الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَتَزَيَّ بِزِيِّ الإسلام ويتسربل بسربال علمائه .. ويقول: إنه تَخَرَّجَ من معاهد أقيمت للدراسة الإسلامية.
وهؤلاء نقول لهم: بدل أنْ تطعنوا بالجملة: خَصِّصُوا وادرسوا إنْ كنتم مخلصين وائتونا بمجموعة تقيمون الدليل فيها على عدم صدق النسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أما أنْ تلقوا القول على عواهنه وتثيرون الغبار في الجو كله .. فإنَّ ذلك يدل على فساد المقصد وسوء الطوية ويثبت أنكم لا تريدون للإسلام عزًا ولا لأحكامه تقريرًا وتثبيتًا (1).
سيد أحمد خان (2) وموقفه من السُنَّة النبوية:
سبق أنْ ذكرنا أنَّ نشأة أهل القرآن إنما كانت الثمرة الطبيعية للحركة التي بذر بذورها أعضاء حركة السيد أحمد خان وذكرنا أنَّ حركة السيد أحمد خان
(1) من مقال له في مجلة " حضارة الإسلام ": العدد 5 - السَنَة 8، ص 25.
(2)
هو سيد أحمد خان بن أحمد مير التقي بن عماد الحسيني، ولد في دهلي في بيت شرف وعِزٍّ في 17 أكتوبر 1817 م، بدأ دراسته بالقرآن الكريم ثم درس بعض كتب الفارسية والعربية، وفي 1838 م توفي والده وكانت وفاته نقطة تحول في حياته لانقطاع الراتب الذي كانت الأسرة تتقاضاه من الديوان المغولي، فاتصل بشركة الهند الشرقية للعمل بها فأعجب الإنجليز بذكائه فرقوه حتى أوصلوه إلى درجة مساعد القاضي في المحاكم الإنجليزية وبدأت حياته العملية بتصنيف الكتب وإصدار المجلات الثقافية والعلمية وانتهت بتأسيس المدارس والمعاهد وأخيرًا جامعة عليكره، ففي 1847 م أخرج كتابه الشهير " آثار الصناديد " في ذكر الآثار القديمة لمدينة دهلي، ومن آثاره العلمية " أسباب الثورة في الهند " و " خطبات أحمدية " و " تاريخ بجنور " و " تصحيح آثين أكبرى) وغيرها. هذا بالإضافة إلى ما كتبه في مجلة " تهذيب الأخلاق " التي جمعها الشيخ محمد إسماعيل ونشرها تحت اسم (مقالات سر سيد) كما أنَّ له تفسيرًا للقرآن الكريم وفيه التحامل الواضح لاستنباطات معينة من القرآن الكريم، وكانت وفاته 27 مارس 1898 م. اهـ. مُلَخَّصًا من " نزهة الخواطر ": 8/ 30 و " فرقة أهل القرآن ": ص 75.
كانت تقوم على أساس تقليد الحضارة الغربية وأسسها المادية وأنه لا بُدَّ للمسلمين إذا أرادوا الرقي والتقدم والازدهار أنْ يتخلَّوا عن مبادئ دينهم ونظم شريعتهم وأنْ يُقَلِّدُوا مستعمريهم في كل شؤون دينهم ودنياهم، فهذا طريق رُقِيِّهِمْ وتقدمهم.
وأما موقفه من السُنَّة فيتَّضح مما سجله بقلمه في العديد من كتبه وقد استغرقت بحوثه عن السُنَّة والأحكام الواردة عن طريقها الجزء الأكبر من مقالاته الدينية فبدأ بالتأويل في المغيبات الواردة عن طريقها مثل تأويله في تعريف الشيطان بأنه «القوى العدائية التي لا يملك الإنسان السيطرة عليها» (1).
ثم تقدم خطوة فأنكر الجزئيات من السُنَّة مثل إنكاره للسُنَّة الواردة في مماثلة الأراضين للسماوات في العدد، فقال:«إنَّ هذا التصور مما كان يقول به الجاهليون دون سواهم .. وبناء على لفظ {مِثْلَهُنَّ} في الآية (2) وضعت تلك الروايات كلها في هذا الباب والله ورسوله بريء منها» (3).
ومثل إنكاره للأمر الخارق للعادة، فما كان منه في القرآن نفاه على أنه لم يقع كَنَفْيِهِ إلقاء إبراهيم في النار وولادة عيسى عليه السلام من غير أب، وابتلاع الحوت ليونس عليه السلام (3) أو حمله على الاستعارات والمجازات، وما كان من الخرق في السُنَّةِ أنكره استنادًا إلى أنه مخالف للقوانين الطبيعية ولا يصح الخلف في القوانين الطبيعية البتة (3).
ثم تقدم خطوة فقال: «بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ظلت الروايات تتناقل على الألسنة إلى عهد التصنيف في الكتب المعتمدة، غير أننا لا نستطيع
(1)" فرقة أهل القرآن ": ص 77.
(2)
يشير إلى قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق: 12].
(3)
" فرقة أهل القرآن ": ص 78.
أن نغض الطرف عن الصورة التي دُوِّنَتْ بها كتب الأحاديث تلك التي كان مبناها روايات الذاكرة .. بينما البعد الزمني كفيل بمزج الزائد بها وإضافة الجديد إليها» (1).
وبناء على هذا جعل الأحكام المستنبطة من السُنَّة بوجه عام أحكامًا لا يجب على المسلم اتِّبَاعَهَا «وأنَّ ما استخرج العلماء من نصوصها الحالية إنما هي أحكام اجتهادية لا نَصِّيَةَ فيها ولا حتمية لاحتمال ألَاّ يكون ذلك مقصوده عليه السلام» (3).
ثم خطا خطوة أخرى إلى الأمام فعاتب المحدثين والسلف مُحَمِّلاً إياهم التقصير في عدم تمحيص متون السُنَّة مثل السند فقال: «وإنا لنشكر المحدثين جهودهم المبذولة في هذا الشأن غير أنَّ جُلَّ مساعيهم بل كلها لم تتجاوز توثيق الرُواة وعدمه بينما أولئك الرُواة قد مضى على وفاتهم زمن طويل ثم أعقب ذلك دور التحقيق عنهم بحيث يكون هو العمدة في قبول الحديث ورده، فإنْ لم يكن هذا العمل مستحيلاً فلا يخلو أنْ يكون أمرًا في غاية الصعوبة» (4).
كما قال أحمد أمين في " ضُحَى الإسلام "(5).
وفي نهاية المطاف حاول أنْ يُجْهِزَ على السُنَّة بوضعه الشروط التي يَتَعذَّرُ توفرها في أغلب الأحاديث فقال: «والمعيار السليم لقبولها هو أنْ ينظر إلى المروي بمنظار القرآن، فما وافقه أخذناه ولما لم يوفقه نبذناه
…
وإنْ نُسِبَ شَيْءٌ من ذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فيجب أن يتوفر فيه ثلاثة شروط.
(1)، (2)، (3)، (4) " فرقة أهل القرآن ": ص 79.
(5)
" ضُحى الإسلام " لأحمد أمين: 2/ 130.
1 -
أَنْ يكون الحديث المروي قول الرسول بالجزم واليقين.
2 -
أَنْ توجد شهادة تثبت أنَّ الكلمات التي أتى بها الراوي هي الكلمات النبوية بعينها.
3 -
أَلَاّ يكون للكلمات التي أتى بها الرُواة معان سوى ما ذكرها الشُرَّاحُ. فإن اختلف أحد هذه الشروط الثلاثة لم يصح نسبة القول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو إنه حديث من أحاديثه» (1).
وهذه الشروط لا تتوفر إلَاّ في المتواتر اللفظي دون سائر السُنَّة الصحيحة المتواترة تواترًا معنويًا أو السُنَّة الآحادية التي عليها مدار الأحكام الشرعية عند المسلمين، إذًا فمعنى هذا نبذ السُنَّة كمصدر تشريعي للدين الحنيف.
ويعلم من هذا أنَّ المؤلف باشتراط هذه الشروط يريد أنْ يتوصَّل تدريجيًا إلى إنكار السُنَّة وَحُجِيَّتُهَا وأنْ يُجْهِزَ عليها كليًا لأنَّ هذه الشروط يتعذَّرُ توفرها في أغلب الأحاديث. ولا غرابة منه هذا فقد أنكر الجنة والنار والملائكة وكثيرًا من أمور الآخرة التي تواترت النصوص على ثبوتها ووجودها.