سنة ثلاث عشرة من الهجرة، وكان تقيًا ورعًا زاهدًا، لا تأخذه في الله لومة لائم، وقد كثرت الفتوحات في عهده، وسقطت دولتي فارس والروم، وكانت هذه من أعظم الإنجازات في عهده، وأصيب الناس في إحدى سنوات عهده بمجاعة شديدة، أجدبت الأرض، واسودت، وانقطع المطر، وسمي ذلك العام عام الرمادة، فكان يأكل الخبز والزيت، ويقول: لن أشبع حتى يشبع أطفال المسلمين، وكان يقول: لو أن بغلة عثرت في طريق العراق لخشيت أن يسألني الله عنها يوم القيامة. وفي صحيح البخاري من حديث عمرو بن ميمون الأنصاري أنه قال: «شَهِدتُ عُمَرَ قَبلَ مَوتِهِ بِأَيَّامٍ وَهُوَ يَقُولُ: لَئِنْ سَلَّمَنِي اللهُ لأَدَعَنَّ أَرَامِلَ الْعِرَاقِ لَا يَحْتَجْنَ إِلَى رَجُلٍ بَعْدِي أَبَدًا، فَمَا أَتَتْ عَلَيْهِ رَابِعَةٌ إِلَاّ وَأُصِيبَ»
(1)
. وقد أكرمه الله بالشهادة، فكان قتله على يد الغادر الشقي أبي لؤلؤة المجوسي في سنة ثلاث وعشرين من الهجرة، وهو يؤم الناس لصلاة الفجر، طعنه بسكين ذات شقين.
وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه خطب الناس على المنبر يوم الجمعة فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر أبا بكر ثم قال: رأيت رؤيا لا أُرَاهَا إلا لحضور أجلي، رأيت كأن ديكاً نقرني نقرتين، قال: وذُكِرَ لي أنه ديكٌ أحمرُ، فقصصتها على أسماء بنت عميس امرأة أبي بكر رضي الله عنهما فقالت: يقتُلُكَ رَجُلٌ مِنَ العَجَمِ
(2)
.
وروى البخاري في صحيحه من حديث أم المؤمنين حفصة أنه كان يقول: «اللهُمَّ ارْزُقْنِي شَهَادَةً فِي سَبِيلِكَ، وَاجْعَلْ مَوْتِي فِي بَلَدِ
(1)
برقم (3700).
(2)
(1/ 250) برقم (89) وقال محققوه: إسناده صحيح على شرط مسلم.
رَسُولِكَ»
(1)
. فاستجاب الله لدعواته الصالحة.
رضي الله عن عمر، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وجمعنا به في دار كرامته، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1)
برقم (1890).