الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِيمَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهِ (قَبَضَ لَهُ الْحَاكِمُ) فَعَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ كَاتَبَ عَبْدًا لَهُ عَلَى مَالٍ فَجَاءَ الْعَبْدُ بِالْمَالِ وَلَمْ يَقْبَلْهُ أَنَسٌ فَأَتَى الْعَبْدُ عُمَرَ رضي الله عنه فَأَخَذَ الْمَالَ مِنْهُ وَوَضَعَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَلَوْ كَانَ الْمُسَلِّمُ غَائِبًا فَقِيَاسٌ قَبَضَ الْحَاكِمُ عَنْهُ عِنْدَ امْتِنَاعِهِ أَنْ يَقْبِضَ لَهُ فِي حَالِ غَيْبَتِهِ (فَإِنْ وَجَدَهُ فِي غَيْرِ مَكَانِ التَّسْلِيمِ) وَالدَّيْنُ حَالٌّ (طَالَبَهُ) بِهِ (إنْ لَمْ يَكُنْ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ) أَوْ كَانَ وَرَضِيَ بِدُونِهَا فَيُجْبَرُ الْمَدِينُ عَلَى الْأَدَاءِ لِعَدَمِ الضَّرَرِ (وَإِلَّا فَلَا يُطَالِبُهُ بِهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ تَسْلِيمَهُ ثَمَّ (وَلَا بِالْقِيمَةِ) لِلْحَيْلُولَةِ لِامْتِنَاعِ الِاعْتِيَاضِ عَنْ الْمُسَلَّمِ فِيهِ كَمَا مَرَّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ لَكِنْ لَهُ الدَّعْوَى عَلَيْهِ وَإِلْزَامُهُ بِالسَّفَرِ مَعَهُ إلَى مَكَانِ التَّسْلِيمِ أَوْ بِالتَّوْكِيلِ وَلَا يُحْبَسُ بَلْ لَهُ الْفَسْخُ وَاسْتِرْدَادُ رَأْسِ الْمَالِ كَمَا لَوْ انْقَطَعَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ (وَيُخَالِفُ الْغَاصِبَ وَالْمُتْلَفَ) فِيمَا إذَا ظَفِرَ الْمَالِكُ بِهِمَا فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ (فَإِنَّهُمَا يُطَالِبَانِ بِهَا) لَا بِالْمِثْلِ (وَلَا يَلْزَمُ) الدَّائِنَ فِي السَّلَمِ وَغَيْرِهِ (قَبُولُ مَالِهِ) أَيْ لِحَمْلِهِ (مُؤْنَةٌ) إذَا أَحْضَرَهُ الْمَدِينُ فِي غَيْرِ مَكَانِ التَّسْلِيمِ لِتَضَرُّرِهِ (لَا) قَبُولَ (غَيْرِهِ بِلَا غَرَضٍ) فَيَلْزَمُهُ لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَهُ غَرَضٌ كَخَوْفٍ هُنَاكَ وَلَوْ قَالَ وَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ إنْ كَانَ لَهُ غَرَضٌ كَأَنْ كَانَ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ وَإِلَّا فَيَلْزَمُهُ كَانَ أَوْضَحَ
(بَابٌ)(الْقَرْضُ)
هُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ أَشْهَرُ مِنْ كَسْرِهَا يُطْلَقُ اسْمًا بِمَعْنَى الْإِقْرَاضِ وَهُوَ تَمْلِيكُ الشَّيْءِ عَلَى أَنْ يُرَدَّ بَدَلُهُ وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْمُقْرِضَ يَقْطَعُ لِلْمُقْتَرِضِ قِطْعَةً مِنْ مَالِهِ وَيُسَمِّيهِ أَهْلُ الْحِجَازِ سَلَفًا (هُوَ قُرْبَةٌ) لِأَنَّ فِيهِ إعَانَةً عَلَى كَشْفِ كُرْبَةٍ وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَنْ أَقْرَضَ مُسْلِمًا دِرْهَمًا مَرَّتَيْنِ كَانَ لَهُ كَأَجْرِ صَدَقَتِهِ مَرَّةً «وَاسْتَقْرَضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْفَتْحِ مِنْ جَمَاعَةٍ» نَعَمْ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْمُقْتَرِضَ يَصْرِفُهُ فِي مَعْصِيَةٍ أَوْ مَكْرُوهٍ لَمْ يَكُنْ قُرْبَةً كَمَا سَيَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ مَعَ بَيَانِ أَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ الِاقْتِرَاضُ لِمَنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ الْوَفَاءَ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ الْمُقْرَضُ أَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الْوَفَاءِ وَأَرْكَانُهُ عَاقِدٌ وَمَعْقُودٌ عَلَيْهِ وَصِيغَةٌ كَالْبَيْعِ وَيُشْتَرَطُ كَمَا فِي الْأَصْلِ كَوْنُ الْمُقْرِضِ أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ لِأَنَّ الْقَرْضَ فِيهِ شَائِبَةُ التَّبَرُّعِ وَلَوْ كَانَ مُعَاوَضَةً مَحْضَةً لَجَازَ لِلْوَلِيِّ غَيْرِ الْقَاضِي قَرْضُ مَالِ مُوَلِّيهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي قَرْضِ الرِّبَوِيِّ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ وَلَجَازَ فِي غَيْرِهِ شَرْطُ الْأَجَلِ وَاللَّوَازِمُ بَاطِلَةٌ
(وَيُشْتَرَطُ) لَهُ (الْإِيجَابُ) كَالْبَيْعِ (كَأَقْرَضْتُكَ وَأَسْلَفْتُك وَخُذْهُ بِرَدِّ مِثْلِهِ) الْأَخْضَرُ بِمِثْلِهِ (وَمَلَّكْتُكَهُ بِبَدَلِهِ) أَوْ خُذْهُ وَاصْرِفْهُ فِي حَوَائِجِك وَتَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ أَنَّ خُذْهُ بِكَذَا وَنَحْوَهُ كِنَايَةٌ فِيهِ فَيَأْتِي مِثْلُهُ هُنَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
(قَوْلُهُ قَبَضَ لَهُ الْحَاكِمُ) قَالَ فِي الْخَادِمِ وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ وَضَعَهُ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ بَيْنَ يَدَيْ الْمُسَلِّمِ بِدُونِ رِضَاهُ لَا يَبْرَأُ فَإِنَّهُ لَوْ بَرِيءَ لَكَانَ الْقَاضِي فِي غَنِيَّةٍ عَنْ قَبْضِهِ لَهُ وَقَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ إنْ قُلْنَا يَحْصُلُ بِهِ الْقَبْضُ فِي بَيْعِ الْمُعَيَّنِ فَكَذَلِكَ هَهُنَا وَإِلَّا فَوَجْهَانِ وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ الْحُصُولُ فَإِنَّهُ الْأَصَحُّ فِي بَيْعِ الْمُعَيَّنِ (قَوْلُهُ فَقِيَاسُ قَبْضِ الْحَاكِمِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (تَنْبِيهٌ) لَوْ أَحْضَرَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ الْمُعَيَّنَ فِي غَيْرِ بَلَدِ الْبَيْعِ أَوْ أَحْضَرَ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ فِي غَيْرِ بَلَدِ الْغَصْبِ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ قَبْضُهُ مِنْهُ وَكَذَا الْمَالِكُ فِي الْغَصْبِ إلَّا أَنَّهُمَا يَفْتَرِقَانِ فَيَلْزَمُ الْغَاصِبَ مُؤْنَةُ النَّقْلِ بِخِلَافِ الْبَائِعِ وَيَجُوزُ شَرْطُ الرَّهْنِ وَالْكَفِيلِ وَالْإِشْهَادِ فِي السَّلَمِ وَلَوْ لَمْ يَفِ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ خُيِّرَ الْمُسَلِّمُ وَلَوْ لَمْ يَشْرِطْ فِي الْعَقْدِ أَوْ فِي الْمَجْلِسِ لَمْ يَلْزَمْهُ لَكِنْ لَوْ تَبَرَّعَ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ بِالرَّهْنِ وَسَلَّمَ أَوْ تَكَفَّلَ شَخْصٌ تَبَرُّعًا لَزِمَ (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَلَا يُطَالِبُهُ) أَيْ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ قَالَ فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ أَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ حَيْثُ طُولِبَ بِهِ أَكْثَرَ اهـ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ (قَوْلُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ مَالِهِ مُؤْنَةً) لَوْ بَذَلَهَا الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ لَمْ يَجِبْ قَبُولُهَا لِأَنَّهُ كَالِاعْتِيَاضِ قَالَ شَيْخُنَا يَمْتَنِعُ وَإِنْ جَرَى فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ عَلَى مَا يُوهِمُ خِلَافَهُ (قَوْلُهُ إذَا أَحْضَرَهُ الدَّائِنُ) قَالَ شَيْخُنَا هُوَ بِالنَّصْبِ وَاقِعٌ عَلَى الْمُسَلِّمِ وَفَاعِلُ أَحْضَرَ هُوَ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ الْمَعْلُومُ مِنْ الْمَقَامِ نَحْوُ وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا (فَرْعٌ) وَلَوْ اتَّفَقَ كَوْنُ رَأْسِ الْمَالِ عَلَى صِفَةِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ وَأَحْضَرَهُ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا يَجِبُ قَبُولُهُ إذْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِيهِ
[بَابٌ الْقَرْضُ]
(بَابُ الْقَرْضِ)(قَوْلُهُ وَمَصْدَرًا) كَمَا هُنَا عَلَى حَذْفِ الزَّوَائِدِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأَرْضِ نَبَاتًا} [نوح: 17](قَوْلُهُ الْقُرْبَةُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} [الحج: 77] وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ «مَنْ نَفَّسَ عَنْ أَخِيهِ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَاَللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا دَامَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» وَالْقُرْبَةُ مَا كَانَ مُعْظَمُ الْمَقْصُودِ مِنْهُ رَجَاءَ الثَّوَابِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى كَذَا ضَبَطَهُ الْقَفَّالُ (قَوْلُهُ وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ إلَخْ) وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ رَأَيْت مَكْتُوبًا عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي الصَّدَقَةُ بِعَشَرَةِ أَمْثَالِهَا وَالْقَرْضُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَقُلْت يَا جِبْرِيلُ مَا بَالُ الْقَرْضِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ قَالَ لِأَنَّ السَّائِلَ قَدْ يَسْأَلُ وَعِنْدَهُ وَالْمُسْتَقْرِضُ لَا يَسْتَقْرِضُ إلَّا مِنْ حَاجَةٍ» تَفَرَّدَ بِهِ يَزِيدُ بْنُ خَالِدٍ الشَّامِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ الصَّدَقَةُ إنَّمَا يُكْتَبُ لَك أَجْرُهَا حِينَ تَتَصَدَّقُ بِهَا وَهَذَا يُكْتَبُ لَك أَجْرُهَا مَا كَانَ عِنْدَ صَاحِبِهِ وَفِي الْبَيْهَقِيّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رضي الله عنه مَرْفُوعًا «قَرْضُ الشَّيْءِ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَتِهِ» (قَوْلُهُ نَعَمْ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إلَخْ) بَلْ يَحْرُمُ فِي الْأَوَّلِ وَيُكْرَهُ فِي الثَّانِي وَقَدْ يَجِبُ كَالْمُضْطَرِّ وَلَوْ أَقْرَضَ الْمَاءَ لِعَادِمِهِ وَجَبَ قَبُولُهُ فِي الْأَصَحِّ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ الْمُقْرِضُ إلَخْ) وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُظْهِرَ الْغِنَى وَيُخْفِيَ الْفَاقَةَ عِنْدَ الْقَرْضِ كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ إخْفَاءُ الْغِنَى وَإِظْهَارُ الْفَاقَةِ عِنْدَ أَخْذِ الصَّدَقَةِ (قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ كَمَا فِي الْأَصْلِ كَوْنُ الْمُقْرِضِ إلَخْ) وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُقْتَرِضِ إلَّا أَهْلِيَّةُ الْمُعَامَلَةِ (قَوْلُهُ أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ) النَّاجِزِ بِالْمَالِ
(قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ الْإِيجَابُ كَأَقْرَضْتُك) قَالَ أَقْرِضْنِي عَشَرَةً فَقَالَ خُذْهَا مِنْ فُلَانٍ فَهُوَ تَوْكِيلٌ بِقَبْضِ الدَّيْنِ وَلَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ قَرْضِهَا فَلَوْ كَانَ فِي يَدِ فُلَانٍ وَدِيعَةٌ أَوْ غَيْرُهَا صَحَّ الْقَرْضُ (قَوْلُهُ وَتَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ أَنْ خُذْهُ بِكَذَا إلَخْ) أَمَّا خُذْهُ بِمِثْلِهِ فَصَرِيحَةٌ هُنَا إذْ التَّصْرِيحُ
وَغَيْرُهُ وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ كَأَقْرَضْتُكَ أَنَّهُ لَا حَصْرَ لِلصِّيَغِ فِيمَا قَالَهُ بِخِلَافِ قَوْلِ أَصْلِهِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ أَقْرَضْتُك إلَى آخِرِهِ (فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْبَدَلَ) بِأَنْ اقْتَصَرَ عَلَى مَلَّكْتُكَهُ (فَهُوَ هِبَةٌ) فِي الظَّاهِرِ (وَالْقَوْلُ فِي ذِكْرِهِ) أَيْ الْبَدَلِ فِيمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِيهِ (قَوْلُ الْآخِذِ) بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذِكْرِهِ وَالصِّيغَةُ ظَاهِرَةٌ فِيمَا ادَّعَاهُ وَبِهَذَا فَارَقَ مَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي كَوْنِ الْعَقْدِ بَيْعًا أَوْ هِبَةً حَيْثُ يَحْلِفُ كُلٌّ عَلَى نَفْيِ دَعْوَى الْآخَرِ وَحَكَى فِي الرَّوْضَةِ وَجْهًا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الدَّافِعِ قَالَ وَهُوَ مُتَّجِهٌ أَيْ لِمُوَافَقَتِهِ قَوْلَهُ فِي الْأَطْعِمَةِ لَوْ قَالَ أَطْعَمْتُك بِعِوَضٍ فَقَالَ الْمُضْطَرُّ بِلَا عِوَضٍ صَدَقَ الْمُطْعِمُ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِكَيْفِيَّةِ بَذْلِهِ وَهَذَا الْوَجْهُ صَحَّحَهُ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ (وَكَذَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ) لِمَا ذُكِرَ نَعَمْ الْقَرْضُ الْحُكْمِيُّ كَالْإِنْفَاقِ عَلَى اللَّقِيطِ الْمُحْتَاجِ وَإِطْعَامِ الْجَائِعِ وَكِسْوَةِ الْعَارِي لَا يَفْتَقِرُ إلَى إيجَابٍ وَقَبُولٍ وَظَاهِرٌ أَنَّ الِالْتِمَاسَ مِنْ الْمُقْرِضِ كَاقْتَرَضَ مِنِّي يَقُومُ مُقَامَ الْإِيجَابِ وَمِنْ الْمُقْتَرِضِ كَأَقْرِضْنِي يَقُومُ مُقَامَ الْقَبُولِ كَمَا فِي الْبَيْعِ.
(وَإِنَّمَا يَجُوزُ الْقَرْضُ فِيمَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ) لِصِحَّةِ ثُبُوتِهِ فِي الذِّمَّةِ بِخِلَافِ مَا لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ لِأَنَّ مَا لَا يَنْضَبِطُ أَوْ يَنْدُرُ وُجُودُهُ يَتَعَذَّرُ أَوْ يَتَعَسَّرُ رَدُّ مِثْلِهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ صِحَّةُ إقْرَاضِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الْمَغْشُوشَةِ لِصِحَّةِ السَّلَمِ فِيهَا بِنَاءً عَلَى جَوَازِ الْمُعَامَلَةِ بِهَا فِي الذِّمَّةِ وَلِأَنَّهَا مِثْلِيَّةٌ لَكِنْ ذَكَرَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إقْرَاضُهَا وَخَالَفَهُ الْأَذْرَعِيُّ فَاخْتَارَ الْجَوَازَ قَالَ بِخِلَافِ بَيْعِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ لِأَنَّ الْإِقْرَاضَ جُوِّزَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِلْإِرْفَاقِ وَيَجُوزُ رَدُّ الزَّائِدِ وَأَخْذُ النَّاقِصِ بِلَا شَرْطٍ فَلَا يُضَايَقُ فِيهِ كَالرِّبَا وَوَافَقَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَلَى اخْتِيَارِ الْجَوَازِ وَقَيَّدَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ بِمَا إذَا عَرَفَ قَدْرَ غِشِّهَا وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ إقْرَاضُهَا لِلْجَهْلِ بِهَا (وَاسْتَثْنَى) مِنْ عَدَمِ جَوَازِ قَرْضِ مَا لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ (جَوَازَ قَرْضِ الْخُبْزِ وَزْنًا) لِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ عَلَى فِعْلِهِ فِي الْأَعْصَارِ بِلَا إنْكَارٍ وَهَذَا مَا قَطَعَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَالْمُسْتَظْهَرَيْ وَغَيْرُهُمَا وَاقْتَضَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ تَرْجِيحَهُ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَالرَّاجِحُ جَوَازُهُ فَقَدْ اخْتَارَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ قَالَ الْخُوَارِزْمِيَّ وَيَجُوزُ إقْرَاضُهُ عَدَدًا وَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ فِي الشُّفْعَةِ مِنْ جَوَازِ إقْرَاضِ جُزْءٍ مِنْ دَارٍ فَبَنَى كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ عَلَى ضَعِيفٍ وَهُوَ أَنَّ الْوَاجِبَ رَدُّ الْقِيمَةِ وَبِهِ صَرَّحَ الْمُتَوَلِّي أَوْ مَحْمُولٌ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَزِدْ الْجُزْءُ عَلَى النِّصْفِ فَإِنَّ لَهُ حِينَئِذٍ مِثْلًا فَيَجُوزُ إقْرَاضُهُ كَغَيْرِهِ وَصَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إقْرَاضُ الْعَقَارِ كَمَا لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ.
(وَيَحْرُمُ إقْرَاضُ الرُّوبَةِ) لِاخْتِلَافِهَا بِالْحُمُوضَةِ وَهِيَ بِضَمِّ الرَّاءِ خَمِيرَةٌ مِنْ اللَّبَنِ الْحَامِضِ تُلْقَى عَلَى الْحَلِيبِ لِيَرُوبَ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَذَكَرَ فِي التَّتِمَّةِ وَجْهَيْنِ فِي إقْرَاضِ الْخَمِيرِ الْحَامِضِ أَحَدُهُمَا الْجَوَازُ لِاطِّرَادِ الْعَادَةِ بِهِ قَالَ السُّبْكِيُّ وَالْعِبْرَةُ بِالْوَزْنِ كَالْخُبْزِ (وَ) يَحْرُمُ إقْرَاضُ (جَارِيَةٍ) لِمَنْ (تَحِلُّ لَهُ) وَلَوْ غَيْرَ مُشْتَهَاةٍ وَإِنْ جَازَ السَّلَمُ فِيهَا لِأَنَّهُ عَقْدٌ جَائِزٌ يَثْبُتُ فِيهِ الرَّدُّ وَالِاسْتِرْدَادُ وَرُبَّمَا يَطَؤُهَا الْمُقْتَرِضُ ثُمَّ يَرُدُّهَا فَيُشْبِهُ إعَارَةَ الْجَوَارِي لِلْوَطْءِ وَلَيْسَ هَذَا كَالْأَبِ يَهَبُ وَلَدَهُ جَارِيَةً يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا مَعَ جَوَازِ اسْتِرْجَاعِ الْأَبِ لَهَا لِأَنَّ الْعَقْدَ لَازِمٌ ثَمَّ مِنْ قِبَلِ الْمُتَمَلِّكِ بِخِلَافِهِ هُنَا وَلِأَنَّ عَقْدَ الْقَرْضِ مَدْلُولُهُ إعْطَاءُ شَيْءٍ وَالرُّجُوعُ فِيهِ أَوْ فِي بَدَلِهِ فَكَانَ كَالْإِعَارَةِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ أَمَّا مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا لِمَحْرَمِيَّةٍ أَوْ تَمَجُّسٍ أَوْ نَحْوِهِ فَيَجُوزُ إقْرَاضُهَا لَهُ وَقَضِيَّةُ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
بِالْمِثْلِ يَصْرِفُهُ إلَى الْقَرْضِ وَلَيْسَتْ كِنَايَةً فِي الْبَيْعِ لِأَنَّ مَا كَانَ صَرِيحًا فِي بَابِهِ وَوَجَدَ نَفَاذًا فِي مَوْضُوعِهِ لَا يَكُونُ كِنَايَةً فِي غَيْرِهِ وَقَالَ الْغَزِّيِّ وَظَهَرَ لِي أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ صَرِيحٌ فِي الْمُتَقَوِّمِ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ صَرْفُهُ لِلْقَرْضِ لِبُطْلَانِ الْبَيْعِ لَوْ حُمِلَ عَلَيْهِ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ أَمَّا الْمِثْلِيُّ فَيَحْتَمِلُ الْقَرْضَ وَالْبَيْعَ (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْبَدَلَ فَهُوَ هِبَةٌ) كَمَا لَوْ قَالَ خُذْ الْحِنْطَةَ وَازْرَعْهَا لِنَفْسِك أَوْ هَذَا الدِّينَارَ وَاشْتَرِ بِهِ قَمِيصًا لِنَفْسِك (قَوْلُهُ وَالْقَوْلُ فِي ذَكَرَهُ قَوْلُ الْآخِذِ بِيَمِينِهِ) يُوَافِقُ مَا فِي آخِرِ الصَّدَاقِ أَنَّهُ لَوْ بَعَثَ شَيْئًا إلَى بَيْتِ مَنْ لَا دَيْنَ لَهُ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ بَعَثْته بِعِوَضٍ فَأَنْكَرَ الْمَبْعُوثُ إلَيْهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَبْعُوثِ إلَيْهِ وَمَا فِي آخِرِ الْهِبَةِ مِنْ زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ فِيمَا إذَا قَالَ وَهَبْتُك بِبَدَلٍ فَقَالَ بِلَا بَدَلٍ أَنَّ الْمُصَدِّقَ الْمُتَّهِبُ وَيُفَارِقُ مَا إذَا قَالَ مَالِكُ الدَّابَّةِ أَجَرْتُكهَا وَقَالَ الْآخَرُ أَعَرْتنِيهَا حَيْثُ صُدِّقَ الْمَالِكُ بِاتِّفَاقِهِمَا فِيهَا عَلَى عَدَمِ انْتِقَالِ مِلْكِ الْعَيْنِ لِلْآخِذِ وَقَدْ انْتَفَعَ بِهَا وَيَدَّعِي عَدَمَ الْعِوَضِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ سُقُوطِهِ فَإِنَّ الِانْتِفَاعَ بِمِلْكِ الْغَيْرِ يَقْتَضِي الْعِوَضَ (قَوْلُهُ وَالصِّيغَةُ ظَاهِرَةٌ فِيمَا ادَّعَاهُ) أَيْ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ صُدِّقَ الْمُطْعِمُ فِي الْأَصَحِّ) إنَّمَا صُدِّقَ الْمُطْعِمُ حِفْظًا لِنَفْسِ الْمُضْطَرِّ إذْ لَوْ صَدَّقْنَاهُ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ لَامْتَنَعَ مَالِكُ الطَّعَامِ مِنْ بَذْلِهِ إلَّا بَعْدَ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ وَقَدْ يُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى فَوَاتِ نَفْسِهِ (قَوْلُهُ وَكَذَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ مُتَّصِلًا بِالْإِيجَابِ) مُوَافِقًا لَهُ فِي الْمَعْنَى كَالْبَيْعِ فَلَوْ قَالَ أَقْرَضْتُك أَلْفًا فَقَبِلَ خَمْسَمِائَةٍ أَوْ بِالْعَكْسِ لَمْ يَصِحَّ وَفِيهِ نَظَرٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْعِ أَنَّ الْمُقْرِضَ مُتَبَرِّعٌ فَلَا يَضُرُّهُ قَبُولُ بَعْضِ الْمُسَمَّى أَوْ الزَّائِدِ عَلَيْهِ
(قَوْلُهُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ صِحَّةُ اقْتِرَاضِ الدَّرَاهِمِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَقَيَّدَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ وَاقْتَضَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ تَرْجِيحُهُ) وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَفِي الذَّخَائِرِ أَنَّهُ الظَّاهِرُ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ (قَوْلُهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ) وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ أَوْ مَحْمُولٌ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ) وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ وَصَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
(قَوْلُهُ أَحَدُهُمَا الْجَوَازُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ لِاطِّرَادِ الْعَادَةِ بِهِ) قَالَ فِي الْخَادِمِ وَهُوَ قِيَاسُ مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ السَّلَمِ مِنْ جَوَازِهِ فِي الْمَخِيضِ الصَّافِي مِنْ الْمَاءِ وَوَصْفُهُ بِالْحُمُوضَةِ لَا يَضُرُّ لِأَنَّ الْحُمُوضَةَ مَقْصُودَةٌ فِيهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْخَمِيرَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ قَالَ السُّبْكِيُّ وَالْعِبْرَةُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَجَارِيَةٌ تَحِلُّ لَهُ) يَدْخُلُ فِيهِ الْمُشْتَهَاةُ وَلَوْ رَتْقَاءَ أَوْ قَرْنَاءَ أَوْ مُتَحَيِّرَةً أَيِسَ مِنْ بُرْئِهَا وَغَيْرُهَا إمَّا لِكَوْنِهَا صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً أَوْ شَوْهَاءَ وَقَوْلُهُمْ. لِمَنْ تَحِلُّ لَهُ يَدْخُلُ فِيهِ أَيْضًا مَسَائِلُ لَمْ يُصَرِّحُوا بِهَا لَكِنَّ إطْلَاقَهُمْ وَتَعْلِيلَهُمْ يَقْتَضِيهَا وَهُوَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْمُقْتَرَضِ بَيْنَ أَنْ يَتَأَتَّى مِنْهُ الْوَطْءُ وَهُوَ وَاضِحٌ أَوْ الْمُقَدِّمَاتِ فَقَطْ كَالْمَمْسُوحِ وَالْعِنِّينِ وَالشَّيْخِ الْهَرِمِ أَوْ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا كَالصَّبِيِّ ح (قَوْلُهُ أَوْ تَمَجُّسٍ أَوْ نَحْوِهِ) كَتَطْلِيقٍ ثَلَاثًا