الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكلمة المئة وتسع وثلاثون: النهي عن البدع
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:
قال تعالى: {المص * كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: 1 - 3].
وقال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَاذَنْ بِهِ اللهُ} [الشورى: 21].
روى البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ»
(1)
.
والبدعة هي كل ما أحدث في الشرع بغير دليل، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ»
(2)
.
وقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»
(3)
.
(1)
البخاري برقم (2697)، ومسلم برقم (1718).
(2)
سنن النسائي برقم (1578) وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي (1/ 345 - 346) برقم (1487) وأصله في صحيح مسلم.
(3)
صحيح مسلم برقم (1718) من حديث عائشة رضي الله عنها.
قال ابن رجب في شرح هذا الحديث: «وهو أصل عظيم من أصول الإسلام، وهو كالميزان للأعمال في ظاهرها، كما أن حديث: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»
(1)
ميزان للأعمال في باطنها، فكما أن كل عمل لا يراد به وجه الله تعالى فليس لعامله فيه ثواب، فكذلك كل عمل لا يكون عليه أمر الله ورسوله، فهو مردود على عامله، وكل من أحدث في الدين ما لم يأذن به الله ورسوله، فليس من الدين في شيء
(2)
.
وقال ابن حجر: «هذا الحديث معدود من أصول الإسلام، وقاعدة من قواعده، فإن معناه: من اخترع في الدين ما لا يشهد له أصل من أصوله فلا يلتفت إليه»
(3)
.
وقال النووي: «وهذا الحديث مما ينبغي أن يعتنى بحفظه واستعماله في إبطال المنكرات، وإشاعة الاستدلال به كذلك»
(4)
.
وقال الطرقي: «هذا الحديث يصلح أن يسمى نصف أدلة الشرع»
(5)
.
وقال ابن القيم: «القلوب إذا اشتغلت بالبدع أعرضت عن السنن»
(6)
.
وروى مسلم في صحيحه من حديث جابر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم الجمعة: «فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرُ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ»
(7)
.
(1)
صحيح البخاري برقم (1)، وصحيح مسلم برقم (1907).
(2)
جامع العلوم والحكم (1/ 176).
(3)
فتح الباري (5/ 302 - 303).
(4)
فتح الباري (5/ 302 - 303).
(5)
فتح الباري (5/ 302 - 303).
(6)
إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان (1/ 213).
(7)
برقم (867).
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: «وقد ثبت عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن السلف الصالح بعدهم التحذير من البدع، والترهيب منها، وما ذاك إلا لأنها زيادة في الدين، وشرع لم يأذن به الله، وتشبه بأعداء الله من اليهود والنصارى في زيادتهم في دينهم وابتداعهم فيه ما لم يأذن به الله، ولأن لازمها التنقص للدين الإسلامي، واتهامه بعدم الكمال، ومعلوم ما في هذا من الفساد العظيم، والمنكر الشنيع، والمصادمة لقول الله تعالى:{اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3].
والمخالفة الصريحة لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم المحذرة من البدع، والمنفرة منها
(1)
. اهـ.
وَمَرَّ ابنُ مَسعُودٍ رضي الله عنه عَلَى أُنَاسٍ فِي المَسجِدِ يَنتَظِرُونَ الصَّلَاةَ وَهُم حِلَقٌ، وَفِي كُلِّ حَلْقَةٍ رَجُلٌ، وَفَي أَيدِيهِم حَصًى، وَرَجُلٌ يَقُولُ لَهُم: سَبِّحُوا مِئَةً، فَيُسَبِّحُونَ، كَبِّرُوا مِئَةً فَيُكَبِّرُونَ، هَلِّلُوا مِئَةً فَيُهَلِّلُونَ، فَقَالَ لَهُم: عُدُّوا سَيِّئَاتِكُمْ فَأَنَا ضَامِنٌ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِكُمْ شَيْءٌ، وَيْحَكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مَا أَسْرَعَ هَلَكَتَكُمْ! هَؤُلَاءِ صَحَابَةُ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم مُتَوَافِرُونَ، وَهَذِهِ ثِيَابُهُ لَمْ تَبْلَ، وَآنِيَتُهُ لَمْ تُكْسَرْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّكُمْ لَعَلَى مِلَّةٍ هِيَ أَهْدَى مِنْ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ، أَوَ مُفْتَتِحُو بَابِ ضَلَالَةٍ؟ قَالُوا: وَاللهِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا أَرَدْنَا إِلَاّ الْخَيْرَ! قَالَ: وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَم يُصِبْهُ؟ !
(2)
.
وقال أهل العلم: إن كل عمل يتقرب به المسلم إلى ربه عز وجل لا بد له من شرطين:
(1)
رسالة للشيخ بعنوان: التحذير من البدع (ص: 11).
(2)
معجم الطبراني الكبير (9/ 127) رقم (8636)، وروي بألفاظ كثيرة.
الأول: الإخلاص لله عز وجل، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوِ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ»
(1)
.
الثاني: المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه المتابعة لا تتحقق إلا إذا كان العمل موافقًا للشريعة في أمور ستة:
1 -
السبب: فإذا تعبد الإنسان لله عبادة مقرونة بسبب ليس شرعيًا فهي مردودة على صاحبها، مثالها: رجل يحيي ليلة السابع والعشرين من رجب بحجة أنها الليلة التي عرج فيها برسول الله صلى الله عليه وسلم فالتهجد عبادة وسنة، ولكن لما قرن بهذا السبب كان بدعة، لأنه بنى هذه العبادة على سبب لم يثبت شرعًا، وهذا أمر مهم يتبين به ابتداع كثير ممن يظن أنه من السنة، وليس من السنة، ومن الأمثلة كذلك: بدعة المولد، فإن هذا السبب لم يشرع، ولم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة، ولا القرون المفضلة، وإنما أحدثته الدولة العبيدية الرافضية، لما حكمت مصر في القرن العاشر.
2 -
الجنس: فلا بد أن تكون العبادة موافقة للشرع في جنسها، فلو تعبد إنسان لله بعبادة لم تشرع في جنسها، فهي غير مقبولة، ومثال ذلك: أن يضحي رجل بفرس، فلا تصح أضحيته، لأنه خالف الشريعة في جنسها، فالأضاحي لا تكون إلا من بهيمة الأنعام - الإبل، والبقر، والغنم -.
3 -
القدر: فلو أراد إنسان أن يزيد صلاة على أنها فريضة، فيقال له: هذه بدعة غير مقبولة، لأنها مخالفة للشرع في القدر، ومن باب أولى لو
(1)
البخاري برقم (1)، ومسلم برقم (1907).
أن الإنسان صلى الظهر مثلاً خمسًا، فإن صلاته لا تصح بالاتفاق.
4 -
الكيفية: فلو أن رجلاً توضأ، فبدأ بغسل رجليه، ثم مسح رأسه، ثم غسل يديه، ثم وجهه، فيقال له: وضوءك باطل، لأنه مخالف للشرع في الكيفية.
5 -
الزمان: فلو أن رجلاً ضحى في أول أيام ذي الحجة، فلا تقبل الأضحية لمخالفة الشرع في الزمان، وبعض الناس في شهر رمضان يتقرب إلى الله بذبح الأغنام، وهذا عمل بدعة لأنه ليس هناك شيء يتقرب به إلى الله بالذبح إلا الأضحية، والهدي، والعقيقة، أما الذبح في رمضان مع اعتقاد الأجر كالذبح في عيد الأضحى فبدعة، وأما الذبح لأجل الأكل جائز.
6 -
المكان: فلو أن رجلاً اعتكف في غير مسجد، فإن اعتكافه لا يصح، وذلك لأن الاعتكاف لا يكون إلا في المساجد، ولو قالت امرأة: أريد أن أعتكف في مصلى البيت فلا يصح اعتكافها، لمخالفة الشرع في المكان.
ومن الأمثلة: لو أن رجلاً أراد أن يطوف فوجد المطاف قد ضاق، ووجد ما حوله قد ضاق، فصار يطوف من وراء المسجد، فلا يصح طوافه، لأن مكان الطواف البيت، قال الله تعالى لإبراهيم الخليل:{وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}
(1)
[الحج: 26].
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1)
انظر: رسالة (الإبداع في كمال الشرع وخطر الابتداع)، للشيخ ابن عثيمين رحمه الله (ص: 20 - 23).