الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْإِنْكَارَ بَعْدَ دَعْوَى الْوَكَالَةِ فَلَوْ أَعَادَهُ كَانَ عَزْلًا فَلَا يَصِحُّ الصُّلْحُ عَنْهُ.
وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: وَقَالَ: أَقَرَّ عِنْدِي مَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى وَكَّلَنِي فِي مُصَالَحَتِك لَهُ فَلَا يَصِحُّ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ فِي أَنَّ قَوْلَهُ: صَالِحْنِي عَمَّا تَدَّعِيهِ لَيْسَ إقْرَارًا وَبِقَوْلِهِ وَوَكَّلَنِي فِي مُصَالَحَتِك لَهُ مَا لَوْ تَرَكَهُ فَهُوَ شِرَاءُ فُضُولِيٍّ فَلَا يَصِحُّ كَمَا مَرَّ (فَلَوْ قَالَ أَنْكَرَ) الْخَصْمُ (وَهُوَ مُبْطِلٌ) فِي إنْكَارِهِ (فَصَالِحْنِي لَهُ بِعَبْدِي هَذَا) لِتَنْقَطِعَ الْخُصُومَةُ بَيْنَكُمَا (صَحَّ) الصُّلْحُ (عَنْ الدَّيْنِ لَا) عَنْ (الْعَيْنِ) إذْ لَا يَتَعَذَّرُ قَضَاءُ دَيْنِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ بِخِلَافِ تَمْلِيكِهِ الْعَيْنَ (أَوْ) فَصَالِحْنِي (لِنَفْسِي وَالْمُدَّعَى عَيْنٌ فَكَشِرَاءِ الْمَغْصُوبِ) فَيُفَرَّقُ بَيْنَ قُدْرَتِهِ عَلَى انْتِزَاعِهِ وَعَدَمِهَا لِمَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ، فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى دَيْنًا فَهُوَ ابْتِيَاعُ دَيْنٍ فِي ذِمَّةِ غَيْرِهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: وَهُوَ مُبْطِلٌ مَا صَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: هُوَ مُنْكِرٌ، وَلَا أَعْلَمُ صِدْقَك، وَصَالَحَهُ لَمْ يَصِحَّ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ لَهُ أَمْ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا لَوْ صَالَحَهُ الْمُدَّعِي وَهُوَ مُنْكِرٌ قَالَ: وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى وَرَثَةِ مَيِّتٍ دَارًا مِنْ تَرِكَتِهِ فَأَقَرُّوا لَهُ جَازَ لَهُمْ مُصَالَحَتُهُ فَإِنْ دَفَعُوا لِبَعْضِهِمْ ثَوْبًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ لِيُصَالِحَ عَلَيْهِ جَازَ، وَكَانَ عَاقِدًا لِنَفْسِهِ وَوَكِيلًا لِلْبَاقِينَ، وَلَوْ قَالُوا لِوَاحِدٍ: صَالِحْهُ عَنَّا بِثَوْبِك فَصَالَحَهُ عَنْهُمْ.
فَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِمْ فِي الصُّلْحِ وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْهُ وَإِلَّا فَفِي إلْغَاءِ التَّسْمِيَةِ وَجْهَانِ فَإِنْ لَمْ تَلْغُ وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْهُمْ وَهَلْ الثَّوْبُ هِبَةٌ لَهُمْ أَمْ قَرْضٌ عَلَيْهِمْ وَجْهَانِ، وَإِنْ أُلْغِيَتْ فَهَلْ يَصِحُّ الصُّلْحُ كُلُّهُ لِلْعَاقِدِ أَوْ يَبْطُلُ فِي نَصِيبِ الشُّرَكَاءِ، وَيَخْرُجُ نَصِيبُهُ عَلَى قَوْلِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَجْهَانِ، وَإِنْ صَالَحَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى مَالِهِ لَهُ دُونَ إذْنِ الْبَاقِينَ لِيَتَمَلَّكَ الْجَمِيعُ جَازَ أَوْ عَلَى أَنْ تَكُونَ الدَّارُ لَهُ وَلَهُمْ لَغَا ذِكْرُهُمْ وَعَادَ الْوَجْهَانِ فِي أَنَّ الْجَمِيعَ يَقَعُ لَهُ أَوْ يَبْطُلُ فِي نَصِيبِهِمْ وَيَخْرُجُ نَصِيبُهُ عَلَى قَوْلِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ.
(فَصْلٌ وَإِنْ اسْتَوْقَفَ مَالٌ إلَى التَّبَيُّنِ، أَوْ اصْطِلَاحُ الْمُتَنَازِعِينَ فِيهِ كَمَالِ وُقِفَ لِزَوْجَتَيْنِ طَلُقَتْ إحْدَاهُمَا) وَمَاتَ الزَّوْجُ قَبْلَ الْبَيَانِ، وَهِيَ بَائِنٌ (أَوْ) مَالٌ وُقِفَ (لِشَخْصَيْنِ) عِنْدَ وَدِيعٍ وَقَدْ (أُشْكِلَ عَلَى الْوَدِيعِ مُسْتَحَقُّهُ مِنْهُمَا فَاصْطَلَحَا) أَيْ الزَّوْجَتَانِ، أَوْ الشَّخْصَانِ (عَلَى أَنْ يَأْخُذَهُ أَحَدُهُمَا وَيُعْطِيَ الْآخَرُ مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ) ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ لَهُ وَشَرْطُهُ تَحَقُّقُ الْمِلْكِ فِي الْعِوَضَيْنِ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ (أَوْ عَلَى أَنْ يَتَفَاضَلَا فِيهِ جَازَ) لِلضَّرُورَةِ وَلِأَنَّهُ نُزُولٌ عَنْ بَعْضِ الْحَقِّ وَسَيَأْتِي مَا لَهُ بِهَذَا تَعَلُّقٌ فِي نِكَاحِ الْمُشْرِكِ.
[مَسَائِلُ مُتَعَلِّقَةٌ بِبَابِ الصُّلْح]
(مَسَائِلُ) مُتَعَلِّقَةٌ بِالْبَابِ لَوْ (صَالَحَهُ) بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلُهُ (عَنْ الدَّارِ) مَثَلًا (عَلَى) نَحْوِ (عَبْدٍ) مُعَيَّنٍ (فَرَدَّهُ بِعَيْبٍ أَوْ اسْتَحَقَّ) لِغَيْرِ الْمُشْتَرِي أَوْ هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ (انْفَسَخَ الْعَقْدُ) فِي تَعْبِيرِهِ بِالِانْفِسَاخِ تَسْمَحُ بِالنِّسْبَةِ لِلثَّانِيَةِ (فَإِنْ تَعَذَّرَ الرَّدُّ) لِلْعَبْدِ (بِتَلَفٍ وَنَحْوِهِ) كَتَعَيُّبٍ فِي يَدِهِ (رَجَعَ فِي جُزْءٍ مِنْ الدَّارِ) بِقَدْرِ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ كَمَا لَوْ بَاعَهَا بِعَبْدٍ (وَإِنْ كَانَ الْعِوَضُ) الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ (فِي الذِّمَّةِ) بِأَنْ صُولِحَ عَلَيْهِ، وَقَبَضَهُ الْمُدَّعِي، وَرَدَّهُ بِعَيْبٍ أَوْ اسْتَحَقَّ (اُسْتُبْدِلَ بِهِ) أَيْ أَخَذَ بَدَلَهُ (وَلَا فَسْخَ) وَلَا انْفِسَاخَ، وَتَعْبِيرُهُ بِالْعِوَضِ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِ الرَّوْضَةِ بِالدَّرَاهِمِ.
(وَإِنْ وَقَفَ أَرْضًا) مَسْجِدًا أَوْ غَيْرَهُ (وَأَقَرَّ بِهَا لِمُدَّعٍ) لَهَا (غَرِمَ لَهُ الْقِيمَةَ) أَيْ قِيمَتَهَا لِإِحَالَتِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا بِوَقْفِهِ (فَإِنْ أَنْكَرَ وَصَالَحَ عَنْهُ أَجْنَبِيٌّ جَازَ) الصُّلْحُ (؛ لِأَنَّهُ بَذْلُ مَالٍ فِي قُرْبَةٍ) وَلِأَنَّ الْقِيمَةَ عَلَى الْوَاقِفِ لِكَوْنِهِ وُقِفَ، وَالصُّلْحُ عَمَّا فِي ذِمَّةِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ جَائِزٌ، وَتَعْبِيرُهُ بِوَقْفِ الْأَرْضِ أَنَصُّ فِي الْمُرَادِ وَأَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِ الرَّوْضَةِ بِبِنَائِهَا مَسْجِدًا.
(وَإِنْ صَالَحَ مُتْلِفُ الْعَيْنِ) مَالِكَهَا (بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا) مِنْ حَبْسِهَا (أَوْ بِمُؤَجَّلٍ لَمْ يَصِحَّ) الصُّلْحُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ قِيمَةُ الْمُتْلَفِ حَالَّةً فَلَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهُ، وَلَا عَلَى مُؤَجَّلٍ كَمَنْ غَصَبَ دِينَارًا فَصَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهُ أَوْ عَلَى مُؤَجَّلٍ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الرِّبَا بِخِلَافِ مَا إذَا صَالَحَ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا بِغَيْرِ جِنْسِهَا.
(وَإِنْ أَقَرَّ لَهُ بِمُجْمَلٍ فَصَالَحَهُ عَنْهُ وَهُمَا يَعْرِفَانِهِ صَحَّ) الصُّلْحُ (وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ) أَحَدٌ مِنْهُمَا كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْتُك الشَّيْءَ الَّذِي أَعْرِفُهُ أَنَا وَأَنْتَ (وَإِنْكَارُ حَقِّ الْغَيْرِ حَرَامٌ فَلَوْ بَذَلَ لِلْمُنْكِرِ مَالًا لِيُقِرَّ) بِالْمُدَّعِي (فَفَعَلَ لَمْ يَصِحَّ) الصُّلْحُ لِبِنَائِهِ عَلَى فَاسِدٍ (بَلْ بَذْلُهُ) أَيْ الْمَالِ لِذَلِكَ (وَأَخْذُهُ حَرَامٌ، وَهَلْ يَكُونُ بِذَلِكَ مُقِرًّا وَجْهَانِ) أَوْجَهُهُمَا لَا، وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ كَجٍّ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِشَرْطٍ (فَلَوْ وَكَّلَ) الْمُنْكِرُ (فِي الصُّلْحِ عَنْهُ) أَجْنَبِيًّا (جَازَ) التَّوْكِيلُ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ (كَالْوَارِثِ يَجْهَلُ أَمْرَ التَّرِكَةِ فَلَهُ التَّوْكِيلُ فِي الصُّلْحِ لِإِقَالَةِ الشُّبْهَةِ) عَنْهُ.
(الْبَابُ الثَّانِي فِي التَّزَاحُمِ عَلَى الْحُقُوقِ)
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
ثُمَّ إنْ كَانَ كَاذِبًا فِي دَعْوَى الْوَكَالَةِ فَهُوَ شِرَاءُ فُضُولِيٍّ (قَوْلُهُ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ قُدْرَتِهِ عَلَى انْتِزَاعِهِ وَعَدَمِهَا) وَبَيْنَ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَهُوَ فِي يَدِ الْغَيْرِ، وَمَا لَا يَجُوزُ كَالْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَيَكْفِي لِلصِّحَّةِ قَوْلُهُ: أَنَا قَادِرٌ عَلَى انْتِزَاعِهَا فِي الْأَصَحِّ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْقُدْرَةِ هُنَا، وَفِي بَيْعِ الْمَغْصُوبِ حَيْثُمَا ذُكِرَ مَحْضَ تَغَلُّبٍ بَلْ الْمُرَادُ التَّغَلُّبُ أَنْ يَثْبُتَ الْغَصْبُ قَبْلُ، وَالتَّمَكُّنُ مِنْ الْإِثْبَاتِ ثُمَّ الِانْتِزَاعُ إنْ لَمْ يَثْبُتْ (قَوْلُهُ: إنَّهُ لَوْ قَالَ هُوَ مُنْكِرٌ، وَلَا أَعْلَمُ صِدْقَهُ) ، مِثْلُهُ مَا لَوْ قَالَ: هُوَ مُحِقٌّ، أَوْ قَالَ: صَالَحَنِي فَقَطْ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَفِي إلْغَاءِ التَّسْمِيَةِ وَجْهَانِ) أَصَحُّهُمَا عَدَمُهُ (قَوْلُهُ وَهَلْ الثَّوْبُ هِبَةٌ لَهُمْ أَمْ قَرْضٌ عَلَيْهِمْ وَجْهَانِ) أَصَحُّهُمَا ثَانِيهِمَا (قَوْلُهُ فَهَلْ يَصِحُّ كُلُّهُ لِلْعَاقِدِ أَوْ يَبْطُلُ إلَخْ) أَصَحُّهُمَا أَوَّلُهُمَا.
[فَصْلٌ اسْتَوْقَفَ مَالٌ إلَى التَّبَيُّنِ كَمَالٍ وُقِفَ لِزَوْجَتَيْنِ طَلُقَتْ إحْدَاهُمَا وَمَاتَ الزَّوْجُ قَبْلَ الْبَيَانِ]
(فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا اشْتَرَى أَرْضًا وَبَنَاهَا مَسْجِدًا فَادَّعَاهَا فَإِنْ صَدَّقَهُ لَزِمَهُ قِيمَتُهَا وَإِنْ كَذَّبَهُ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ جِيرَانِ الْمَسْجِدِ فَصَالَحَهُ صَحَّ الصُّلْحُ؛ لِأَنَّهُ بَذَلَ مَالَهُ عَلَى جِهَةِ الْبِرِّ، وَقَالَ الدَّارِمِيُّ: إذَا وَقَفَ مِلْكًا أَوْ جَعَلَهُ مَسْجِدًا أَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا فَأَقَرَّ بِهِ لَمْ يَبْطُلْ عَمَلُهُ فَإِنْ صَالَحَهُ صَحَّ وَإِنْ لَمْ يُصَالِحْهُ فَهَلْ يُجْبَرُ عَلَى الْقِيمَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الْأَظْهَرُ نَعَمْ (قَوْلُهُ: أَوْجَهُهُمَا: لَا وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ كَجٍّ وَغَيْرُهُ إلَخْ) رَجَّحَهُ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَقَالَ فِي الْخَادِمِ يَنْبَغِي التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَعْتَقِدَ فَسَادَ الصُّلْحِ فَيَصِحَّ أَوْ يَجْهَلَهُ فَلَا كَمَا فِي نَظَائِرِهِ مِنْ الْمُنْشَآتِ عَلَى الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ.
[الْبَابُ الثَّانِي فِي التَّزَاحُمِ عَلَى الْحُقُوقِ]
(الطَّرِيقُ النَّافِذُ) بِالْمُعْجَمَةِ وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِالشَّارِعِ (مُبَاحٌ لَا يَمْلِكُ) لِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ (فَلِكُلٍّ) مِنْهُمْ (فَتْحُ بَابٍ) مِنْ مِلْكِهِ (إلَيْهِ) كَيْفَ شَاءَ (وَلِكُلِّ مُسْلِمٍ) التَّصَرُّفُ فِيهِ بِمَا لَا يَضُرُّ الْمَارَّةَ فَلَهُ (إشْرَاعُ) أَيْ إخْرَاجُ (جَنَاحٍ) أَيْ رَوْشَنٍ (وَسَابَاطٍ فِيهِ) أَيْ سَقِيفَةٍ بَيْنَ حَائِطَيْهِ (لَا يَشُقُّ ظَلَامَهُ، وَلَا يَضُرُّ الْمَارَّ) الْمَاشِيَ (الْمُنْتَصِبَ تَحْتَهُ) وَعَلَى رَأْسِ الْحُمُولَةِ الْعَالِيَةِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ الطَّرِيقُ وَاسِعَةً أَمْ ضَيِّقَةً لَا تَمُرُّ فِيهَا الْقَوَافِلُ وَالْفَوَارِسُ وَسَوَاءٌ أَذِنَ الْإِمَامُ فِيهِ أَمْ لَا لِإِطْبَاقِ النَّاسِ عَلَى فِعْلِهِ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ، وَتَقْيِيدُهُ الظَّلَامَ بِالْمَشَقَّةِ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ الْأَصْلِ، وَفِي التَّتِمَّةِ: إنْ انْقَطَعَ الضَّوْءُ كُلُّهُ أَثَرٌ، وَإِنْ نَقَصَ فَلَا، وَتَصْرِيحُهُ بِالْمُسْلِمِ هُنَا مِنْ زِيَادَتِهِ (وَكَذَا) لَا يَضُرُّ مَعَ ذَلِكَ (بِالْمَحْمَلِ مَعَ كَنِيسَةٍ) أَيْ أَعْوَادٍ مُرْتَفِعَةٍ عَلَيْهِ مُعَدَّةٍ؛ لَأَنْ يُوضَعَ عَلَيْهَا سُتْرَةٌ تَقِي الرَّاكِبَ مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَتَسْتُرُهُ (عَلَى الْبَعِيرِ إنْ كَانَتْ) أَيْ الطَّرِيقُ (جَادَّةً) أَيْ وَاسِعَةً تَمُرُّ فِيهَا الْقَوَافِلُ وَالْفَوَارِسُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ نَادِرًا فَقَدْ يَتَّفِقُ، وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِ ذَلِكَ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم نَصَبَ بِيَدِهِ مِيزَابًا فِي دَارِ عَمِّهِ الْعَبَّاسِ» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ.
وَقَالَ: إنَّ الْمِيزَابَ كَانَ شَارِعًا لِمَسْجِدِهِ صلى الله عليه وسلم أَمَّا التَّصَرُّفُ فِيهِ بِمَا يَضُرُّ بِالْمَارِّ فَمُمْتَنَعٌ لِخَبَرِ ابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ حَسَنٌ:«لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ» وَلِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ لَيْسَ لَهُ خَاصَّةً (وَلَوْ أَحْوَجَ) الْإِشْرَاعُ (إلَى وَضْعِ الرُّمْحِ عَلَى الْكَتِفِ) أَيْ كَتِفِ الرَّاكِبِ بِحَيْثُ لَا يَتَأَتَّى نَصْبُهُ (لَمْ يَضُرَّ) فِي جَوَازِ الْإِشْرَاعِ؛ لِأَنَّ وَضْعَهُ عَلَى كَتِفِهِ لَيْسَ بِعَسِيرٍ، وَلَا يَضُرُّ أَيْضًا ضَرَرٌ يُحْتَمَلُ عَادَةً كَعَجْنِ الطِّينِ إذَا بَقِيَ مِقْدَارُ الْمُرُورِ لِلنَّاسِ، وَإِلْقَاءُ الْحِجَارَةِ فِيهِ لِلْعِمَارَةِ إذَا تُرِكَتْ بِقَدْرِ مُدَّةِ نَقْلِهَا، وَرَبْطُ الدَّوَابِّ فِيهِ بِقَدْرِ حَاجَةِ النُّزُولِ وَالرُّكُوبِ، وَقَوْلُهُ: يُضِرُّ بِالْمَارِّ بِضَمِّ الْيَاءِ مِنْ أَضَرَّ بِهِ إضْرَارًا بِخِلَافِ يَضُرُّهُ مِنْ ضَرَّهُ ضَرَرًا فَإِنَّهُ بِفَتْحِهَا (وَلَا يُحْدِثُ فِيهِ دَكَّةً) بِفَتْحِ الدَّالِ أَيْ مَسْطَبَةً (وَ) لَا (شَجَرَةً وَلَوْ اتَّسَعَ) الطَّرِيقُ وَأَذِنَ الْإِمَامُ وَانْتَفَى الضَّرَرُ لِمَنْعِهِمَا الطُّرُوقَ فِي ذَلِكَ الْمَحِلِّ، وَقَدْ تَزْدَحِمُ الْمَارَّةُ فَيَصْطَكُّونَ بِهِمَا وَلِأَنَّهُ إذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ أَشْبَهَ مَوْضِعُهُمَا الْأَمْلَاكَ، وَانْقَطَعَ أَثَرُ اسْتِحْقَاقِ الطُّرُوقِ فِيهِ بِخِلَافِ الْأَجْنِحَةِ وَنَحْوِهَا وَاسْتُشْكِلَ التَّعْلِيلُ الْأَوَّلُ بِجَوَازِ غَرْسِ الشَّجَرَةِ بِالْمَسْجِدِ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا مَرَّ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَالثَّانِي بِجَوَازِ فَتْحِ الْبَابِ إلَى دَرْبٍ مُنْسَدٍّ إذَا سَمَّرَهُ كَمَا سَيَأْتِي وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ مَحَلَّ جَوَازِ غَرْسِ الشَّجَرَةِ بِالْمَسْجِدِ إذَا كَانَ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ لَا يُمْنَعُونَ مِنْ الْأَكْلِ مِنْ ثِمَارِهَا، وَإِنْ غَرَسَهَا لِلْمَسْجِدِ لِيَصْرِفَ رِيعَهَا لَهُ فَالْمَصْلَحَةُ عَامَّةٌ أَيْضًا بِخِلَافِ مَا هُنَا، وَقَضِيَّتُهُ جَوَازُ مِثْلِ ذَلِكَ فِي الشَّارِعِ حَيْثُ لَا ضَرَرَ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْحَقَّ فِي الدَّرْبِ الْمُنْسَدِّ لِخَاصٍّ، وَالْخَاصُّ قَائِمٌ عَلَى مِلْكِهِ، وَحَافِظٌ لَهُ بِخِلَافِ الشَّارِعِ، فَانْقِطَاعُ الْحَقِّ فِيهِ عِنْدَ طُولِ الْمُدَّةِ أَقْرَبُ.
وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ مَنْعُ إحْدَاثِ الدَّكَّةِ، وَإِنْ كَانَ بِفِنَاءِ دَارِهِ، وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَقَالَ السُّبْكِيُّ: يَنْبَغِي جَوَازُهُ حِينَئِذٍ عِنْدَ انْتِفَاءِ الضَّرَرِ؛ لِأَنَّهُ فِي حَرِيمِ مِلْكِهِ وَلِإِطْبَاقِ النَّاسِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ (، وَلَوْ انْهَدَمَ جَنَاحُهُ فَسَبَقَهُ جَارُهُ إلَى بِنَاءِ جَنَاحٍ) فِي مُحَاذَاتِهِ وَلَوْ بِحَيْثُ لَا تُمْكِنُ مَعَهُ إعَادَةُ الْأَوَّلِ أَوْ كَانَ صَاحِبُهُ عَلَى عَزْمِ إعَادَتِهِ (صَارَ أَحَقَّ) بِهِ كَمَا لَوْ قَعَدَ لِاسْتِرَاحَةٍ، أَوْ نَحْوِهَا فِي طَرِيقٍ وَاسِعٍ ثُمَّ انْتَقَلَ عَنْهُ يَجُوزُ لِغَيْرِهِ الِارْتِفَاق بِهِ، وَيَصِيرُ أَحَقَّ بِهِ فَإِنْ قُلْت: قِيَاسُ اعْتِبَارِ الْإِعْرَاضِ فِي الْقُعُودِ فِيهِ لِلْمُعَامَلَةِ بَقَاءُ حَقِّهِ هُنَا إلَيْهِ كَمَا بَحَثَهُ الرَّافِعِيُّ قُلْت: الْمُعَامَلَةُ لَا تَدُومُ بَلْ الِانْتِقَالُ عَنْهَا ثُمَّ الْعَوْدُ إلَيْهَا
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ الطَّرِيقُ النَّافِذُ إلَخْ) شَمِلَ مَا لَوْ وَقَفَ مِلْكَهُ شَارِعًا (قَوْلُهُ إشْرَاعُ جَنَاحٍ) الْمُرَادُ بِهِ إبْرَازُ الْخَشَبِ إلَى هَوَاءِ الطَّرِيقِ (قَوْلُهُ: لَا يَشُقُّ ظَلَامَهُ) بِأَنْ لَا يُؤَثِّرَ فِيهِ بِإِظْلَامِ الْمَوْضِعِ فَإِنْ أَثَّرَ فِيهِ مُنِعَ (قَوْلُهُ الْغَالِبَةُ) قَالَ الْأُشْمُونِيُّ بِالْمُعْجَمَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ
(تَنْبِيهٌ) فَإِنْ قِيلَ إذَا جَازَ الْجَنَاحُ فَلَهُ نَصْبُهُ وَإِنْ أَخَذَ أَكْثَرَ هَوَاءِ السِّكَّةِ، وَقَالُوا فِي الْمِيزَابِ: لَهُ تَطْوِيلُهُ إلَّا أَنْ يَزِيدَ عَلَى نِصْفِ السِّكَّةِ فَلِلْجَارِ الْمُقَابِلِ مَنْعُهُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي، قِيلَ: الْفَرْقُ أَنَّ الْجَارَ مُحْتَاجٌ إلَى الْمِيزَابِ فَكَانَ حَقُّهُ فِيهِ كَحَقِّ الْجَارِ فَلَيْسَ لَهُ إبْطَالُهُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ نَصْبِ الْجَنَاحِ فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ هَكَذَا ظَنَنْته ع (قَوْلُهُ: أَمَّا التَّصَرُّفُ فِيهِ بِمَا يَضُرُّ بِالْمَارِّ فَمُمْتَنَعٌ) وَالْمُزِيلُ لَهُ الْحَاكِمُ لَا كُلُّ أَحَدٍ عَلَى أَشْبَهِ الْوَجْهَيْنِ فِي الْمَطْلَبِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَوَقُّعِ الْفِتْنَةِ نَعَمْ لِكُلِّ أَحَدٍ مُطَالَبَتُهُ بِإِزَالَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ إزَالَةِ الْمُنْكَرِ قَالَهُ سُلَيْمٌ وَبِهِ أَفْتَيْت (قَوْلُهُ وَإِلْقَاءُ الْحِجَارَةِ فِيهِ لِلْعِمَارَةِ إلَخْ) يَمْنَعُ مِنْ طَرْحِ الْكُنَاسَةِ عَلَى جَوَادِ الطَّرِيقِ وَتَبْدِيدِ قُشُورِ الْبِطِّيخِ وَرَشِّ الْمَاءِ بِحَيْثُ يُزْلَقُ بِهِ، وَيُخْشَى مِنْهُ السُّقُوطُ، وَإِرْسَالُ الْمَاءِ مِنْ الْمَيَازِيبِ إلَى الطَّرِيقِ الضَّيِّقَةِ، وَإِلْقَاءِ النَّجَاسَةِ بَلْ هُوَ فِي مَعْنَى التَّخَلِّي فِي الطَّرِيقِ (قَوْلُهُ وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ مَحَلَّ جَوَازِ غَرْسِ الشَّجَرِ بِالْمَسْجِدِ إلَخْ) وَبِأَنَّ شَجَرَةَ الْمَسْجِدِ يَتَمَكَّنُ الْإِمَامُ مِنْ قَطْعِهَا إذَا رَأَى فِي ذَلِكَ الْمَصْلَحَةَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ هُنَاكَ، وَشَجَرَةُ الْمَالِكِ لَا يَجُوزُ قَطْعُهَا إلَّا بِإِذْنِهِ، وَفِيهِ تَحَجُّرٌ عَلَى الْمَارَّةِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا هُنَا) أَيْ فَإِنَّهَا مُصَوَّرَةٌ بِمَا إذَا غَرَسَهَا لِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ مَنْعُ إحْدَاثِ الدِّكَّةِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَقَالَ السُّبْكِيُّ يَنْبَغِي جَوَازُهُ إلَخْ) وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِالْمَسْأَلَةِ. اهـ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَمَا أَبْدَاهُ بَعِيدٌ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَفِي كَوْنِ الدَّارِ فِي الشَّارِعِ لَهَا حَرِيمٌ كَلَامٌ، وَقَدْ صَرَّحَ الْبَنْدَنِيجِيُّ بِمَنْعِ بِنَاءِ الدِّكَّةِ عَلَى بَابِ الدَّارِ، وَالدِّكَكُ إنَّمَا تُبْنَى غَالِبًا فِي أَفَنِيَّةِ الدُّورِ لَا عَلَى أَبْوَابِهَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الدِّكَّةِ الْعَالِيَةِ وَغَيْرِهَا، وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّيْخَيْنِ ذَكَرَا فِي الْجِنَايَاتِ أَنَّ لِإِقْطَاعِ الْإِمَامِ مَدْخَلًا فِي الشَّوَارِعِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَقْطَعِ أَنْ يُبْنَى فِيهِ وَيَتَمَلَّكَهُ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ إطْلَاقِهِمَا كَغَيْرِهِمَا الْمَنْعُ مِنْ بِنَاءِ الدِّكَّةِ، وَيَنْبَغِي حَمْلُ مَا فِي الْجِنَايَاتِ عَلَى مَا زَادَ مِنْ الشَّارِعِ عَلَى الْمَوْضِعِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ لِلطُّرُوقِ وَمَا هُنَا عَلَى بِنَاءِ الدِّكَّةِ فِي الْمَوْضِعِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ لَا فِيمَا زَادَ عَلَيْهِ أَوْ فِيمَا زَادَ بِغَيْرِ إذْنٍ أَوْ إقْطَاعٍ مِنْ الْإِمَامِ فَيَكُونُ إقْطَاعُ الْإِمَامِ فِيمَا زَادَ رَافِعًا لِلْمَنْعِ فِيهِ أب قَالَ شَيْخُنَا: حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِأَصْلِهِ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ أَنَّهُ إنْ أَقْطَعَهُ لِلِارْتِفَاقِ وَبِلَا عِوَضٍ جَازَ أَوْ بِعِوَضٍ أَوْ لِلتَّمَلُّكِ امْتَنَعَ، وَإِنْ زَادَ عَلَى حَاجَةِ الطُّرُوقِ وَيُمْكِنُ حَمْلُ مَا فِي الْجِنَايَاتِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ، وَإِلَّا فَهُوَ ضَعِيفٌ.
(قَوْلُهُ: قُلْت: الْمُعَامَلَةُ لَا تَدُومُ إلَخْ) فَرَّقَ فِي الْمَطْلَبِ بِفَرْقَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّ إشْرَاعَ الْجَنَاحِ إنَّمَا يَكُونُ بِطَرِيقِ التَّبَعِ لِاسْتِحْقَاقِ
ضَرُورِيٌّ فَاعْتُبِرَ الْإِعْرَاضُ بِخِلَافِ مَا هُنَا فَاعْتُبِرَ الِانْهِدَامُ نَعَمْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ بَنَى دَارًا فِي مَوَاتٍ وَأَخْرَجَ لَهَا جَنَاحًا ثُمَّ بَنَى آخَرُ دَارًا تُحَاذِيهِ وَاسْتَمَرَّ الشَّارِعُ فَإِنَّ حَقَّ الْأَوَّلِ يَسْتَمِرُّ، وَإِنْ انْهَدَمَ جَنَاحُهُ فَلَيْسَ لِجَارِهِ أَنْ يُخْرِجَ جَنَاحَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ لِسَبْقِ حَقِّهِ بِالْأَحْيَاءِ (وَلَهُ إخْرَاجُ جَنَاحٍ تَحْتَ جَنَاحِ صَاحِبِهِ) إذْ لَا ضَرَرَ (أَوْ فَوْقَهُ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِالْمَارِّ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى جَنَاحِ صَاحِبِهِ (أَوْ مُقَابِلِهِ إنْ لَمْ يَبْطُلْ انْتِفَاعُهُ) أَيْ انْتِفَاعُ صَاحِبِهِ (وَمَنْ سَبَقَ إلَى أَكْثَرِ الْهَوَاءِ) بِأَنْ أَخَذَ أَكْثَرَ هَوَاءِ الطَّرِيقِ (لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ مَنْعُهُ) بِأَنْ يُطَالِبَهُ بِتَقْصِيرِ جَنَاحِهِ وَرَدِّهِ إلَى نِصْفِ الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ سَبَقَ إلَيْهِ، وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ.
(فَرْعٌ الطَّرِيقُ مَا جُعِلَ عِنْدَ إحْيَاءِ الْبَلَدِ أَوْ قَبْلَهُ) طَرِيقًا (أَوْ وَقَفَهُ الْمَالِكُ) وَلَوْ بِغَيْرِ إحْيَاءٍ كَذَلِكَ وَصَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ نَقْلًا عَنْ الْإِمَامِ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ فِي ذَلِكَ إلَى لَفْظٍ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَمَحَلُّهُ فِيمَا عَدَا مِلْكَهُ أَمَّا فِيهِ فَلَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ يَصِيرُ بِهِ وَقْفًا عَلَى قَاعِدَةِ الْأَوْقَافِ، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ مَعَ وُضُوحِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ اهـ وَجَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فَاعْتِبَارُ اللَّفْظِ فِي الْأَخِيرَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ، وَأَمَّا ثِنْيَاتُ الطَّرِيقِ الَّتِي يَعْرِفُهَا الْخَوَاصُّ، وَيَسْلُكُونَهَا فَتَرَدَّدَ الْجُوَيْنِيُّ فِي أَنَّهَا تَصِيرُ طَرِيقًا بِذَلِكَ، أَوْ لَا حَكَاهُ عَنْهُ الْأَصْلُ، وَحَكَاهُ عَنْهُ أَيْضًا الْقَمُولِيُّ ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا تَصِيرُ طَرِيقًا بِذَلِكَ، وَيَجُوزُ إحْيَاؤُهَا، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْمَوَاتِ لَا يَخْلُو عَنْ ذَلِكَ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي هَذَا، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الطَّرِيقَ يَحْصُلُ بِمَا ذُكِرَ (فَحَيْثُ وَجَدْنَا طَرِيقًا اعْتَمَدْنَا) فِيهِ (الظَّاهِرَ) وَلَا نَلْتَفِتُ إلَى مُبْتَدَأٍ جَعَلَهُ طَرِيقًا (وَلْيُجْعَلْ) أَيْ الطَّرِيقُ (سَبْعَةَ أَذْرُعٍ إنْ اخْتَلَفُوا عِنْدَ الْإِحْيَاءِ فِي تَقْدِيرِهِ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِي الطَّرِيقِ أَنْ يُجْعَلَ عَرْضُهُ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ» قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلْأَذْرَعِيِّ: وَهَذَا التَّحْدِيدُ تَابَعَ فِيهِ النَّوَوِيُّ إفْتَاءَ ابْنِ الصَّلَاحِ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ اعْتِبَارُ قَدْرِ الْحَاجَةِ.
وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ عُرْفُ الْمَدِينَةِ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ أَمَّا إذَا اتَّفَقُوا عَلَى شَيْءٍ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُقَدَّرُ عَلَى الْأَوَّلِ بِالسَّبْعَةِ، وَإِنْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي أَقَلَّ مِنْهَا أَوْ أَكْثَرَ كَأَنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا ثَلَاثَةً، وَالْآخَرُ أَرْبَعَةً أَوْ أَحَدُهُمَا تِسْعَةً، وَالْآخَرُ عَشَرَةً، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُعْمَلَ بِمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ مَعْنًى (فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ) مِنْ سَبْعَةٍ أَوْ مِنْ قَدْرِ الْحَاجَةِ عَلَى مَا مَرَّ (لَمْ يُغَيِّرْ) أَيْ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْتَوْلِيَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ، وَإِنْ قَلَّ (وَيَجُوزُ إحْيَاءُ مَا حَوْلَهُ) مِنْ الْمَوَاتِ بِحَيْثُ لَا يَضُرُّ بِالْمَارِّ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَإِنْ كَانَتْ الطَّرِيقُ مِنْ أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ يُسَبِّلُهَا مَالِكُهَا فَتَقْدِيرُهَا إلَى خِيرَتِهِ وَالْأَفْضَلُ تَوْسِيعُهَا، وَعَنْهُ احْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: عِنْدَ الْإِحْيَاءِ (وَيُمْنَعُ الذِّمِّيُّ مِنْ إشْرَاعِ الْجَنَاحِ فِي شَارِعِ الْمُسْلِمِينَ) وَإِنْ جَازَ لَهُ اسْتِطْرَاقُهُ كَمَا يُمْنَعُ مِنْ إعْلَاءِ بِنَائِهِ عَلَى بِنَائِهِمْ، وَاسْتِطْرَاقُهُ لَهُ لَيْسَ عَلَى اسْتِحْقَاقِ مِلْكٍ بَلْ إمَّا بِطَرِيقِ التَّبَعِ لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ بِمَا بَذَلَهُ مِنْ الْجِزْيَةِ إذَا قُلْنَا: إنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ سُكْنَى الدَّارِ، قَالَهُ فِي الْمَطَالِبِ، وَقَضِيَّةُ مَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ الْإِشْرَاعِ فِي مَحَالِّهِمْ وَشَوَارِعِهِمْ الْمُخْتَصَّةِ بِهِمْ فِي دَارِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا فِي رَفْعِ الْبِنَاءِ وَهُوَ ظَاهِرٌ قَالَ الْجُرْجَانِيُّ وَغَيْرُهُ: وَلَا يَجُوزُ الْإِشْرَاعُ فِي هَوَاءِ الْمَسْجِدِ وَأَلْحَقَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ مَا قَرُبَ مِنْهُ كَمَدْرَسَةٍ وَرِبَاطٍ (وَيَهْدِمُ) وُجُوبًا الْجَنَاحَ (إنْ فَعَلَ) أَيْ إنْ فَعَلَهُ ذِمِّيٌّ أَوْ فَعَلَهُ غَيْرُهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَجُوزُ وَهَلْ يَخْتَصُّ هَدْمُهُ بِالْحَاكِمِ أَوْ لَا وَجْهَانِ حَكَاهُمَا فِي الْمَطْلَبِ وَقَالَ: الْأَشْبَهُ الْأَوَّلُ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ.
(فَصْلٌ الطَّرِيقُ غَيْرُ النَّافِذِ مِلْكُ مَنْ نَفِدَتْ أَبْوَابُهُمْ إلَيْهِ) لَا مَنْ لَاصَقَهُ جُدْرَانُهُمْ مِنْ غَيْرِ نُفُوذِ أَبْوَابِهِمْ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ أُولَئِكَ هُمْ الْمُسْتَحِقُّونَ لِلِانْتِفَاعِ فَهُمْ الْمُلَّاكُ دُونَ غَيْرِهِمْ لَا يُقَالُ: لَوْ كَانَ مِلْكُهُمْ لَمَا جَازَ لِغَيْرِهِمْ دُخُولُهُ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
الطُّرُوقِ، وَعِنْدَ السُّقُوطِ اسْتِحْقَاقُ الطُّرُوقِ ثَابِتٌ لِكُلٍّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَكَذَلِكَ مَنْ سَبَقَ كَانَ أَحَقَّ بِهِ مَا لَمْ يَعْرِضْ الثَّانِي أَنَّ مَقَاعِدَ الْأَسْوَاقِ اخْتِصَاصٌ بِالْأَرْضِ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تُمَلَّكَ بِالْإِحْيَاءِ قَصْدًا فَقَوِيَ الْحَقُّ وَلَمْ يُمْكِنْ تَمَلُّكُهُ لِتَعَلُّقِ الْحُقُوقِ بِهِ فَكَذَلِكَ ثَبَتَ اسْتِحْقَاقُهُ مَا دَامَ مُقِيمًا عَلَيْهِ، وَالِاخْتِصَاصُ بِالْهَوَاءِ اخْتِصَاصٌ بِمَا لَا يَقْبَلُ الْمِلْكَ فَضَعُفَ الْحَقُّ فِيهِ فَلِذَلِكَ زَالَ بِزَوَالِهِ أَيْ فَيَرْجِعُ مَعْنَاهُ إلَى أَنَّ الرَّوْشَنَ وَالْجَنَاحَ مُتَعَلِّقٌ بِالْهَوَاءِ لَا مَكَانَ لَهُ، وَلَا تَمَكُّنَ، وَمَقَاعِدُ الْأَسْوَاقِ لَهَا تَعَلُّقٌ بِالْأَرْضِ فَلَهَا مَكَانٌ وَتَمَكُّنٌ فس وَفَرَّقَ غَيْرُ صَاحِبِ الْمَطْلَبِ بِفَرْقٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ حَقَّ الْجَنَاحِ تَابِعٌ لِلْمِلْكِ لَا لِلْمُرُورِ وَلَا لِلشَّارِعِ، وَإِذَا سَبَقَ وَاحِدٌ وَأَخْرَجَ جَنَاحًا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ اسْتِحْقَاقٌ مُؤَبَّدٌ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى إبْطَالِ حَقِّ صَاحِبِهِ الْمُقَابِلِ لَهُ، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ اسْتِحْقَاقٌ مُؤَبَّدٌ فَإِذَا سَقَطَ جَنَاحُهُ كَانَ لِجَارِهِ أَنْ يُخْرِجَ جَنَاحَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ لَهُ الْآنَ وَأَمَّا مَقَاعِدُ الْأَسْوَاقِ فَالِاسْتِحْقَاقُ فِيهَا لَيْسَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْمِلْكِ بَلْ هُوَ دَائِرٌ عَلَى السَّبْقِ فَمَنْ سَبَقَ لَمْ يُعَارِضْهُ غَيْرُهُ فِي السَّبْقِ بِخِلَافِ الدَّارَيْنِ الْمُتَقَابِلَيْنِ فَإِنَّ الِاسْتِحْقَاقَ فِيهِمَا سَابِقٌ عَلَى السَّبْقِ إلَى وَضْعِ الْجَنَاحِ وَالْمِيزَابِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا بُنَيَّاتُ الطَّرِيقِ الَّتِي يَعْرِفُهَا الْخَوَاصُّ إلَخْ) قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَالْبُنَيَّاتُ بِالْمُثَلَّثَةِ الْمَضْمُومَةِ جَمْعُ بُنَيَّةٍ مُصَغَّرًا قَالَ فِي التَّوَسُّطِ: وَهَذَا التَّفْسِيرُ وَالضَّبْطُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ غَلَطٌ صَرِيحٌ وَتَحْرِيفٌ قَبِيحٌ وَالصَّوَابُ بُنَيَّاتُ الطَّرِيقِ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْمَضْمُومَةِ ثُمَّ النُّونُ جَمْعُ بُنَيَّةٍ مُصَغَّرًا، وَهِيَ الطَّرِيقُ الْخَفِيَّةُ فِي الْوَادِي اهـ وَفِي الصِّحَاحِ بُنَيَّاتُ الطَّرِيقِ هِيَ الطُّرُقُ الصِّغَارُ تَنْشَعِبُ مِنْ الْجَادَّةِ (قَوْلُهُ وَيُمْنَعُ الذِّمِّيُّ مِنْ إشْرَاعِ الْجَنَاحِ فِي شَارِعِ الْمُسْلِمِينَ) لَوْ اشْتَرَى الذِّمِّيُّ دَارًا لَهَا أَجْنِحَةٌ فَكَمَا لَوْ اشْتَرَى دَارًا عَالِيَةً عَلَى دُورِهِمْ (قَوْلُهُ كَمَا يُمْنَعُ مِنْ إعْلَاءِ بِنَائِهِ عَلَى بِنَائِهِمْ) وَأَفْتَيْت بِمَنْعِهِ مِنْ الْبُرُوزِ بِبَنَاتِهِ فِي الْبَحْرِ وَالْخُلْجَانِ وَنَحْوِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ قِيَاسًا عَلَى مَنْعِ الْإِعْلَاءِ وَالْجَنَاحِ وَلَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا ع وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَكَذَلِكَ يُمْنَعُونَ مِنْ حَفْرِ آبَارِ حُشُوشِهِمْ فِي أَفَنِيَّةِ دُورِهِمْ الَّتِي هِيَ بَيْنَ دُورِنَا؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَهْلِ الذَّمَّةِ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ جَازَ لَهُمْ سُلُوكُهُ (قَوْلُهُ: وَقَضِيَّةُ مَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ الْإِشْرَاعِ فِي مَحَالِّهِمْ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ قَالَ الْجُرْجَانِيُّ وَغَيْرُهُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ وَأَلْحَقَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ إلَخْ (قَوْلُهُ وَقَالَ الْأَشْبَهُ الْأَوَّلُ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ نَعَمْ لِكُلِّ أَحَدٍ مُطَالَبَتُهُ بِإِزَالَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ إزَالَةِ الْمُنْكَرِ قَالَهُ سُلَيْمٌ وَهُوَ صَحِيحٌ.