الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَاحِشٌ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى الْكَنَائِسِ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَتْ قَدِيمَةً قَبْلَ الْبَعْثَةِ فَإِذَا لَمْ نُصَحِّحْ الْوَقْفَ عَلَيْهَا وَعَلَى قَنَادِيلِهَا وَحُصُرِهَا فَكَيْفَ نُصَحِّحُهُ عَلَى تَرْمِيمِهَا (فَنُبْطِلُهُ) أَيْ الْوَقْفَ عَلَى كَنَائِسِ أَهْلِ الذِّمَّةِ (إنْ تَرَافَعُوا إلَيْنَا) وَإِنْ أَنْفَذَهُ حَاكِمُهُمْ (لَا مَا وَقَفُوهُ قَبْلَ الْمَبْعَثِ) عَلَى كَنَائِسِهِمْ الْقَدِيمَةِ فَلَا نُبْطِلُهُ بَلْ نُقِرُّهُ حَيْثُ نُقِرُّهَا (أَوْ) كَانَ (قُرْبَةً) أَيْ جِهَةً يَظْهَرُ فِيهَا الْقُرْبَةُ (كَالْوَقْفِ عَلَى الْمَسَاكِينِ صَحَّ) لِعُمُومِ أَدِلَّةِ الْوَقْفِ (وَيَصِحُّ عَلَى مَنْ يَمْلِكُ) وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ فِيهِ قُرْبَةٌ (كَالْأَغْنِيَاءِ) لِأَنَّ الْمَرْعِيَّ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْجِهَةِ التَّمْلِيكُ كَمَا فِي الْمُعَيَّنِ وَالْوَصِيَّةِ لَا جِهَةُ الْقُرْبَةِ (إلَّا أَنْ تَضْمَنَ إعَانَةً عَلَى الْمَعْصِيَةِ كَالْيَهُودِ وَ) سَائِرِ (الْفُسَّاقِ) كَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ فَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِمْ وَهَذَا مَا قَالَ الْأَصْلُ فِيهِ: إنَّهُ الْأَحْسَنُ بَعْدَ قَوْلِهِ: الْأَشْبَهُ بِكَلَامِ الْأَكْثَرِينَ صِحَّةُ الْوَقْفِ عَلَيْهِمْ كَالْأَغْنِيَاءِ.
(فَصْلٌ لَوْ وَقَفَ عَلَى سَبِيلِ الْبِرِّ أَوْ الْخَيْرِ، أَوْ الثَّوَابِ فَلْيُعْطَ أَقْرِبَاءُ الْوَاقِفِ، ثُمَّ) إنْ لَمْ يُوجَدْ فَلْيُعْطَ (أَهْلُ الزَّكَاةِ) غَيْرُ الْعَامِلِينَ، وَالْمُؤَلَّفَةِ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي (أَوْ) وَقَفَ (عَلَى سَبِيلِ اللَّهِ فَالْغُزَاةُ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ الزَّكَاةِ) يُعْطَوْنَ (فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ سَبِيلِ اللَّهِ وَسَبِيلِ الْبِرِّ) أَوْ سَبِيلِ الثَّوَابِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الْأَصْلُ (وَسَبِيلِ الْخَيْرِ فَثُلُثٌ) يُعْطَى (لِلْغُزَاةِ وَثُلُثٌ لِأَقَارِبِهِ) أَيْ الْوَاقِفِ (وَثُلُثٌ لِبَاقِي أَصْنَافِ الزَّكَاةِ غَيْرِ الْعَامِلِينَ، وَالْمُؤَلَّفَةِ) وَخَالَفَ هَذَا مَا مَرَّ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ اللَّفْظَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ عِنْدَ انْفِرَادِهِ يَنْصَرِفُ إلَى الْأَقَارِبِ فَإِذَا جَمَعَ بَيْنَهُمْ أَشْعَرَ بِتَغَايُرِهِمَا فَحُمِلَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى غَيْرِ مَا حُمِلَ عَلَيْهِ الْآخَرُ كَمَا فِي لَفْظَيْ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ وَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى أَكْفَانِ الْمَوْتَى وَمُؤْنَةِ الْغَالِّينَ وَالْحَفَّارِينَ وَعَلَى شِرَاءِ الْأَوَانِي لِمَنْ تَكَسَّرَتْ عَلَيْهِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي غَيْرِ الْأَخِيرَةِ لَكِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ يُصْرَفُ لِمَنْ لَمْ يَجِبْ ذَلِكَ فِي مَالِهِ (أَوْ وَقَفَ عَلَى الْفُقَهَاءِ فَمَنْ حَصَّلَ فِي عِلْمِ الْفِقْهِ شَيْئًا) يَهْتَدِي بِهِ إلَى الْبَاقِي (وَإِنْ قَلَّ) يُعْطَى (أَوْ) عَلَى (الْمُتَفَقِّهَةِ فَالْمُشْتَغِلُ بِهِ) أَيْ بِالْفِقْهِ مُبْتَدِئُهُ وَمُنْتَهِيهِ يُعْطَى (أَوْ) عَلَى (الصُّوفِيَّةِ فَالنُّسَّاكُ الزَّاهِدُونَ) أَيْ فَيُعْطَى الْمُشْتَغِلُونَ بِالْعِبَادَةِ فِي غَالِبِ الْأَوْقَاتِ الْمُعْرِضُونَ عَنْ الدُّنْيَا (وَإِنْ مَلَكَ أَحَدُهُمْ دُونَ النِّصَابِ وَلَا) عِبَارَةُ أَكْثَرِ نُسَخِ الْأَصْلِ أَوْ لَا (يَفِي دَخْلُهُ بِخُرْجِهِ وَلَوْ خَاطَ وَنَسَجَ أَحْيَانًا فِي غَيْرِ حَانُوتٍ وَكَذَا إنْ دَرَسَ، أَوْ وَعَظَ) أَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ (أَوْ لَمْ يُلْبِسْهُ الْخِرْقَةَ شَيْخٌ) فَلَا يَقْدَحُ شَيْءٌ مِنْهَا فِي كَوْنِهِ صُوفِيًّا بِخِلَافِ الثَّرْوَةِ الظَّاهِرَةِ (وَيَكْفِي) فِيهِ مَعَ مَا مَرَّ (التَّزَيِّي بِزِيِّهِمْ، أَوْ الْمُخَالَطَةُ وَيَصِحُّ) الْوَقْفُ (عَلَى الْأَرِقَّاءِ الْمَوْقُوفِينَ لِخِدْمَةِ الْكَعْبَةِ وَنَحْوِهَا) كَقَبْرِهِ صلى الله عليه وسلم وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ (كَالْوَقْفِ عَلَى عَلْفِ الدَّوَابِّ) الْمُرْصَدَةِ (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) هَذَا النَّظِيرُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ (وَلَا يَصِحُّ) الْوَقْفُ (عَلَى الدَّارِ) وَإِنْ قَالَ عَلَى عِمَارَتِهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ (إلَّا إنْ قَالَ) وَقَفْتُ هَذَا عَلَى هَذِهِ الدَّارِ (لِطَارِقِيهَا) لِأَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ حَقِيقَةً طَارِقُوهَا وَهُمْ يَمْلِكُونَ، وَإِلَّا إنْ كَانَتْ مَوْقُوفَةً؛ لِأَنَّ حِفْظَ عِمَارَتِهَا قُرْبَةٌ فَهُوَ كَالْوَقْفِ عَلَى مَسْجِدٍ، أَوْ رِبَاطٍ (وَيَصِحُّ) الْوَقْفُ (عَلَى الْمُؤَنِ الَّتِي تَقَعُ فِي الْبَلَدِ مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ) أَوْ غَيْرِهِ (لَا) عَلَى (عِمَارَةِ الْقُبُورِ) لِأَنَّ الْمَوْتَى صَائِرُونَ إلَى الْبِلَى فَلَا يَلِيقُ بِهِمْ الْعِمَارَةُ نَعَمْ يَنْبَغِي اسْتِثْنَاءُ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ كَنَظِيرِهِ فِي الْوَصِيَّةِ ذَكَرَهُ.
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
التَّرْمِيمِ أَنَّا لَا نَمْنَعُهُمْ لَا أَنَّهُ جَائِزٌ بَلْ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَعَاصِي الَّتِي هُمْ عَلَيْهَا وَيُقَرُّونَ عَلَيْهَا كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَنَحْوِهِ.
(فَرْعٌ) لَوْ وَقَفَ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ صَحَّ خِلَافًا لِلْمَاوَرْدِيِّ وَالرُّويَانِيِّ (قَوْلُهُ: كَالْيَهُودِ وَسَائِرِ الْفُسَّاقِ) قَالَ فِي الْأَنْوَارِ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْفُسَّاقِ، وَالْقُطَّاعِ وَالسُّرَّاقِ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بَطَلَ نَعَمْ يُفَرَّقُ بَيْنَ مَا إذَا قَالَ وَقَفْت عَلَى الْفُسَّاقِ وَبَيْنَ مَا إذَا قَالَ وَقَفْت عَلَى هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةِ، أَوْ عَلَى هَؤُلَاءِ وَهُمْ فُسَّاقٌ فَإِنَّ الْأَوَّلَ فَاسِدٌ وَالثَّانِيَ صَحِيحٌ (قَوْلُهُ: وَهَذَا مَا قَالَ الْأَصْلُ فِيهِ إنَّهُ الْأَحْسَنُ) قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ هُوَ صَحِيحٌ بِبَادِئِ الرَّأْيِ وَلَكِنَّهُ نَاظِرٌ فِي الْأَغْنِيَاءِ لِقَصْدِ التَّمْلِيكِ وَفِي أَهْلِ الذِّمَّةِ لِقَصْدِ الْقُرْبَةِ وَلِحَاظِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَعْصِيَةً وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ الْأَصْحَابِ كَافَّةً وَهُوَ كَإِحْدَاثِ قَوْلٍ بَعْدَ إجْمَاعِ الْأَوَّلِينَ عَلَى قَوْلَيْنِ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِضَابِطِ الْغِنَى الَّذِي يُسْتَحَقُّ بِهِ مِنْ الْوَقْفِ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالْأَشْبَهُ أَنَّ الْمَرْجِعَ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ قَالَ وَفِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْغَنِيَّ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ طَبَقَاتِ النَّاسِ وَلَا يَكَادُ يَنْضَبِطُ وَيَبْعُدُ أَنْ يَسْتَحِقَّ مِنْهُ مَنْ اسْتَغْنَى عَنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَكَانَ رِزْقُهُ وَمَالُهُ وَفْقَ كِفَايَتِهِ، أَوْ أَزْيَدَ بِقَلِيلٍ وَفِي الْمُسْكِتِ لِلزُّبَيْرِيِّ ضَبْطُهُ بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ إمَّا لِمَالِهِ، أَوْ لِقُوتِهِ وَكَسْبِهِ أَوْ كِفَايَتِهِ بِنَفَقَةِ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: الْأَشْبَهُ بِكَلَامِ الْأَكْثَرِينَ صِحَّةُ الْوَقْفِ عَلَيْهِمْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِشَرْطِ أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ خَرَجَ عَنْ الْوَقْفِ يَنْبَغِي الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ هَذَا الشَّرْطُ لِأَنَّهُ جِهَةُ مَعْصِيَةٍ مَقْصُودَةٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ تُقْصَدْ فَيُحْمَلُ عَلَى جِهَةِ الْقُرْبَةِ قَالَ السُّبْكِيُّ وَقَدْ وَقَعَ لِي فِي الْمُحَاكَمَاتِ هَذَا الشَّرْطُ فَأَبْطَلْته وَأَثْبَتُّ الْوَقْفَ عَلَيْهِمْ مَعَ الْإِسْلَامِ. اهـ.، وَالْقِيَاسُ بُطْلَانُ الْوَقْفِ.
[فَصْلٌ وَقَفَ عَلَى سَبِيلِ الْبِرِّ أَوْ الْخَيْرِ أَوْ الثَّوَابِ]
(قَوْلُهُ: أَوْ عَلَى سَبِيلِ اللَّهِ فَالْغُزَاةُ إلَخْ) وَكَذَا لَوْ وَقَفَ عَلَى الْغُزَاةِ وَكَذَا لَوْ قَالَ: تُصْرَفُ مَنْفَعَتُهُ إلَى اللَّهِ وَلَوْ قَالَ عَلَى الْمُجَاهِدِينَ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ يَظْهَرُ جَوَازُ صَرْفِهِ إلَى الْغُزَاةِ مَنْ لَهُ سَهْمٌ فِي الدِّيوَانِ وَغَيْرِهِ وَيُحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغُزَاةِ وَبَيْنَ صَرْفِ الْمَنْفَعَةِ إلَى اللَّهِ كَذَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ (قَوْلُهُ: وَالْمُؤَلَّفَةِ) وَهُمْ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ (قَوْلُهُ: قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي غَيْرِ الْأَخِيرَةِ لَكِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: لِمَنْ لَمْ يَجِبْ ذَلِكَ فِي مَالِهِ) أَيْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ تَجْهِيزِهِ (قَوْلُهُ: فَمَنْ حَصَّلَ فِي عِلْمِ الْفِقْهِ شَيْئًا وَإِنْ قَلَّ) قَالَ السُّبْكِيُّ إنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ جَمْعُ فَقِيهٍ وَهُوَ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ فَقُهَ بِضَمِّ الْقَافِ إذَا صَارَ الْفِقْهُ سَجِيَّتَهُ وَمَنْ حَصَّلَ شَيْئًا قَلِيلًا لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ فَاقِهٌ لِأَنَّهُ مِنْ فَقَهَ بِفَتْحِ الْقَافِ إذَا فَهِمَ. اهـ. وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُتَّبَعَ فِيهِ الْعُرْفُ (قَوْلُهُ: وَبِهِ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ عَلَى عِمَارَتِهَا) قَالَ شَيْخُنَا مَا لَمْ تَكُنْ وَقْفًا كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا
الْإِسْنَوِيُّ وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ ثَمَّ مِنْ عِمَارَتِهَا بِبِنَاءِ الْقِبَابِ، وَالْقَنَاطِرِ عَلَيْهَا عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ يَأْتِي، ثُمَّ لَا بِبِنَائِهَا نَفْسِهَا لِلنَّهْيِ عَنْهُ (وَإِنْ وَقَفَ بَقَرَةً فِي) بِمَعْنَى " عَلَى "(الرِّبَاطِ) وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ (لِيَشْرَبَ لَبَنَهَا مَنْ نَزَلَهُ، أَوْ لِيُبَاعَ نَسْلُهَا) وَيُصْرَفَ ثَمَنُهُ (فِي مَصَالِحِهِ صَحَّ وَإِنْ أَطْلَقَ فَلَا) يَصِحُّ، وَإِنْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ يُرِيدُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِاللَّفْظِ نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ هُنَا عَنْ الْقَفَّالِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ الرَّافِعِيُّ أَوَاخِرَ الْبَابِ مَعَ نَظِيرِهِ فِيمَا لَوْ وَقَفَ شَيْئًا عَلَى مَسْجِدٍ كَذَا وَلَمْ يُبَيِّنْ جِهَةَ مَصْرِفِهِ لَكِنَّهُ قَالَ عَقِبَهُمَا: وَمُقْتَضَى إطْلَاقِ الْجُمْهُورِ صِحَّةُ الْوَقْفِ زَادَ النَّوَوِيُّ وَبِهِ صَرَّحَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ كَلَامَ الرَّافِعِيِّ الْمَذْكُورَ عَائِدٌ إلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ بِخِلَافِ كَلَامِ النَّوَوِيِّ فَإِنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ مَا قَالَهُ الْقَفَّالُ بَنَاهُ عَلَى طَرِيقَتِهِ مِنْ أَنَّهُ إذَا وَقَفَ شَيْئًا عَلَى مَسْجِدٍ كَذَا لَا يَصِحُّ حَتَّى يُبَيِّنَ جِهَةَ مَصْرِفِهِ، وَطَرِيقَةُ الْجُمْهُورِ تُخَالِفُهُ انْتَهَى وَقَدْ جَرَى الْمُصَنِّفُ فِيهِ عَلَى الصِّحَّةِ كَمَا سَيَأْتِي فَالْمُعْتَمَدُ هُنَا الصِّحَّةُ أَيْضًا.
(الرُّكْنُ الرَّابِعُ الصِّيغَةُ وَيُشْتَرَطُ) لِصِحَّةِ الْوَقْفِ (اللَّفْظُ) كَالْعِتْقِ بَلْ أَوْلَى وَكَسَائِرِ التَّمْلِيكَاتِ وَفِي مَعْنَاهُ إشَارَةُ الْأَخْرَسِ الْمُفْهِمَةُ وَكِتَابَتُهُ مَعَ نِيَّتِهِ بَلْ وَكِتَابَةُ النَّاطِقِ مَعَ نِيَّتِهِ كَالْبَيْعِ بَلْ أَوْلَى (وَصَرِيحُهُ: الْوَقْفُ وَالتَّحْبِيسُ وَالتَّسْبِيلُ) أَيْ الْمُشْتَقُّ مِنْهَا كَ وَقَفْتُ كَذَا، أَوْ حَبَّسْتُهُ، أَوْ سَبَّلْتُهُ أَوْ أَرْضِي مَوْقُوفَةٌ، أَوْ مُحَبَّسَةٌ أَوْ مُسَبَّلَةٌ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهَا وَاشْتِهَارِهَا فِيهِ شَرْعًا وَعُرْفًا (وَقَوْلُهُ حَرَّمْتُ وَأَبَّدْتُ دَارِي لِلْمَسَاكِينِ) أَوْ دَارِي مُحَرَّمَةٌ أَوْ مُؤَبَّدَةٌ (كِنَايَةٌ) لِأَنَّ التَّحْرِيمَ وَالتَّأْبِيدَ لَا يُسْتَعْمَلَانِ مُسْتَقِلَّيْنِ، وَإِنَّمَا يُؤَكَّدُ بِهِمَا شَيْءٌ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُتَقَدِّمَةِ.
(وَالصَّدَقَةُ) أَيْ اللَّفْظُ الْمُشْتَقُّ مِنْهَا (صَرِيحٌ إنْ وُصِفَتْ بِلَفْظٍ مِمَّا سَبَقَ) كَقَوْلِهِ تَصَدَّقْت بِهَذَا صَدَقَةً مَوْقُوفَةً، أَوْ مُحَبَّسَةً أَوْ مُسَبَّلَةً، أَوْ مُحَرَّمَةً، أَوْ مُؤَبَّدَةً (أَوْ) وُصِفَتْ (بِحُكْمٍ) مِنْ أَحْكَامِ الْوَقْفِ (كَلَا) أَيْ كَقَوْلِهِ تَصَدَّقْت بِهَذَا صَدَقَةً لَا (تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ) لِانْصِرَافِهِ إلَى ذَلِكَ عَنْ التَّمْلِيكِ الْمَحْضِ الذِّمِّيِّ اشْتَهَرَ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ وَتَعْبِيرُهُ كَأَصْلِهِ وَغَيْرِهِ بِالْوَاوِ مَحْمُولٌ عَلَى التَّأْكِيدِ بِقَرِينَةِ الْمَعْنَى وَإِلَّا فَأَحَدُ الْوَصْفَيْنِ كَانَ كَمَا رَجَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ قَالَ السُّبْكِيُّ وَقِيَاسُهُ الِاكْتِفَاءُ بِقَوْلِهِ لَا يُورَثُ، وَإِنَّمَا أُلْحِقَ ذَلِكَ بِالصَّرِيحِ مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يُلْحِقُوا الْكِنَايَةَ بِهِ فِي غَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ آخَرَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ تَصَدَّقْت وَحْدَهُ صَرِيحٌ فِي إزَالَةِ الْمِلْكِ تَطَوُّعًا، أَوْ وَقْفًا مَعَ إطْلَاقِ الشَّارِعِ الصَّدَقَةَ عَلَى الْوَقْفِ وَاللَّفْظُ الْمَذْكُورُ بَعْدَهُ يُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ الثَّانِي بِخِلَافِ نَظِيرِهِ مِنْ الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ (أَوْ كَانَتْ) أَيْ الصَّدَقَةُ (عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ) كَتَصَدَّقْتُ بِهَذَا عَلَى الْفُقَرَاءِ (وَنَوَى) الْوَقْفَ وَيُؤْخَذُ مِنْ اعْتِبَارِهِ النِّيَّةَ أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ كِنَايَةٌ وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّ التَّصَدُّقَ عَلَى الْجِهَةِ الْعَامَّةِ يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ لَكِنَّ عَطْفَهُ لَهَا عَلَى مَا قَبْلَهَا يَقْتَضِي أَنَّهَا صَرِيحٌ وَلَيْسَ مُرَادًا أَمَّا إذَا كَانَتْ الصَّدَقَةُ عَلَى مُعَيَّنٍ وَاحِدٍ أَوْ جَمَاعَةٍ فَهُوَ صَرِيحٌ فِي التَّمْلِيكِ الْمَحْضِ فَلَا يَكُونُ كِنَايَةً فِي الْوَقْفِ وَاخْتَارَ السُّبْكِيُّ تَبَعًا لِغَيْرِهِ أَنَّهُ كِنَايَةٌ فِيهِ وَهَذَا فِي الظَّاهِرِ أَمَّا فِي الْبَاطِنِ فَيَصِيرُ وَقْفًا صَرَّحَ بِهِ الْمَرْعَشِيُّ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ (فَرْعٌ) لَوْ (قَالَ جَعَلْت هَذَا الْمَكَانَ مَسْجِدًا صَارَ) بِهِ (مَسْجِدًا وَلَوْ لَمْ يَقُلْ لِلَّهِ) وَلَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُتَقَدِّمَةِ لِإِشْعَارِهِ بِالْمَقْصُودِ وَاشْتِهَارِهِ فِيهِ (وَوَقَفْته لِلصَّلَاةِ كِنَايَةٌ) فِي وَقْفِهِ مَسْجِدًا فَيَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ جَعْلِهِ مَسْجِدًا وَأَمَّا كَوْنُهُ وَقْفًا بِذَلِكَ فَصَرِيحٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
عَنْ الْحَاوِي وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ قَرِيبًا (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ، ثُمَّ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: فَالْمُعْتَمَدُ هُنَا الصِّحَّةُ أَيْضًا) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَيُحْمَلُ عَلَى الْعِمَارَةِ.
(تَنْبِيهٌ) لَوْ قَالَ وَقَفْت عَلَى مَسْجِدِ كَذَا وَعَلَى كُلِّ مَسْجِدٍ يُبْنَى فِي تِلْكَ الْمَحَلَّةِ صَحَّ عَلَيْهِ وَعَلَى مَا يُبْنَى بَعْدَهُ تَبَعًا وَلَوْ قَالَ وَقَفْت عَلَى هَذِهِ الْعَرْصَةِ وَهِيَ مَسْجِدٌ فَإِنْ بُنِيَ عَلَيْهَا مَسْجِدٌ فَهُوَ وَقْفٌ عَلَيْهِ صَحَّ وَلَوْ قَالَ وَقَفْت عَلَى عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْمَسْجِدَ بَطَلَ قَالَ فِي الْأَنْوَارِ وَلَوْ قَالَ وَقَفْت دَارِي عَلَى كُلِّ مَنْ أَرَادَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ سُكْنَاهَا صَحَّ وَلَوْ قَالَ وَقَفْتهَا عَلَى النَّاسِ أَوْ الْخَلْقِ كُلِّهِمْ بَطَلَ. اهـ. تَبِعَ فِيهِ الْمَاوَرْدِيَّ وَالرُّويَانِيَّ وَالرَّاجِحُ صِحَّتُهُ وَلَوْ دَفَعَ مَالًا إلَى قَيِّمِ الْمَسْجِدِ لِيَصْرِفَهُ فِي عِمَارَتِهِ جَازَ لَهُ الِاسْتِرْدَادُ قَبْلَ الْإِنْفَاقِ وَلَوْ قَالَ إذَا مِتّ أَخْرِجُوا مِنْ مَالِي كَذَا وَأَعْمِرُوا بِهِ مَسْجِدَ كَذَا لَزِمَ مِنْ الثُّلُثِ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ فِي الْمَرَضِ فَالنِّصْفُ الَّذِي وَقَفَهُ عَلَى وَلَدِ وَلَدِهِ وَقْفٌ صَحِيحٌ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ وَصِيَّةٌ لِلْوَارِثِ.
(قَوْلُهُ: قَالَ السُّبْكِيُّ) أَيْ وَغَيْرُهُ وَقِيَاسُهُ الِاكْتِفَاءُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ قَدْ شَمِلَ ذَلِكَ وَغَيْرَهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بِحُكْمٍ وَقَالَ ابْنُ خَيْرَانَ فِي اللَّطِيفِ لَوْ قَالَ: صَدَقَةٌ لَمْ يَتِمَّ الْوَقْفُ حَتَّى يُضِيفَ إلَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ إحْدَى عَشْرَةَ لَفْظَةً بِأَنْ يَقُولَ هَذِهِ صَدَقَةٌ مُحَرَّمَةٌ، أَوْ صَدَقَةٌ مُؤَبَّدَةٌ أَوْ صَدَقَةٌ لَا تُوهَبُ، أَوْ صَدَقَةٌ لَا تُورَثُ، أَوْ صَدَقَةٌ غَيْرُ مَوْرُوثَةٍ أَوْ صَدَقَةٌ مُسَبَّلَةٌ، أَوْ صَدَقَةُ حَبْسٍ أَوْ يَقُولَ حَبْسٌ مُحَرَّمٌ، أَوْ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ، أَوْ صَدَقَةٌ ثَابِتَةٌ، أَوْ صَدَقَةٌ بَتْلَةٌ.
(فَرْعٌ) لَوْ قَالَ جَعَلْت هَذَا صَدَقَةً جَارِيَةً عَلَى كَذَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا وَفِي كَوْنِهِ صَرِيحًا احْتِمَالٌ عِنْدِي؛ إذْ الصَّدَقَةُ الْجَارِيَةُ الْوَقْفُ كَمَا فُسِّرَ بِهِ الْحَدِيثُ (قَوْلُهُ: كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي آخِرِ الطَّلَاقِ) كَقَوْلِهِ أَنْت بَائِنٌ بَيْنُونَةً مُحَرِّمَةً لَا تُحِلُّ لِي أَبَدًا لَا تَخْرُجُ عَنْ الْكِنَايَةِ فَيُحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْوَقْفِ وَالطَّلَاقِ وَفَرَّقَ الْبُلْقِينِيُّ بَيْنَهُمَا بِثَلَاثَةِ فُرُوقٍ: الْأَوَّلُ أَنَّ صَرَائِحَ الطَّلَاقِ مَحْصُورَةٌ بِخِلَافِ الْوَقْفِ الثَّانِي أَنَّ قَوْلَهُ بَيْنُونَةً مُحَرِّمَةً لَا تَحِلُّ لِي أَبَدًا غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِالطَّلَاقِ بَلْ يَدْخُلُ فِيهِ الْفُسُوخُ وَالزَّائِدُ فِي أَلْفَاظِ الْوَقْفِ مُخْتَصٌّ بِالْوَقْفِ الثَّالِثُ أَنَّ قَوْلَهُ تَصَدَّقْت زَوَالُ الْمِلْكِ وَلَهُ مُحْمَلَانِ مَحْمَلُ الصَّدَقَةِ الَّتِي تُفِيدُ الْمِلْكَ وَمَحْمَلُ الصَّدَقَةِ الَّتِي هِيَ الْوَقْفُ وَالزَّائِدُ يُعَيِّنُ الْمَحْمَلَ الثَّانِيَ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ. اهـ. وَأَشَارَ النَّوَوِيُّ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ إلَى الْفَرْقِ الثَّانِي حَيْثُ قَالَ: صَدَقَةٌ مُحَرَّمَةٌ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ غَيْرُ الْوَقْفِ (قَوْلُهُ: فَلَا يَكُونُ كِنَايَةً فِي الْوَقْفِ) وَهَذَا مِنْ الْقَاعِدَةِ الْمَعْرُوفَةِ أَنَّ الصَّرِيحَ إذَا وَجَدَ نَفَاذًا فِي مَوْضُوعِهِ فَلَا يَنْصَرِفُ إلَى غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ لَمْ يَقُلْ لِلَّهِ إلَخْ) لِأَنَّ الْمَسْجِدَ لَا يَكُونُ إلَّا وَقْفًا فَأَغْنَى لَفْظُهُ عَنْ لَفْظِ الْوَقْفِ