الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكلمة المئة وخمسة: الزكاة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:
فإن الزكاة فريضة من فرائض الإسلام، وهي الركن الثالث من أركانه العظام، وقد دل على وجوبها الكتاب والسنة والإجماع، قال تعالى:{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43]. وقال تعالى: {وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ} [الأنعام: 141]، وفي الصحيحين من حديث ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ»
(1)
.
وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أُمِرْتُ أَن أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوَا أَن لَا إِلَه إِلَاّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُوْلُ اللهِ، وَيُقِيْمُوْا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوْا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوْا ذَلِكَ عَصَمُوْا مِنِّي دِمَاءَهُم وَأَمْوَالَهُم إِلَاّ بِحَقِّ الإِسْلَامِ، وَحِسَابُهُم عَلَى اللهِ»
(2)
.
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن أعرابيًّا أتى
(1)
البخاري برقم (8)، ومسلم برقم (16).
(2)
البخاري برقم (25)، ومسلم برقم (22).
النبي صلى الله عليه وسلم فقال: دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة. قال: «تَعْبُدُ اللهَ وَلَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيْمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ المَفْرُوْضَةَ، وَتَصُوْمُ رَمَضَانَ» قال: والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا. فلما ولى قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا»
(1)
.
وقد جاء الوعيد الشديد في حق من بخل بها أو قصر في إخراجها، قال تعالى:
…
فكل ما لا تؤدى زكاته فهو كنز يعذب به صاحبه يوم القيامة.
روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إِلَاّ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحَ مِنْ نَارٍ، فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيُرَى سَبِيلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ»
(2)
.
وجاء في الحديث المخرج في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ما خلاصته: أَنَّ صَاحِبَ الإِبِلِ وَالبَقَرِ وَالغَنَمِ إِذَا لَم يُؤَدِّ حَقَّهَا، بُطِحَ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ بِقَاعٍ قَرْقَرٍ، أَي: أَنَّه يُبْطَحُ عَلَى وَجْهِهِ فِي أَرْضٍ مُسْتَوِيَةٍ وَاسِعَةٍ، ثُمَّ تَاتِي هَذِهِ البَهَائِمُ فَتَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا وَأَظْلَافِهَا،
(1)
البخاري برقم (1397)، ومسلم برقم (13) من حديث أبي أيوب.
(2)
برقم (987)
وَتَنْطَحُهُ بِقُرُوْنِهَا، كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أَوَّلُهَا رُدَّ عَلَيْه آخِرُهَا، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِيْنَ أَلفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ العِبَادِ، فَيَرَى سَبِيْلَهُ إِمَّا إِلَى الجَنَّةِ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ
(1)
.
وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وَلَا مِنْ صَاحِبِ مَالٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهُ إِلَاّ تَحَوَّلَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ يَتْبَعُ صَاحِبَهُ حَيْثُمَا ذَهَبَ، وَهُوَ يَفِرُّ مِنْهُ، وَيُقَالُ: هَذَا مَالُكَ الَّذِي كُنْتَ تَبْخَلُ بِهِ، فَإِذَا رَأَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ، أَدْخَلَ يَدَهُ فِي فِيهِ، فَجَعَلَ يَقْضَمُهَا كَمَا يَقْضَمُ الْفَحْلُ»
(2)
.
والشجاع: الحية الذكر، والأقرع الذي تمعط شعره لكثرة سمه، وقيل: الشجاع الذي يواثب الراجل والفارس ويقوم على ذنبه، وربما بلغ رأس الفارس، ويكون في الصحاري، يتبع صاحبه الذي منع الزكاة.
والزكاة تجب في أربعة أصناف: الخارج من الأرض من الحبوب والثمار، والسائمة من بهيمة الأنعام الإبل والبقر والغنم، وهي التي ترعى في البراري، والذهب والفضة، وعروض التجارة، وهي السلع المعدة للبيع، ويدخل في ذلك الأراضي، والعمارات، والسيارات المعدة للبيع، وغير ذلك من أصناف السلع، ولكل من هذه الأصناف الأربعة نصاب محدود، لا تجب الزكاة فيما دونه، وله تفصيل معروف في الأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والزكاة حق لا تجوز المحاباة بها لمن لا يستحقها، ولا أن يجلب الإنسان بها لنفسه نفعًا أو يدفع ضرًّا، ولا أن يقي بها ماله، أو يدفع بها
(1)
البخاري برقم (4659)، ومسلم برقم (987).
(2)
البخاري برقم (1403)، ومسلم برقم (988) واللفظ له.
عنه مذمة، بل يجب على المسلم صرف زكاته لمستحقيها لكونهم من أهلها لا لغرض آخر، مع طيب النفس، والإخلاص لله في ذلك حتى تبرأ ذمته، ويستحقَّ جزيلَ المثوبَةِ والخَلَفَ، وقد أوضح الله سبحانه في كتابه الكريم أصناف المستحقين للزكاة فقال تعالى:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ وَالعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 60].
ولو أعطيت الزكاة لمستحقيها لما بقي فقير في الإسلام.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.