المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الكلمة الخامسة والسبعون: وصايا لطلبة العلم - الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة - جـ ٣

[أمين الشقاوي]

فهرس الكتاب

- ‌الكلمة الحادية والسبعون: وقفة مع قوله تعالى {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ}

- ‌الكلمة الثانية والسبعون: نصائح عامة

- ‌الكلمة الثالثة والسبعون: مفاسد العنوسة

- ‌الكلمة الرابعة والسبعون: النكت

- ‌الكلمة الخامسة والسبعون: وصايا لطلبة العلم

- ‌الكلمة السادسة والسبعون: مخالفات يقع فيها بعض الحجاج

- ‌الكلمة السابعة والسبعون: التوبة

- ‌الكلمة الثامنة والسبعون: شرح حديث (يتبع الميت ثلاثة)

- ‌الكلمة التاسعة والسبعون: فضل التبكير إلى الصلاة

- ‌الكلمة الثمانون: أسباب انشراح الصدر

- ‌الكلمة الحادية والثمانون: كفارات الذنوب

- ‌الكلمة الثانية والثمانون: الحسد

- ‌الكلمة الثالثة والثمانون: المعاصي وعقوباتها

- ‌الكلمة الرابعة والثمانون: التقوى

- ‌الكلمة الخامسة والثمانون: تحريم الغناء

- ‌الكلمة السادسة والثمانون: تحريم الزنا وأسبابه

- ‌الكلمة السابعة والثمانون: الاستخارة

- ‌الكلمة الثامنة والثمانون: وقفة مع آيات من كتاب الله

- ‌الكلمة التاسعة والثمانون: تأملات في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ}

- ‌الكلمة التسعون: الاستغفار

- ‌الكلمة الحادية والتسعون: شرح اسم من أسماء الله الحسنى (العزيز)

- ‌الكلمة الثانية والتسعون: شكر النعم

- ‌الكلمة الثالثة والتسعون: الورع

- ‌الكلمة الرابعة والتسعون: علاج الهموم والغموم

- ‌الكلمة الخامسة والتسعون: قصة نبي الله أيوب عليه السلام

- ‌الكلمة السادسة والتسعون: الأسباب الجالبة لمحبة الله

- ‌الكلمة السابعة والتسعون: حوض النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الكلمة الثامنة والتسعون: شرح اسم من أسماء الله الحسنى (الشافي)

- ‌الكلمة التاسعة والتسعون: خطر الدش

- ‌الكلمة المئة: «فضل صلاة الفجر»

- ‌الكلمة المئة وواحد: السعادة

- ‌الكلمة المئة واثنان: فتنة الدجال

- ‌الكلمة المئة وثلاثة: شرح اسم الله (الحكيم)

- ‌الكلمة المئة وأربعة: نعمة الهداية

- ‌الكلمة المئة وخمسة: الزكاة

- ‌الكلمة المئة وستة: صلاة الجماعة

- ‌الكلمة المئة وسبعة: مخالفات شرعية تتعلق بالنكاح

- ‌الكلمة المئة وثمان: شرح حديث (مَن أَصْبَحَ آمِنًا فِي سِرْبِهِ)

- ‌الكلمة المئة وتسع: تفسير آية الكرسي

- ‌الكلمة المئة وعشرة: حفظ اللسان

- ‌الكلمة المئة وإحدى عشرة: الحور العين

- ‌الكلمة المئة واثنتا عشرة: الابتلاء

- ‌الكلمة المئة وثلاث عشرة: الزهد في الدنيا

- ‌الكلمة المئة وأربع عشرة: العافية

- ‌الكلمة المئة وخمس عشرة: مكانة المرأة في الإسلام

- ‌الكلمة المئة وست عشرة: التحذير من الربا

- ‌الكلمة المئة وسبع عشرة: وقفة مع قوله تعالى {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَاّ وَارِدُهَا

- ‌الكلمة المئة وثماني عشرة: تحريم الدخان

- ‌الكلمة المئة وتسع عشرة: فضل يوم الجمعة

- ‌الكلمة المئة وعشرون: الأمانة

- ‌الكلمة المئة وإحدى وعشرون: صلة الأرحام

- ‌الكلمة المئة واثنتان وعشرون: وقفة مع سورة الماعون

- ‌الكلمة المئة وثلاث وعشرون: كلمة توجيهية للمدرسين

- ‌الكلمة المئة وأربع وعشرون: غض البصر

- ‌الكلمة المئة وخمس وعشرون: تحريم حلق اللحية

- ‌الكلمة المئة وست وعشرون: كلمة توجيهية للمرأة

- ‌الكلمة المئة وسبع وعشرون: خطر التلفاز

- ‌الكلمة المئة وثمان وعشرون: ذم الترف

- ‌الكلمة المئة وتسع وعشرون: أخطاء في الطهارة

- ‌الكلمة المئة وثلاثون: أخطاء في الصلاة

- ‌الكلمة المئة وإحدى وثلاثون: خطر النفاق

- ‌الكلمة المئة واثنتان وثلاثون: الظلم وعواقبه الوخيمة

- ‌الكلمة المئة وثلاث وثلاثون: تحريم الإسبال

- ‌الكلمة المئة وأربع وثلاثون: فوائد من حديث خبيب بن عدي

- ‌الكلمة المئة وخمس وثلاثون: تحريم التصوير

- ‌الكلمة المئة وست وثلاثون: الموت وعظاته

- ‌الكلمة المئة وسبع وثلاثون: مقتطفات من سيرة أبي بكر الصديق

- ‌الكلمة المئة وثمان وثلاثون: مقتطفات من سيرة عمر بن الخطاب

- ‌الكلمة المئة وتسع وثلاثون: النهي عن البدع

- ‌الكلمة المئة وأربعون: قدرة الله

- ‌الكلمة المئة وإحدى وأربعون: علامات حسن الخاتمة

- ‌الكلمة المئة واثنتان وأربعون: وفاته عليه الصلاة والسلام

- ‌الكلمة المئة وثلاث وأربعون: أسباب النصر على الأعداء

- ‌الكلمة المئة وأربع وأربعون: فضل أيام عشر ذي الحجة

- ‌الكلمة المئة وخمس وأربعون: طلب العلم الشرعي

- ‌الكلمة المئة وست وأربعون: معنى لا إله إلا الله

- ‌الكلمة المئة وسبع وأربعون: سورة الفلق

- ‌الكلمة المئة وثمان وأربعون: آداب الطعام

- ‌الكلمة المئة وتسع وأربعون: وقفة مع قوله تعالى {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}

- ‌الكلمة المئة وخمسون: سورة الفاتحة

الفصل: ‌الكلمة الخامسة والسبعون: وصايا لطلبة العلم

‌الكلمة الخامسة والسبعون: وصايا لطلبة العلم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:

فهذه بعض الوصايا التي أوصي بها نفسي وإخواني، وأسأل الله تعالى أن ينفع بها، وأن يرزقنا العلم النافع، والعمل الصالح.

الوصية الأولى: الحرص على طلب العلم الشرعي، قال تعالى:{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ} [الزمر: 9].

وقال تعالى: {يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة: 11].

روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث معاوية رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ»

(1)

.

قال بعض أهل العلم: «من لم يفقه في الدين لم يرد الله به خيرًا» . روى أبو داود في سننه من حديث أبي الدرداء: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وَإِنَّ فَضْلَ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ كَفَضْلِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ عَلَى سَائِرِ الكَوَاكِبِ، وإِنَّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَم يُوَرِّثُوْا دِيْنَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَإِنَّمَا وَرَّثُوْا العِلمَ، فَمَن أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ»

(2)

.

قال الأوزاعي: «النَّاسُ عِنْدَنَا هُم أَهْلُ العِلمِ، وَمَن سِوَاهُم فَلَيْسُوا

(1)

صحيح البخاري برقم (3116)، وصحيح مسلم برقم (1037).

(2)

برقم (3641) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/ 342) برقم (2159).

ص: 421

بِشَيْءٍ»، وقال الإمام أحمد بن حنبل:«حاجة الناس إلى العلم الشرعي أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب لأن الرجل يحتاج الى الطعام والشراب في اليوم مرة أو مرتين وحاجته إلى العلم بعدد أنفاسه» .

وأهل العلم هم القائمون بأمر الله حتى تقوم الساعة، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث معاوية وثوبان: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَاتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ»

(1)

- وفي رواية: «قَائِمَةً عَلَى أَمْرِ اللهِ»

(2)

.

قال الإمام أحمد بن حنبل: «إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم؟ » .

وقال أيضاً:

دينُ النبِي محمدٍ آثارُ

نِعمَ المطيةُ للفتى الأخبارُ

لا تَرْغبنَّ عنِ الحديثِ وأهلِهِ

فالرأيُ ليلُ والحديثُ نهارُ

ولرُبَّما جَهِلَ الفَتَى طُرُق الهُدى

والشمسُ بازغةٌ لها أنوارُ

وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه في آخر الزمان يرفع العلم، ويكثر الجهل، ورفع العلم بموت حملته.

روى البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ اللهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَتْرُكْ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالاً، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا»

(3)

.

(1)

صحيح البخاري برقم (71)، وصحيح مسلم برقم (1920) واللفظ له.

(2)

صحيح البخاري برقم (71).

(3)

صحيح البخاري برقم (100)، وصحيح مسلم برقم (2673) واللفظ له.

ص: 422

وفي هذه الحال يكون تعلم العلم وتعليمه أوجب وأوكد، وليعلم أن رأس العلوم كلها هو كتاب الله الكريم، فلنحرص على حفظه وفهمه وتدبره، والعمل به، وكذلك تعلم سنة النبي صلى الله عليه وسلم، والتفقه فيها، وليكن أخذنا للعلم من أهله، وهم السلف الصالحون، والأئمة المهديون، حتى لا نقع في الفتاوى المضلة، والأهواء المهلكة.

الوصية الثانية: الدعوة إلى الله عز وجل، قال تعالى:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ} [يوسف: 108]، وقال تعالى:{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ} [فصلت: 33].

وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي: «

لأَن يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ»

(1)

.

وهذا الحديث يغلط فيه بعض الناس، حيث يقوم بالدعوة، وربما تجرأ على الفتوى وهو من أجهل الناس، وقد يستدل بحديث «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً»

(2)

. ولم يعلم المسكين أن تبليغ آية من كتاب الله، أو حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكون إلا بعد فهمهما بمراجعة أقوال المفسرين، وشراح الأحاديث حسب الطرق الصحيحة التي سلكها أهل العلم، وبينوها لطلاب العلم.

والدعوة إلى الله وظيفة الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم، والمقصود بها دعوة الناس إلى الإسلام بالقول والعمل، وقال عليه الصلاة والسلام وهو يخاطب معاذ بن جبل، وقد أرسله إلى أهل اليمن

(1)

صحيح البخاري برقم (2942)، وصحيح مسلم برقم (2406).

(2)

صحيح البخاري برقم (3461).

ص: 423

يدعوهم إلى الله تعالى: «إِنَّكَ تَاتِي قَوْمًا مِن أَهْلِ الكِتَابِ، فَادْعُهُم إِلَى شَهَادَةِ أَن لَا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ وَأَنِّي رَسُوْلُ اللهِ، فَإِنْ هُم أَطَاعُوْكَ لذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُم أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِم خَمْسَ صَلَوَاتٍ ........... إِلَى آخِرِ الحَدِيْثِ»

(1)

، وروى البخاري من حديث عبد الله بن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً»

(2)

.

قال ابن القيم رحمه الله «إذا كانت الدعوة إلى الله أشرف مقامات العبد وأجلَّها وأفضلها، فهي لا تحصل إلا بالعلم الذي يدعو به وإليه، بل لابد في كمال الدعوة من البلوغ في العلم إلى أقصى حد يصل إليه السعي، ويكفي هذا في شرف العلم أن صاحبه يحوز به هذا المقام، والله يؤتي فضله من يشاء»

(3)

.

وقال الشيخ عبد العزيز رحمه الله: «الواجب على جميع القادرين من العلماء، وحكام المسلمين، والدعاة، الدعوة إلى الله عز وجل حتى يصل البلاغ إلى العالم كافة في جميع أنحاء المعمورة، وهذا البلاغ الذي أمر الله به، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة: 67].

فالرسول عليه البلاغ، وهكذا الرسل جميعًا عليهم البلاغ صلوات الله وسلامه عليهم، وعلى أتباع الرسول أن يبلغوا

إلخ»

(4)

.

الوصية الثالثة: حفظ الوقت، فمن الملاحظ أن بعض الشباب لا يحرص على استغلال وقته، واغتنام شبابه ونشاطه، فتجده ينام الساعات

(1)

صحيح البخاري برقم (1458)، وصحيح مسلم برقم (19) واللفظ له.

(2)

سبق تخريجه.

(3)

التفسير القيم (ص: 319).

(4)

مجموع فتاوى ومقالات الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله (1/ 333) نقلاً عن كتاب نضرة النعيم (5/ 1959، 1960).

ص: 424

الطوال من غير حاجة، والآخر يضيع وقته في قراءة الجرائد لفترات طويلة، وآخر في الزيارات الكثيرة، وهَلُمَّ جَرًّا.

روى الترمذي في سننه من حديث أبي برزة الأسلمي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَا تَزُولُ قَدَمَا ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ؟ وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ؟ وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ؟ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ؟ وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَ عَلِمَ؟ »

(1)

، ويقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه الحاكم في المستدرك من حديث ابن عباس رضي الله عنهما:«اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ»

(2)

.

ويقول الشاعر:

والوَقْتُ أَنْفسُ ما عُنِيتَ بِحفْظِهِ

وَأَرَاهُ أَسْهَلَ مَا عَليك يضِيعُ

الوصية الرابعة: حسن الخلق، قال تعالى:{وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا} [الإسراء: 53]، روى الترمذي في سننه، من حديث أبي الدرداء: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيْزَانِ المُؤْمِنِ يَوْمَ القِيَامَةِ مِن خُلُقٍ حَسَنٍ، وَإِنَّ اللهَ لَيُبْغِضُ الفَاحِشَ البَذِيءَ»

(3)

، قال ابن المبارك:«حُسْنُ الخُلُقِ طَلَاقَةُ الوَجْهِ، وَبَذْلُ المَعْرُوْفِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَأَن تَحْتَمِلَ مَا يَكُوْنُ مِنَ النَّاسِ» .

وبهذا كان صلى الله عليه وسلم يوصي أصحابه، فروى الترمذي في سننه من

(1)

رقم (2416) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/ 289) برقم (1969).

(2)

مستدرك الحاكم (5/ 435) برقم (7916) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم (1077).

(3)

(4/ 362) برقم (2002) وقال: حديث حسن صحيح.

ص: 425

حديث أبي ذر ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ»

(1)

.

قال ابن القيم: «جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين تقوى الله وحسن الخلق، لأن تقوى الله تصلح ما بين العبد وربه، وحسن الخلق يصلح ما بينه وبين خلقه» . اهـ

(2)

، ولا يكتمل إيمان عبد مالم يوفق للخلق الحسن، روى الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَكْمَلُ المُؤْمِنِيْنَ إِيْمَانًا أَحْسَنُهُم خُلُقًا، وَخِيَارُكُم خِيَارُكُم لِنِسَائِهِم خُلُقًا»

(3)

.

ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقًا، فمن أحب أن يهتدي إلى معالي الأخلاق فليقتد بمحمد صلى الله عليه وسلم. فعن أنس رضي الله عنه قال:«خَدَمْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَشْرَ سِنِينَ، فَمَا قَالَ لِي: أُفٍّ قَطُّ، وَمَا قَالَ لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ: لِمَ صَنَعْتَهُ؟ وَلَا لِشَيْءٍ تَرَكْتُهُ: لِمَ تَرَكْتَهُ؟ »

(4)

.

الوصية الخامسة: الثبات على هذا الدين، قال تعالى:{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَاتِيَكَ اليَقِينُ} [الحجر: 99]، أي الموت، وقال تعالى عن عيسى عليه السلام:{وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم: 31]، روى الإمام أحمد من حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: «يَا مُقَلِّبَ القُلُوْبِ ثَبِّتْ قَلبِي عَلَى دِيْنِكَ»

(5)

، وقد وردت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم تبين أن المتمسكين بدينهم في آخر الزمان، الثابتين عليه يكونون غرباء، ولكنهم بذلك ينالون من الأجر مثل ما ناله أصحاب

(1)

سنن الترمذي برقم (1987) وقال: حديث حسن صحيح.

(2)

الفوائد (84 - 85).

(3)

برقم (1162) وقال حديث حسن صحيح.

(4)

سنن الترمذي برقم (2015) وأصله في الصحيحين.

(5)

سبق تخريجه.

ص: 426

النبي صلى الله عليه وسلم حينما كان الإسلام غريبًا، وذلك بصبرهم عليه حال الغربة، روى مسلم في صحيحه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بَدَأَ الإِسْلَامُ غَرِيْبًا، وَسَيَعُوْدُ غَرِيْبًا كَمَا بَدَأَ، فَطُوْبَى لِلغُرَبَاءِ»

(1)

، وجاء في الحديث الآخر أنهم:«أُنَاسٌ صَالِحُونَ فِي أُنَاسِ سَوْءٍ كَثِيرٍ، مَنْ يَعْصِيهِمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يُطِيعُهُمْ»

(2)

، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن القابض على دينه في آخر الزمان كالقابض على الجمر، روى الطبراني في معجمه الكبير من حديث عتبة بن غزوان أخي بني مازن بن صعصعة وكان من الصحابة أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال:«إِنَّ مِنْ وَرَاءِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ، المُتَمَسِّكُ فِيهِنَّ يَوْمَئِذٍ بِمِثْلِ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ لَهُ كَأَجْرِ خَمْسِينَ مِنْكُمْ» قالوا: يا نبي الله أَوَمِنْهُم، قال:«بَلْ مِنْكُمْ»

(3)

.

وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما ذكر ما يحصل في آخر الزمان من الفتن، قال:«المُتَمَسِّكُ يَوْمَئِذٍ بِدِينِهِ كَالقَابِضِ عَلَى الجَمْرِ أو قال: عَلَى الشَّوْكِ»

(4)

.

فأوصي نفسي، وإخواني بالثبات على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والصبر على ذلك قال تعالى:{وَالعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَاّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 1 - 3]، وقال تعالى:{وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ وَهُوَ خَيْرُ الحَاكِمِينَ} [يونس: 109]، وقال تعالى:{وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص: 83]، ولا شك أن المسلم في هذه الأزمنة يواجه فتن

(1)

برقم (145).

(2)

قطعة من حديث في مسند الإمام أحمد (11/ 231) برقم (6650) وقال محققوه: حديث حسن لغيره.

(3)

سبق تخريجه.

(4)

سبق تخريجه.

ص: 427

الشهوات والملذات العظيمة، لكن من استعان بالله أعانه الله، ومن يتصبر يصبره الله، قال تعالى:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69].

جعلنا الله وإياكم منهم

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

ص: 428