الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِالْأُجْرَةِ سَوَاءٌ أَفَسَخَ أَمْ لَا، قُلْت: إذَا لَمْ يَفْسَخْ فَهُوَ مُقَصِّرٌ فَسَقَطَ حَقُّهُ إمَّا مِنْ الْحَبْسِ وَالرَّهْنِيَّةِ، أَوْ مِنْ الرَّهْنِيَّةِ فَقَطْ، وَبَقِيَ حَقُّ الْحَبْسِ كَمَا هُوَ فِي حَقِّ حَبْسِ الْمَبِيعِ (وَلَا يَزِيدُ حَقُّ الْقَصَّارِ بِزِيَادَةِ رَاغِبٍ بِخِلَافِ صَاحِبِ الصَّبْغِ) يَزِيدُ حَقُّهُ بِزِيَادَتِهِ؛ لِأَنَّ الصَّبْغَ مُسْتَحَقٌّ لِلصَّبَّاغِ بِخِلَافِ الْقِصَارَةِ فَإِنَّهَا غَيْرُ مُسْتَحَقَّةٍ لِلْقَصَّارِ، وَإِنَّمَا هِيَ مَرْهُونَةٌ بِحَقِّهِ فَلَا يَسْتَوْفِي مِنْهَا زِيَادَةً عَلَى مَا رُهِنَ بِهَا، وَهُوَ الْأُجْرَةُ (فَلَوْ رَغِبَ رَاغِبٌ فِي مِثَالِنَا) الْمُسَاوِي فِيهِ الثَّوْبُ مَصْبُوغًا أَوْ مَقْصُورًا خَمْسَةَ عَشَرَ (فَاشْتَرَاهُ بِثَلَاثِينَ فَلِصَاحِبِ الثَّوْبُ عِشْرُونَ وَلِلصَّبْغِ) فِي صُورَتِهِ (دِرْهَمَانِ أَوْ الْقِصَارَةُ) فِي صُورَتِهَا (دِرْهَمٌ وَثَمَانِيَةٌ لِلْمُفْلِسِ) فِي الْأُولَى (أَوْ تِسْعَةٌ) فِي الثَّانِيَةِ لِمَا مَرَّ آنِفًا (وَلَوْ قَالَ الْغُرَمَاءُ لِلْقَصَّارِ) أَوْ الصَّبَّاغِ (نُقَدِّمُك بِالْأُجْرَةِ) وَدَعْنَا نَكُنْ شُرَكَاءَ صَاحِبِ الثَّوْبِ (لَمْ يُجْبَرْ) صَوَابُهُ أُجْبِرَ (عَلَى الْقَبُولِ) .
وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ أُجْبِرَ عَلَى الْأَصَحِّ كَالْبَائِعِ إذَا قَدَّمَهُ الْغُرَمَاءُ بِالثَّمَنِ وَاعْتَرَضَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَرْجِيحِ جَوَازِ الْفَسْخِ عِنْدَ تَقْدِيمِهِمْ بِالثَّمَنِ وَبِأَنَّ الرَّافِعِيَّ لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ كَالْبَائِعِ إلَى آخِرِهِ تَعْلِيلًا لِلْإِجْبَارِ بَلْ لِمُقَابِلِهِ وَرَجَّحَ الْإِجْبَارَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقِصَارَةَ مَمْلُوكَةٌ لِلْمُفْلِسِ مَرْهُونَةٌ بِحَقِّ الْأَجِيرِ وَالْمُرْتَهِنِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ الْمَرْهُونَ بَعْدَ أَدَاءِ حَقِّهِ فَصَوَابُ الْعِبَارَةِ أَنْ يَزِيدَ فِي الرَّوْضَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ عَلَى الْأَصَحِّ وَالثَّانِي لَا كَالْبَائِعِ إلَى آخِرِهِ انْتَهَى وَعَلَى الصَّحِيحِ مِنْ أَنَّ الْقَصَّارَ يُجْبَرُ دُونَ الْبَائِعِ يُفَرَّقُ بِأَنَّ حَقَّ الْقَصَّارِ مُتَعَلِّقٌ بِالْعَيْنِ تَعَلُّقَ الرَّهْنِ، فَإِذَا أَدَّى حَقَّهُ زَالَ تَعَلُّقَهُ بِهَا فَأُجْبِرَ بِخِلَافِ حَقِّ الْبَائِعِ، وَمَا أُجِيبَ بِهِ عَنْ اعْتِرَاضِ الْإِسْنَوِيُّ مِنْ أَنَّ مَا هُنَا إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا قَالَ الْغُرَمَاءُ فِي الْمَقِيسِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ نُقَدِّمُك مِنْ مَالِنَا لَيْسَ بِشَيْءٍ
(فَصْلٌ وَإِنْ أَخْفَى رَجُلٌ) مَدْيُونٌ (مَالِهِ) أَيْ بَعْضَهُ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الْأَصْلُ وَنَقَصَ الْمَوْجُودُ عَنْ دَيْنِهِ (فَحُجِرَ عَلَيْهِ) وَرَجَعَ الْبَائِعُ فِي عَيْنِ مَالِهِ (وَتَصَرَّفَ الْقَاضِي) فِي بَاقِي مَالِهِ بِبَيْعِهِ وَقِسْمَةِ ثَمَنِهِ بَيْنَ غُرَمَائِهِ ثُمَّ (بَانَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْحَجْرُ عَلَيْهِ لَمْ يُنْقَضْ) تَصَرُّفُهُ (؛ إذْ لِلْقَاضِي بَيْعُ مَالِ الْمُمْتَنِعِ) مِنْ أَدَاءِ دَيْنِهِ وَصَرْفُهُ فِي دَيْنِهِ (وَرُجُوعُ الْبَائِعِ فِي الْعَيْنِ) الْمَبِيعَةِ (لِامْتِنَاعِ الْمُشْتَرِي) مِنْ أَدَاءِ الثَّمَنِ (مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَقَدْ حَكَمَ) بِهِ (الْقَاضِي مُعْتَقِدُ نُفُوذِهِ) أَيْ الْحَاكِمُ أَيْ جَوَازُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَعْتَقِدْ ذَلِكَ فَيُنْقَضُ تَصَرُّفُهُ، وَهَذَا التَّقْيِيدُ مِنْ تَفَقُّهِ الشَّيْخَيْنِ فَإِنَّهُمَا قَالَا: فَإِذَا حَكَمَ بِهِ الْقَاضِي نَفَذَ كَذَا فِي التَّتِمَّةِ، وَفِيهِ تَوَقُّفٌ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ رُبَّمَا لَا يَعْتَقِدُ جَوَازَ ذَلِكَ انْتَهَى، وَسَيَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ قَبْلَ الْبَابِ الثَّانِي مَا يُؤَيِّدُ التَّوَقُّفَ فَالْمُعْتَمَدُ التَّقْيِيدُ.
[كِتَاب الْحَجْرِ]
(كِتَاب الْحَجْرِ) هُوَ لُغَةً الْمَنْعُ وَشَرْعًا الْمَنْعُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} [النساء: 6] الْآيَةَ وَقَوْلُهُ {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا} [البقرة: 282] الْآيَةَ وَالسَّفِيهُ الْمُبَذِّرُ وَالضَّعِيفُ الصَّبِيُّ وَاَلَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ الْمَغْلُوبُ عَلَى عَقْلِهِ وَالْحَجْرُ نَوْعَانِ نَوْعٌ شُرِعَ لِمَصْلَحَةِ الْغَيْرِ كَالْحَجْرِ عَلَى الْمُفْلِسِ لِلْغُرَمَاءِ وَالرَّاهِنِ لِلْمُرْتَهِنِ فِي الْمَرْهُونِ وَالْمَرِيضِ لِلْوَرَثَةِ فِي ثُلْثَيْ مَالِهِ وَالْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ وَالْمُكَاتَبِ لِسَيِّدِهِ وَلِلَّهِ - تَعَالَى، وَالْمُرْتَدِّ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَهَا أَبْوَابٌ تَقَدَّمَ بَعْضُهَا، وَبَعْضُهَا يَأْتِي وَنَوْعٌ شُرِعَ لِمَصْلَحَةِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ حَجْرُ الْجُنُونِ وَالصِّبَا وَالسَّفَهِ، وَكُلٌّ مِنْهَا
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ وَلَا يَزِيدُ حَقُّ الْقَصَّارِ بِزِيَادَةِ رَاغِبٍ بِخِلَافِ صَاحِبِ الصَّبْغِ إلَخْ) قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَهُوَ غَرِيبٌ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الْفَرْعِ أَنَّا إذَا فَرَّعْنَا عَلَى أَنَّ الْقِصَارَةَ عَيْنٌ وَزَادَتْ قِيمَةُ الثَّوْبِ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَائِعِ وَالْأَجِيرِ الرُّجُوعَ إلَى عَيْنِ مَالِهِ فَجَعَلَاهُ مُسْتَحِقًّا لَهُ فَكَيْفَ يَجِيءُ هَذَا، وَاعْتَرَضَهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ أَنَّ الْأَجِيرَ يَرْجِعُ فِي زِيَادَةٍ عَلَى أُجْرَتِهِ بَلْ قَالَ هُنَاكَ: إنَّ الزِّيَادَةَ لِلْمُفْلِسِ اهـ وَقَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: هَذَا لَا يُعَارِضُ مَا سَبَقَ، وَالِاسْتِدْلَالُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ مَا سَبَقَ هُوَ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْأُجْرَةُ خَمْسَةً، وَالثَّوْبُ بِعَشَرَةٍ، وَبَعْدَ الْقِصَارَةِ يُسَاوِي أَحَدَ عَشَرَ فَإِنْ فَسَخَ الْأَجِيرُ الْإِجَارَةَ فَعَشَرَةٌ لِلْبَائِعِ، وَدِرْهَمٌ لِلْأَجِيرِ، وَيُضَارِبُ بِأَرْبَعَةٍ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقِصَارَةَ لَهَا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنْ لَا يَزِيدَ الثَّوْبُ بِسَبَبِهَا فَتَتَعَيَّنُ الْمُضَارَبَةُ، وَصَاحِبُهَا فَاقِدٌ كَمَا أَنَّ صَاحِبَ الصَّبْغِ فَاقِدٌ، إذَا لَمْ تَزِدْ الْعَيْنُ
الثَّانِي أَنْ يَزِيدَ الثَّوْبُ بِمِقْدَارِ الْأُجْرَةِ أَوْ أَقَلَّ فَيَتَعَلَّقُ بِهَا الْأَجِيرُ إنْ فَسَحَ فَيُضَارِبُ بِالْبَاقِي مِنْ الْأَجِرَّةِ فِي صُورَةِ النَّقْصِ
الثَّالِثُ: أَنْ يَزِيدَ عَلَى قِيمَةِ الْقِصَارَةِ فَلَا شَيْءَ لِلْأَجِيرِ إلَّا مِقْدَارُ الْأُجْرَةِ (قَوْلُهُ: صَوَابُهُ أَجِيرٌ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ هُوَ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ (قَوْلُهُ: وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ أُجْبِرَ عَلَى الْأَصَحِّ) كَمَا يُجْبَرُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى قَبُولِ قَبْضِ دَيْنِهِ إذَا قَالَ لَهُ الْغُرَمَاءُ: خُذْ دَيْنَك وَدَعْ الْعَيْنَ، وَكَمَا يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى عَدَمِ الْفَسْخِ إذَا قَالَ لَهُ الْوَارِثُ: خُذْ الثَّمَنَ مِنْ مَالِي عَلَى الْأَصَحِّ (قَوْلُهُ: وَاعْتَرَضَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ إلَخْ) اعْتَرَضَ ابْنُ الْعِمَادِ بِأَنَّهُ لَا تَخَالُفَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ فَإِنَّ الْمَذْكُورَ هُنَا إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا قَالَ الْغُرَمَاءُ لِلْقَصَّارِ: خُذْ أُجْرَتَك مِنْ مَالِنَا، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَقَوْلُهُ فِي الرَّوْضَةِ كَمَا إذَا قَدَّمَهُ الْغُرَمَاءُ بِالثَّمَنِ يَعْنِي مِنْ مَالِهِمْ فَيُجْبَرُ عَلَى الْأَصَحِّ اهـ وَمَا ذَكَرَهُ فِي إجْبَارِ الْبَائِعِ فِي هَذِهِ غَلَطٌ فَإِنَّ لَهُ الْفَسْخَ فِيهَا قَطْعًا.
[فَصْلٌ بِيعَ مَالُ الْمُفْلِسِ إذَا أَخْفَى رَجُلٌ مَدْيُونٌ مَالَهُ]
(كِتَابُ الْحَجْرِ)(قَوْلُهُ {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} [النساء: 6] نَبَّهَ عَلَى الْحَجْرِ بِالِابْتِلَاءِ وَكَنَّى عَنْ الْبُلُوغِ بِالنِّكَاحِ (قَوْلُهُ كَالْحَجْرِ عَلَى الْمُفْلِسِ لِلْغُرَمَاءِ إلَخْ) قَدْ أَنْهَاهُ بَعْضُهُمْ إلَى نَحْوِ سَبْعِينَ صُورَةً بَلْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: هَذَا بَابٌ وَاسِعٌ لَا تَنْحَصِرُ إفْرَادُ مَسَائِلِهِ (قَوْلُهُ: وَالْمَرِيضُ الْمُورَثُ فِي ثُلُثَيْ مَالِهِ) حَيْثُ لَا دَيْنَ، وَفِي جَمِيعِهَا إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ كَذَا قَالَهُ ابْنُ الْمُلَقَّنِ وَالْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ كَالْقَمُولِيِّ لَكِنْ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ فِي الْوَصَايَا أَنَّ الْمَرِيضَ لَوْ وَفَّى دَيْنَ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ لَمْ يُزَاحِمْهُ غَيْرُهُ إنْ وَفَّى الْمَالُ بِجَمِيعِ الدُّيُونِ وَكَذَا إنْ لَمْ يُوفِ عَلَى الْمَشْهُورِ.
(قَوْلُهُ حَجْرُ الْجُنُونِ) وَبِهِ تُسْلَبُ الْوِلَايَاتُ الثَّابِتَةُ بِالشَّرْعِ كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ أَوْ بِالتَّفْوِيضِ كَالْإِيصَاءِ وَالْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُدَبِّرْ أَمْرَ نَفْسِهِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى، وَاعْتِبَارُ الْأَقْوَالِ لَهُ، وَعَلَيْهِ سَوَاءٌ تَعَلَّقَتْ بِالدِّينِ كَالْإِسْلَامِ أَمْ بِالدُّنْيَا كَالْمُعَامَلَاتِ لِعَدَمِ قَصْدِهِ، وَأَمَّا أَفْعَالُهُ فَمِنْهَا مَا هُوَ مُعْتَبَرٌ كَإِحْبَالِهِ وَإِتْلَافِهِ
أَعَمُّ مِمَّا بَعْدَهُ وَقَدْ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ (وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِمْ لِمَصْلَحَتِهِمْ ثَلَاثَةٌ الْمَجْنُونُ وَالصَّبِيُّ وَالسَّفِيهُ وَيَنْقَطِعُ حَجْرُ الْجُنُونِ) الثَّابِتِ بِمُجَرَّدِ الْجُنُونِ (بِالْإِفَاقَةِ) مِنْهُ بِغَيْرِ فَكٍّ، وَأَلْحَقَ الْقَاضِي بِالْمَجْنُونِ النَّائِمَ وَالْأَخْرَسَ الَّذِي لَا يَفْهَمُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ إذْ لَا يَتَخَيَّلُ أَحَدٌ أَنَّ النَّائِمَ يَتَصَرَّفُ عَلَيْهِ وَلِيُّهُ، وَأَمَّا الْأَخْرَسُ الْمَذْكُورُ فَإِنَّهُ لَا يَعْقِلُ وَإِنْ احْتَجَّ إلَى إقَامَةِ أَحَدِ مَقَامِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُوَ الْحَاكِمَ، وَفِي نُسْخَةٍ قَبْلَ قَوْلِهِ: وَيَنْقَطِعُ فَصْلٌ.
(وَمَنْ لَهُ أَدْنَى تَمْيِيزٍ فَكَالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ) فِي الْحَجْرِ عَلَيْهِ فِي التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ (وَيَنْقَطِعُ الْحَجْرُ عَنْ الصَّبِيِّ بِالْبُلُوغِ رَشِيدًا) بِغَيْرِ فَكٍّ لِآيَةِ {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء: 6] وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالْبُلُوغِ قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَلَيْسَ هَذَا اخْتِلَافًا مُحَقَّقًا بَلْ مَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ أَرَادَ الْإِطْلَاقَ الْكُلِّيَّ، وَمَنْ قَالَ بِالثَّانِي أَرَادَ حَجْرَ الصِّبَا وَهَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ الصِّبَا سَبَبٌ مُسْتَقِلٌّ بِالْحَجْرِ، وَكَذَا التَّبْذِيرُ، وَأَحْكَامُهُمَا مُتَغَايِرَةٌ، وَمَنْ بَلَغَ مُبَذِّرًا فَحُكْمُ تَصَرُّفِهِ حُكْمُ تَصَرُّفِ السَّفِيهِ لَا حُكْمُ تَصَرُّفِ الصَّبِيِّ انْتَهَى (وَالْبُلُوغُ) يَحْصُلُ إمَّا (بِاسْتِكْمَالِ خَمْسَ عَشْرَةِ سَنَةً قَمَرِيَّةً) تَحْدِيدِيَّةً لِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ «عُرِضْت عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْنِي وَلَمْ يَرَنِي بَلَغْت وَعُرِضْت عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَنِي وَرَآنِي بَلَغْت» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَابْتِدَاؤُهَا مِنْ انْفِصَالِ جَمِيعِ الْوَلَدِ (أَوْ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ لِإِمْكَانِهِ) أَيْ لِوَقْتِ إمْكَانِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} [النور: 59] وَلِخَبَرِ «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ» وَالْحُلُمُ الِاحْتِلَامُ وَهُوَ لُغَةً مَا يَرَاهُ النَّائِمُ تَقُولُ مِنْهُ حَلَمَ بِالْفَتْحِ وَاحْتَلَمَ وَتَقُولُ حَلَمْت بِكَذَا وَحَلَمْته أَيْضًا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا خُرُوجُ الْمَنِيِّ فِي نَوْمٍ أَوْ يَقَظَةٍ بِجِمَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ.
(وَأَقَلُّهُ) أَيْ وَقْتِ إمْكَانِهِ (تِسْعُ سِنِينَ) قَمَرِيَّةً أَيْ اسْتِكْمَالُهَا بِالِاسْتِقْرَاءِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَقْرِيبٌ كَمَا فِي الْحَيْضِ وَلَوْ ادَّعَى الْبُلُوغَ بِهِ أَوْ ادَّعَتْ الصَّبِيَّةُ الْبُلُوغَ بِالْحَيْضِ صُدِّقَا بِلَا يَمِينٍ، وَلَوْ فِي خُصُومَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِمَا وَلِأَنَّهُمَا إنْ صُدِّقَا فَلَا تَحْلِيفَ وَإِنْ كُذِّبَا فَكَيْفَ يَحْلِفَانِ، وَاعْتِقَادُ الْمُكَذِّبِ أَنَّهُمَا صَغِيرَانِ نَعَمْ إنْ كَانَ مِنْ الْغُزَاةِ وَطَلَبَ سَهْمَ الْمُقَاتَلَةِ، أَوْ إثْبَاتَ اسْمِهِ فِي الدِّيوَانِ حَلَفَ عِنْدَ التُّهْمَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي السِّيَرِ (وَإِنْبَاتُ شَعْرِ الْعَانَةِ الْخَشِنِ) الَّذِي يَحْتَاجُ فِي إزَالَتِهِ إلَى حَلْقٍ (دَلِيلٌ) لِلْبُلُوغِ (فِي حَقِّ الْكُفَّارِ) وَمَنْ جُهِلَ إسْلَامُهُ «لِخَبَرِ عَطِيَّةَ الْقُرَظِيِّ قَالَ كُنْت مِنْ سَبْيِ بَنِي قُرَيْظَةَ فَكَانُوا يَنْظُرُونَ مَنْ أَنْبَتَ الشَّعْرَ قُتِلَ وَمَنْ لَمْ يُنْبِتْ لَمْ يُقْتَلْ وَكَشَفُوا عَانَتِي فَوَجَدُوهَا لَمْ تُنْبِتْ فَجَعَلُونِي فِي السَّبْيِ» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَفَادَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بُلُوغًا حَقِيقَةً بَلْ دَلِيلٌ لَهُ وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَحْتَلِمْ وَشَهِدَ عَدْلَانِ بِأَنَّ عُمْرَهُ دُونَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً لَمْ يَحْكُمْ بِبُلُوغِهِ بِالْإِنْبَاتِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ دَلِيلٌ لِلْبُلُوغِ بِالسِّنِّ وَحَكَى ابْنُ الرِّفْعَةِ فِيهِ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا هَذَا وَثَانِيهِمَا أَنَّهُ دَلِيلٌ لِلْبُلُوغِ بِالِاحْتِلَامِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَيُتَّجَهُ أَنَّهُ دَلِيلٌ لِلْبُلُوغِ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
مَالَ الْغَيْرِ وَتَقْرِيرِ الْمَهْرِ بِوَطْئِهِ وَتَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَى إرْضَاعِهِ، وَعَمْدُهُ عَمْدٌ عَلَى الصَّحِيحِ وَمِنْهَا مَا هُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ كَالصَّدَقَةِ، وَلَوْ أَحْرَمَ ثُمَّ أَتْلَفَ صَيْدًا لَمْ يَلْزَمْهُ الْجَزَاءُ، وَالصَّبِيُّ كَالْمَجْنُونِ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ إلَّا أَنَّ الصَّبِيَّ يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ فِي الْإِذْنِ فِي الدُّخُولِ وَإِيصَالِ الْهَدِيَّةِ، وَلَهُ إزَالَةُ الْمُنْكَرِ وَيُثَابُ عَلَيْهِ كَالْبَالِغِ (قَوْلُهُ وَالْأَخْرَسُ الَّذِي لَا يَفْهَمُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا يَتَخَيَّلُ أَحَدٌ أَنَّ النَّائِمَ إلَخْ) مَعْنَى كَلَامِ الْقَاضِي: أَنَّ النَّائِمَ لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ وَأَنَّ الْأَخْرَسَ الْمَذْكُورَ لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ وَأَنَّ وَلِيَّهُ وَلِيُّهُ فِي الصِّغَرِ وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي كِتَابِ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ: الْأَخْرَسُ إنْ كَانَ لَهُ إشَارَةٌ مَفْهُومَةٌ حَلَّتْ ذَبِيحَتُهُ وَإِلَّا فَكَالْمَجْنُونِ ذَكَرَهُ فِي التَّهْذِيبِ وَكَذَا سَائِرُ تَصَرُّفَاتِهِ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ (قَوْلُهُ: وَمَنْ لَهُ أَدْنَى تَمْيِيزٍ فَكَالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ) اعْتَرَضَهُ السُّبْكِيُّ بِأَنَّهُ إنْ زَالَ عَقْلُهُ فَمَجْنُونٌ، وَإِلَّا فَهُوَ مُكَلَّفٌ، وَتَصَرُّفَاتُهُ صَحِيحَةٌ، فَإِنْ بَذَرَ فَسَفِيهٌ، وَتَبِعَهُ الْأَذْرَعِيُّ.
(قَوْلُهُ: وَيَنْقَطِعُ الْحَجْرُ عَنْ الصَّبِيِّ بِالْبُلُوغِ رَشِيدًا بِغَيْرِ فَكٍّ) وَإِنْ كَانَ وَلِيُّهُ الْحَاكِمَ (قَوْلُهُ تَحْدِيدِيَّةٌ) حَتَّى لَوْ نَقَصَتْ يَوْمًا لَمْ يُحْكَمْ بِبُلُوغِهِ (قَوْلُهُ لِخَبَرِ «ابْنِ عُمَرَ عُرِضْت عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ» إلَخْ) قَالَ الْقَمُولِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ «رَدَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَبْعَةَ عَشَرَ صَحَابِيًّا، وَهُمْ أَبْنَاءُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَهُمْ بَلَغُوا، وَعُرِضُوا عَلَيْهِ وَهُمْ أَبْنَاءُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَهُمْ مِنْهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ وَابْنُ عُمَرَ» (قَوْلُهُ: وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً) الْمُرَادُ بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً أَيْ طَعَنْت فِيهَا، وَبِقَوْلِهِ: وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ أَيْ اسْتَكْمَلْتهَا؛ لِأَنَّ غَزْوَةَ أُحُدٍ كَانَتْ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَالْخَنْدَقِ كَانَتْ فِي جُمَادَى سَنَةَ خَمْسٍ (قَوْلُهُ: أَوْ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ لِإِمْكَانِهِ) كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي تَحَقُّقَ خُرُوجِ الْمَنِيِّ، فَلَوْ أَتَتْ زَوْجَةُ الصَّبِيِّ بِوَلَدٍ يَلْحَقُهُ لَا يَحْكُمُ بِبُلُوغِهِ بِهِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ اللِّعَانِ عَنْ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَلْحَقُ بِالْإِمْكَانِ وَالْبُلُوغُ لَا يَكُونُ إلَّا بِتَحَقُّقِهِ وَحَكَى الْجُورِيُّ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا هَذَا، وَالثَّانِي يَكُونُ بَالِغًا وَأَجْرَاهُمَا فِي أَنَّهُ هَلْ يَسْتَقِرُّ بِهِ كُلُّ الْمَهْرِ، أَوْ لَا وَقَوْلُهُ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ اللِّعَانِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَأَقَلُّهُ تِسْعُ سِنِينَ) وَابْتِدَاؤُهَا مِنْ خُرُوجِ الْوَلَدِ، وَسَوَاءٌ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى عَلَى الْمَذْهَبِ وَقِيلَ فِي الذَّكَرِ: نِصْفُ الْعَاشِرَةِ وَقِيلَ تَمَامُهَا وَقِيلَ فِي الْأُنْثَى بِأَوَّلِ التَّاسِعَةِ وَقِيلَ نِصْفُهَا، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي دَقَائِقِهِ: إنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ تَتَنَاوَلُ مَنِيَّ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَقِيلَ مِنْهَا كَحَيْضِهَا، وَمَا ضَعَّفَهُ هُوَ الَّذِي حَكَاهُ فِي مَجْمُوعِهِ عَنْ الْأَصْحَابِ.
(قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَقْرِيبٌ كَمَا فِي الْحَيْضِ) قَالَ شَيْخُنَا: الْأَصَحُّ هُنَا أَنَّهَا تَحْدِيدٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا) فَأَشْبَهَ مَا لَوْ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِمَشِيئَةِ غَيْرِهِ فَقَالَ: شِئْت يَصْدُقُ بِلَا يَمِينٍ (قَوْلُهُ: وَإِنْبَاتُ شَعْرِ الْعَانَةِ) يَقْتَضِي أَنَّ الْعَانَةَ هِيَ الْمَنْبَتُ لَا النَّابِتُ، وَفِيهِ خِلَافٌ لِأَهْلِ اللُّغَةِ قَالَ الْمُطَرِّزِيُّ: هِيَ الشَّعْرُ النَّابِتُ فَوْقَ الْفَرْجِ، وَقِيلَ هِيَ الْمَنْبَتُ، وَإِنَّمَا اسْمُ النَّابِتِ الشِّعْرَةُ بِالْكَسْرِ، قَالَ وَهُوَ الصَّوَابُ عَنْ الْأَزْهَرِيِّ (قَوْلُهُ: وَمَنْ جُهِلَ إسْلَامُهُ) قَالَهُ فِي الْوَسِيطِ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ (مِنْهُ)(قَوْلُهُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ) أَيْ كَالسُّبْكِيِّ (قَوْلُهُ وَيُتَّجَهُ أَنَّهُ دَلِيلٌ لِلْبُلُوغِ بِأَحَدِهِمَا) هُوَ الظَّاهِرُ وَقَالَ السُّبْكِيُّ: إنَّهُ الَّذِي يَظْهَرُ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ