الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكلمة المئة وأربعون: قدرة الله
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:
فإنه ينبغي للمؤمن أن يتأمل في آيات الله الدالة على كمال قدرته، ليعظمه حق تعظيمه، ويقدره حق قدره، قال تعالى:{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82]، وقال سبحانه:{وَمَا أَمْرُنَا إِلَاّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالبَصَرِ} [القمر: 50]، وقال تعالى:{وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر: 67]، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عبد الله - أي ابن مسعود - قال:«قَالَ جَاءَ حَبْرٌ مِنَ الأَحْبَارِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّا نَجِدُ أَنَّ اللهَ يَجْعَلُ السَّمَاوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ، وَسَائِرَ الْخَلَائِقِ عَلَى إِصْبَعٍ، فَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ الْحَبْرِ، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: {وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}»
(1)
.
ومن الآيات العظيمة الدالة على كمال قدرته خلق السماوات،
(1)
البخاري برقم (4811)، ومسلم برقم (2786).
والأرض، والجبال، والدواب في ستة أيام، ولو شاء لخلقها في لمحة بصر، ولكن كان ذلك لحكمة إلهية منه، قال تعالى:{وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق: 38].
ومنها: أن الله تعالى خلق آدم من سلالة من طين، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، يخرج من بين الصلب والترائب، ثم يستقر في قرار مكين، في مكان لا يعتريه شمس ولا هواء، ولاحر ولا برد، في ظلمات ثلاث، ظلمة البطن، وظلمة الرحم، وظلمة الغشاء، أربعون يومًا نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، فإذا تمت هذه الأيام، وهي أربعة أشهر، أرسل الله تعالى إليه الملك الموكل بالأجنة، فنفخ فيه الروح، فأصبح إنسانًا بعد أن كان جمادًا، فتبارك الله أحسن الخالقين، قال تعالى:{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا العَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا المُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا العِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَانَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الخَالِقِينَ} [المؤمنون: 12 - 14].
ومنها: أن الله خلق عيسى من أم بلا أب، وأنطقه الله تعالى في المهد وهو صبي،
…
قال تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران: 59].
وقد ذكر الله تعالى في كتابه حوادث كثيرة تدل على قدرته على إحياء الموتى في هذه الدنيا.
ومنها: قصة بني إسرائيل حين قالوا لنبيهم لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة، فعاقبهم الله تعالى، فأخذتهم الصاعقة، فماتوا، ثم بعثهم الله تعالى من بعد موتهم، وفي
…
هذا يقول تعالى مخاطبًا بني إسرائيل: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ * ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}
…
[البقرة: 55 - 56].
ومنها: قصة الرجل الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها، قد تهدم بناؤها، ويبست أشجارها فاستبعد أن تعود على ما كانت عليه من العمران والسكان، فأراه الله تعالى آية في نفسه تدل على قدرته، فأماته الله مئة سنة، وكان معه حمار وطعام وشراب، فمات الحمار، وتمزقت أوصاله، ولاحت عظامه، وبقي الطعام والشراب لم يتغير واحد منهما بنقص ولا طعم ولا لون ولا رائحة، مئة سنة والشمس تصهره، والرياح تتعاقب عليه، ثم بعث الله عز وجل ذلك الرجل وأراه الحمار، فنظر إلى عظامه المتفرقة في الأرض يركب بعضها بعضًا، كل عظم في محله، ثم يكسوها الله لحمًا، وفي هذا يقول سبحانه:{أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 259].
ومنها: قصة إبراهيم الخليل حين سأل ربه أن يريه كيف
يحيي الموتى؟ فأمره الله تعالى أن يأخذ أربعة من الطير، فيقطعهن أجزاء فيفرقها على الجبال التي حوله، على كل جبل جزء من هذه الطيور، ثم يناديهن، وحينئذ تلتئم هذه الأجزاء المتفرقة في الجبال بعضها إلى بعض، ويأتين إلى إبراهيم عليه السلام مشيًا لا طيرانًا، وفي هذا يقول تعالى:{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي المَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَاتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة: 260].
فهذه الأمثلة من إحياء الله تعالى الموتى في الدنيا دليل على قدرته سبحانه على البعث يوم القيامة، قال تعالى:{وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم: 27]، وقال سبحانه:{مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَاّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [لقمان: 28]، وقال تعالى:
…
{وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَاّ كَلَمْحِ البَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [النحل: 77].
فسبحانه من إله عظيم قادر، لا يعجزه شيء، قال تعالى:{وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا} [فاطر: 44].
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.