الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث:
3 -
عن ابن عمر قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَبْقَى عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ بَعْدَ مِائَةِ سَنَةٍ نَفْسٌ مَنْفُوسَةٌ» (1).
النقد:
هذا الحديث من الأحاديث التي زعم مؤلف " فجر الإسلام " أَنَّ الحوادث الزمنية والمشاهد التجريبية تخالفه كما مر آنفًا في الحديث السابق.
الرد:
إِنَّ صاحب " فجر الإسلام " اقتصر على الجزء من الحديث الذي ذكره البخاري (2) «
…
فَإِنَّ رَأْسَ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ»، أما البخاري فعادته ما جرى عليه من تقطيع الحديث في أبواب متعددة، والمؤلف إنما حكم عليه بالوضع لمخالفته للحوادث التاريخية والمشاهد - على حسب زعمه - على الجزء من الحديث، فلو جمع الحديث من طرقه المختلفة وأبوابه المتعددة، ربما لم يخرج بهذه النتيجة المؤسفة. فقد روى الحديث
(1) رواه البخاري في (كتاب العلم): 1/ 211 عَنْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْعِشَاءَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ فَقَالَ: «أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ، فَإِنَّ رَأْسَ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَد» . وفي (باب مواقيت الصلاة) «
…
فَوَهِلَ النَّاسُ فِي مَقَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى مَا يَتَحَدَّثُونَ مِنْ هَذِهِ الأَحَادِيثِ عَنْ مِائَةِ سَنَةٍ، وَإِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:" لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ " يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّهَا تَخْرِمُ ذَلِكَ الْقَرْنَ. ورواه مسلم عن جابر بألفاظ متقاربة. وأبو داود في (الملاحم): 4/ 506 والترمذي في (الفتن): 6/ 525.
(2)
" فتح الباري ": 2/ 45.
من طرق متعددة فَسَّرَ بعضها بعضًا، فالمراد من الحديث أنه عند انقضاء مائة سَنَةٍ من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لن يبقى أحد مِمَّنْ كان موجودًا في عهده صلى الله عليه وسلم حين قال هذا النبأ.
وعلى كل حال فإنَّ الروايات الأخرى توضح هذه الرواية، قال النووي:«هَذِهِ الأَحَادِيثُ [قَدْ] فَسَّرَ بَعْضُهَا بَعْضًا وَفِيهَا عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ وَالمُرَادُ أَنَّ كُلَّ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ كَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ عَلَى الأَرْضِ لَا تَعِيشُ بَعْدَهَا أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ سَنَةٍ سَوَاءٌ قَلَّ أَمْرُهَا قَبْلَ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ وَلَيْسَ فِيهِ نَفْيُ عَيْشِ أَحَدٍ يُوجَدُ بَعْدَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ فَوْقَ مِائَةِ سَنَةٍ» (2).
ويرى الدكتور السباعي: أَنَّ بعض الصحابة «لَمْ يَفْطِنْ إِلَىَ تَقْيِيدِ الرَّسُولِ بِمَنْ هُوَ عَلَىَ ظَهْرِهَا - اليَوْمَ - فَظَنُّوهُ عَلَىَ إِطْلَاقِهِ وَأَنََّ الدُّنْيَا تَنْتَهِي بَعْدَ مِائَةِ سَنَةٍ، فَنَبَّهَهُمْ ابْنِ عُمَرَ إِلَىَ [القَيْدِ] فِي لَفْظِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَبَيَّنَ لَهُمْ المُرَادَ مِنْهُ» (3).
وقد استقصى العلماء من كان آخر الصحابة مَوْتًا فذكر الحافظ في " الفتح " أَنَّ أبا الطُفيل عامل بن واثلة آخر من مات من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وَأَنَّ وفاته كانت سَنَةَ مائة من الهجرة (4).
وكل ما في الأمر أَنَّ الرسول بَيَّنَ لأصحابه أنهم لن يعمروا كما عمر من
(1) انظر " تأويل مختلف الحديث ": ص 99.
(2)
" شرح النووي على مسلم ":16/ 90.
(3)
[" السُنَّة ومكانتها في التشريع الإسلام " للدكتور مصطفى السباعي: ص 279، الطبعة الثالثة - بيروت: 1402 هـ - 1982 م، المكتب الإسلامي: دمشق - سوريا، بيروت - لبنان].
(4)
" فتح الباري ": 2/ 75.
كان قبلهم من الأمم ولذلك عليهم أَنْ يَجِدُّوا في طاعتهم ويعملوا في دنياهم لآخرتهم وليس في هذا ما يخالف الحوادث الزمنية والمشاهدات التجريبية.
(1)" السُنَّة ومكانتها في التشريع الإسلام " للدكتور مصطفى السباعي: ص 281.
(2)
[المصدر السابق: ص 282].