الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكلمة التاسعة والسبعون: فضل التبكير إلى الصلاة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:
فإن من فضل الله ورحمته بعباده أن يسر لهم من الطاعات والعبادات ما يتقربون بها إليه سبحانه، ومن تلك الطاعات والقربات التبكير إلى الصلوات الخمس التي جعلهن بفضله خمسًا في العمل، وخمسين في الأجر والثواب.
والتبكير إلى الصوات الخمس من الطاعات التي غفل عنها كثير من المصلين في هذا الزمان، فلا يحضرون إلا عند الإقامة، أو بعد الشروع في الصلاة.
ولقد ضرب سلفنا الصالح أروع الأمثلة، وأصدقها في التبكير إلى الصلاة، يقول عدي بن حاتم رضي الله عنه:«ما دخل وقت صلاة حتى أشتاق إليها، وما أقيمت الصلاة منذ أسلمت إلا وأنا على وضوء» ، ويقول سعيد بن المسيب:«ما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد، وما فاتتني صلاة الجماعة منذ أربعين سنة، وما نظرت إلى قفا رجل في الصلاة» ، قال الذهبي:«هكذا كان السلف في الحرص على الخير»
(1)
.
(1)
منجد الخطيب، مأخوذ من سير أعلام النبلاء (2/ 205 - 206).
ومن فضائل التبكير إلى الصلوات:
أولاً: استغفار الملائكة لمن ينتظر الصلاة، وكونه في حكم المصلي، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي قال: «المَلَائِكَة تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُم
(1)
مَا دَامَ فِي مُصَلَاّهُ مَا لَم يُحْدِثْ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، لَا يَزَالُ أَحَدُكُم فِي صَلَاةٍ مَا دَامَتِ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ، لَا يَمْنَعُهُ أَن يَنْقَلِبَ إِلَى أَهْلِهِ إِلَاّ الصَّلَاةُ»
(2)
.
ثانيًا: إدراك الصف الأول، وما فيه من الفضل العظيم، والثواب الجزيل، روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَاّ أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا»
(3)
.
ثالثًا: إدراك تكبيرة الإحرام، وهي من أفضل التكبيرات، ومفتاح الصلاة، روى الترمذي من حديث أنس بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ صَلَّى لِلَّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي جَمَاعَةٍ، يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الأُولَى، كُتِبَتْ لَهُ بَرَاءَتَانِ: بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ، وَبَرَاءَةٌ مِنَ النِّفَاقِ»
(4)
.
رابعًا: الدعاء بين الأذان والإقامة مستجاب، روى أبو داود في سننه من حديث أنس بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الدُّعَاءُ لَا يُرَدُّ بَيْنَ الأَذَانِ
(1)
أي تستغفر له.
(2)
صحيح البخاري برقم (659)، وصحيح مسلم برقم (649).
(3)
صحيح البخاري برقم (615)، وصحيح مسلم برقم (437).
(4)
برقم (241)، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (6/ 314) برقم (2652).
وَالإِقَامَةِ»
(1)
.
خامسًا: الدنو والقرب من الإمام، وهذه فضيلة عظيمة، روى الإمام أبو داود من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «احْضُرُوا الذِّكْرَ، وَادْنُوا مِنَ الإِمَامِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ لَا يَزَالُ يَتَبَاعَدُ حَتَّى يُؤَخَّرَ فِي الجَنَّةِ وَإِن دَخَلَهَا»
(2)
.
سادسًا: إدراك السنن القبلية التي قبل الصلاة، كسنة الفجر، روى مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رَكْعَتَا الفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيْهَا»
(3)
. وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا، وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ
(4)
.
وروى أبو داود في سننه من حديث أم حبيبة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَن حَافَظَ عَلَى أَرْبَعٍ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا، حَرُمَ عَلَى النَّار»
(5)
، وروى أيضًا من حديث ابن عمر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رَحِمَ اللهُ امْرَءًا صَلَّى قَبْلَ العَصْرِ أَرْبَعًا»
(6)
.
سابعًا: الحضور إلى المسجد بسكينة ووقار، فالسعي الذي يفعله كثير من الناس لإدراك الصلاة يفوتهم السكينة والوقار، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا سَمِعْتُمُ الإِقَامَةَ فَامْشُوا إِلَى الصَّلَاةِ، وَعَلَيْكُمُ بالسَّكِينَةِ وَالوَقَارِ، وَلَا تُسْرِعُوْا،
(1)
برقم (521)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/ 105) برقم (489).
(2)
برقم (1108)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/ 206) برقم (980).
(3)
برقم (725).
(4)
سنن الترمذي برقم (424) وقال: حديث حسن.
(5)
برقم (1269): وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/ 236) برقم (1130).
(6)
برقم (1271): وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/ 236) برقم (1132).
فَمَا أَدْرَكْتُم فَصَلُّوْا، وَمَا فَاتَكُم فَأَتِمُّوا»
(1)
.
ثامنًا: قراءة الأذكار والاستغفار، وذكر الله عز وجل بين الأذان والإقامة، فلو حضر المصلي إلى المسجد مبكرًا لأمكنه على أقل تقدير أن يقرأ عشرين آية، وفي اليوم مئة آية، وفي الأسبوع سبعمئة آية، وفي الشهر ثلاثة آلاف آية، وهذا خير كثير، والحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمئة ضعف، والله يضاعف لمن يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
وينبغي للمؤمن أن يُعَوِّدَ نفسه على التبكير إلى المسجد حتى يسهل عليه، ويجد الراحة، والسعادة في ذلك، روى مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «
…
لَا يَزَالُ قَومٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللهُ»
(2)
.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1)
برقم (636)، وصحيح مسلم برقم (602).
(2)
جزء من حديث برقم (438).