الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: السُنَّةُ والدكتور توفيق صدقي:
(*)
نشر الدكتور - توفيق صدقي - مقالين في مجلة " المنار "(1) تحت عنوان (الإسلام هو القرآن وحده) وأتى من الفلسفة العجيبة وقَرَّرَ هدم دعامة من دعائم الدين وادَّعَى اكتفاء الاستنباط من القرآن الكريم وحده وزعم أنَّ السُنَّة كانت خاصة بمن كان في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وأنها لو كانت عامة لجميع البشر لبذلوا الوسع في ضبطها ولتسابقوا في نشرها بين العالمين ولما وجد بينم مُتَوَانٍ وَمُتَكَاسِلٍ أو مُثَبِّطٍ لهم.
قلنا: إنَّ عدم كتابة شيء من الحديث في عهده - صلى الله عليه وسلم لا يفيد التلاعب والفساد - كما زعم - بل ربما كان عدم الكتابة مما يبالغ في النفس في تأكيد صحة أسانيد السُنَّة إذ رواية الحديث الواحد بطرق متعددة وبأسانيد مختلفة مع حفظ متنه أكبر مدفع لدعوى التلاعب والفساد.
هذا إذا سَلَّمْنَا هذه الدعوى فكيف وقد ثبت ما يفيد كتابة الأحاديث في عهده صلى الله عليه وسلم وأنه أذن في ذلك، كما سيأتي:
(*) طبيب مصري ليس من أهل الاختصاص بالعلوم الشرعية، توفي عام 1920 م.
(1)
في العددين (7، 12) من السَنَةِ التاسعة.
(2)
" مجلة المنار ": 9/ 703.
من ذلك ما رواه أحمد (1) عن عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قُلْنَا: «يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا نَسْمَعُ مِنْكَ أَحَادِيثَ لَا نَحْفَظُهَا، أَفَلَا نَكْتُبُهَا؟ قَالَ: " بَلَى، فَاكْتُبُوهَا "» .
وَعَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، «أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَكْتُبَ مَا يَسْمَعُ مِنْ حَدِيثِهِ فَأَذِنَ لَهُ» (2).
وقد صَحَّ عن أبي هريرة قوله: «مَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَدٌ أَكْثَرُ مِنِّي حَدِيثًا عَنْهُ إِلَاّ مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ ، وَلَا أَكْتُبُ» (3).
يقول: «عدم إرادة النبي صلى الله عليه وسلم لأن يبلغ عنه للعالمين شيء بالكتابة سوى القرآن المتكفل بحفظه في قوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9].
ولو كان غير القرآن ضروريًا في الدين لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتقييده كتابة ولتكفَّل الله بحفظه ولما جاز لأحد روايته على حسب ما أداه إليه فهمه (4).
قلنا: هذه الدعوى غير مسلمة - ولو سلَّمنا جدلاً لما انتجت النتيجة - التي يريدها - وهي أنه لم يرد أنْ يبلغ عنه شيء أصلاً سوى القرآن، لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أرسل كثيرًا من الرسل إلى الجهات المختلفة ولم يثبت أنه كان يقتطع لهم من صحف الكتاب ما يكون الحُجَّة في دعوتهم إلى الإسلام.
(1)" مسند أحمد ": 2/ 215.
(2)
" تقييد العلم ": ص 75.
(3)
رواه البخاري في " صحيحه ": 1/ 206. " سنن الدارمي ": 1/ 125. " مسند أحمد ": 2/ 248.
(4)
" مجلة المنار ": 9/ 203.
على أنَّ أصل وظيفة النبي صلى الله عليه وسلم إنما هي التبليغ {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ} (1)، وقد قال:«أَلَا فَلْيُبْلِغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ» وذلك غير مخصوص بالكتاب بل بكل ما سمع منه قرآنًا كان أو سُنَّةً وقد قال تخصيصًا لهذه: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ» .
وقال ابن حزم رحمه الله «ونسأل قائل هذا القول الفاسد في أي قرآن وجد أَنَّ الظهر أربع ركعات وأَنَّ المغرب ثلاث ركعات وأَنَّ الركوع على صفة كذا والسجود على صفة كذا وصفة القراءة فيها والسلام وبيان ما يجتنب في الصوم وبيان كيفية زكاة الذهب والفضة والغنم والإبل والبقر
…
وأحكام الحدود وصفة وقوع الطلاق وأحكام البيوع وبيان الربا والأقضية والتداعي والإيمان والأحباس والعمرى والصدقات وسائر أنواع الفقه وإنما في القرآن جمل لو تركنا وإياها لم نَدْرِ كيف نعمل فيها وإنما المرجوع إليه في كل ذلك النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك الإجماع إنما هو على مسائل يسيرة قد جمعناها كلها في كتاب واحد وهو المرسوم بكتاب المراتب فمن أراد الوقوف عليها فليطلبها هنالك فلا بد من الرجوع إلى الحديث ضرورة، ولو أنَّ امرءًا قال: لا نأخذ إلَاّ ما وجدنا في القرآن لكان كافرا بإجماع الأمة ولكان لا يلزمه إِلَاّ ركعة ما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل وأخرى عند الفجر لأنَّ ذلك هو
(1)[آل عمران: 20]، [الرعد: 40]، [النحل: 82].
(2)
" السُنَّة ومكانتها في التشريع الإسلامي ": ص 165.
أقل ما يقع عليه اسم صلاة ولا حد للأكثر في ذلك وقائل هذا كافر مشرك حلال الدم والمال وإنما ذهب إلى هذا بعض غالية الرافضة مِمَّنْ قد اجتمعت الأُمَّةُ على كفرهم» (1).
فقد ذكرنا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتابته وإذنه بذلك وأنه قد تكفَّل بحفظه ولم يُجَوِّزْ لأحد روايته على حسب ما أداه إليه فهمه وسيأتي مزيد إيضاحه في باب (اعتراضات منكري السُنَّة).
هذا وقد ذكر الدكتور السباعي أنَّ الدكتور توفيق صدقي قد رجع عن آرائه في آخر عمره.
(1)" الأحكام " لابن حزم: 2/ 79، 80.
(2)
وقد رد على مزاعمه هذه وغيرها كل من الأساتذة الشيخ طه البشري والسيد رشيد رضا والدكتور مصطفى السباعي.