الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكلمة المئة وإحدى وأربعون: علامات حسن الخاتمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]، وقال يوسف عليه السلام:{رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ المُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَاوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف: 101]، وقال سبحانه:{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَاتِيَكَ اليَقِينُ} [الحجر: 99]، في هذه الآيات وغيرها يوصي الرؤوف الرحيم عباده بالثبات على الدين والموت على الإسلام، لأنه من حصل له ذلك فاز الفوز العظيم الذي لا فوز أكبر منه، وسعد السعادة التي لا شقاوة معها، فإن من علامات سعادة العبد حسن خاتمته، ولا أحسن، ولا أفضل من أن يموت العبد مؤمنًا بربه، راضيًا بدينه، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا»
(1)
.
وأن من علامات حسن الخاتمة:
الاستشهاد في سبيل الله، والأدلة على ذلك كثيرة من الكتاب والسنة، قال تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ
(1)
جزء من حديث في البخاري برقم (6493)، ومسلم برقم (2651).
عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَاّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [آل عمران: 169 - 170]، روى البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَا أَحَدٌ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، وَلَهُ مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ، إِلَاّ الشَّهِيدُ، يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ، لِمَا يَرَى مِنَ الْكَرَامَةِ»
(1)
.
وترجى هذه الشهادة لمن سألها مخلصًا من قلبه، ولو لم يتيسر له الاستشهاد في المعركة لما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ سَأَلَ اللهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ، بَلَّغَهُ اللهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ، وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ»
(2)
.
ومنها: أن يوفق المحتضر للنطق بكلمة التوحيد «لا إله إلا الله» ، روى أبو داود في سننه من حديث معاذ رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ كَانَ آخِرَ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ»
(3)
.
قال بعض أهل العلم: «لأنها شهادة شهد بها عند موته، وقد ماتت شهواته، وذهلت نفسه لما حل به من هول الموت، وذهب حرصه ورغبته، وسكنت أخلاقه السيئة، وذل وانقاد لربه، فاستوى ظاهره بباطنه، فغفر له بهذه الشهادة لصدقه» .
ومنها: الموت بعرق الجبين:
روى الترمذي في سننه من حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه: عن
(1)
البخاري برقم (2817)، ومسلم برقم (1877).
(2)
برقم (1909).
(3)
برقم (3116)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/ 602) برقم (2673).
النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الْمُؤْمِنُ يَمُوتُ بِعَرَقِ الْجَبِينِ»
(1)
.
قال بعض أهل العلم: قيل: هو لما يعالج من شدة الموت، فقد تبقى عليه بقية من ذنوب، فيشدد عليه وقت الموت ليخلص عنها، وقيل: هو من الحياء، فإنه إذا جاءته البشرى مع ما كان قد اقترف من الذنوب حصل له بذلك خجل وحياء من الله تعالى، فعرق لذلك جبينه، وقيل: يحتمل أن عرق الجبين علامة جُعِلَت لموتِ المؤمن، وإن لم يعقل معناه
(2)
.
ومنها: وفاة المسلم بالطاعون، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أنس بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ»
(3)
.
ومنها: الموت بداء البطن، روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَن مَاتَ فِي البَطنِ فَهُوَ شَهِيدٌ»
(4)
.
وذكر بعض الشراح أن المبطون من أصابه إسهال، أو استسقاء، أو وجع بطن.
ومنها: الموت بالحرق أو الغرق أو الهدم أو الطاعون أو ذات الجنب، أو موت المرأة في نفاسها بسبب ولدها، روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: الْمَطْعُونُ،
(1)
برقم (982) وقال الترمذي: هذا حديث حسن.
(2)
التذكرة للقرطبي (ص: 24) وتحفة الأحوذي (4/ 30).
(3)
البخاري برقم (2830)، ومسلم برقم (1916).
(4)
قطعة من حديث برقم (1915).
وَالْمَبْطُونُ، وَالْغَرِيقُ، وَصَاحِبُ الْهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللهِ»
(1)
.
وروى أبو داود في سننه من حديث جابر بن عتيك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء يعود عبد الله بن ثابت فوجده قد غُلب، فصاح به رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجبه، فاسترجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:«غُلِبْنَا عَلَيْكَ يَا أَبَا الرَّبِيعِ» ، فصاح النسوة وبكين، فجعل ابن عتيك يسكتهن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«دَعْهُنَّ فَإِذَا وَجَبَ فَلَا تَبْكِيَنَّ بَاكِيَةٌ» ، قالوا: وما الوجوب يا رسول الله؟ قال: «المَوْتُ» ، قالت ابنته: والله إن كنت لأرجو أن تكون شهيدًا فإنك كنت قد قضيت جهازك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ اللهَ عز وجل قَدْ أَوْقَعَ أَجْرَهُ عَلَى قَدْرِ نِيَّتِهِ، وَمَا تَعُدُّونَ الشَّهَادَةَ؟ » ، قالوا: القتل في سبيل الله تعالى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«الشَّهَادَةُ سَبْعٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللهِ: الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ، وَالْغَرِقُ شَهِيدٌ، وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ، وَالْمَبْطُونُ شَهِيدٌ، وَصَاحِبُ الْحَرِيقِ شَهِيدٌ، وَالَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ، وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيدٌ»
(2)
.
وذات الجنب هو ورم حار يعرض في الغشاء المستبطن للأضلاع.
والمرأة تموت بجمع، أي تموت وفي بطنها ولد، أو تموت من الولادة، كذا قاله المناوي
(3)
رحمه الله.
ومنها: الموت في سبيل الدفاع عن الدين والنفس والمال، روى أبو داود في سننه من حديث سعيد بن زيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ، أَوْ دُونَ دَمِهِ، أَوْ دُونَ
(1)
البخاري برقم (653)، ومسلم برقم (1914).
(2)
برقم (3111)، وصححه الألباني في كتابه أحكام الجنائز وبدعها (ص: 54 - 55).
(3)
فيض القدير (4/ 179).
دِينِهِ، فَهُوَ شَهِيدٌ»
(1)
.
وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: «فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ» ، قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: «قَاتِلْهُ» ، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: «فَأَنْتَ شَهِيدٌ» ، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: «هُوَ فِي النَّارِ»
(2)
.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1)
برقم (4774) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/ 906) برقم (3993).
(2)
برقم (140).