الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَفِيهَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَضَمَّنُ الْفِدَاءَ الْمُطْلَقَ، وَقَالَ السُّبْكِيُّ صِحَّتُهَا مِنْ جِهَةِ مُطَالَبَةِ الْمُكْتَرِي بِالْأُجْرَةِ دُونَ حِلِّ انْتِفَاعِهِ لَا مَانِعَ مِنْهَا، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ مُرَادُهُمْ أَنَّهُ فِدَاءٌ مِنْ جِهَةِ الْمُكْتَرِي فِي الْمَنْفَعَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا مُدَّةَ الْإِجَارَةِ فَالْفِدَاءُ كَمَا يَكُونُ فِي الرَّقَبَةِ يَكُونُ فِي الْمَنْفَعَةِ.
(وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّ عَمْرًا غَصَبَ عَبْدًا مِنْ زَيْدٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ) مِنْ عَمْرٍو (صَحَّ) الشِّرَاءُ اسْتِنْقَاذًا لِمِلْكِ الْغَيْرِ كَمَا يُسْتَنْقَذُ الْحُرُّ، وَقَوْلُهُ (وَأَخَذَهُ) أَيْ الْعَبْدَ (زَيْدٌ) مِنْ زِيَادَتِهِ وَنَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ الْأَصْحَابِ قَالَ، وَقَالُوا لَا يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارَانِ؛ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا يَثْبُتَانِ لِمَنْ يَطْلُبُ بِالشِّرَاءِ مِلْكًا لِنَفْسِهِ أَيْ أَوْ لِمُسْتَنِيبِهِ، وَقَالَ إنَّهُ حَسَنٌ مُتَّجَهٌ.
[فَرْعٌ أَقَرَّ بِعَبْدٍ فِي يَدِهِ لِزَيْدٍ وَأَقَرَّ الْعَبْدُ أَنَّهُ لِعَمْرٍو]
(فَرْعٌ لَوْ أَقَرَّ بِعَبْدٍ فِي يَدِهِ لِزَيْدٍ وَأَقَرَّ الْعَبْدُ أَنَّهُ لِعَمْرٍو سُلِّمَ لِزَيْدٍ) ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِ مَنْ يَسْتَرِقُّهُ لَا فِي يَدِ نَفْسِهِ (فَإِنْ أَعْتَقَهُ) زَيْدٌ (فَوَلَاؤُهُ لَهُ) ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ فَلَيْسَ لِعَمْرٍو تَسَلُّمُ رَقَبَتِهِ وَلَا التَّصَرُّفُ فِيهَا لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ وَلَاءِ زَيْدٍ (وَهَلْ أَكْسَابُهُ) الْحَاصِلَةُ بَعْدَ عِتْقِهِ (لِعَمْرٍو) أَوْ لَا؟ فِيهِ (وَجْهَانِ وَجْهُ الْمَنْعِ أَنَّ الْأَكْسَابَ) أَيْ اسْتِحْقَاقَهَا (فَرْعُ الرِّقِّ) وَلَمْ يَثْبُتْ فَهِيَ مُسْتَحَقَّةٌ لِلْعَتِيقِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَجَّحُ.
(الرُّكْنُ الرَّابِعُ: الصِّيغَةُ فِي الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ) ظَاهِرًا (عَلَيَّ وَفِي ذِمَّتِي) كَقَوْلِهِ لِزَيْدٍ عَلَيَّ أَوْ فِي ذِمَّتِي كَذَا؛ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُمَا عُرْفًا لَكِنَّهُمْ قَبِلُوا التَّفْسِيرَ فِي عَلَيَّ الْوَدِيعَةِ كَمَا سَيَأْتِي (وَ) لِلْإِقْرَارِ (بِالْعَيْنِ عِنْدِي وَمَعِي) وَلَدَيَّ كَذَلِكَ وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهَا لِلْعَيْنِ أَنَّهَا تُحْمَلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّهَا أَدْنَى الْمَرَاتِبِ حَتَّى وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهَا كَانَتْ وَدِيعَةً وَتَلِفَتْ أَوْ رَدَّهَا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الرَّوْضَةِ نَقْلًا عَنْ الْبَغَوِيّ وَأَقَرَّهُ، وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ لَا مَعْنَى لِاقْتِصَارِهِ عَلَى التَّفْسِيرِ الْوَدِيعَةِ بَلْ التَّفْسِيرُ بِالْمَغْصُوبَةِ كَذَلِكَ لَمْ يَقَعْ فِي مَحَلِّهِ إذْ لَيْسَ الْكَلَامُ فِي التَّفْسِيرِ بَلْ فِي أَنَّ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُحْمَلُ عَلَى مَاذَا (وَ) لِلْإِقْرَارِ (بِهِمَا لِزَيْدٍ كَذَا فِي قِبَلِي) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ لِصَلَاحِيَّتِهِ لَهُمَا، وَهَذَا مَا رَجَّحَهُ الشَّيْخَانِ بَحْثًا بَعْدَ نَقْلِهِمَا عَنْ الْبَغَوِيّ أَنَّهُ لِلدَّيْنِ وَسَبَقَهُمَا إلَى مَا بَحْثَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَهُوَ قَوِيٌّ.
وَلَكِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إنَّهُ خِلَافُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَقَدْ نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّهُ كَعَلَيَّ، وَرَدَّ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ بِمَا لَا يَصْلُحُ لِلرَّدِّ قَالَ أَعْنِي الْإِسْنَوِيَّ وَلَوْ أَتَى بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى الْعَيْنِ وَآخَرَ عَلَى الدَّيْنِ كَأَنْ قَالَ لَهُ وَمَعِي عَشَرَةٌ فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يُرْجَعُ إلَيْهِ فِي تَفْسِيرِ بَعْضِ ذَلِكَ بِالْعَيْنِ وَبَعْضِهِ بِالدَّيْنِ، وَقَوْلُ الْأَصْلِ لِفُلَانٍ كَذَا صِيغَةُ إقْرَارٍ وَجَّهَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّ اللَّامَ تَدُلُّ لِلْمِلْكِ قَالَ وَمَحَلُّهُ إذَا كَانَ الْمُقَرُّ بِهِ مُعَيَّنًا فَيَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ لَهُ إنْ كَانَ بِيَدِهِ وَانْتَقَلَ إلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا فَلَا بُدَّ أَنْ يُضِيفَ إلَيْهِ شَيْئًا مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمَذْكُورَةِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي نُسْخَةٍ مِنْ الرَّوْضَةِ وَبِهِمَا لِزَيْدٍ كَذَا أَوْ قِبَلِي وَفِي نُسْخَةٍ وَقِبَلِي بِالْوَاوِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِمَا (فَإِنْ قَالَ لِي عَلَيْك أَلْفٌ فَقَالَ) فِي جَوَابِهِ (خُذْهُ أَوْ زِنْهُ) أَوْ اسْتَوْفِهِ أَوْ اخْتِمْ عَلَيْهِ (أَوْ اجْعَلْهُ فِي كِيسِك أَوْ هِيَ صِحَاحٌ فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ؛ لِأَنَّهُ اسْتِهْزَاءٌ) لَا الْتِزَامٌ (فَإِنْ) وَفِي نُسْخَةٍ، وَإِنْ (قَالَ) فِي جَوَابِهِ (نَعَمْ أَوْ بَلَى أَوْ صَدَقْت) أَوْ أَجَلْ أَوْ جَيْرِ أَوْ أَيْ بِمَعْنَى نَعَمْ (فَإِقْرَارٌ) ؛ لِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلتَّصْدِيقِ قَالَ فِي الْأَصْلِ قَالُوا وَلَوْ قَالَ لَعَمْرِي فَإِقْرَارٌ وَلَعَلَّ الْعُرْفَ يَخْتَلِفُ فِيهِ. انْتَهَى.
(إلَّا إنْ صَدَّرَ) الْإِقْرَارَ بِأَنْ أُدِّيَ أَوْ رُدَّ (بِصُورَةِ الِاسْتِهْزَاءِ) وَالتَّكْذِيبِ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ: قَالَ السُّبْكِيُّ صِحَّتُهَا مِنْ جِهَةِ مُطَالَبَةِ الْمُكْتَرِي بِالْأُجْرَةِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ، وَكَانَ الْمُرَادُ إلْزَامَهُ الْأُجْرَةَ مُؤَاخَذَةً لَهُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ فِي نَفْسِهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ تُصَوَّرَ بِأَنْ يَأْذَنَ لَهَا سَيِّدُهَا بِأَنْ تُؤَجِّرَ نَفْسَهَا
(قَوْلُهُ: وَجْهُ الْمَنْعِ إلَخْ)، وَهُوَ أَصَحُّهُمَا (قَوْلُهُ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَجَّحُ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ الْأَرْجَحُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ لِئَلَّا يَتَجَدَّدَ رِقٌّ بَعْدَ عِتْقٍ؛ وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ بِالرِّقِّ.
(قَوْلُهُ: الرُّكْنُ الرَّابِعُ: الصِّيغَةُ إلَخْ) قَالَ لِشَاهِدَيْنِ اشْهَدَا عَلَيَّ بِأَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَوْ فِي ذِمَّتِي كَذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إقْرَارًا، وَلَا تَجُوزُ لَهُمَا الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ قَالَهُ الْغَزَالِيُّ؛ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ مِنْهُ صِيغَةُ أَمْرٍ لَا صِيغَةُ إخْبَارٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ اشْهَدَا عَلَيَّ بِمَا تَعْلَمَانِهِ قَبْلَ ذَلِكَ نَقَلَهُ ابْنُ الْعِمَادِ وَسَيَأْتِي مَا يُخَالِفُهُ قَالَ بَعْضُهُمْ، وَمَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ هُنَا قَدْ ذَكَرُوا فِي الْوَقْفِ مَا يُخَالِفُهُ فَقَالَ فِي فَتَاوِيهِ: إذَا قَالَ لِلشُّهُودِ اشْهَدُوا عَلَيَّ إنَّنِي وَقَفْت جَمِيعَ أَمْلَاكِي وَذَكَرَ مَصَارِفَهَا صَارَتْ الْجَمِيعُ وَقْفًا، وَلَا يَضُرُّ جَهْلُ الشُّهُودِ بِالْحُدُودِ، وَلَا سُكُوتُهُ عَنْ ذِكْرِ الْحُدُودِ، وَمَهْمَا شَهِدُوا عَلَيْهِ بِهَذَا اللَّفْظِ ثَبَتَ الْوَقْفُ قَالَ شَيْخُنَا وَبِمَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَالْوَالِدُ وَشَيْخُهُ الشَّارِحِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ وَعَلَى اعْتِمَادِهِ فَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِقْرَارِ وَالْوَقْفِ بِأَنَّ الْأَوَّلَ مَحْضُ إخْبَارٍ وَالثَّانِيَ إنْشَاءٌ عَلَى أَنَّ الشَّارِحَ فِي فَتَاوِيهِ سَوَّى بَيْنَ الْإِقْرَارِ وَالْوَقْفِ فِي عَدَمِ الصِّحَّةِ بِمَا ذُكِرَ، وَكَتَبَ أَيْضًا عَلَى كَلَامِ الْغَزَالِيِّ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ الْوَالِدُ رحمه الله آخِرًا فِي فَتَاوِيهِ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ بِصِيغَةِ اشْهَدُوا بِلَفْظِ الْجَمِيعِ أَوْ التَّثْنِيَةِ عَلَيَّ بِكَذَا كَمَا سَيَأْتِي إيضَاحُهُ بَعْدَ وَرَقَةٍ.
(قَوْلُهُ لِذَلِكَ) أَيْ؛ لِأَنَّهَا ظُرُوفٌ (قَوْلُهُ: وَهَذَا مَا رَجَّحَهُ الشَّيْخَانِ بَحْثًا) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يُرْجَعُ إلَيْهِ فِي تَفْسِيرِ بَعْضِ ذَلِكَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا فَلَا بُدَّ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ، وَقَوْلُهُ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمَذْكُورَةِ أَيْ عَلَيَّ أَوْ عِنْدِي أَوْ نَحْوِهِمَا، وَإِلَّا فَهُوَ خَبَرٌ لَا يَقْتَضِي ثُبُوتَ حَقٍّ عَلَى الْمُخْبِرِ، وَلَا عِنْدَهُ (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَالَ فِي جَوَابِهِ نَعَمْ إلَخْ) ، وَكَذَا نَعَمْ جَوَابًا لِقَوْلِ الْقَاضِي مَا تَقُولُ فِيمَا ادَّعَاهُ عَلَيْك فَإِنْ لَمْ يَقُلْ فِيمَا ادَّعَاهُ عَلَيْك فَتَرَدُّدٌ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ (قَوْلُهُ: أَوْ بَلَى) كَوْنُ الْجَوَابِ بِبَلَى بَعْدَ الْإِثْبَاتِ إقْرَارًا نَظَرًا لِلْعُرْفِ، وَإِنْ كَانَتْ قَاعِدَةُ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّهَا لَا يُجَابُ بِهَا إلَّا بَعْدَ النَّفْيِ نَعَمْ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي «قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْتَ الَّذِي لَقِيتَنِي بِمَكَّةَ فَقَالَ بَلَى لَكِنَّهُ قَلِيلٌ» (قَوْلُهُ أَوْ أَجَلْ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ زَمَانِنَا لَا يَعْرِفُ مَعْنَى أَجَلْ فَالْوَجْهُ عَدَمُ الْمُؤَاخَذَةِ بِإِطْلَاقِهَا بَلْ يَجِبُ اسْتِفْسَارُ مُطْلَقِهَا. اهـ.، وَلَا شَكَّ أَنَّ جَيْرِ كَذَلِكَ فس (قَوْلُهُ: إلَّا إنْ صَدَّرَ بِصُورَةِ الِاسْتِهْزَاءِ فَفِيهَا تَرَدُّدٌ) قَالَ فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ إلَّا أَنَّهُ إنْ انْضَمَّ إلَى الصَّرِيحِ قَرِينَةٌ تَقْتَضِي الِاسْتِهْزَاءَ كَتَحْرِيكِ الرَّأْسِ وَالْإِشَارَةِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ لَا يَكُونُ إقْرَارًا عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ فِي الْحَاوِي لِلِاسْتِهْزَاءِ، وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ مَا هُوَ عِبَارَةُ ابْنِ الْوَرْدِيِّ قُلْت، وَإِنْ انْضَمَّ إلَى الصَّرِيحِ مَا يُفْهِمُ الِاسْتِهْزَاءَ فَلَيْسَ مُلْزِمًا.
وَقَالَ فِي الْأَنْوَارِ: وَاعْلَمْ
كَتَحْرِيكِ الرَّأْسِ تَعَجُّبًا، وَإِنْكَارًا (فَفِيهَا تَرَدُّدٌ) أَيْ خِلَافٌ لِتَعَارُضِ اللَّفْظِ وَالْقَرِينَةِ كَمَا لَوْ قَالَ لِي عَلَيْك أَلْفٌ فَقَالَ مُسْتَهْزِئًا لَك أَلْفٌ فَإِنَّ الْمُتَوَلِّيَ حَكَى فِيهِ وَجْهَيْنِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ أَنَّ الْأَصَحَّ اللُّزُومُ فَإِنَّهُ عَقَّبَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ وَأَصْلُهُمَا إذَا أَقَرَّ بِشَيْءٍ ثُمَّ وَصَلَهُ بِمَا يَرْفَعُهُ أَيْ نَحْوَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ، وَقَوْلُ ابْنِ الْعِمَادِ لَمْ يَقُلْ الْمُتَوَلِّي ثُمَّ وَصَلَهُ بِمَا يَرْفَعُهُ، وَإِنَّمَا قَالَ ثُمَّ قَرَنَ بِهِ مَا يَرْفَعُهُ أَيْ نَحْوَ لَهُ عَلَيَّ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَلْفٌ فَلَا تَلْزَمُهُ الْأَلْفُ سَهْوٌ إذْ لَمْ يَقُلْ الْمُتَوَلِّي إلَّا مَا قُلْنَاهُ وَبِتَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ لَا يَحْصُلُ مَا ادَّعَاهُ لِتَعْبِيرِهِ بِثُمَّ (وَقَوْلُهُ) فِي الْجَوَابِ (أَنَا مُقِرٌّ بِهِ أَوْ لَسْت مُنْكِرًا لَهُ أَوْ لَا أُنْكِرُ دَعْوَاك) أَوْ مَا تَدَّعِيهِ (إقْرَارٌ) ؛ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ ذَلِكَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَا أُنْكِرُ أَنْ تَكُونَ مُحِقًّا لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالْمُدَّعَى لِجَوَازِ أَنْ يُرِيدَ بِشَيْءٍ آخَرَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ، وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ الْآتِي فِي أَنَا مُقِرٌّ تَقْيِيدُ حُكْمِ أَنَا مُقِرٌّ بِهِ بِمَا إذَا خَاطَبَهُ فَقَالَ أَنَا مُقِرٌّ لَك بِهِ، وَإِلَّا فَيُحْتَمَلُ الْإِقْرَارُ بِهِ لِغَيْرِهِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَأَسْقَطَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَجَابَ عَنْهُ السُّبْكِيُّ بِأَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ إلَى الْأَلْفِ الَّتِي لَهُ أَيْ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ أَرَدْت بِهِ غَيْرَك كَمَا لَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ لِدَرَاهِمَ بِالنَّاقِصَةِ إذَا لَمْ يَصِلْهَا بِالْكَلَامِ وَكَانَتْ دَرَاهِمُ الْبَلَدِ تَامَّةً إذْ الْجَوَابُ مُنَزَّلٌ عَلَى السُّؤَالِ (لَا إنْ تَرَكَ الصِّلَةَ) كَقَوْلِهِ أَنَا مُقِرٌّ أَوْ لَسْت مُنْكِرًا (أَوْ الْمَفْعُولَ) كَقَوْلِهِ لَا أُنْكِرُ (أَوْ قَالَ لَا أُقِرُّ لَك بِهِ وَلَا أُنْكِرُهُ) فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ يَحْتَمِلُ الْإِقْرَارَ بِبُطْلَانِ الدَّعْوَى أَوْ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَالثَّانِيَ وَالثَّالِثَ يَحْتَمِلَانِ عَدَمَ الْإِنْكَارِ لِأَحَدِ هَذَيْنِ، وَالرَّابِعَ فِي مَعْنَى السُّكُوتِ وَالتَّصْرِيحُ بِذِكْرِ الثَّالِثِ مِنْ زِيَادَتِهِ.
(وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنَا أُقِرُّ لَك بِهِ) لَا يَكُونُ إقْرَارًا لِاحْتِمَالِهِ الْوَعْدَ بِالْإِقْرَارِ فِي ثَانِي الْحَالِ وَفَرَّقَ الْهَرَوِيُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ لَا أُنْكِرُ مَا تَدَّعِيهِ مَعَ احْتِمَالِهِ الْوَعْدَ بِأَنَّ الْعُمُومَ إلَى النَّفْيِ أَسْرَعُ مِنْهُ إلَى الْإِثْبَاتِ بِدَلِيلِ النَّكِرَةِ فَإِنَّهَا تَعُمُّ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ دُونَ الْإِثْبَاتِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَك أَنْ تَقُولَ هَبْ أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ مَتِينٌ لَكِنَّهُ لَا يَنْفِي الِاحْتِمَالَ، وَقَاعِدَةُ الْبَابِ الْأَخْذُ بِالْيَقِينِ. انْتَهَى. وَيُفَرَّقُ أَيْضًا بِأَنَّ الْمَفْهُومَ عُرْفًا مِنْ لَا أُنْكِرُ مَا تَدَّعِيهِ أَنَّهُ إقْرَارٌ بِخِلَافِ أُقِرُّ لَك بِهِ. (وَقَوْلُهُ) فِي الْجَوَابِ (أَبْرَأْتنِي مِنْهُ أَوْ قَدْ قَضَيْتُك إقْرَارٌ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اعْتَرَفَ بِالشَّغْلِ وَادَّعَى الْإِسْقَاطَ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَعَلَيْهِ بِنِيَّةِ الْإِبْرَاءِ وَالْقَضَاءِ وَكَأَبْرَأْتَنِي مِنْهُ أَبْرِئْنِي مِنْهُ فِي أَنَّهُ إقْرَارٌ بِخِلَافِ أَبْرَأْتنِي أَوْ أَبْرِئْنِي مِنْ دَعْوَاك ذَكَرَهُ أَبُو حَاتِمٍ الْقَزْوِينِيُّ وَالْقَفَّالُ كَمَا لَوْ قَالَ صَالِحْنِي عَنْ دَعْوَاك (لَا) قَوْلُهُ (قَدْ أَقْرَرْت) لِي (بِالْبَرَاءَةِ وَالِاسْتِيفَاءِ) مِنِّي فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَرِفْ بِشَيْءٍ، وَقَدْ فِي الْمَوْضِعَيْنِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهَا (وَلَا) قَوْلُهُ (أَظُنُّ وَعَسَى وَلَعَلَّ) وَأَحْسَبُ وَأُقَدِّرُ؛ لِأَنَّهُ لَا جَزْمَ فِيهِ وَيُحْتَمَلُ الْوَعْدُ بِالْإِقْرَارِ فِي ثَانِي الْحَالِ (بِخِلَافِ) قَوْلِهِ (لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ فِيمَا أَعْلَمُ أَوْ أَشْهَدُ) أَوْ فِي عِلْمِي أَوْ شَهَادَتِي فَإِنَّهُ إقْرَارٌ؛ لِأَنَّهُ الْتِزَامٌ بِخِلَافِ قَوْلِهِ فِي عِلْمِ فُلَانٍ أَوْ فِي قَوْلِهِ كَمَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ رَوْضَةِ الْحُكَّامِ (وَقَوْلُهُ بَلَى أَوْ نَعَمْ فِي جَوَابِ أَلَيْسَ لِي عَلَيْك) كَذَا (إقْرَارٌ) ؛ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْهُمَا وَقِيلَ نَعَمْ لَيْسَ إقْرَارًا؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلتَّصْدِيقِ فَيَكُونُ مُصَدِّقًا لِلنَّفْيِ الدَّاخِلِ عَلَيْهِ الِاسْتِفْهَامُ بِخِلَافِ بَلَى فَإِنَّهُ لِرَدِّ النَّفْيِ، وَنَفْيُ النَّفْيِ إثْبَاتٌ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172] لَوْ قَالُوا نَعَمْ كَفَرُوا وَرُدَّ بِأَنَّ النَّظَرَ فِي الْإِقْرَارِ إلَى الْعُرْفِ وَأَهْلُهُ يَفْهَمُونَ الْإِقْرَارَ بِنَعَمْ فِيمَا ذُكِرَ (وَ) قَوْلُهُ فِي جَوَابِ دَعْوَى عَيْنٍ بِيَدِهِ (اشْتَرَيْتهَا وَمَلَكْتهَا) أَيْ أَوْ مَلَكْتهَا (مِنْك أَوْ مِنْ وَكِيلِك إقْرَارٌ) لِتَضَمُّنِ ذَلِكَ الْمِلْكِ لِلْمُخَاطَبِ عُرْفًا وَلَمْ يَنْظُرُوا إلَى احْتِمَالِ كَوْنِ الْمُخَاطَبِ وَكِيلًا فِي الْبَيْعِ وَلَا إلَى احْتِمَالِ كَوْنِ الْوَكِيلِ بَاعَ مِلْكَ غَيْرِ الْمُخَاطَبِ لِبُعْدِهِ عَنْ الْمَقَامِ، وَالتَّصْرِيحُ بِاشْتَرَيْتُهَا مِنْك وَبِمَلَكْتُهَا مِنْ وَكِيلِك مِنْ زِيَادَتِهِ (لَا) قَوْلُهُ (مَلَكْتهَا عَلَى يَدِك) فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ كُنْت وَكِيلًا فِي تَمْلِيكِهَا.
(وَنَعَمْ إقْرَارٌ) بِالْعَبْدِ (لِمَنْ قَالَ اشْتَرِ عَبْدِي) كَمَا أَنَّهُ إقْرَارٌ بِهِ لِمَنْ قَالَ أَعْتِقْ عَبْدِي (لَا) لِمَنْ قَالَ اشْتَرِ هَذَا (الْعَبْدَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَرِفْ) لَهُ (إلَّا بِكَوْنِهِ يَمْلِكُ بَيْعَهُ لَا نَفْسَهُ أَوْ) قَالَ (مَا لَك عَلَيَّ أَكْثَرُ مِنْ أَلْفٍ فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ) ؛ لِأَنَّ نَفْيَ الزَّائِدِ عَلَيْهِ لَا يُوجِبُ إثْبَاتَهُ وَلَا إثْبَاتَ مَا دُونَهُ (وَجَوَابُك لِلْمُتَقَاضِي) لِلدَّيْنِ كَأَنْ قَالَ لَك اقْضِ الْأَلْفَ الَّذِي لِي عَلَيْك (بِنَعَمْ أَوْ) بِقَوْلِك (أَقْضِيك غَدًا أَوْ أَمْهِلْنِي
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
أَنَّ اللَّفْظَ، وَإِنْ كَانَ صَرِيحًا فِي الْإِقْرَارِ فَقَدْ تَنْضَمُّ إلَيْهِ قَرِينَةٌ أَوْ قَرَائِنُ تَصْرِفُهُ إلَى الِاسْتِهْزَاءِ وَالتَّكْذِيبِ كَتَحْرِيكِ الرَّأْسِ الدَّالِّ عَلَى شِدَّةِ التَّعَجُّبِ وَالْإِنْكَارِ. اهـ. قَالَ النَّاشِرِيُّ: وَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ اتِّبَاعِ الْقَرَائِنِ سَدِيدٌ، وَقَوْلُهُ قَالَ فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَأَجَابَ عَنْهُ السُّبْكِيُّ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنَا أُقِرُّ لَك بِهِ إلَخْ) وَخَالَفَ قَوْلَ الشَّاهِدِ أَشْهَدُ بِكَذَا فَإِنَّهُ إقَامَةٌ لِلشَّهَادَةِ، وَإِنْ أَتَتْ صِيغَةُ وَعْدٍ؛ لِأَنَّ إقَامَتَهَا لَا تَتَأَتَّى إلَّا بِهَذَا اللَّفْظِ (قَوْلُهُ: قَالَ الرَّافِعِيُّ، وَلَك أَنْ تَقُولَ إلَخْ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إنَّ الْإِنْكَارَ وَالْإِقْرَارَ نَقِيضَانِ، وَإِنْ انْتَفَى أَحَدُهُمَا ثَبَتَ الْآخَرُ فَلِذَلِكَ قَطَعُوا بِكَوْنِهِ مُقِرًّا (قَوْلُهُ: وَنَفْيُ النَّفْيِ إثْبَاتٌ) فَلَوْ قَالَ مَا مَا لَهُ عِنْدِي شَيْءٌ أَوْ مَا مَا بِعْته هَذِهِ الْعَيْنَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ صَارَ التَّقْدِيرُ لَهُ عِنْدِي شَيْءٌ وَبِعْته هَذِهِ الْعَيْنَ وَسَبَبُهُ أَنَّ التَّأْسِيسَ خَيْرٌ مِنْ التَّأْكِيدِ نَعَمْ إنْ ادَّعَى الْمُقِرُّ أَنَّهُ أَرَادَهُ قُبِلَ مِنْهُ كَمَا لَوْ كَرَّرَ أَنْتِ طَالِقٌ (قَوْلُهُ: وَرُدَّ بِأَنَّ النَّظَرَ فِي الْإِقْرَارِ لِلْعُرْفِ إلَخْ) شَمِلَ كَلَامُهُ مَا إذَا كَانَ الْمُقِرُّ نَحْوِيًّا وَالْحَقِيقَةُ الْعُرْفِيَّةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَمَلَكْتهَا مِنْك) أَيْ أَوْ عَلَيْك.
(قَوْلُهُ وَنَعَمْ إقْرَارٌ لِمَنْ قَالَ اشْتَرِ عَبْدِي) تَخْصِيصُهُ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ بِالشِّرَاءِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ قَالَ اسْتَأْجِرْ عَبْدِي هَذَا أَوْ ارْتَهِنْهُ أَوْ اسْتَعِرْهُ أَوْ تَزَوَّجْ مِنِّي جَارِيَتِي هَذِهِ فَقَالَ نَعَمْ لَا يَكُونُ إقْرَارًا وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ، وَقَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَجَوَابُك لِلْمُتَقَاضِي بِنَعَمْ إلَخْ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ، وَلَوْ قَالَ اقْضِ الْأَلْفَ الَّذِي لِي عَلَيْك فَقَالَ أَعْطِنِي غَدًا أَوْ ابْعَثْ مَنْ يَأْخُذُهُ أَوْ أَمْهِلْنِي حَتَّى أَضْرِبَ الدَّرَاهِمَ أَوْ أَفْتَحَ الصُّنْدُوقَ أَوْ اُقْعُدْ حَتَّى تَأْخُذَ أَوْ لَا أَجِدُ الْيَوْمَ أَوْ لَا تُدِمْ الْمُطَالَبَةَ أَوْ مَا أَكْثَرَ مَا تَتَقَاضَى أَوْ وَاَللَّهِ لَأَقْضِيَنَّكَ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ اللُّزُومِ فِي أُعْطِي غَدًا وَنَحْوِهِ مِمَّا عُرِّيَ عَنْ الضَّمِيرِ الْعَائِدِ إلَى
يَوْمًا أَوْ حَتَّى أَقْعُدَ أَوْ أَفْتَحَ) الْكِيسَ أَوْ نَحْوَهُ (أَوْ أَجِدَ) الْمِفْتَاحَ مَثَلًا أَوْ نَحْوَهُمَا كَابْعَثْ مَنْ يَأْخُذُهُ أَوْ أَمْهِلْنِي حَتَّى أَصْرِفَ الدَّرَاهِمَ أَوْ اُقْعُدْ حَتَّى تَأْخُذَ أَوْ لَا أَجِدُ الْيَوْمَ أَوْ لَا تُدِمْ الْمُطَالَبَةَ أَوْ مَا أَكْثَرَ مَا تَتَقَاضَى أَوْ وَاَللَّهِ لَأَقْضِيَنَّكَ كَمَا صَرَّحَ بِهَا أَصْلُهُ (إقْرَارٌ) ؛ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْهَا عُرْفًا لَكِنْ مَا نَقَلَ الْأَصْلُ هَذِهِ الصُّورَةَ قَالَ وَجَمِيعُهَا إقْرَارٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا أَصْحَابُنَا فَمُخْتَلِفُونَ فِيهَا وَالْمَيْلُ إلَى مُوَافَقَتِهِ فِي أَكْثَرِهَا. انْتَهَى.
وَالصُّوَرُ الَّتِي اقْتَصَرَ عَلَيْهَا الْمُصَنِّفُ وَحَكَمَ عَلَيْهَا بِأَنَّهَا إقْرَارٌ اقْتَصَرَ عَلَيْهَا الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ وَحَكَمَ عَلَيْهَا بِذَلِكَ وَظَاهِرٌ أَنَّ بَقِيَّةَ الصُّوَرِ كَذَلِكَ إلَّا قَوْلَهُ لَا تُدِمْ الْمُطَالَبَةَ وَمَا أَكْثَرَ مَا تَتَقَاضَى فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ أَنَّهُمَا لَيْسَا بِإِقْرَارٍ لِعَدَمِ صَرَاحَتِهِمَا فِيهِ وَعَلَيْهِمَا يُحْمَلُ مَفْهُومُ كَلَامِ الْأَصْلِ السَّابِقِ هَذَا، وَقَدْ قَالَ السُّبْكِيُّ بَعْدَ إيرَادِهِ كَلَامَ الْمِنْهَاجِ: وَالْأَشْبَهُ عِنْدِي فِي غَيْرِ نَعَمْ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ، وَقَالَ فِي الْأَصْلِ بَعْدَ كَلَامِهِ السَّابِقِ وَمِثْلُهُ أَسْرِجْ دَابَّةَ فُلَانٍ هَذِهِ فَقَالَ نَعَمْ أَوْ أَخْبَرَنِي زَيْدٌ أَنَّ لِي عَلَيْك أَلْفًا فَقَالَ نَعَمْ أَوْ مَتَى تَقْضِي حَقِّي فَقَالَ غَدًا (وَلَوْ قَالَ كَانَتْ لَك أَوْ كَانَ لَك عِنْدِي دَارٌ) مَثَلًا (فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَرِفُ فِي الْحَالِ بِشَيْءٍ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا فِي الدَّعَاوَى مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ كَانَ مِلْكُك أَمْسِ كَانَ مُؤَاخَذًا بِهِ؛ لِأَنَّهُ ثَمَّ وَقَعَ جَوَابًا لِلدَّعْوَى، وَهُنَا بِخِلَافِهِ فَطُلِبَ فِيهِ الْيَقِينُ، وَقَوْلُهُ أَوْ كَانَ لَك عِنْدِي مِنْ زِيَادَتِهِ، وَذَكَرَهُ الْقَمُولِيُّ وَحَذَفَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَ أَصْلِهِ أَوْ كَانَ لَك عَلَيَّ أَلْفٌ لِلِاكْتِفَاءِ بِمَا زَادَهُ وَبِمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ.
(أَوْ) قَالَ (أَسْكَنْتُك) هَذِهِ (الدَّارَ حِينًا ثُمَّ أَخْرَجْتُك) مِنْهَا فَهُوَ (إقْرَارٌ بِالْيَدِ) ؛ لِأَنَّهُ اعْتَرَفَ بِثُبُوتِهَا مِنْ قَبْلُ وَادَّعَى زَوَالَهَا وَلَا يُنَافِيهِ مَا فِي الدَّعَاوَى مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ كَانَ فِي يَدِك أَمْسِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ هُنَا بِيَدٍ صَحِيحَةٍ بِقَوْلِهِ أَسْكَنْتُكهَا بِخِلَافِهِ ثُمَّ لِاحْتِمَالِ كَلَامِهِ أَنَّ يَدَهُ كَانَتْ مِنْ غَصْبٍ أَوْ سَوْمٍ أَوْ نَحْوِهِ وَعَدَلَ عَنْ قَوْلِ أَصْلِهِ دَارِي إلَى قَوْلِهِ الدَّارُ لِقَوْلِ السُّبْكِيّ وَغَيْرِهِ فِي التَّعْبِيرِ بِدَارِي نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ مَعَ الْإِقْرَارِ لَا يَجْتَمِعَانِ كَمَا لَوْ قَالَ دَارِي لِزَيْدٍ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ هَذَا مَحَلُّهُ إذَا أَقَرَّ بِمِلْكٍ أَمَّا بِيَدٍ فَلَا، إذْ لَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا أَوْ فَائِدَتُهُ أَنَّهُ لَوْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِأَنَّ الْعَيْنَ لَهُ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ (وَلَوْ قَالَ مُعْسِرٌ لِزَيْدٍ عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ أَيْسَرْت وَأَمْكَنَ اسْتِفْهَامُهُ اُسْتُفْهِمَ) أَيْ اُسْتُفْسِرَ فَإِنْ فَسَّرَ بِالتَّأْجِيلِ صَحَّ أَوْ بِالتَّعْلِيقِ لَغَا (وَإِلَّا) بِأَنْ تَعَذَّرَ اسْتِفْسَارُهُ (فَإِقْرَارٌ) نُقِلَ تَصْحِيحُهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْعُدَّةِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ، وَهُوَ وَاضِحٌ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْهَرَوِيُّ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْأَصْلَ فَرَاغُ الذِّمَّةِ، وَقَدْ ذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ مِثْلَهُ. انْتَهَى.
وَمِثْلُهُ لَوْ قَالَ مَا أَرَدْت شَيْئًا وَيُصَدَّقُ فِيهِ بِيَمِينِهِ (وَقَوْلُهُ لِمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ) وَلَوْ وَاحِدًا بِشَيْءٍ (هُوَ صَادِقٌ أَوْ عَدْلٌ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ حَتَّى يَقُولَ فِيمَا شَهِدَ بِهِ) قَالَ فِي الرَّوْضَةِ قُلْت فِي لُزُومِهِ بِقَوْلِهِ عَدْلٌ يَعْنِي فِيمَا شَهِدَ بِهِ نَظَرٌ، (وَقَوْلُهُ إذَا شَهِدَا) أَيْ فُلَانٌ وَفُلَانٌ أَوْ شَاهِدَانِ (عَلَيَّ بِكَذَا) كَأَلْفٍ (فَهُمَا صَادِقَانِ لَا صَدَّقْتهمَا إقْرَارٌ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدَا) عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَكُونَانِ صَادِقَيْنِ إلَّا إذَا كَانَ عَلَيْهِ الْأَلْفُ الْآنَ فَيَلْزَمُهُ بِخِلَافِ صَدَقَتِهِمَا؛ لِأَنَّ غَيْرَ الصَّادِقِ قَدْ يُصَدَّقُ؛ وَلِأَنَّ ذَلِكَ وَعْدٌ وَخَرَجَ بِكَذَا مَا لَوْ قَالَ مَا يَشْهَدُ بِهِ شَاهِدَانِ عَلَيَّ فَهُمَا صَادِقَانِ عَدْلَانِ فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ بَلْ تَزْكِيَةٌ وَتَعْدِيلٌ، كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي التَّزْكِيَةِ عَنْ الْهَرَوِيِّ وَأَقَرَّهُ كَذَا قَالَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ وَلَوْ لَمْ يَأْتِ بِصِيغَةِ الشَّهَادَةِ بَلْ قَالَ إذَا قَالَ زَيْدٌ إنَّ لِعَمْرٍو عَلَيَّ كَذَا فَهُوَ صَادِقٌ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ ذَكَرَهُ ابْنُ الْعِمَادِ. (وَإِنْ قَالَ أَقْرَضْتُك كَذَا فَقَالَ كَمْ ثَمَنٌ بِهِ عَلَيَّ أَوْ لَا اقْتَرَضْت مِنْك) هَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الرَّوْضَةِ وَاَللَّهِ لَا اقْتَرَضْت مِنْك (غَيْرَهُ، فَإِقْرَارٌ) قَالَ فِيهَا، وَإِنْ قَالَ مَا أَعْجَبَ هَذَا أَوْ نَتَحَاسَبُ فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ (لَا) إنْ قَالَ لِمَنْ قَالَ لَهُ لِي عَلَيْك كَذَا (لِزَيْدٍ عَلَيَّ أَكْثَرُ مِمَّا لَك) بِفَتْحِ اللَّامِ (فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قَالَهُ اسْتِهْزَاءً أَوْ أَنَّهُ أَرَادَ لَهُ عَلَيَّ مِنْ الْحُرْمَةِ وَالْكَرَامَةِ أَكْثَرُ مِمَّا لَك بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَكْثَرُ مِنْ مَالِك بِكَسْرِ اللَّامِ أَوْ لَهُ عَلَيَّ مَالٌ أَكْثَرُ مِنْ مَالِك أَوْ لَهُ عَلَيَّ أَكْثَرُ مِمَّا ادَّعَيْت فَإِقْرَارٌ فِيهَا لِزَيْدٍ.
وَسَتَأْتِي الثَّانِيَةُ فِي الْبَابِ الْآتِي وَالثَّالِثَةُ فِي الدَّعَاوَى فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مَا هُنَا؛ لِأَنَّهَا مَسَائِلُ مُخْتَلِفَةٌ وَاَلَّتِي هُنَا أَعَادَهَا كَأَصْلِهِ فِي الدَّعَاوَى وَلَوْ قَالَ لِي مَخْرَجٌ مِنْ دَعْوَاك فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ، ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ هُنَا وَالْمُصَنِّفُ فِي الدَّعَاوَى.
(وَلَوْ كَتَبَ لِزَيْدٍ عَلَيَّ أَلْفٌ أَوْ كَتَبَهُ غَيْرُهُ فَقَالَ) لِشُهُودٍ (اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
الْمَالِ الْمُدَّعَى بِهِ مَرْدُودٌ بَلْ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ التَّصْوِيرُ عِنْدَ انْضِمَامِ الضَّمِيرِ كَقَوْلِهِ أَعْطِيهِ وَنَحْوِهِ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ أَنَا مُقِرٌّ أَوْ لَسْت مُنْكِرًا أَوْ أَنَا أُقِرُّ فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ أَنَا مُوَافِقُهُمْ فِي الْأَكْثَرِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ هَذِهِ الصُّورَةِ قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ، وَمَا اسْتَدْرَكَهُ لَا يَبْعُدُ أَيْضًا مَعَ الضَّمِيرِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَقْضِيهِ يَحْتَمِلُ أَقْضِيهِ غَيْرَك فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ أَقْضِيهِ لَك وَالْوَجْهُ إجْرَاءُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ عَلَى ظَاهِرِهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ اقْضِ هَذَا جَوَابٌ لِقَوْلِهِ اقْضِ الْأَلْفَ الَّتِي لِي عَلَيْك وَالسُّؤَالُ مُعَادٌ فِي الْجَوَابِ تَقْدِيرًا، وَإِلَّا فَالظُّهُورُ مِنْهُ أَظْهَرُ مِنْ قَوْلِهِ مَا أَكْثَرَ مَا نَتَقَاضَى؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ تَتَقَاضَى مِنِّي أَوْ غَيْرِي، وَقَوْلُهُ فَالْوَجْهُ إجْرَاءُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ، وَكَتَبَ أَيْضًا اللُّزُومَ فِي أُعْطِي غَدًا وَنَحْوِهِ مِمَّا عَرَا عَنْ الضَّمِيرِ الْعَائِدِ عَلَى الْمَالِ مَرْدُودٌ فَيَتَعَيَّنُ تَصْوِيرُهُ بِوُجُودِ الضَّمِيرِ كَأُعْطِيهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ أَنَا مُقِرٌّ بِدُونِ بِهِ فَكَانَ الرَّافِعِيُّ احْتَرَزَ عَنْ مِثْلِ هَذِهِ (قَوْلُهُ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ) أَيْ وَغَيْرُهُ، وَقَوْلُهُ إنَّهُمَا لَيْسَا بِإِقْرَارٍ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَإِقْرَارٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمَدْيُونُ الْمُعْسِرُ يَجِبُ إمْهَالُهُ إلَى يَسَارِهِ حُمِلَ قَوْلُهُ إنْ أَيْسَرْت عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ لِوُجُوبِ أَدَاءِ الْأَلْفِ لَا لِوُجُوبِهِ (قَوْلُهُ: كَذَا قَالَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: ذَكَرَهُ ابْنُ الْعِمَادِ) أَيْ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ: لَا لِزَيْدٍ عَلَيَّ أَكْثَرُ مِنْ مَالِك فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا) لَوْ قَالَ مَا لِزَيْدٍ عَلَيَّ أَكْثَرُ مِنْ مِائَةِ دِرْهَمٍ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا بِالْمِائَةِ، وَلَا بِمَا فَوْقَهَا، وَلَا بِمَا دُونَهَا؛ لِأَنَّ نَفْيَ الزَّائِدِ عَلَى الْمِائَةِ لَا يُوجِبُ إثْبَاتَ الْمِائَةِ، وَلَوْ قَالَ لَهُ قَائِلٌ غَصَبْت ثَوْبِي فَقَالَ مَا غَصَبْت مِنْ أَحَدٍ قَبْلَك، وَلَا بَعْدَك لَا يَكُونُ مُقِرًّا؛ لِأَنَّ نَفْيَ الْغَصْبِ مِنْ غَيْرِهِ لَا يُوجِبُ الْغَصْبَ مِنْهُ.